بمناسبة انطلاق مشروع يمانيات.. التزام طويل الأمد ببناء قدرات الصحفيات اليمنيات ومشاركة النساء في بناء السلام
تاريخ النشر: 31st, October 2023 GMT
(عدن الغد)خاص.
أشاد وزير الخارجية اليمني الدكتور أحمد عوض بن مبارك بجهود الوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام CFI ومركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في تنمية قدرات الصحفيات والصحفيين اليمنيين، لاسيما ما يتعلق برفع الوعي في مواجهة التطرف والعنف القائم على النوع الاجتماعي وتعزيز مشاركة النساء في بناء السلام.
وفي افتتاح ندوة تدشين مشروع "يمانيات" بحضور أكثر من 100 صحفي وصحفية من مختلف المحافظات اليمنية عبر تقنية الاتصال المرئي " زوم "، أكد الوزير أنه: "مرت تسعة أعوام على الحرب التي فرضتها جماعة الحوثي الانقلابية على الشعب اليمني، والتي لم تقف عند الفعل العسكري والسياسي، بل تعدته إلى الانتهاكات الجسيمة ضد المرأة في اليمن، حيث فرضت العديد من الإجراءات القمعية بتهمة أنهن يحملن أجندات ضد ما تسمى "الهوية الإيمانية".
وأشار بن مبارك إلى حرص مجلس القيادة الرئاسي برئاسة فخامة الدكتور رشاد العليمي على حماية المرأة ودعم مشاركتها في صناعة القرار حيث تجلى ذلك من خلال تعيين اول امرأة في مجلس القضاء الأعلى وثمان قاضيات في المحكمة العليا، معتبراً ذلك بأنه مكسباً مهماً للمرأة اليمنية. كما أكد التزام الحكومة الثابت تجاه دعم المرأة وزيادة مشاركتها في بناء السلام والتنمية والتعافي الاقتصادي على النحو الذي نصت عليها مخرجات الحوار الوطني.
واعتبر ما تضمنته مخرجات مؤتمر الحوار الوطني من نصوص متعلقة بمشاركة المرأة يمثل مكسباً مهماً ويعد انعكاساً لنضالات الحركة الوطنية وجهود النساء منذ تأسيس الدولة اليمنية الحديثة، وقال: "نتطلع إلى مشاركة واسعة للنساء في بناء السلام خلال المرحلة المقبلة، ونؤكد استعدادنا لتقديم كل الدعم للصحفيات اليمنيات ومنظمات المجتمع المدني بما يساهم في رفع قدرات النساء ووصولهن إلى مواقع صنع القرار ومشاركتهن الفاعلة في بناء السلام.
من جهته أكد السيد تييري فالا الرئيس والمسؤول التنفيذي للوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام على الالتزام بالدعم المستمر للجهود التي تنمي قدرات الصحفيات اليمنيات وتمكينهن في وسائل الإعلام باعتباره أولوية للوكالة، مشيراً إلى أن استراتيجية الوكالة الحالية تهدف إلى دعم الدول التي تمر بظروف خاصة كاليمن.
وأشاد بنتائج مشروع "مكانتي" باعتباره من أهم المشاريع الذي نفذته الوكالة خلال الثلاثة الأعوام السابقة، والذي ساهم في بناء قدرات وسائل الإعلام حول مفاهيم المساواة بين الرجل والمرأة وحقوق النساء، مشيراً إلى أن النساء كن أول ضحايا الحرب، لذا فإن الوكالة تلتزم بمواصلة عملها والبناء على النتائج التي تحققت في العمل على تعزيز مشاركة المرأة في عملية السلام ضمن مشروع "يمانيات" الذي يتضمن بناء قدرات وإنتاج محتوى وتوعية.
ومن ناحية أخرى أكد رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر على أهمية مشروع "يمانيات" من أجل زيادة مشاركة المرأة اليمنية في بناء السلام ووصول النساء إلى مواقع صنع القرار، مشيراً إلى التداعيات السلبية للحرب على النساء حيث يعانين من النزوح وتهميش تواجدهن في مواقع صنع القرار بعد أن كان لهن دور فعال عقب ثورة ٢٠١١ ومشاركتهن الفاعلة في الحوار الوطني.
وأوضح نصر بأنه وخلال العامين الماضيين استطاع فريق مشروع مكانتي في مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بالشراكة مع الوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام تدريب ١٥٠ صحفية وصحفياً من محافظات عدن وتعز وحضرموت وصنعاء والحديدة أنتجوا أكثر من ١٤٠ مادة صحفية مكتوبة ومسموعة ومرئية أثرت المحتوى الذي يناقش التحديات التي تواجهها المرأة.
وفي الندوة التي شارك فيها عدد كبير من مسؤولي الحكومة اليمنية والوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام وممثلين عن منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية، أكدت السفيرة الفرنسية لدى اليمن كاثرين كورم كمون، التزام فرنسا والوكالة الفرنسية طويل الأمد تجاه المرأة ودعم مشاركتها الفاعلة في المجال العام. قائلة: "أصبحت "يمانيات“ اليوم علامة إضافية على دعم الصحافة المحايدة في عدن وتعز وحضرموت وصنعاء من خلال صوت المرأة..".
وأكدت على أهمية دور الإعلام وحق الناس في الحصول على المعلومات الدقيقة، والتي تعكس أيضاً ثراء البلد وتعدده وتنوعه، وأن نتحد جميعاً في هدف مشترك لتطوير المهارات وتعزيز نهج يهدف إلى زيادة جمهور وسائل الإعلام الداعم لمشاركة المرأة في الحياة العامة وفي جهود بناء السلام.
ورحبت السفيرة كاثرين بقرار رئيس مجلس القيادة بتعيين ثمان قاضيات في المحكمة العليا، حيث اعتبرتها لفتة قوية كما أشارت إلى تأكيد الحكومة اهتمامها بحرية التعبير سواء في الشارع أو على وسائل التواصل الاجتماعي، وأشارت إلى العديد من الرائدات اليمنيات اللاتي تم الاعتراف بنضالهن على المستوى العالمي "توكل كرمان، وألفت الدبعي وإيمان حميد، ومنى لقمان ولندا العباهي وغيرهن الكثير".
ومن جهة أخرى أشار السفير اليمني لدى فرنسا الدكتور رياض ياسين إلى ضرورة استلهام التجربة الريادية لمشاركة المرأة اليمنية في الإعلام والتي تعود إلى مدينة عدن، حيث كانت الإعلامية صفية لقمان أول صوت إذاعي على مستوى الجزيرة العربية في مطلع القرن الماضي، وقال: علينا ألا نبدأ من الصفر وأن نستلهم تجارب الأجيال الماضية ومسيرة الإعلاميات اليمنيات في عدن.
وأكد أهمية الدور الذي تلعبه النساء بدورها التكاملي في الحياة المجتمعية، مؤكداً أهمية العمل للعودة إلى الوضع المستقر في اليمن حتى نضمن وجود شراكة، ولابد من التركيز بعدم حصر المرأة في مجالات محددة وأنها شريكة في كافة مناحي الحياة.
واستعرضت مديرة المشروع في الوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام سارة فيلالي مبررات استمرار المشروع الحالي الذي يأتي استمرارية لمخرجات مشروع مكانتي الذي نفذته الوكالة في اليمن وكذلك بناء على مخرجات دراسة قامت بها الوكالة للتعرف على أولويات دعم المرأة اليمنية.
واستعرضت مكونات المشروع الذي يهدف إلى تعزيز مشاركة المرأة اليمنية في بناء عملية السلام في اليمن حيث يتكون من أربع مكونات رئيسية ويستهدف ٨٠ صحفية في محافظات "عدن، صنعاء، تعز، حضرموت، مأرب، الحديدة "، وسيعمل المشروع على تعزيز التعاون بين منظمات المجتمع المدني التي تدعم مشاركة النساء ووسائل الإعلام المستقلة لمناصرة دور المرأة اليمنية في بناء السلام، وتغطية الصحفيات اليمنيات لفعاليات ومؤتمرات السلام، وبناء قدرات الصحفيات اليمنيات حول صحافة السلام وصحافة حل النزاع، والتماسك الاجتماعي، وإنتاج المحتوى الإعلامي حول حل النزاع وبناء السلام من قبل وسائل الإعلام المستقلة، ونشر المحتوى عبر منصة هودج.
وقبل أن يتم فتح باب النقاش لمداخلات العشرات من الصحفيات والصحفيين اليمنيين المشاركين في الندوة تم استعراض فيلم وثائقي قصير أعده مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي حول مخرجات مشروع مكانتي للمرحلتين (2020 – 2022) الذي هدف إلى تمكين الصحفيات والصحفيين في اليمن من خلال توعية الجمهور بأهمية حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين في وسائل الإعلام اليمنية، وبناء القدرات والتدريب وتعزيز المحتوى الإعلامي الذي يغطي التحديات التي تواجه المرأة وقضايا حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين.
وتخللت الندوة النقاشية عدد من المداخلات التي أكدت على أهمية مواصلة دعم مثل هذه المشاريع لتعزيز مشاركة المرأة اليمنية في بناء السلام وأهمية تعزيز التعاون بين المؤسسات الإعلامية والصحفيين/ات ومنظمات المجتمع المدني من أجل إحلال السلام في اليمن.
كما عبر المشاركون عن حماسهم الكبير للانخراط في المشروع مؤكدين أهمية توسيع عمل البرنامج ليشمل محافظات أكثر والوصول إلى مناطق حضرية وريفية.
ويأتي تدشين مشروع "يمانيات" امتدادًا لمخرجات مشروع مكانتي الذي نُفذ قبل عامين من قبل مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بالشراكة مع الوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام وبتمويل من الخارجية الفرنسية.
يذكر أن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي منظمة مجتمع مدني غير ربحية تعمل من أجل التأهيل والتوعية بالقضايا الاقتصادية وتعزيز الشفافية ومشاركة المواطنين في صنع القرار والعمل على إيجاد إعلام مهني ومحترف وتمكين الشباب والنساء اقتصادياً وتعزيز دورهم في بناء السلام.
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: المجتمع المدنی فی بناء السلام وسائل الإعلام تعزیز مشارکة بناء قدرات صنع القرار المرأة فی فی الیمن
إقرأ أيضاً:
الحياة الواقعية تحت وطأة الصراعات.. المرأة اليمنية في أدب وجدي الأهدل
لتفاصيل الحياة المتعلقة بالمرأة اليمنية حضور حيوي في روايات الكاتب وجدي الأهدل. وبشكل محوري في تلك السياقات الروائية التي عمل فيها على تسريد ديناميكيات الحرب والصراع في اليمن. حيث يتسم حضور المرأة هذا بحيويته في التعاطي مع واقعية الحياة، التي تعيشها المرأة بوصفها الطرف الأضعف في معادلات الصراع عامة، وفي أنساق صراعها مع محيطها الاجتماعي وثقافته المنتصرة للذكر على حساب الأنثى بوجه خاص.
فقد استوعب منجز الأهدل الروائي صورا متعددة من علاقة المرأة مع محيطها الاجتماعي هذا سواء تلك المتعلقة بصراعها مع المشكلات العامة كتداعيات الحرب، والفقر، والعنف، أو ما يتعلق منها بصراعها مع المشكلات الخاصة، كالتحرش والاغتصاب، والاحتقار، وما في سياق ذلك من صور الصراع والحرب، التي تضمنتها هذه التجربة الأدبية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطورياتlist 2 of 2عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعراء في زمن السيولة التواصلية؟end of list سردية المرأة والفقرتعاطت تجربة الأهدل الروائية مع سياق الفقر، الذي يهيمن على مجريات الحياة اليمنية منذ عقود. لا سيما ما يتعلق منه بمعاناة المرأة لإشكاليته الاجتماعية. من ذلك، ما نجده في صيغة الحياة، التي تعيشها شخصية "عاتكة"، في رواية "قوارب جبلية":
"قوارب جبلية" هو عنوان رواية الكاتب اليمني وجدي الأهدل، التي صدرت أوائل عام 2002 (الجزيرة)"بجوار ضلفة باب اليمن الخشبية المخروقة بقذيفة من مدفع مجهول، جلست مفترشة التراب امرأة ارتداها السواد، تسمى عاتكة، تعمل في الصباح موظفة بالجمعية الإسلامية الخيرية لرعاية الأيتام، وفي المساء تمارس مهنة الشحاذة بالأطفال الرضع"[1].
لقد التقطت البصيرة السردية حضور "عاتكة" هذا ضمن مشهد ثري، بتفاصيله المتجانسة في انتمائها إلى ماهية الحرب وأبعادها المختلفة، إذ يتجلى البعد التدميري في ذاكرة المكان، وأشيائه المحترقة بتاريخ الحروب المتقادمة.
وفي سياق مواجهة المرأة لمعضلة الفقر والحاجة، في هذه المعركة غير المتكافئة، جمعت بين قيمتين غير متجانستين (العمل/ والتسول). لكنها اكتفت في مواضع متعددة من هذه التجربة بقيمة العمل وحدها، بما فيها من إحالة إلى نسق من عزة النفس وكرامتها، فنجد ذلك واضحا في سياقات متعددة من رواية "السماء تدخن السجائر"[2]، فكثير من شخصيات النساء فيها، كن يعملن في مصنع "البطاطس"، من مثل: (عبير، ونيزك، وكفاية، وسلمى، وأشجان، وطروب، وغيرهن).
سردية العنفتناولت سردية الأهدل الروائية صورا من القسوة و"العنف"، التي تتعرض لها المرأة اليمنية، إذ ظهرت في رواية "حمار بين الأغاني"[3]، مشاكسة للصيغة العامة، التي أطرتها فيها الذهنية الذكورية، فاتسق اسم شخصيتها الرئيسة الشابة "ثائرة"، مع جوهر هذه المشاكسة، التي سعت من خلالها إلى الانتصار لذاتها، في صراعها مع الواقع وسلبياته، متسلحة بما تمتلكه من فطنة ووعي، وبما اكتسبته من حصيلة معرفية، تعددت مصادرها، لا سيما ما يتعلق منها بحصيلتها المعرفية، التي اكتسبتها من دراستها للتاريخ.
رواية "حمار بين الأغاني" هي رواية بوليسية من ناحية وسياسية وفكرية من نواح عديدة تصور عالما مغلقا يتداخل فيه الرمز والواقع (الجزيرة)ترنحت "ثائرة" في معركة الصراع، بعد أن امتد من نسقه الخارجي إلى ذاتها، فتخلق فيها صراعا داخليا، متمثلا فيما عانته من كوابيس كانت تتناوب عليها، وتصيبها بالهلع. لا سيما ذاك الكابوس المرعب، الذي دهمها على هيئة حلم، شاهدت فيه مقتلها نحرا على يد شخص ملثم، فصل رأسها عن رقبتها.
لم يقف هذا الحلم عند دائرته الذاتية، بل اتصل بعوامله الخارجية، فالتحم بها، ومن ثم تجسد حقيقة في حادثة مقتل الشابة، بطريقة اتسقت مع الحلم وتفاصيله. ثم تجانست هذه الحادثة مع صور عنف مشابهة، كانت الضحايا فيها فتيات امتدت إليهن يد الفاعل ذاته، مجهزا عليهن. ومتقنا عملية نسجه للصعوبة في محاولات الكشف عنه ومتقنا في الآن نفسه تحوير مسار التهم إلى عدد من الأبرياء، الذين أعدموا، في سياق من التواطؤ الاجتماعي الفاعل في تعمية الحقيقة، وإقرار نقيضها.
مآسٍ شخصيةمن أهم السياقات السردية إن لم تكن هي الأهم التي تضمنتها محورية المرأة في روايات الأهدل، سياق الاغتصاب وزواج القاصرات، إذ كان هذا السياق من المسارات السردية في روايته "قوارب جبلية". كما كان بنية مركزية، في روايته "أرض المؤامرات السعيدة"[4]، التي فكك التعاطي السردي من خلالها عددا من المعضلات الاجتماعية التي ترتبط بها، وتضفي عليها تجانسا مع بنية إشكالية في منظومة السلطة والقبيلة، تتمثل في التواطؤ الفاعل، في ترسيخ هذه الثقافة غير السوية، سواء في مباركة زواج القاصرات، أو التغاضي عما يقترفه ذوو النفوذ، من جرائم اغتصاب، في حق أعراض بعض الفئات من البسطاء. وهو الأمر الذي تجسد، في الموقف من مأساة شخصية الرواية الطفلة "جليلة"، التي تعرضت لاغتصاب شيخ قبلي، فتداعت أقطاب المنظومة كلها إلى مؤازرته ضد ضحيته.
رواية "أرض المؤامرات السعيدة" تشرح صورة المثقف الانتهازي (الجزيرة)ومن التمثلات السردية لهذه التيمة، ما تضمنته رواية "السماء تدخن السجائر"، من سياق، حالت فيه ذكرى الاغتصاب دون نيل "ظافر" مراده الخاص برغبته في الزواج من زميلته "عبير"، إذ رفضته بتذمر وتأفف، حينما عرض عليها الأمر. ولم يكن موقفها هذا سوى انعكاس لما تعيشه من حال ذاتية، مسكونة بحادثة اغتصاب، تعرضت لها في طفولتها، أعقبها ما تعرضت له، من عنف وقسوة على يد أخيها. فتشكلت من تداعيات ذلك كله رغبتها في حياة بعيدة عن البلد، وهو ما ظفرت به، بعد زواجها من شاب مسيحي، أقامت معه في إثيوبيا.
المرأة: جسدا وذاتا إنسانيةمن الميزات التي تفرد بها تسريد واقع المرأة اليمنية في هذه التجربة الروائية، أنها لم تكتف بتسريد الأحداث والمضامين في مواقف ومشاهد سياقية. وإنما عملت بمعية ذلك على سبر هذه المواقف والمشاهد، واستقصاء مساراتها الاجتماعية، وتشخيص إشكالياتها، الكامنة في الرؤية الذكورية، المتعاطية مع المرأة، بصفتها جسدا مفرغا من الروح، لا يتجاوز ماهيته، التي لا يزيد فيها على كونه وسيلة متعة وإشباع للغريزة.
رواية “بلاد بلا سماء” للكاتب اليمني “وجدي الأهدل” تحكي عن قصة اختفاء فتاة في قالب بوليسي يكشف طبيعة المجتمع (الجزيرة)وبذلك، فقد كان لهذه الرؤية تواطؤها المرجعي الفاعل في تمرير جرائم الاغتصاب، وما ينطوي عليه هذا السياق، من اضطهاد للمرأة، وتهميش لكينونتها الإنسانية.
لقد وقعت الشابة "سماء" شخصية رواية "بلاد بلا سماء"[5] في أتون هذه الرؤية، التي تجسدت فيما خاضته الفتاة من صراع مباشر معها، إذ تقول: "معظم الرجال في الشارع يصوبون نظراتهم الشبقة إلي وكلهم يرغب في مضاجعتي"[6]. كما تشير إلى هذه المعضلة، وتنوعها بين: النظر، والحركة، والإشارة، والكلام، واللمس. وتنوع الأماكن التي تحدث فيها، بين: الشارع، والباص، والدكان. وتنوع الأشخاص الذين يقومون بها، بين: البقال، وابن الجيران، والسائق، والمتدين، والعجوز، والعامل.
اضطراب رؤية انفصاميةتكشف السياقات السردية في روايات الأهدل، عما تفضي إليه هذه الرؤية الاجتماعية، من تداعيات سلبية، تنمو في الذات الذكورية منذ الصغر، إذ تضطرب هذه الذات فيما يتبلور لديها من معنى للمرأة، بين كائن متعة وغريزة، أو كائن إنساني، له ذاته المأهولة بمعاني التكامل مع الذات الذكورية، فيما تتشاركه الذاتان من عاطفة حب، فاعلة في كل طرف منهما.
ومما يترتب على هذا الاضطراب، حيلولته دون استيعاب الذات العاشقة (الذكر) لجوهر الفرق بين صورة المرأة الطبيعية البيولوجية (جسدا وغريزة)، وبين كينونتها غير الجسدية المتمثلة في المعاني الوجدانية والإنسانية. وعلى ذلك، يلتبس الأمر لديه، فيتخبط بين الجسد والمعنى، إذ اضطربت هاتان الصورتان، في العلاقة العاطفية، التي نشأت بين "علي نشوان" وجارته "سماء"، على ما في تلك العلاقة، من تنام للمعنى الوجداني.
توازي في ذات الجار العاشق نمو هذه الرؤية مع نمو النسق الوجداني، الذي تسارع في صيغته القائمة، على استشعار كل منهما نسبة من المودة تجاه الآخر، بما فيها نسبة من الأنس في عاطفتيهما مع كل لحظة تجمع بينهما. لا سيما في عاطفة "علي"، إذ كان هو الأكثر حرصا على استمرار هذه العلاقة، فكان يفتعل كل ما يمكنه من البقاء معها أو الاقتراب منها، ويمني نفسه بزواجهما، حينما يصلان إلى مرحلة، يكونان فيها مؤهلين لهذه الرابطة المقدسة.
وبعد أن وصلت علاقتهما هذه إلى هذا المستوى من التناغم، كانت تلك الرؤية الاجتماعية على أهبة الاستعداد للانقضاض عليها، فجرمتها، وأقرت القطيعة القسرية بينهما. اختفت الفتاة فجأة، وألصقت التهمة بالحبيب المغدور، الذي لم تكن له يد في اختفاء حبيبته، ففارق روحه بجريمة لم يقترفها.
وفي رواية "أرض المؤامرات السعيدة"، ظهرت هذه الرؤية الذكورية الانفصامية بين صورتي المرأة (الجسد/ الذات الإنسانية)، مع حدة في صيرورة تأطيرها للأنثى جسدا وغريزة.
رواية "السماء تدخن السجائر" تعبر بالقارئ في محطات مختلفة من تحولات اليمن من خلال شخصية ظافر (الجزيرة)وفي سياق ذلك، يتجلى هذا الانفصام، في حال الحرمان العاطفي، الذي تستعر فيه الذات الأنثوية، وهي تحاول أن تستجدي من الزوج قسطا من المشاعر، غير مستوعبة فراغه الوجداني. لا سيما بعد أن قضت حتميات الصراع، على هذا البعد الإنساني. وهو ما تضمنه حديث "مطهر فضل"، عن المشاعر التي تفتقرها فيه زوجته: "لن تفهم هذه المرأة المدللة أن "مشاعري" قد ضاعت في زحمة الحياة.. وتنسى أن للحياة متطلبات عملية، وأن النقود لا تأتي من تلقاء نفسها، ولا مفر من خوض صراع يومي للحصول عليها، وانتزاعها من أفواه الآخرين"[7].
كما تضمنت سياقات رواية "السماء تدخن السجائر"، نسقا من التسريد لإشكالية هذا الاضطراب، الذي يتعلق باستيعاب الذات الذكورية لماهية المرأة على صورتيها (جسدا/ وعاطفة). تجلى ذلك، في منبت هذه الإشكالية في حياة "ظافر" منذ طفولته، وهو في السادسة من عمره، في سياق موقف وضعته فيه الصدفة، حينما وجد نفسه ذاهلا برؤيته جسد ابنة خالته الشابة.
قدحت رؤيته ذاك الجسد العاري هذه الثنائية المضطربة في ذاته (المرأة الجسد/ والمرأة الذات العاشقة). نمى هذا الاضطراب في حياته، ورافق مراحل عمره، وأثث فيه عشقه للمرأة وعالمها الأنثوي، وتفاصيل هذا العالم الذي لم يفرط في أي لحظة، تمكنه من السعي إليه، مفضلا الموت فيه، على الموت في أتون الحرب والصراع.
أخلص ظافر لمسار عشقه، فتعددت تجاربه مع عدد من النساء. لكنه لم يفلح مع أي منهن، بدءا من الممثلة "نبات"، ومرورا بزميلاته في العمل في مصنع "البطاطس": (عبير، ونيزك، وكفاية، وسلمى، وأشجان، وطروب، وغيرهن)، وانتهاء إلى "ناجية"، إحدى زميلاته، التي ارتبط بها في مرحلة متأخرة وأنجب منها.
كانت تجارب "ظافر" الوجدانية كلها محكومة بنسق من واقعية الاضطراب، الذي يعود في مساره العام إلى تلك الرؤية الاجتماعية في المرأة جسدا لا ذاتا وروحا. كما يعود في مساره المباشر، إلى واقعية الصراع، وماهيته المرتبكة المربكة، التي انعكست في تجارب "ظافر" الوجدانية، وتسببت في فشله العاطفي، فكل فتاة كان يحاول نسج علاقة معها، سرعان ما كانت تصاب بلعنة الحرب والموت. حتى انتهت رحلته العاطفية، إلى الزواج من زميلته الأرملة "ناجية"، تلك التي لم تسلم هي الأخرى من لعنة الحرب، إذ تجسدت فيها ساقا صناعية، بعدما فقدت إحدى ساقيها في أتون الصراع الدموي.
المصادر:([1] ) وجدي الأهدل، "قوارب جبلية". ط2، رياض الريس، بيروت، 2002، ص12.
([2] ) وجدي الأهدل، "السماء تدخن السجائر". ط1، دار هاشيت أنطوان، بيروت، 2023.
([3] ) وجدي الأهدل، "حمار بين الأغاني". ط2، سلسلة آفاق عربية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2011.
([4] ) وجدي الأهدل، "أرض المؤامرات السعيدة". دار هاشيت أنطوان نوفل، بيروت، 2018.
([5] ) وجدي الأهدل، "بلاد بلا سماء". ط2، دار التنوير، بيروت، 2012.
([6] ) نفسه، ص: ص9.
([7] ) وجدي الأهدل، "أرض المؤامرات السعيدة". مصدر سابق، ص164،163.
شاعر وناقد يمني. أكاديمي في جامعة عدن.