محمد الغريب يكتب: فتنة بني اسرائيل
تاريخ النشر: 31st, October 2023 GMT
وَاهمٌ من يظن أن المعاناة تولد أملًا فقط، أو تخلق عزمًا، أو تصنع رجالًا، فلقد اعتاد المرء أن يعيش كبَدٍ فوق كَبد، فقد تُرك لتيارٍ جارف، أمواج ورياح عاتية، فُرش طريقه بأشواك دون ورد، وطأت أقدامه الحفر والمستنقعات دون كوكب ثلثيه الماء الطهور والأنهار، حتى بات أقصى أمانيه الرحيل الآمن.
نفذت طاقتي في الاستمرار، عقم تفكيري عن النظر إلى نصف الكوب مليئه أم فارغه، تشابهت بل تساوت عندي الحياة مع الموت مع تغليب الكفة للأخير، تملكني اليأس، ذهبت عني روح المقاومة والتفاؤل، لم أعد أنشد شيئا من الدنيا.
لم تبق لي فرصة أن أواصل السعي مع ما يشاع من إمكانية الوصول، حالة من التخبط والترنح والتيه تغلب الأمل والتفاؤل، لم يذهب عني اليقين ولن يفارق موقعه من القلب، إلا أن النهايات دائمًا ما ترجح أنه وإن ذهبت عني المعاناة بمرارتها إلا أنها لا تطفئ أو تميت من قلبي أمورًا لربما بقيت إلى ما بعد التسعين.
شبابٌ شاخت أعماقه وإن حاول الادعاء، زمان تجري عقاربه كجريان مياه الطوفان، السيل، بل أحيان أخرى كعواصف تتجاذبها دوامات أعاصير لا تعرف معانٍ للتقدم أو العودة، أمر قد يتصوره البعض يأسًا -حاشا أن يكون ذلك – إلا أنه منطقية التعاطي مع المقدمات قبل رؤية النتائج.
أحداث اختلطت فيها الموازين لتنقلب رأسًا على عقب، أرض بات مُغتصبها صاحبًا للحق والأجدر بالدعم والأظهر في زمن الصمت، أضحى البلطجي مُرشدًا للقوم، متزعمًا بل رسولًا للسلم، وقتٌ خارت فيه السواعد، حارت أمامه العقول، فارقته الطمأنينة عن القلوب، إلا أنه وسط هذا وذاك لم تفارقني تلك الآية:" يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" يوسف (87)
أقف أمامها مذهولًا كيف لأبٍ عاش حالة من ألم الفقد، وتجرع قسوة الفراق حتى أبيضت عيناه من شدة الحزن على ابنه أن يطالب من أفقده إياه وتسبب في معاناته ألا ييأسوا في البحث عنه، وليست معاناة واحدة بل ضاعفها هؤلاء العصبة في نجليه ولم يصيبهم أي شعور بالذنب عما فعلوه بشقيق الدم واللحم، وما سببوه بأحد أسباب الوجود.
إلا أن لتدابير وحكمة الله تعالى بأن جعل لعودة يوسف وأخيه، هي ذاتها على يد من أخطأها في الماضي، فلا تيأسوا فعودة الأرض المغصوبة بات وشيكًا بل إن وعد الله حق فلا تخار عزيمتكم ولا يدخلن الحزن بابًا لليأس في قلوبكم وإن كثر الشهداء فهم مصابيح الدنيا والآخرة، فصدق القائل جل في علاه حين قال:" إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ" هود (81)، وصدق الحبيب صلى الله عليه وسلم في قوله:" إن الدنيا حلوة خَضِرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".
ختامًا رجائي من كل مسلم أن يجعل اليقين بمراد الله فيهم أقرب فقد حذرهم جل وعلا وكتب لنا من البشرى والآيات والوعيد فيهم ما تقر به الأعين، فقال سبحانه: "سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ۗ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (211) البقرة، وأيضا: "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) المائدة.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
محمد مغربي يكتب: ما الفرق بين ChatGPT وDeepseek V3 الصيني؟
صحيح أننا لن نطلق رصاصاً ولن نسيطر على العالم عسكرياً، لن يكون لنا قواعد فى أى دولة ولن ندخل فى عداء مع أحد، حتى الوساطات ستكون على استحياء وفيما يخص أمننا القومى فقط، كانت تلك هى القاعدة التى وضعها ماو تسى تونغ، رئيس الصين السابق، والقائد التاريخى للحزب الشيوعى الحاكم، ومؤسس نهضة التنين الأصفر، لكن تلك القاعدة كانت تُكملها قاعدة أخرى وهى السيطرة على العالم اقتصادياً، وببساطة لن نترك دولة تهيمن على هذه السوق بالتحديد.
وبما أن قطاعات التكنولوجيا صارت هى الأكثر ربحية بحسب بيانات البنك الدولى، ومعياراً أساسياً لمدى تقدم أى دولة، تلك القاعدة أدركها الرئيس دونالد ترامب الذى تخلى عن الميادين وأوهام القوة العسكرية مقابل الدخول فى عداء علنى مع الصين، لأنها المهدد الأول لواشنطن فى هذا المجال الذى يعد الأشرس والأخطر فى السنين الماضية والمقبلة فى آن واحد.
لكن يبدو أن هذا لم يقلق الصين فى شىء، فحين ظهر من أمريكا أشهر منصات التواصل الاجتماعى مثل «فيس بوك» و«إنستجرام»، كانت بكين جاهزة بـ«تيك توك» الذى أضحى فى سنين قليلة من أقوى المنافسين، ويستخدمه مليار و800 مليون مستخدم بحسب بيانات 2024، ونتيجة هذا النجاح الساحق باتت الحرب علنية ورأينا قضايا ودعوات لحظر التطبيق فى عدة دول على رأسها أمريكا نفسها، تحت دعاوى أن التطبيق منصة لتسريب المعلومات واستخدامها بأشكال غير قانونية.
لكن مرة أخرى لم تكترث بكين بكل ذلك، وضربت بكل التهديدات عرض الحائط، لتضع موطئ قدم لها فى مستقبل العالم الجديد، وهو موطئ قدم يكون لها فيه السيادة، واستمراراً لتلك الحالة وما إن ظهر الذكاء الاصطناعى كأحدث صيحات الثورة التكنولوجية فى الألفية الثانية.
وبات الصراع لم يعد على المنصات بل على الروبوتات حتى استعدت الصين جيداً لهذا، وكعادة حلقات الحرب، بدأتها أمريكا بـ«شات جى بى تى» الذى صار الأشهر فى هذا المجال، فخلال عامين فقط صار مستخدمو هذا الروبوت خلال عامين نحو 100 مليون مستخدم أسبوعياً.
أمام هذا التحدى، ومع أول ثوانى 2025، حيث يحتفل الناس بالعام الجديد، أعلنت شركة «Deepseek» الصينية إطلاقها نموذجاً يحمل اسم «Deepseek V3» بعد أن عمل فريق من الباحثين والمهندسين الصينيين على ابتكاره وزودوه بملايين البيانات النصية، ليصبح فى النهاية نموذجاً جاهزاً للمنافسة مع شات جى بى تى، وهو ما أحدث زلزالاً فى قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى إذ إن نموذج الشركة الصينية بات مهدداً قوياً لهيمنة عرش «open AI».
زاد من هذا الزلزال أن نموذج «Deepseek V3» الذى أصبح جاهزاً للإجابة عن الأسئلة فى ثوانٍ قليلة، بجانب قدرته على ابتكار الأكواد الرياضية، تم تصميمه أساساً لمعالجة القصور فى شات جى بى تى، وما ظهر من قدراته حتى الآن هو تمكنه القوى من تحليل المدخلات النصية مثل الترميز وكتابة المقالات وغيرها، بجانب القدرة على التنبؤ بالكلمات التى يبحث عنها المستخدم قبل كتابتها.
لكن هذا ليس الفرق الوحيد بين النموذجين لأن «Deepseek V3» انفرد بشىء آخر أكثر أهمية وغير متوفر فى شات جى بى تى، وهو أنه نموذج مزوج بلغة «المندرينية» وغيرها من اللغات التى تدعم اللهجات الآسيوية، وبالتالى هو يحرم من ناحية شات جى بى تى من هذه السوق الآسيوية البالغة مليارات البشر، إذ أصبحوا غير مضطرين أن يتعاملوا بلغة غير لغتهم، كما أنه يكسب نفس السوق ليكون طريقه إلى الهيمنة على آسيا بتعدادها الهائل.
لكن المميزات كلها لا تصب فى مصلحة «Deepseek V3»، إذ إنه نموذج خضع للرقابة، بمعنى أن هناك أجزاء من التاريخ تم عدم تزويده بها عمداً، مثل أنه يرفض الإجابة عن الأسئلة السياسية الشائكة، خاصة المتعلقة بتايوان أو مظاهرات ميدان «تيانانمين» التى وقعت فى الصين 1989، وهذا عكس شات جى بى تى الذى لا يخضع لأى مراقبة وبالتالى يتيح لمستخدميه المعلومات أكثر.
وبعيداً عن المنافسات والمميزات والمقارنات تبقى الحقيقة أن الصين أحدثت زلزالها بنموذجها الجديد الذى لن تقف «open AI» أمامه عاجزة، لنصبح على عتبة فصل جديد من الصراع الطويل الذى عنوانه من يسيطر على هذا العالم.