عَبَّرت جرائم الاحتلال الصهيوني على فلسطين وجرائم الإبادة الجماعيَّة على غزَّة وأهلها، والَّتي يمارسها على مرأى ومسمع من المُجتمع الدولي ومنظومة الأُمم المُتَّحدة ومجلس الأمن ومنظَّمات حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل وغيرها، عن وحشيَّة الاحتلال واغتصابه للأرض والإنسان، وهمجيَّة سلوكه، وتعرية مفهوم القِيَم والمبادئ والأخلاق الَّتي لَمْ يَعُد الحديث عَنْها في مذكّرات المواثيق والعهود والقرارات والقوانين الدوليَّة الصادرة من الأُمم المُتَّحدة ومجلس الأمن إلَّا ديباجة كلاميَّة ليس لها وزن ولا قِيمة، بل عمدت على تعريتها وإفراغها من محتواها القِيَمي لِتكُونَ مجرَّد عبارات لا تستخدم إلَّا لأغراض آنيَّة عِندما تحتاجها دوَل الاستعمار الغربي والولايات المُتَّحدة الأميركيَّة والكيان الصهيوني لأجندتها الشخصيَّة، وهيمنتها على دوَل الشرق الأوسط، وعكست جرائم هذا العدوان الصهيوني الغاشم على غزَّة وبتمويل مادِّي ومعنوي ولوجستي من الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة وبعض دوَل أوروبا في ظلِّ غياب مخجل للحضور العربي والإسلامي في الدِّفاع عن القضيَّة الفلسطينيَّة قولًا وعملًا ـ عكست حالة السقوط الأخلاقي الَّتي يعيشها العالَم، والنفوق القِيَمي الَّذي غابت خلاله كُلُّ المشتركات الإنسانيَّة، وبيعت المبادئ والأخلاق في مساومات علنيَّة بَيْنَ الحكَّام في ظلِّ تهديد استفزازي من الغطرسة الأميركيَّة بتغييرهم من مواقعهم إن كانت لأحَدهم بنت شفة أو حديث داعم للمقاومة، وتلاشت الضمائر الحيَّة من إنسانيَّتها، لِتثبتَ حقيقة إفلاس العالَم قِيَميًّا وتعرية المنظومات الدوليَّة من لباس القِيَم والأخلاق والإنسانيَّة، فلا إنسانيَّة تُذكر، ولا قِيَم تؤثِّر، ولا أخلاق تستنطق، تلك هي شريعة الغاب الَّتي يمارس فيها الأقوياء سُلطة قوَّتهم العسكريَّة والماليَّة على المستضعَفين، لغة استعماريَّة استفزازيَّة استيطانيَّة باتَتْ تفرض واقعًا جديدًا يقوم على تركيع دوَل العالَم الثالث وإرغامها على القَبول بالمُخطَّط الأميركي الصهيوني في المنطقة وسحب مسار القضيَّة الفلسطينيَّة أو حتَّى الحديث عَنْها من ألسنة قادة الدوَل وأقوالهم، ناهيك عن أفعالهم، لِتظلَّ اجتماعات القادة العرب في حلقة مفرغة وأحاديث عابرة يسودُها السَّبُّ والشَّتمُ والخلاف ورفع الأصوات والنّكت والضحكات، ونهايتها أن لا وفاق بَيْنَهم ضدَّ المحتلِّ، ولا كلمة فصلٍ أمام الإجرام الأميركي الصهيوني الغاشم، واقع مأساوي تعيشه الأُمَّة العربيَّة والإسلاميَّة ويفرضه حكماء صهيون ومَن ساندهم في جعل المنظومات الدوليَّة تتحدث باسمهم وتحت زعامتهم وتحتكم خلالها إلى قوانين الذَّات والفردانيَّة والسُّلطويَّة والانتقام والثأر، الَّتي هي لغة الامبرياليَّة الأميركيَّة.

الحاقدة والمتعطِّشة لدماء الأبرياء من الأطفال والنِّساء والصغار والكبار والعجزة والمستضعَفين، والسَّاعية لِنَشرِ الكراهيَّات والأحقاد والفِتن بَيْنَ شعوب المنطقة.
لقَدْ أدار العالَم ظهره أمام وحشيَّة الاحتلال الصهيوني وجبروته، مطلقًا رصاصة النهاية والموت لكُلِّ النظريات الَّتي يتحدث عَنْها مجلس الأمن وهيئة الأُمم المُتَّحدة، ومنظَّماتها المعنيَّة بالتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) واليونيسف، وحقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة والعدل الدوليَّة والجنايات الدوليَّة وغيرها ممَّا باتَ مجرَّد صيحات وأبواق كلاميَّة وظواهر صوتيَّة، ففي الوقت الَّذي يفترض أن تقومَ فيه هذه المنظَّمات مع العدل والحقِّ والمساواة ورفع الظلم ومنع كُلِّ أشكال القتل والدَّمار الَّتي استهدفت الأطفال والنِّساء والكبار والصغار ولحقت بمؤسَّسات التعليم والصحَّة والمستشفيات ومراكز الإيواء، وطالت البنية الأساسيَّة فمنعت عن أهلِ غزَّة الماء والطعام والدواء، ظلَّت تشاهد الحالة ببرودة أعصاب ودُونَ أن تكُونَ لها كلمة، بَيْنَما هي مَنْ تتحدَّث عن حقائق الظلم والاستبداد والقتل والفقر والجهل والأُمِّيَّة والطفولة والمرأة والعجزة والفئات الخاصَّة في تقاريرها الدَّوْريَّة عِندما يكُونُ الحديث عن دوَل الشرق الأوسط وبالتحديد الدوَل العربيَّة والإسلاميَّة، ممارسة باتَتْ تُظهر تسييس هذه المنظَّمات لصالح العدوِّ الصهيوني والامبرياليَّة الأميركيَّة، واشتراكها في هذه المجازر الوحشيَّة وإفراغها من كُلِّ القِيَم الإنسانيَّة النبيلة لِتظلَّ ما تتحدث به أهدافها ظواهر كلاميَّة ليس لها من التطبيق أيُّ حضور، كما أسقطت كُلَّ الأعراف والتقاليد والأخلاق والدبلوماسيَّة، ووسَّعت من وحشيَّة الاحتلال وإجرامه وشرعنتها لهذه التصرفات الرعناء، ووجَّهت الإعلام لصالح أجندتها فصنعت مِنْه مساحة للكذب والافتراء، وأسقطت كُلَّ المعادلات الَّتي يتبجح بها الغرب بشأن الديمقراطيَّة الكاذبة والحُرِّيَّات المزعومة أو أحاديثه عن السَّلام والتعايش والحوار والتواصل والوئام، لِيثبتَ في حقائق فعله تسييس العلاقات الدوليَّة والتدخل في شؤون الغير، وفرض الوصاية على السِّيادة الوطنيَّة للبُلدان بالقوَّة.
لقَدْ أفصح واقع الإجرام الصهيوني الأميركي على غزَّة عن نزول إلى دركات القبح والجهالة، والبَغي والظلم، وأسدل الستار على كُلِّ ذرَّة إنسانيَّة أو ضمير أو شعور بالإنسانيَّة أو أخلاق تلتصق بالإنسان، فلا فَرق بَيْنَ تصرُّفاتهم وبَيْنَ سلوك الوحوش في شريعة الغاب، بل هُمْ أظلم وأطغى، وفي ظلِّ عالَم هانَتْ عَلَيْه هذه المشاهد الوحشيَّة الإجراميَّة الَّتي لحقت بأطفال فلسطين وحرائرها، والغطاء الَّذي أحاطه به الغرب والشَّرق لِشرعنة الاحتلال الصهيوني وتماديه في غيِّه وظلاله وانحرافه في مواجهة أطفال رضَّع، وأيتام وأرامل وصغار وكبار سِن، في خروج عن كُلِّ مبدأ أو فضيلة أو إنسانيَّة لِيطغَى جبروت النَّفْس وحقد القَلْب وغلظته فوق كُلِّ فضيلة وإنسانيَّة؛ إنَّما هي نتاج لانحسار الأخلاق من المشهد العالَمي وانتفائها من أروقة السَّاسة والإعلاميِّين وصنَّاع القرار حتَّى بدت النتائج شاحبة تفتقر للموضوعيَّة والأمانة والمصداقيَّة، والتوجُّهات في أكثرها تتَّسم بالعقم والتبلُّد وعدم الوضوح، وتحمل في ذاتها الحماقات والعدوانيَّة والأفكار التسلطيَّة وتمجيد الأنا، وتفوح مِنْها رائحة المذهبيَّة، ونتن الكراهيَّات الَّتي تؤجِّج نار الفتنة وتثير لغة الاستعلاء والسيطرة والتحكُّم والتدخُّل في السِّياسات الداخليَّة للدوَل. فإنَّ واقع مَن يحدُث في غزَّة وعموم فلسطين من حرب همجيَّة، وتلذُّذ بدماء الأطفال والأبرياء وقتل وتنكيل وإبادة لتصوّر العُري الأخلاقي الدولي في أقبح صورة، وهو لعمري دَيْن وعارٌ يتحمَّل المُجتمع الدولي مسؤوليَّته أمام الله وأمام الشعوب المستضعَفة وأمام أبرياء فلسطين وأطفال غزَّة، بعجزه عن القيام بفعل على الأرض، ولَنْ تغفرَ دماء الفلسطينيِّين لكُلِّ مُجرِم حرب أو شارك في الإجرام، وشرعَنَه وزيَّنه وحسَّنه، لِتبقَى الأيَّام دوَلًا شاهدةً على جرائم الاحتلال الصهيوني، وخذلان العالَم وضعفه وعدم قدرته على الانفكاك من قبضة القطب الواحد وسيطرة الامبرياليَّة الأميركيَّة على العالَم في انتهاك صارخ لكُلِّ القواعد والمعايير الدوليَّة إن وُجدت فعلًا؛ لذلك كان السقوط القِيَمي الفاضح الَّذي يعيشه المُجتمع الدولي اليوم في حربه ضدَّ أطفال فلسطين، كارثة إنسانيَّة، ونفوقها من الضمير والشعور والإحساس والمبدأ جريمة تختزل كُلَّ معاني الإنسانيَّة، وتغييبها عن عالَم البَشَر، شرعَنة للإجرام الوحشي وتمديدًا لهذه الممارسات الهمجيَّة في حقِّ الإنسانيَّة، فإنَّ ما عَبَّرَت عَنْه سُلطة القوَّة والوحشيَّة والتدمير وإغراق فلسطين بدماء الأبرياء، وما يحصل من مجازر الاحتلال في غزَّة، شاهد إثبات على هذا الطغيان الآثم، ضاربةً بالصفح والتسامح والحوار والتصالح عرض الحائط، لِتعيشَ الإنسانيَّة على الرغم ممَّا تنعم فيه من خيرات وتقدُّم علمي وتكنولوجي في مجالات التقنيَّة والطِّب والهندسة والأحياء والعلوم والفضاء، حياة الرعب والخوف، وفقدان الثِّقة وضعف مبدأ الحوار.
وعَلَيه، وفي ظلِّ هذه الغوغائيَّة من الاندفاع والطيش والتسرُّع والحماقات الَّتي تُرتكب في حقِّ فلسطين وأهلِّ غزَّة وأطفالهم وبلادهم بما فيها من وحشيَّة وظلم وإجرام وانتهاك لحقوق الإنسان، وحالات الترويع والإرهاب والتجويع والحصار والقتل والتدمير الَّتي يقوم بها الاحتلال الصهيوني والامبرياليَّة الأميركيَّة، كان على العالَم المعتدل ـ إن كان فيه ذرَّة خُلُق أو شعور بالمسؤوليَّة ـ البحث في منظور القِيَم وإعادتها إلى حظيرة الاعتراف الدولي والتأسيس لها لِنَيْلِ الاستحقاق في إنهاء هذا العبث بالإنسان، في ظلِّ حياة تحتضنها القِيَم وتديرها الأخلاق وتبنِّيها المبادئ الراقية، في عودة الضمير الإنساني الحيِّ إلى دائرة الاهتمام واستحضاره في هذه الحرب العبثيَّة عَبْرَ الاهتمام بالقِيَم، منطلقًا لمراجعة سياساته وتصحيح ممارساته، ومنظومة عمله وطريقة تعامله مع أحداث غزَّة وغيرها، وقراءته للمفاهيم الَّتي ظلَّت مصاغة في ديباجة عمل مجلس الأمن والأُمم المُتَّحدة ومنظَّمات حقوق الإنسان وغيرها، في حين اختزلت وأفرغت من جوهرها القِيَمي والأخلاقي عِندما تعلَّق الأمْرُ بفلسطين أو بالعرب والمُسلِمين، فإنَّ على العالَم المخلِص وأصحاب المبادئ الرَّاقية والمشاعر الجيَّاشة من قادة هذه العالَم وحكامه وحكمائه ومثقَّفيه وغيرهم ممَّن يحملون قِيَم الإنسان وأخلاق الإنسانيَّة، في مراجعة مسؤوليَّاتهم التاريخيَّة والإنسانيَّة والأخلاقيَّة أمام هذه الشعوب المستضعَفة بتعظيم قِيَم التعاون والشراكة والمواطنة والحقوق والتعايش والحوار والسَّلام والوئام، وفي صياغة منظومة القرارات الدوليَّة، ومبادئ السِّلم والتعاون الدولي، لِتصبحَ محور عمل أجندتها الإعلاميَّة والتعليميَّة والسِّياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعية والتقنية، لِتظلَّ القِيَم منارات تصحيح لكُلِّ مسارات الإنسان وأخطائه وتحوُّلاته وأنماط سلوكه ومحدِّدات حياته، وإدارة الملفات العالقة بَيْنَ دوَل العالَم، وحالة الاحتقان الناتجة عن ازدواجيَّة السِّياسة الدوليَّة في التعامل مع العرب، فإنَّ إعادة تجديد نهضة القِيَم وصياغة عالَمها الجديد، مرهون بامتلاك العالَم لروح التغيير وحياة الضمير وغياب الأنانيَّة والفردانيَّة والذَّاتيَّة والسُّلطويَّة من قراراته وقناعاته لصالح المشترك القِيَمي والمؤتلف الإنساني، وقناعته بأنَّ هذه المشتركات القِيَميَّة والأخلاقيَّة والإنسانيَّة واستحضارها بكُلِّ مهنيَّة والتزام، الطريق الأمثل للعيش بسلام وأمان في عالَم مضطرب، متباين الأهداف، متغاير التوجُّهات، ولكنَّه يُمكِن أن يصنعَ اتفاقًا عالميًّا لِضمانِ نظام عالَمي أكثر عدلًا وإنصافًا وإيمانًا بالثوابت والحقوق واعترافًا بالإنسانيَّة. إنَّ العودة إلى الأخلاق والاعتراف بالقِيَم وتأصيلها في السلوك البَشَري والممارسة الدوليَّة والاحتفاظ بأحقيَّتها في رسم خريطة العمل في التعامل مع الأحداث والقضايا الدوليَّة هو الطريق الصحيح والمسار السليم في إنقاذ العالَم من ترهُّلاته، وتخليصه من أزماته وانتشاله من سقوطه، وإخراجه من حالة التراجع الَّتي يعيشها، والضعف والهوان الَّذي يرتديه، والعجز المستهجن في إحقاق الحقِّ والعدل والإنصاف، ورفع الظلم عن شَعب فلسطين الأعزل، والدِّفاع عن المستضعَفين في غزَّة، وإيقاف المجازر الوحشيَّة الَّتي يقوم بها الصهاينة المحتلُّون في مشهد ينافي الفطرة ويعَبِّر عن انحراف العالَم وسقوطه في دركات الخزي والعار، وتبقى القِيَم الإنسانيَّة الرَّاقية والأخلاق النَّبيلة، والإنسانيَّة العظيمة، سلاح القوَّة الكفيل بتحرير العالَم من سياسة القطب الواحد والهيمنة الأميركيَّة الصهيونيَّة وممارساتها الإجراميَّة والعبثيَّة المُخجلة في حقِّ الأطفال وأبناء غزَّة الشرفاء.

د.رجب بن علي العويسي
Rajab.2020@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الاحتلال الصهیونی ة الأمیرکی ة الاحتلال العال م الق ی م ة والس على غز

إقرأ أيضاً:

سوريا: استشهاد الإعلامية صفاء أحمد في العدوان الصهيوني على دمشق

الثورة نت /..

أعلنت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السورية،عن استشهاد الإعلامية صفاء أحمد في العدوان الصهيوني على دمشق.

وكان مصدر عسكري سوري قال في تصريح لوكالة الانباء السورية سانا: إنه “نحو الساعة 05: 2 فجر اليوم شن العدو الإسرائيلي عدواناً جوياً بالطيران الحربي والمسير من اتجاه الجولان السوري المحتل مستهدفاً عدداً من النقاط في مدينة دمشق”.

واستشهد على اثره ثلاثة مدنيين سوريين من بينهم الاعلامية صفا احمد واصيب تسعة آخرون بجروح .

مقالات مشابهة

  • الرئيس الفلسطيني يدعو المجتمع الدولي لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان
  • "ميقاتي" يدعو المجتمع الدولي إلى وقف عدوان الاحتلال على لبنان
  • “تل أبيب” تحت النار..اليمن يرتقي بعملياته في العمق الصهيوني
  • تظاهرات في شيكاغو الأمريكية ضد العدوان الصهيوني على لبنان وغزة
  • الحرس الثوري الإيراني: استهدفنا العمق الصهيوني انتقاما لدماء هنية ونصر الله ونيلفروشيان
  • الرئاسة الروسية تدين العدوان الصهيوني على دمشق
  • حصيلة العدوان الصهيوني على غزة تبلغ 41638 شهيداً و96460 جريحاً
  • سوريا: استشهاد الإعلامية صفاء أحمد في العدوان الصهيوني على دمشق
  • بوريل: الوضع الإنساني في لبنان يتدهور بسرعة وعدد النازحين بلغ نحو مليون شخص
  • الاحتلال يعلن اغتيال نضال عبد العال وعماد عودة قادة بمنظمة الجبهة الشعبية اللبنانية