فلسطين الجامعة.. وما كشفته الحرب
تاريخ النشر: 31st, October 2023 GMT
تكشف الحرب المفتوحة على غزّة بمستوييها؛ الفلسطيني المُفتتح يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والمستمرّ قتالا وصمودا على طول الوقت، والثاني العدوان المنفلت من أيّ كابح، والمحمي من الغرب برأسه الأمريكي، والمدفوع بإحساس التفوق العنصري.. هذه الحرب تكشف عن الموقع الفريد للقضية الفلسطينية في الوعي العربيّ والإسلاميّ العام، بحيث لا يبعد القول إنّها القاسم المشترك الأوسع والأكثر عمقا بين العرب والمسلمين.
وهذا ما يمكن ملاحظته أولا من كون حضورها متجاوزا لجميع دواعي الاختلاف القومية والأيديولوجية والثقافية، فتحضر بالقدر نفسه في مجالي التنوّع الهائل في الأمّة، وتبدو كمن ينتشل جماهيرها من حال وينقلهم إلى آخر، وثانيا أنّها قادرة على مغالبة إرادة الطمس وقدرته، فتثبت أنّها بأهلها وإرادتهم قادرة على أن تَصدّ قوى نفيها، وتُبطِل سحر إخفائها، وتُثبت من جهة أخرى؛ فرادتها باستظهارها من عمق الأجيال العربية والإسلامية جيلا خلف جيل، حتّى تبدو غضّة طريّة كأنّها بدأت للتوّ، بينما هي حقّا تُطلّ برأسها من تحت ركام الطمس وغبار المؤامرة من بعد عقود من إلحاح التجهيل وجهود الإهمال والسعي لفصلها تماما عن وعي اللاحقين من أجيال العرب والمسلمين، على قاعدة "أنّ الكبار يموتون والصغار ينسون"، وهي المقولة التي نُسبت لبعض رؤوس مؤسسي الكيان وقُصِدت بها أجيال الفلسطينيين، ولكن بدا لاحقا أن الإرادة الاستعمارية وما لحقها من إرادة تخاذلية قد سعت لفرضها في المجال العربي والإسلامي.
تملك فلسطين هذه الطاقة الهائلة على جمع العرب والمسلمين، بالرغم من جبروت النفي الإسرائيلي والغربي، وما يتصل به من انحطاط أخلاقي عالمي، ويلحقه من تبعية التواطؤ العربي الرسمي؛ لتتضافر جميع عوامل الجمع والتقريب والصهر فيها، ابتداء من نصوع عدالتها بلا أيّ غبش، واتضاحها بلا أيّ التباس، وليجدُ فيها المؤمن تاليا ضالته قضية إحيائية بمجرّدها، فكيف وفيها أصلا كلّ ما يمكن التأسيس عليه لمقولة إسلامية جامعة لا تنحصر في مقدسات المسلمين التي فيها، ويجد فيها العروبيّ فرصته للعودة بالتبشير بوحدة الحال والجامع العربي
تملك فلسطين هذه الطاقة الهائلة على جمع العرب والمسلمين، بالرغم من جبروت النفي الإسرائيلي والغربي، وما يتصل به من انحطاط أخلاقي عالمي، ويلحقه من تبعية التواطؤ العربي الرسمي؛ لتتضافر جميع عوامل الجمع والتقريب والصهر فيها، ابتداء من نصوع عدالتها بلا أيّ غبش، واتضاحها بلا أيّ التباس، وليجدُ فيها المؤمن تاليا ضالته قضية إحيائية بمجرّدها، فكيف وفيها أصلا كلّ ما يمكن التأسيس عليه لمقولة إسلامية جامعة لا تنحصر في مقدسات المسلمين التي فيها، ويجد فيها العروبيّ فرصته للعودة بالتبشير بوحدة الحال والجامع العربي وإمكان التحقّق بذلك والإشارة للسرّ الاستعماري المتجسّد بـ"إسرائيل" المزروعة في القلب العربي، ويجد فيها حتى الوطني ضالّته للسؤال عن موقع دولته وموقف نظام الحكم فيها، ويختبر بها حقائق الدعاوى حينما يتبين هُزال نظام حكمه الذي غيّب دولته عن أيّ تأثير في أيّ هامش فيها. إنّها الجرح الكبير الممتدّ على ضمائر هؤلاء كلّهم، والسؤال الذي يمتحن الواجب ويحذر من الخيبة والعار الوقت كلّه ومهما تقادم الزمن.
هذه الاعتبارات المحرّكة والبواعث المُحيية والدواعي النهاضة، قابلة للتشابك في نموذج واحد تتعاظم فيه قدرة الصهر والبعث من جديد لهذه الأمّة، لتنشغل سياسات الحكم المتعاقبة على بلاد العرب والمسلمين في التخلّص من هذه القدرة التأثيرية لفلسطين، سواء بالشعارات التي تدفعها إلى الخلف بحيث لا تُرى، كشعارات الأولويات من قبيل "بلدنا أولا"، أو بالدعايات المُشوّهة للقضية وأهلها، حتى لم تكتف باتهام أهلها ببيع أرضهم لعدوّهم، وشيطنتهم وتنميطهم وتجسيد الرذائل والقبائح فيهم كوصفهم بالحقد ونكران الجميل وجعلهم سببا للفتن في بلاد العرب، بل وبتبنّي السرديات الصهيونية حول فلسطين والصراع فيها كما يُرى ذلك كثيرا في خطابات الموصوفين بالمتصهينين العرب، وفيما صار يُعرف بالذباب الإلكتروني الذي تُدار حملاته رسميّا وتوجّه مركزيّا من هذه الحكومة أو تلك، ثمّ بالسياسات التي ذهبت أقصى ما لم يتصوّره يوما المخيال العربي، بمدّ التطبيع إلى درجات التحالف والتخندق مع الإسرائيلي.
القضية التي تتّسم بحدّة كهذه في عدالتها بحيث لا تقبل التحريف والتدوير والتلاعب، وتملك عناصر الإحياء والتثوير والاستنهاض والجمع والتقريب والصهر هذه، لا بدّ وأن تكون امتحانا قاسيا للأخلاق والضمير والإرادة والقدرة، فإنّ العدالة الملتبسة وعناصر الإحياء الرخوة قابلة للتلاعب، ومن ثمّ تكون أضعف في التمحيص والامتحان
قضية هذا شأنها لا يمكن أن تُفعّل عناصر التأثير فيها إلا بأهلها، صمودا وقتالا، وقد تبيّن فيما مضى من تاريخ قريب؛ كيف أن جهد النفي للقضية وسعي الاجتثاث لعناصر التأثير التي فيها، قد بنى على الاختيارات المدمّرة لقيادة منظمة التحرير، فتبعت اتفاقية أوسلو أنماط متعدّدة الصيغ من الاقتراب العربي من "إسرائيل"، وارتفعت بذلك شعارات من قبيل "لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين"، وتغطّت سياسات التطبيع بسياسات التنسيق الأمني، ثمّ كيف سهّلت مصادرة القدرات النضالية للفلسطينيين وملاحقتها؛ ابتداء من الاتفاقيات المكبّلة وتاليا من هيمنة الاحتلال الحتمية على سلطة ناشئة في ظلّه وبعد ذلك من سياسات هذه السلطة.. كيف سهّلت إغفال القضيّة الفلسطينية حتى ظنّ الجميع أنّها بين أن تكون قد ماتت أو يكون صوتها قد سكت.. حتى كان نضال أهلها وحده الذي يعيدها على جادّتها الأولى، ويحيي بذلك أمّة من خلفها، ليكون نضال الفلسطيني بالضرورة وفي النتيجة نضالا لأجل قضيته ولأجل أمّته.
وأخيرا فإنّ القضية التي تتّسم بحدّة كهذه في عدالتها بحيث لا تقبل التحريف والتدوير والتلاعب، وتملك عناصر الإحياء والتثوير والاستنهاض والجمع والتقريب والصهر هذه، لا بدّ وأن تكون امتحانا قاسيا للأخلاق والضمير والإرادة والقدرة، فإنّ العدالة الملتبسة وعناصر الإحياء الرخوة قابلة للتلاعب، ومن ثمّ تكون أضعف في التمحيص والامتحان. أمّا فلسطين، فلحدّة عدالتها وقوّة عناصر التأثير التي فيها فلا بدّ وأن تكون فاضحة أقصى ما تكون الفضيحة عن مواقع المرض والعفن والفساد والوهن في الأمة، ومن ثمّ فلا غرابة أن يحصل بها الامتياز الدائم بالكشف عن الوضاعات والجهالات وأهلها، وهذا بقدر ما هو محزن فإنّه ممّا لا بدّ منه، وبذلك تخدم فلسطين الأمّة خدمة بتمييز الخبَث لتسهيل نفيه ومحاربة خطابه.
twitter.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني العرب المسلمين فلسطين غزة العرب المسلمين الدعم مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العرب والمسلمین التی فیها أن تکون بحیث لا بلا أی
إقرأ أيضاً:
وزير الإسكان يتجه إلى جمهورية الجزائر الشقيقة للمشاركة في فعاليات مجلس وزراء الإسكان العرب ومؤتمر الإسكان العربي الثامن
غادر المهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، اليوم، القاهرة متجهًا إلى جمهورية الجزائر الشقيقة، على رأس وفد من مسئولي وزارة الإسكان، لتمثيل جمهورية مصر العربية في فعاليات الدورة الـ41 لمجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب، وكذا المشاركة بمؤتمر الاسكان العربي الثامن للإسكان والتنمية الحضرية المستدامة تحت شعار "العمران والبناء المستدام: تحديات وآمال واعدة " باستضافة كريمة من الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، والمقام على هامش دورة المجلس خلال الفترة 17 - 19 ديسمبر الجاري، وسط دعوات حضور واسعة.
ويضُم الوفد المصري المهندسة نفيسة محمود هاشم، مستشار الوزير - المشرف على قطاع الإسكان والمرافق، والدكتور عبدالخالق إبراهيم، مساعد وزير الإسكان للشئون الفنية، والمهندس مصطفي النجار، رئيس قطاع الإسكان والمرافق، والمهندسة جهاد هشام، والسيدة/ هبة الله جمال، منسقي الاتصال بين وزارة الإسكان والأمانة الفنية للمجلس.
ومن المقرر أن يلقي المهندس شريف الشربيني، كلمةً افتتاحية في اجتماع الدورة الـ41 لمجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب يشير فيها إلى النهضة العمرانية الشاملة التي شهدتها مصر في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، وسبل تبادل الخبرات والتعاون، وجهود مجلس وزراء الإسكان العرب خلال دوراته السابقة في مجالات تعزيز آليات التعاون العربي المشترك، وتوحيد الرؤى المشتركة تجاه القضايا والتحديات التي تتعلق بالإسكان والتنمية العمرانية، وكذا الجهود التي تبذلها الدولة المصرية ممثلة في وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، في سبيل توفير السكن الملائم، وتطوير السياسات والنظم والتشريعات، ووضع خُطط طموحة ترتكز على استراتيجيات علمية وعملية من خلال رؤى واضحة لتلبية احتياجات المواطنين في الحصول على المسكن الملائم والخدمات الجيدة.
كما أنه من المقرر أن يُشارك الوفد في فعاليات المؤتمر، والذي ستعقد جلساته الافتتاحية صباح غدٍ الثلاثاء ضمن الفعاليات، تحت رعاية السيد/ نذير العرباوي، الوزير الأول - رئيس الحكومة الجزائرية، والسيد/ محمد طارق بلعريبي - وزير السكن والعمران والمدينة بالجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وبمشاركة لفيف من وزراء الإسكان العرب وكبار مسئولي الإسكان في الدول العربية والمختصين والأكاديميين.
وقد حرص مسئولو وزارة الإسكان بمصر، أن يكون للوزارة تواجد قوي وفعال ضمن المعرض المصاحب للمؤتمر، والذي سيتم افتتاحه بحضور وزراء الإسكان من الدول العربية ومسئولي وقيادات الإسكان من الجهات والمنظمات ذات الصلة، وسوف يستعرض الجناح المصري عددًا من المشروعات القومية في مجال الإسكان والتنمية العمرانية والتى تنفذها الوزارة في سبيل النهضة بالعمران المصري.
وفي إطار أعمال المجلس، سيتسلم المهندس شريف الشربيني، الجائزة الممنوحة لجمهورية مصر العربية عن مشروع "روضة السيدة" ضمن جائزة المشروع السكني المنفذ، واستكمالا لأعمال المجلس من المقرر عرض فيلم وثائقي عن أحد مشروعات الوزارة الرائدة في مجال الإسكان، علاوةً على استعراض الدراسة التي تعدها مصر بالتعاون مع الدول العربية بعنوان " تجارب السكن الاجتماعي في الدول العربية".
وسوف يشارك الوفد المصري في جلسات ومحاور المؤتمر بتقديم أوراق وطنية حيث تقدم المهندسة/نفيسة هاشم - ورقة بعنوان " الحوكمة... الاستدامة بالتشريعات والقوانين المنظمة للبناء بجمهورية مصر العربية"، والدكتور عبدالخالق إبراهيم، ورقة بعنوان "الاستراتيجية الوطنية للعمران والبناء الأخضر في مصر: الإجراءات التنفيذية وبعض الدروس المستفادة".
ومن المقرر بنهاية المؤتمر أن يتم إعلان أهم النتائج والتوصيات التي أسفرت عنها الجلسات والنقاشات العلمية من خلال جلسات المؤتمر ومحاوره.