عربي21:
2024-11-18@00:31:01 GMT

فلسطين الجامعة.. وما كشفته الحرب

تاريخ النشر: 31st, October 2023 GMT

تكشف الحرب المفتوحة على غزّة بمستوييها؛ الفلسطيني المُفتتح يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والمستمرّ قتالا وصمودا على طول الوقت، والثاني العدوان المنفلت من أيّ كابح، والمحمي من الغرب برأسه الأمريكي، والمدفوع بإحساس التفوق العنصري.. هذه الحرب تكشف عن الموقع الفريد للقضية الفلسطينية في الوعي العربيّ والإسلاميّ العام، بحيث لا يبعد القول إنّها القاسم المشترك الأوسع والأكثر عمقا بين العرب والمسلمين.



وهذا ما يمكن ملاحظته أولا من كون حضورها متجاوزا لجميع دواعي الاختلاف القومية والأيديولوجية والثقافية، فتحضر بالقدر نفسه في مجالي التنوّع الهائل في الأمّة، وتبدو كمن ينتشل جماهيرها من حال وينقلهم إلى آخر، وثانيا أنّها قادرة على مغالبة إرادة الطمس وقدرته، فتثبت أنّها بأهلها وإرادتهم قادرة على أن تَصدّ قوى نفيها، وتُبطِل سحر إخفائها، وتُثبت من جهة أخرى؛ فرادتها باستظهارها من عمق الأجيال العربية والإسلامية جيلا خلف جيل، حتّى تبدو غضّة طريّة كأنّها بدأت للتوّ، بينما هي حقّا تُطلّ برأسها من تحت ركام الطمس وغبار المؤامرة من بعد عقود من إلحاح التجهيل وجهود الإهمال والسعي لفصلها تماما عن وعي اللاحقين من أجيال العرب والمسلمين، على قاعدة "أنّ الكبار يموتون والصغار ينسون"، وهي المقولة التي نُسبت لبعض رؤوس مؤسسي الكيان وقُصِدت بها أجيال الفلسطينيين، ولكن بدا لاحقا أن الإرادة الاستعمارية وما لحقها من إرادة تخاذلية قد سعت لفرضها في المجال العربي والإسلامي.

تملك فلسطين هذه الطاقة الهائلة على جمع العرب والمسلمين، بالرغم من جبروت النفي الإسرائيلي والغربي، وما يتصل به من انحطاط أخلاقي عالمي، ويلحقه من تبعية التواطؤ العربي الرسمي؛ لتتضافر جميع عوامل الجمع والتقريب والصهر فيها، ابتداء من نصوع عدالتها بلا أيّ غبش، واتضاحها بلا أيّ التباس، وليجدُ فيها المؤمن تاليا ضالته قضية إحيائية بمجرّدها، فكيف وفيها أصلا كلّ ما يمكن التأسيس عليه لمقولة إسلامية جامعة لا تنحصر في مقدسات المسلمين التي فيها، ويجد فيها العروبيّ فرصته للعودة بالتبشير بوحدة الحال والجامع العربي
تملك فلسطين هذه الطاقة الهائلة على جمع العرب والمسلمين، بالرغم من جبروت النفي الإسرائيلي والغربي، وما يتصل به من انحطاط أخلاقي عالمي، ويلحقه من تبعية التواطؤ العربي الرسمي؛ لتتضافر جميع عوامل الجمع والتقريب والصهر فيها، ابتداء من نصوع عدالتها بلا أيّ غبش، واتضاحها بلا أيّ التباس، وليجدُ فيها المؤمن تاليا ضالته قضية إحيائية بمجرّدها، فكيف وفيها أصلا كلّ ما يمكن التأسيس عليه لمقولة إسلامية جامعة لا تنحصر في مقدسات المسلمين التي فيها، ويجد فيها العروبيّ فرصته للعودة بالتبشير بوحدة الحال والجامع العربي وإمكان التحقّق بذلك والإشارة للسرّ الاستعماري المتجسّد بـ"إسرائيل" المزروعة في القلب العربي، ويجد فيها حتى الوطني ضالّته للسؤال عن موقع دولته وموقف نظام الحكم فيها، ويختبر بها حقائق الدعاوى حينما يتبين هُزال نظام حكمه الذي غيّب دولته عن أيّ تأثير في أيّ هامش فيها. إنّها الجرح الكبير الممتدّ على ضمائر هؤلاء كلّهم، والسؤال الذي يمتحن الواجب ويحذر من الخيبة والعار الوقت كلّه ومهما تقادم الزمن.

هذه الاعتبارات المحرّكة والبواعث المُحيية والدواعي النهاضة، قابلة للتشابك في نموذج واحد تتعاظم فيه قدرة الصهر والبعث من جديد لهذه الأمّة، لتنشغل سياسات الحكم المتعاقبة على بلاد العرب والمسلمين في التخلّص من هذه القدرة التأثيرية لفلسطين، سواء بالشعارات التي تدفعها إلى الخلف بحيث لا تُرى، كشعارات الأولويات من قبيل "بلدنا أولا"، أو بالدعايات المُشوّهة للقضية وأهلها، حتى لم تكتف باتهام أهلها ببيع أرضهم لعدوّهم، وشيطنتهم وتنميطهم وتجسيد الرذائل والقبائح فيهم كوصفهم بالحقد ونكران الجميل وجعلهم سببا للفتن في بلاد العرب، بل وبتبنّي السرديات الصهيونية حول فلسطين والصراع فيها كما يُرى ذلك كثيرا في خطابات الموصوفين بالمتصهينين العرب، وفيما صار يُعرف بالذباب الإلكتروني الذي تُدار حملاته رسميّا وتوجّه مركزيّا من هذه الحكومة أو تلك، ثمّ بالسياسات التي ذهبت أقصى ما لم يتصوّره يوما المخيال العربي، بمدّ التطبيع إلى درجات التحالف والتخندق مع الإسرائيلي.

القضية التي تتّسم بحدّة كهذه في عدالتها بحيث لا تقبل التحريف والتدوير والتلاعب، وتملك عناصر الإحياء والتثوير والاستنهاض والجمع والتقريب والصهر هذه، لا بدّ وأن تكون امتحانا قاسيا للأخلاق والضمير والإرادة والقدرة، فإنّ العدالة الملتبسة وعناصر الإحياء الرخوة قابلة للتلاعب، ومن ثمّ تكون أضعف في التمحيص والامتحان
قضية هذا شأنها لا يمكن أن تُفعّل عناصر التأثير فيها إلا بأهلها، صمودا وقتالا، وقد تبيّن فيما مضى من تاريخ قريب؛ كيف أن جهد النفي للقضية وسعي الاجتثاث لعناصر التأثير التي فيها، قد بنى على الاختيارات المدمّرة لقيادة منظمة التحرير، فتبعت اتفاقية أوسلو أنماط متعدّدة الصيغ من الاقتراب العربي من "إسرائيل"، وارتفعت بذلك شعارات من قبيل "لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين"، وتغطّت سياسات التطبيع بسياسات التنسيق الأمني، ثمّ كيف سهّلت مصادرة القدرات النضالية للفلسطينيين وملاحقتها؛ ابتداء من الاتفاقيات المكبّلة وتاليا من هيمنة الاحتلال الحتمية على سلطة ناشئة في ظلّه وبعد ذلك من سياسات هذه السلطة.. كيف سهّلت إغفال القضيّة الفلسطينية حتى ظنّ الجميع أنّها بين أن تكون قد ماتت أو يكون صوتها قد سكت.. حتى كان نضال أهلها وحده الذي يعيدها على جادّتها الأولى، ويحيي بذلك أمّة من خلفها، ليكون نضال الفلسطيني بالضرورة وفي النتيجة نضالا لأجل قضيته ولأجل أمّته.

وأخيرا فإنّ القضية التي تتّسم بحدّة كهذه في عدالتها بحيث لا تقبل التحريف والتدوير والتلاعب، وتملك عناصر الإحياء والتثوير والاستنهاض والجمع والتقريب والصهر هذه، لا بدّ وأن تكون امتحانا قاسيا للأخلاق والضمير والإرادة والقدرة، فإنّ العدالة الملتبسة وعناصر الإحياء الرخوة قابلة للتلاعب، ومن ثمّ تكون أضعف في التمحيص والامتحان. أمّا فلسطين، فلحدّة عدالتها وقوّة عناصر التأثير التي فيها فلا بدّ وأن تكون فاضحة أقصى ما تكون الفضيحة عن مواقع المرض والعفن والفساد والوهن في الأمة، ومن ثمّ فلا غرابة أن يحصل بها الامتياز الدائم بالكشف عن الوضاعات والجهالات وأهلها، وهذا بقدر ما هو محزن فإنّه ممّا لا بدّ منه، وبذلك تخدم فلسطين الأمّة خدمة بتمييز الخبَث لتسهيل نفيه ومحاربة خطابه.

twitter.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني العرب المسلمين فلسطين غزة العرب المسلمين الدعم مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العرب والمسلمین التی فیها أن تکون بحیث لا بلا أی

إقرأ أيضاً:

حسام زكي: القضية الفلسطينية هي الأولى والمركزية والمحورية للعرب

قال السفير حسام زكي، الأمين العام المساعد الجامعة العربية، أن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى والمركزية والمحورية بالنسبة للعرب وكل القضايا العربية الأخرى ليست محل توافق عربي، لأن كل قضية بها آراء واجتهادات كثيرة.

 
وأضاف «زكي»، خلال لقاء مع الإعلامية أمل الحناوي، ببرنامج «عن قرب مع أمل الحناوي» المذاع عبر شاشة قناة «القاهرة الإخبارية»، أن الجامعة العربية تحس الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب على أنها تقف موقفًا محايدًا على الأقل إن رغبت في أن تستمر في لعب دور في الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أما إذا لم تستطع أن تقوم بهذا الدور نتمنى أنها لا تصادر على الأدوار الأخرى التي يمكن أن يقوم بها أطراف أخرى.

حول فلسطين والشرق الأوسط| تعرف على أعضاء إدارة ترامب.. وهذا موقفهم من قضايا المنطقة حسام زكي: مصر أجهضت مخطط إسرائيل لتهجير الفلسطينيين قسرا  إحلال السلام


وتابع الأمين العام المساعد الجامعة العربية: «هناك فرق كبير بين وقف الحرب وإحلال السلام بالمنطقة ونستطيع القول أن ترامب تعهد بإنهاء الحرب واعتقد أنه سوف يتمكن من تحقيق هذا الوعد، لكن مسألة إحلال السلام هي مسألة أخرى تمامًا وتحتاج إلى ظروف وتهيئة خاصة».

مقالات مشابهة

  • العربي بدر: لا ألعب في أي نادي.. ولن أستسلم
  • الإسلاميون والجيش واستراتيجية المليشيات: أدوات السيطرة التي تهدد مستقبل السودان
  • حسام زكي: القضية الفلسطينية هي الأولى والمركزية والمحورية للعرب
  • الأميرة غيداء طلال: أنظر إلى مستقبل أبحاث السرطان في العالم العربي بكل تفاؤل وثقة
  • جامعة برج العرب التكنولوجية تنظم ندوة توعوية بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لمرضى السكر
  • البرلمان العربي يدعو المجتمع الدولي لوقف الحرب على غزة
  • خالد عمر: هذه الحرب حربٌ سلطوية إجرامية لا خير فيها
  • ندوة تناقش دور الموروث العربي في ربط الثقافات العالمية
  • اليوم.. العرض العربي الأول لفيلم "غزة التي تطل على البحر"
  • طه حسين في عيد ميلاده.. تحدى الإعاقة ليصبح عميد الأدب العربي