شوقي علام: عملية الإفتاء صنعة تحتاج إلى تأهيل وتدريب
تاريخ النشر: 31st, October 2023 GMT
استقبل فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام – مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم- وفدًا ماليزيًّا رفيع المستوى من علماء دار الإفتاء بولاية "بينانج" الماليزية، يترأسه الدكتور وان سليم بن وان محمد نور -مفتي الولاية-، وذلك لبحث أوجه تعزيز التعاون الإفتائي بين دار الإفتاء المصرية ونظيرتها الماليزية.
واستعرض فضيلة المفتي خلال اللقاء المهامَّ التي تقوم بها إدارات الدار المختلفة من أجل تطوير العمل الإفتائي وضبط الفتوى وتقديم صحيح الدين للناس، والاعتماد على وسائل التكنولوجيا الحديثة، بهدف إثراء العمل الإفتائي ومواكبة التطورات الحادثة على مستوى العالم.
آليات عمل مرصد الفتاوى التكفيريةكما تناول اللقاء الحديثَ عن آليات عمل مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، كونه أداةً رصدية وبحثية هامة لخدمة المؤسسة الدينية باعتبارها المرجعية الإسلامية الأولى في مجال الفتوى، موضحًا أن هذا المرصد قد تم تطويره لِيُصبح مركز سلام لدراسات التطرف، وهو مركز بحثي وعلمي لإعداد الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية التي تكافح التطرف.
وأشار فضيلة المفتي إلى أن عملية الإفتاء صنعة تحتاج إلى تأهيل وتدريب بعد التحصيل الشرعي حتى يصبح الشخص مؤهلًا للجلوس للإفتاء، مؤكدًا أن الدار لديها مركزًا لتدريب وتأهيل المفتين من مختلف دول العالم على مهارات الإفتاء من خلال برامج تدريبية تمتد إلى ثلاث سنوات، وذلك من أجل تأهيل المفتين لكي يكون لديهم الملَكة العلمية لاستنباط الأحكام من النصوص الشرعية، وأن يكونوا مدركين للواقع المعاصر ومآلات الفتوى فيه، ويحرصوا على اللجوء إلى أهل الاختصاص في المجالات المختلفة.
كما تحدث المفتي خلال اللقاء عن المؤشر العالمي للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، ودَوره رصد وتحليل الفتاوى ومعرفة مستجدات الخطاب الإفتائي على مستوى العالم.
وأكد "علام" أن الفتوى الشرعيَّة النابعة عن فهمٍ صحيحٍ للنصوص وإدراكٍ حقيقيٍّ للواقع تمثِّل ركيزةً أساسيةً في مسيرة استقرار المجتمعات، مشيرًا إلى أن الدار أنشأت مؤخرًا مركزًا للاستشراف المستقبلي للفتوى، للبحث في مسائل الفتوى المستقبلية واستشرافها.
من جانبه، أثنى الوفد الماليزي على مجهودات فضيلة المفتي ودار الإفتاء المصرية على كافة الأصعدة وفي بيان صحيح الدين وضبط بوصلة الإفتاء، ليس في مصر وحدها بل في العالم أجمع.
وأشار إلى أن صناعة الفتوى تحتاج إلى مهارات كثيرة على الطالب أن يحصِّلها حتى يكون مؤهلًا للجلوس على كرسي الإفتاء وحتى يكون مدركًا للواقع ومحققًا لاستقرار المجتمع.
وأبدى الوفد تطلعه إلى الاستفادة من خبرات الدار وتعزيز التعاون الإفتائي خاصة في مجال تدريب المفتين من ماليزيا على مهارات الإفتاء ضمن البرامج التدريبية التي تطلقها الدار.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: مفتي الجمهورية دار الإفتاء الفتاوى
إقرأ أيضاً:
عباس شومان: الفتوى صناعة صعبة وخطرة.. وليس كل من تخرج في الأزهر قادر على الإفتاء
نظمت دار الإفتاء المصرية في جناحها بمعرض الكتاب ندوة علمية بعنوان "الفتوى والإعلام"، بمشاركة نخبة من العلماء والمفكرين البارزين.
شارك في الندوة كل من: الدكتور عباس شومان، أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، والدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الدينية، والدكتور رضا عبدالواحد أمين، عميد كلية الإعلام بجامعة الأزهر الشريف.
وفي مستهل الندوة قال الدكتور عباس شومان -أمين هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف: إن الفتوى مسألة وصناعة صعبة وخطرة، وقد تجرأ الكثير من الناس عليها وهم لا يدركون هذه الخطورة ويظنون أن مجال الإفتاء يمكن أن يقتحمه مجموعة من الناس.
وأضاف: الأزهر الشريف وهو المؤسسة التي لا تحتاج إلى تعريف أو بيان لما له من مكانة وقدسية من العالم كله، به تقريبًا مائة كلية بالإضافة إلى كثير من المعاهد المتخصصة، ومع ذلك فليس كل من تخرج في الأزهر الشريف قادر على الفتوى على خلاف ما يعتقد كثير من الناس، متسائلاً: ما بالكم بمن لم يدرس في الأزهر ولم يتلق العلوم الدينية والعلوم المتعلقة بالإفتاء؟!
موضحًا أنه لا يقصد بذلك أن أمر الفتوى مقصور على الأزهر الشريف وعلمائه، إلا أن علينا أن نتفق على أن الفتوى تخصص دقيق وصناعة صعبة لا يحسنها إلا العلماء الذين تبحروا في مجموعة من العلوم، مؤكدًا أن كثيرًا ممن يتصدون للإفتاء في الإعلام لا يعرفون ما يندرج تحت عنوان هذه العلوم، وكثير منهم لو سألته عن أصول الفقه والفرق بينه وبين قواعد الفقه ما استطاع الإجابة، ولكنه يستطيع ان يخطِئ حتى علماء السلف.
كما أوضح أن أئمة المذاهب ليسوا أنبياء ولا معصومين، ولكن قبل أن تتعرض لهم اثبت أن هذا العالم يخالف نصًّا قرآنيًّا أو حديثًا صحيحًا أو مصدرًا من المصادر المتفق على الأخذ منها، ومن ثم فالفتوى خطيرة ولها تأهيل خاص، والمؤهل الحقيقي في الفتوى يتمنى ألا يسأله أحد في مسألة من المسائل لخطورة الفتوى، ولذلك كان كبار رجال الصحابة يهربون من الإفتاء، والإمام "أبو حنيفة" يقول: "لولا الفزع من الله أن يضيع العلم ما كنت أفتيت"، وكل الأئمة كانوا يقولون: "قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب".
وحول فوضى الفتاوى التي نتجت عن انتشار وسائل الإعلام الرقمي وضوابط العملية الإفتائية، أكد الدكتور عباس شومان أن على من يتصدر لأمر الإفتاء الإحساس بخطورة الفتوى وسؤال النفس: "هل أنا مؤهل للإفتاء أم لا"، مشيرًا إلى قول الإمام مالك في هذا الشأن حينما قال: "ينبغي على من يجيب في مسألة أن يعرض نفسه على الجنة والنار ثم كيف الخلاص ثم يجيب"، والإمام مالك قد سئل في أربعين مسألة فأجاب عن أربع وقال في ست وثلاثين مسألة: لا أدري. كما أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سئل في مسائل فامتنع حتى نزل عليه الوحي.
وأكد أن غير المؤهل للإفتاء إن تصدر للإفتاء فهو يدفع بنفسه إلى جهنم وإن أصاب، مشيرًا إلى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قاضٍ في الجنة وقاضيين في النار، أما الذي في الجنة فهو رجل عرف الحق وقضى به، وأما اللذان في النار فرجل عرف الحق فقضى بغيره، ورجل قضى بين الناس على جهل فهو في النار، ومن ثم فلا بد من إدراك الخطورة والتأهل والاطمئنان لما يفتى به وبذلك تكون الفتوى مقبولة.
وفي ختام حديثه أكد الدكتور عباس شومان على الأهمية الكبرى للإعلام في مجال الفتوى لأنه الأسرع وصولاً للناس، موصيًا بضرورة تنظيم العملية الإفتائية من خلال البرامج الدينية، واختيار المؤهل ومن درس العلوم الشرعية المؤهلة للإفتاء وذلك من خلال برامج مسجلة.
في الإطار ذاته تحدث الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي –الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الدينية- عن أن الله سبحانه وتعالى علّم آدم الأسماء كلها لضبط المصطلحات وتحقيق الدقة في المعلومات، وهو أمر اعتمده الهدهد بفطرته النقية التي أودعها الله فيه.
وعند الحديث عن منهجية الفتوى وصناعتها، بيَّن أن هذه العملية تعتمد على اثني عشر علمًا تتفرع إلى أربعة علوم رئيسية. لذلك، يجب على المفتي أن يكون متخصصًا وواعيًا بالمذهبية.
وأشار إلى خطورة أن يتصدى غير المؤهلين للإفتاء، قائلاً إن من يفعل ذلك فهو على خطر عظيم، كأنه يغتصب منصب الألوهية؛ لأن المفتي هو الموقع عن الله، كما قال تعالى: “ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام”
وساق د. البيومي قصة عن أحد العلماء في العراق الذي كان يُحرَج من قول "لا أدري". فقال له الناس: "ألا تستحي من قول لا أدري؟" فرد قائلاً: "إن الملائكة لم تستحِ أن تقول: لا علم لنا".
وأكد على ضرورة إدراك المفتي لأهمية المدخلات الذاتية التي تمكنه من نقل العلم والفتوى بمسؤولية. وشدد على أن المستفتي أحيانًا يطلب الدليل رغم أنه قد لا يكون مؤهلاً لفهمه أو إسقاطه على الواقع.
وأشار إلى ثلاثية أساسية في صناعة الفتوى: الأول طلب الدليل، والثاني فهم الدليل، والثالث هو إسقاط الدليل على الواقع.
وأوضح أن هذه الخطوات تجعل من الفتوى صناعة محترمة تراعي عقل المفتي والمستفتي، مشيرًا إلى أن ليس كل ما يُعرف يقال، وليس كل ما يقال يصلح أن يُطرح على العامة. واستشهد بقول الله: "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين."
وختم د. البيومي بالإشارة إلى مراعاة ابن عباس لحال المستفتي عندما سُئل عن القتل من رجل أراد أن يهلك الحرث والنسل، حيث قدم إجابة تتناسب مع واقع السائل وظروفه.
من جهته قال الدكتور رضا عبد الواجد أمين -عميد كلية الإعلام بجامعة الأزهر- إن مسألة الفتوى والإعلام موضوع يؤرق الساحة الدينية لأننا نتحدث عن مشكلتين؛ الأولى خاصة بمن يتصدى للإفتاء، وفي ذلك نجد الكثير من غير المؤهلين، أما الثانية فتختص بظهور تلك الفتاوى بشكل مباشر على الرأي العام، فيتلقى أسئلة تحتاج الى أخذ ورد وتمحيص حتى يصوغ الفتيا بشكل دقيق، إلا أنه يتصدى لأمر الإفتاء دون أن يمر على كل تلك المراحل، مشيرًا إلى خطورة نقل وسائل الإعلام مثل هذه النوعية من البرامج والفتيا في اللقاءات المباشرة.
وتابع: إذا كانت مؤسسة الأزهر قد اقترحت أن تكون هناك قائمة لمن يتصدون للخطاب الديني، وهي قائمة الخمسين باعتبارهم مؤهلين لإنتاج الخطاب الدعوي، ولكن هؤلاء ليسوا بالضرورة مؤهلين ليقوموا بمهمة الإفتاء عن طريق البرامج المباشرة، ومن ثم فهناك بعض المسائل التي لا يصح أن يفتى فيها بالسماع، خاصة مسائل العلاقات الزوجية والأحوال الشخصية التي تتطلب أن يكون هناك جلوس للمفتي مع أطراف المسألة، لذلك لا بد أن يكون هناك قائمة أضيق تتصدى للإفتاء، مشيرًا إلى أن آفة السوشيال ميديا تكمن فيمن يرسلون ويفتون عبرها.
وأوضح الدكتور رضا بعد الواجد أن الإعلام الجديد أتاح نافذة لكل إنسان ليقول ما يشاء، ولكن هذا لا يجب معه ان نجعل الفتوى بهذه السهولة يتصدى لها المؤهل وغير المؤهل قائلاً: إن الفتوى صناعه ثقيلة، وعلى وسائل الإعلام وكذلك الجمهور دور كبير في الاعتماد على المؤسسات المتخصصة في الفتوى، والاعتماد على الفتوى المؤسسية التي تتميز بعلمائها الأجلاء المثقلين بالعلم والتخصص.
ولفت الدكتور رضا عبد الواحد النظر إلى الضوابط التي أقرها المجلس الأعلى للإعلام في الفتاوى التي تطرح على الهواء مباشرة، موضحًا أننا نشهد حالة عجيبة من التجرؤ على الدين والفتيا، والبعض عندهم هوس الشهرة ولو بالباطل، فتراه يطلق الأفكار الغريبة والشاذة ويقدمها للعامة على أنها من صميم الدين وأصل الدين، وذلك بغرض الشهرة.
في السياق ذاته تساءل الدكتور رضا إن الدين شيء غالٍ فلماذا يشتري البعض به ثمنًا بخسًا؟ موضحًا أنه ينبغي على وسائل الإعلام جميعها أن تعيد عملية إنتاج الخطاب الديني بشكل عام والرد على استفسارات الجماهير بشكل خاص، مشيرًا إلى أنه ضد برامج الإفتاء على الهواء لأن الكلمة إذا خرجت لا تعود فكيف يتسنى لأي شخص أن يصدر فتوى دون تحري الدقة فيها؟!
كما أكد أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تشكل خطرًا كبيرًا فيما يتعلق بالدين والفتوى، ولا يمكن للإنسان الاعتماد على هذه التقنيات في أمور دينه، داعيًا وسائل الإعلام إلى الحرص على إصدار الفتاوى فقط عن الأشخاص المؤهلين والممثلين للمؤسسات الدينية المتخصصة في هذا المجال، كما يجب الحرص على عدم تقديم الفتاوى من خلال برامج مباشرة حتى يكون لدي المفتي الفرصة لمراجعة آرائه بشكل دقيق، قائلاً: نعلم أن البرامج المباشرة تحقق مزيدًا من التفاعل والانتشار، لكننا نرفض استخدامها للإفتاء، إذ يمكن تخصيصها للإرشاد فقط، وليس للفتوى، فلا يجوز إصدار أحكام دينية بسرعة بناءً على طرف واحد أو معلومات غير مكتملة.
كذلك أكد على أن وسائل الإعلام تلعب دورًا كبيرًا في نشر الثقافة الدينية، لكن عندما يتعلق الأمر بالفتوى، يجب أن تكون البرامج مسجلة مسبقًا، كما يجب أن يكون الشخص الذي يطرح الفتوى على وسائل التواصل الاجتماعي مؤهلًا لذلك.
وفي ختام حديثه أوصى بالاعتماد على الفتاوى الصادرة عن المؤسسات الدينية المتخصصة، وعدم اللجوء إلى الفتوى الفردية في المسائل العامة، وأنه يجب أن نأخذ ديننا من علماء نثق بعلمهم ودينهم، ولا نضعه في يد تقنيات مثل شات جي بي تي أو الذكاء الاصطناعي، لأن هذه الوسائل قد تحتوي على معلومات دقيقة وأخرى مغلوطة، مناشدًا جميع المدونين والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي أن يتحلوا بتقوى الله سبحانه وتعالى فيما يقدمونه للجمهور.