المسؤولون العرب وأحاديث الغرف المغلقة
تاريخ النشر: 31st, October 2023 GMT
تصريحاتٌ في مُنتهى الخطورة أدَلى بها السياسيّ الأميركي اليهوديّ المخضرم والمعروف للعالم العربيّ؛ دينيس روس- في مقالٍ في "النيويورك تايمز" الأميركية يوم الجمعة الماضي ٢٧/١٠/٢٠٢٣م- تحتاجُ إلى ردود عربية رسمية من الدول التي نقل عن مسؤوليها هذه التّصريحات، وبالأخصّ الدول العربية التي تربطُها علاقاتٌ مع الكيان الصهيونيّ.
أظهرت تصريحات دينيس روس بوضوحٍ تام أنَّ الموقف الدبلوماسي العربي الداعي إلى وقف فوريّ للإبادة الجماعية، وفتح ممرات إنسانية، ولا يدين ما قامت به حماس باعتباره حقا مشروعا يكفله القانون الدولي لمواجهة الاحتلال هو مجرد حِبر على ورق، وأنّ الحقيقة غير ذلك، وأن وراء الأكمة ما وراءَها.
يتوجّب على جامعة الدول العربية أن تصدر فورًا بيانًا توضيحيًّا يردّ على ما جاء في مقال روس، وتؤكد فيه رفضها الكامل لما تحمله تصريحاته من دلالات ورسائل
هل تطالبُ الدول العربية فعلًا بتدمير "حماس"؟!وردت تصريحاتُ دينيس روس في مقاله بعنوان: "ربما أيدت مرّة وقف إطلاق النار مع حماس، لكن ليس الآن"، وجاء فيه: "إسرائيل ليست وحدها التي تعتقد أنّها يجب أن تهزم حماس، فخلال الأسبوعَين الماضيين، عندما تحدثت إلى مسؤولين عرب في جميع أنحاء المنطقة- أعرفهم منذ فترة طويلة- قال لي كلُّ واحد منهم: إنه يجب تدميرُ حماس في غزّة. وأوضحوا أنّه" إذا اعتبرت حماس منتصرة، فإنَّ ذلك سيضفي الشرعية على أيديولوجية الرفض التي تتبنّاها الجماعة، ويعطي نفوذًا وزخمًا لإيران والمُتعاونين معها، ويضع حكوماتهم في موقف دفاعي". وأوضح روس أنَّ هذا الكلام قيل له على انفراد، مضيفًا: "عدد قليل من الدول العربية أدانت علنًا مذبحة حماس التي راح ضحيتها أكثر من 1400 شخص في إسرائيل. لماذا؟ لأنّ القادة العرب أدركوا أنه مع انتقام إسرائيل وتزايد الخسائر والمعاناة الفلسطينية، فإن مواطنيهم سيغضبون ويحتاجون إلى أن ينظَر إليهم على أنّهم يدافعون عن الفلسطينيين، خطابيًا على الأقلّ".
وبغض النظر عن الموقف الشخصيّ الذي عبّر عنه روس من الحرب الهمجية التي يشنّها الكيان الصهيوني على قطاع غزة، فإن ما يعطي أهميةً كبرى لهذه التصريحات هو الوزن الذي يحتله روس في الأوساط السياسيّة، وخاصة العربية، حيث اضطلع لأكثر من اثني عشر عامًا بدورٍ ريادي في رسم معالم الدور الأميركي في عمليّة السلام في الشرق الأوسط، وقادَ عمليَّة السلام خلال حكم إدارتَي الرئيسين: جورج بوش الأب، وبيل كلينتون، كما أدّى دورًا محوريًا في مساعدة الجانبَين: الفلسطيني والإسرائيلي على التوصل إلى "اتفاقية أوسلو الثانية" عام 1995م؛ و"اتفاق الخليل" عام 1997م، ومعاهدة السّلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994م، كما عمل على التّقريب بين إسرائيل وسوريا.
فضلًا عن خبرته الطويلة في السياسات السوفيتية والشرق أوسطية لأكثر من عقدَين، عمل خلالهما مع وزراء الخارجية الأميركية: جيمس بيكر، ووارن كريستوفر، ومادلين أولبرايت. وقد شغل منصب مدير "فريق التخطيط للسياسات" في وزارة الخارجية الأميركية خلال فترة حكم الرئيس الأسبق بوش الأب، حيث اضطلع بدورٍ بارزٍ في السياسة الأميركية تجاه الاتحاد السوفيتي السابق، وفي توحيد ألمانيا وانضمامها إلى حلف "الناتو"، وفي تحالف القوّات خلال "حرب الخليج" عام 1991م.
إنَّ شخصًا بوزن دينيس روس، يُحسَب لحديثه ألفُ حساب في الأوساط السياسية: الأميركية، والصهيونيّة، والغربية، وعندما ينقل عن المسؤولين العرب أنّهم يرغبون في تدمير حماس، فإنّ ذلك يزيد من تشجيع الإدارة الأميركية والكيان الصهيوني على المضي قُدمًا في تنفيذ مخطط تدمير حماس، ويعطي لهما الضوءَ الأخضر بألا تتراجعا وألا تهتمّا للحشود الجماهيرية الكاسحة التي تملأ الشوارع تأييدًا للقضية الفلسطينيّة، وحركة حماس وحقوق الشعب الفلسطيني، ولا للبيانات الرنَّانة التي تصدر عن الدول العربية مجتمعة أو فرادى. كما يسوّغ للولايات المتحدة والكيان الصهيوني مواصلة ذرف دموع التماسيح على الوضع الإنسانيّ، والتصريح بضرورة مراعاة القانون الإنسانيّ أثناء تدمير قطاع غزة على رؤوس ساكنيه.
حديث دينيس روس عن رغبة الأنظمة العربية في تدمير حماس، يشجع الإدارة الأميركية والكيان الصهيوني على المضي قدمًا في تنفيذ مخططاتهما، ويعطيهما الضوء الأخضر ألا تتراجعا، وألا تهتمّا للجماهير التي تملأ الشوارع دعما للقضية الفلسطينية وحركة حماس وحقوق الشعب الفلسطيني
ظواهر غريبة تؤيد رواية دينيس روسما يجعلنا نعطي أهمية أكثر لتصريحات دينيس روس، ما نشاهد من ظواهر عربية غريبة تتماهى مع تصريحات روس، وإن كانت ليست بالصراحة والوضوح الموجود عنده، ومن ذلك على سبيل المثال:
فشل الزعماء العرب حتى الآن في الضغط لإيقاف إطلاق النار وإدخال المساعدات؛ رغم أوراق الضغط القوية التي بأيديهم، ورغم العدوان الصهيوني البربري الذي لم يسبق له مثيل. ما يصدرُ عن بعض المسؤولين الفلسطينيين والعرب من تصريحات، تقتصر على الجانب الإنساني في قطاع غزة، ولا تشير- بتاتًا- إلى المقاومة الفلسطينية وحقها في مواصلة القتال ضد الاحتلال حتى تحرير أرضها واستعادة حقوقها، ولا تشير -نهائيًا- إلى حركة حماس، وهي الطرف الثاني في المعركة، حماس التي تمثل ما لا يقل عن نصف الشعب الفلسطيني، وهي فصيل وطني سياسي شارك في أول انتخابات نيابية فلسطينية عام ٢٠٠٦م وفاز فيها، وشكّل حكومة برئاسة إسماعيل هنية، الرئيس الحالي لحركة حماس. بل إن بعض المسؤولين يقفزون على الأحداث الجارية تمامًا، منتقلين إلى الحديث عن مرحلة ما بعد الحرب. ما نقلته شبكة سي إن إن عن "هاريل شوريف"- كبير الباحثين في مركز "موشيه دايان" لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا في جامعة تل أبيب، حيث يقول: " كنت أتحدث إلىمسؤول في السلطة الفلسطينية ورسالتهم لي واضحة "تدميرهم، دمرهم، هذه المرة يجب على إسرائيل تدمير حماس، وإلا انتهينا". وأضافَ شوريف: "بالطبع، علنًا، يدينون إسرائيل". ما نطالعه في بعض وسائل الإعلام العربية من تغطيات ومواقف ومعالجات تتناقض مع المواقف الرسمية المعلنة، وتصبّ جام غضبها على حركة حماس، وتحملها مسؤولية ما يعانيه الشعب في قطاع غزة، متناسية تمامًا الاحتلال الصهيوني الجاثم على صدر فلسطين منذ حوالي ٨٠ عامًا، وأنه السبب الحقيقي لمعاناة الشعب الفلسطيني، وما حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى إلا كيانات سياسية ذات امتدادات شعبية راسخة تقوم بواجبها في دحر الاحتلال، بعد أن فشلت كافة الجهود الدولية في استعادة حقوقه وإقامة دولته على أرضه.ومن هنا؛ وحتى تتضح نوايا الزعماء العرب، ويتأكد صدق تطابق مواقفهم المعلنة مع غير المعلنة، وحتى يقفوا إلى جانب مطالب شعوبهم الحثيثة بضرورة التصدّي للعدوان الصهيوني، فإنه يتوجب عاجلًا؛ القيام بما يأتي:
قيام جامعة الدول العربية بإصدار بيان توضيحي يردّ على ما جاء في مقال روس، وتؤكد فيه على رفضها الكامل لما تحمله تلك التصريحات من رسائل ودلالات. قيام الدول العربية ذات العلاقة بهذه التصريحات، بالتحقّق من الأمر ومعرفة المصادر التي استقى روس منها هذه التصريحات، وأن تقوم بالرد اللازم عليها.وإلا، فإن الشعوب العربية ستفهم- بما لا يدع مجالًا للشك- أن أنظمتها الحاكمة لا تزال تخدعها، وأن الحراك العربي الذي يجري في المحافل الدولية، إنما هو من باب ذرّ الرماد في العيون، وتهدئة خواطر الجماهير، وهو ما سيزيد من من حجم الشقّة بين أنظمة الدول العربية وشعوبها، وسيزيد من إذعانها للغرب على حساب سيادتها واستقلالها والتزاماتها القومية والتاريخية.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الشعب الفلسطینی الدول العربیة تدمیر حماس قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
الخيارات العربية فى غزة ولبنان!
ما بين قمم جماعية وأخرى ثنائية، وما بين نداءات بوقف النار ومفاوضات متواصلة لا تنتهى تبدو الدول العربية فى حالة تثير التساؤل بشأن قدرتها على التأثير على مجريات الحرب الدائرة على غزة ومن بعدها لبنان منذ أكثر من عام. طبعا المسألة ليست بالبساطة التى قد يتصورها البعض ولكن الكثيرين كانوا ينتظرون أن يكون للثقل العربى دوره على الأقل فى التخفيف من حجم البربرية الإسرائيلية مقابل ما اعتبرته بعض الدول العربية بربرية فلسطينية عبرت عنها وفق هذه الدول عملية طوفان الأقصى.
غير أنه فى مواجهة حالة جلد الذات بشأن ما يجب أن يتم عربيا لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وما بين الشعور بغياب ضرورة القيام بأى فعل انطلاقا من منظور البعض بأن العرب لا ناقة لهم ولا جمل فى هذه الحرب، وبين التصور الأقرب للرسمى بالعجز عن الفعل يقرر الواقع أن هناك ما يمكن القيام به ولو من منطلق أضعف الإيمان.
فى هذا المجال يجب التمييز بين شقين هما: القدرة على الفعل، وإرادة الفعل. فغير صحيح أن الدول العربية لا تملك ما يمكن أن تقوم به للتأثير على مجريات الأوضاع فى غزة، ولكن من الصحيح أنها لا تود أن تستخدم ما تملكه على خلفية رؤية خاصة بكل دولة ما يعنى فى النهاية أن الأزمة ناتجة عن غياب إرادة الفعل وليس القدرة عليه.
والحقيقة دون تهور أو إغراق فى خيالات لا صلة لها بالواقع، فإن خيار المساندة العسكرية ربما يجب استبعاده تماما ليس لأنه الخيار الخاطئ وإنما لأنه الخيار غير المطروح على طاولة الجانب العربى.. وحين نتحدث عن الجانب العربى فإننا لا نفترض أنه كتلة واحدة وإنما دول متعددة ولكن كل دولة على حدة تكاد تكون استقرت على هذا الأمر لأسبابها الخاصة.
ربما يطفو على السطح هنا خيار آخر له وجاهته ومنطقة وهو تسليح المقاومة الفلسطينية باعتبارها تقاوم إحتلال وهى مقاومة مشروعة بمقتضى القانون الدولى، وهو أمر يجد نظيرا له فى السياسة الدولية الحالية ممثلة فى حالة مساندة الغرب لأوكرانيا بالسلاح فى مواجهة ما يراه الغرب من اعتداء روسى على سيادة أوكرانيا والعمل على احتلال أراضيها.
لكن هذا الخيار قد يدخل فى دائرة المحظورات أو يمكن اعتباره المحظور الثانى بعد المواجهة العسكرية فى ضوء تعقد المواقف من حركات المقاومة ودمغها دوليا بأنها إرهابية رغم زيف هذا الاتهام، على نحو قد يضع الدول العربية فى عداد مساندة الإرهاب فى منظور الغرب بشكل أساسى وبشكل قد يتم معه تكتيل موقف دولى مناهض يستدعى مشكلات لا ترغب الدول العربية فى الدخول فيها.
كل هذا بعيداً عن السبب الذى يلوح به البعض دون أن نجزم به أو نؤيده وإن كنا نعتبر أنه سبب قائم ألا وهو الموقف السلبى لبعض الأنظمة العربية من حركات المقاومة والتى تتخذ طابعا إسلاميا وهو أمر يبعد عن تناولنا فى هذه السطور.
يبدو فى حدود الرؤية العامة أن الخيارات تضيق بشكل قد تصبح معه ليس هناك خيارات، وهو أمر غير صحيح، حيث يبرز ما نسميه الخيارات السلمية التى لا تأخذ شكلا صداميا ويمكن أن تؤتى أكلها. وعلى ذلك قد تكون العودة بالعلاقات العربية مع إسرائيل إلى المربع صفر نقطة بداية لمجموعة من الإجراءات التى قد تجبر إسرائيل على وقف الحرب. ويشمل ذلك إحياء المقاطعة واتخاذ إجراءات نحو وقف مسيرة دمج أو إدماج إسرائيل فى المنطقة. مجرد أفكار لكن ينقصها الرغبة فى التنفيذ ليس إلا!
[email protected]