حول مفاوضات جدة والجبهة المدنية ووقف الحرب

تاج السر عثمان بابو

1

حسب ما أعلن بدأت مفاوضات جدة برعاية أمريكية- سعودية ومشاركة الاتحاد الأفريقي والإيجاد بعد انقطاع دام أكثر من 4 شهور بين الجيش والدعم السريع لمناقشة: وقف إطلاق النار، إدخال المساعدات الإنسانية، وتدابير بناء الثقة من أجل إرساء اساس للحل بطريق تفاوضي، ولا تشمل قضايا سياسية.

كما تزامن مع المفاوضات انعقاد اجتماع الجبهة المدنية في أديس ابابا بمشاركة ضيقة من: قوى الحرية والتغيير، وأطراف الاتفاق الإطاري ود. عبد الله حمدوك، وممثلون من لجان المقاومة (4 لجان من العاصمة من أصل 113 لجنة موقعة على الميثاق الثوري حسب تصريح ناطقها الرسمي)، وشخصيات عامة، وحركات موقعة على اتفاق جوبا.

رحبت بالاجتماع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي للتوافق حول برنامج عمل قابل للتنفيذ للعدالة الانتقالية يضمن المحاسبة على الجرائم المرتكبة. وتطوير الموقف التفاوضي للقوى المدنية والإصلاح الأمني والعسكري. وإعادة البناء المؤسسي لأجهزة الدولة المدنية والنظامية والسلام ورتق النسيج الاجتماعي ومحاربة خطاب الكراهية. صناعة الدستور الدائم والبرنامج الاقتصادي لاعادة البناء والإعمار. الخ.

وهي قضايا بعضها يدخل في صلب المؤتمر الدستوري وتتطلب توسيع قاعدة المشاركة والخروج من الحلقة الشريرة من الانقلابات العسكرية التي دخلت فيها البلاد منذ الاستقلال وقادت للأزمة الوطنية العامة التي انتهت بالحرب الحالية.. مما يتطلب توافقا وتحالفا عريضا بحق.. وليس فوقيا يعيد سلبيات تجربة الوثيقة الدستورية والشراكة مع العسكر والافلات من المحاسبة والعقاب ، والتي انتهت بانقلاب 25 أكتوبر، والاتفاق الإطاري الذي انتهى بحرب 15 أبريل الكارثية.

2

اشرنا سابقا إلى ضرورة وقف الحرب التي دخلت شهرها السابع مع مخاطر إطالة أمدها وتحويلها لحرب قبلية واثنية يمتد لهيبها إلى المنطقة باسرها بحكم التداخل القبلي، فضلا عن مشاكل النزوح ،وتهديد وحدة البلاد، فقد أدت الحرب الي مقتل أكثر 9 ألف شخص جلهم من المدنيين، ونزوح أكثر من 5.8 مليون سوداني داخل وخارج البلاد حسب احصاءات الأمم المتحدة، اضافة لتدمير واحتلال البنية التحتية والمصانع، والمستشفيات، ومحطات المياه والكهرباء، ومواقع إنتاج النفط وتكريره كما في الجيلي وغرب كردفان. الخ مما يهدد حياة المواطنين بالجوع جراء المشاكل التي يواجهها الموسم الزراعي في نقص الوقود، ومدخلات الإنتاج، اضافة لنهب البنوك والأسواق واحتلال منازل وعربات المواطنين من الجنجويد، الاغتصاب والعنف الجنسي والتطهير العرقي في دارفور ولنقص الدواء، وغياب العلاج، وتوقف التعليم، وعدم صرف مرتبات العاملين لأكثر من اربعة أشهر، ومعاناة النازحين، وامتداد الحرب الي دارفور وكردفان وجنوب النيل الأزرق ، وجنوب كردفان بين الجيش وحركة الحلو، وغير ذلك من جرائم الحرب، التي يجب الا تمر بدون محاسبة المسؤولين عنها.

هذا الوضع المأساوى يتطلب البعد عن المراوغة، وارتفاع صوت العقل والقاء السلاح والتفاوض الجاد لوقف الحرب، وخروج الجيش والدعم السريع من المنازل والمؤسسات العامة، ومن السياسة والاقتصاد، وقيام الحكم المدني الديمقراطي، واستدامة السلام والديمقراطية والتنمية، وتعزيز السيادة الوطنية، وقيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم، وحماية ثروات البلاد من النهب، وتحويلها لنهضتها، ورفع مستوي معيشة الشعب.

فالاوضاع الهشة في البلاد لا تحتمل المراوغة.. بل التوجه لوقف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية.

3

اشرنا سابقا أن الهدف المباشر هو قيام اوسع تحالف لوقف الحرب التي بات خطرها يهدد وحدة البلاد، والاستفادة من دروس التجربة السابقة بايجابياتها وسلبياتها بهدف عدم إعادة إنتاج الأزمة والشراكة مع العسكر والدعم السريع والافلات من العقاب، والتصدي لإنقاذ الوطن من الكارثة المحدقة، مما يتطلب التصدي لمراوغات البرهان والفلول والدعم السريع التي سوف تؤدي بالبلاد للتهلكة.

وهذا يتطلب كما اشرنا سابقا الآتي على سبيل المثال لا الحصر:

– وقف الحرب وإسقاط الانقلاب العسكري.

– ووثيقة دستورية جديدة تؤكد الحكم المدني الديمقراطي والغاء كل القوانين المقيدة للحريات، وحل جهاز الأمن ليكون لجمع المعلومات وتحليلها.

– الحل الشامل العادل في السلام والعدالة بعد الغاء اتفاق جوبا ،والمؤتمرالجامع يشترك فيه النازحون في المعسكرات والتنظيمات السياسية والمدنية الذي يضمن وقف الحرب وعودة اللاجئين لمساكنهم و لحواكيرهم ورجوع المستوطنين لبلدانهم، والتعويض العادل وإعمار مناطقهم، وحل المليشيات، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، وقيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفنرة الانتقالية الذي يقرر في شكل الحكم

– قيام المجلس التشريعي الذي يختار رئيس الوزراء، والحكومة، يجيز القوانين المطلوبة.

– المحاسبة على جرائم الحرب، القصاص للشهداء في مجازر دارفور بتسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية، والمحاكم للمجازر والانتهاكات الأخيرة في دارفور والمنطقتين، ومجزرة فض الاعتصام، ومجازر مابعد انقلاب 25 أكتوبر.

– حل وتسريح مليشيات الدعم السريع، ومليشيات الكيزان، وجيوش الحركات المسلحة، وجمع السلاح في يد الجيش، وقيام الجيش القومي المهني الموحد.

– ضم كل شركات الجيش والدعم السريع والشرطة والأمن لولاية وزارة المالية.

– عودة المفصولين العسكريين والمدنيين وتوفيق أوضاعهم..

– إصدار قانون ديمقراطي للنقابات على أساس الفىة يحقق ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية السودانية.

– تمكين المرأة وتمثيلها بنسبة لا تقل عن 50% في المؤسسات التنفيذية والتشريعية، وتوفير فرص التعليم والتدريب والعمل للشباب.

– تحسين مستوي المعيشة وصرف مرتبات العاملين، ودعم المزارعين بمدخلات الإنتاج لمواجهة شبح المجاعة، ومجانية التعليم والعلاج، ودعم السلع الأساسية، وتركيز الأسعار، وسيطرة بنك السودان علي النقد الأجنبي، وقيام بورصات الذهب والصمغ ومؤسسات الأقطان والماشية، وانسياب عائدها بالعملة الصعبة لبنك السودان.

– التفكيك الكامل لنظام انقلاب 30 يونيو 1989 واستعادة أموال وممتلكات الشعب المنهوبة.

– السيادة الوطنية وعدم الارتباط بالمحاور الخارجية والرفض الحازم للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، واستعادة أراضي السودان المحتلة، ووقف قيام القواعد العسكرية لروسيا وأمريكا علي البحر الأحمر، وإعادة النظر في كل الاتفاقات حول الأراضي والتعدين المجحفة بشعب السودان ومستقبل أجياله، وغير ذلك من مهام الفترة الانتقالية وأهداف ثورة ديسمبر.

alsirbabo@yahoo.co.uk

الوسومأديس أبابا إسقاط الانقلاب التعليم الجبهة المدنية الجيش الحركات المسلحة الدعم السريع السودان تاج السر عثمان بابو مفاوضات جدة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أديس أبابا إسقاط الانقلاب التعليم الجبهة المدنية الجيش الحركات المسلحة الدعم السريع السودان مفاوضات جدة والدعم السریع مفاوضات جدة وقف الحرب

إقرأ أيضاً:

السودان بين الحركات المسلحة والتغيير السياسي- نحو اندماج كامل في الحياة المدنية

لطالما شكلت الحركات المسلحة في السودان جزءًا من المشهد السياسي والعسكري في البلاد، حيث لعبت دورًا كبيرًا في تشكيل الأحداث التاريخية والاضطرابات الداخلية التي عانى منها السودان لعقود. في ظل النزاعات المسلحة المستمرة والتوترات العرقية والسياسية، بات من الواضح أن الحلول العسكرية لم تؤدِ إلى تحقيق الاستقرار المنشود، بل زادت من تعقيد الأوضاع وتفتيت الوحدة الوطنية. وفي هذا السياق، يبرز التساؤل: هل يمكن أن تكون الحركات المسلحة جزءًا من الحل السياسي في السودان؟ وهل يمكن تحقيق اندماجها الكامل في الحياة المدنية؟
مخاوف الحركات المسلحة من انفصال الشمال وتفكك السودان
من أبرز القضايا التي تعقد المشهد السوداني هي مخاوف الحركات المسلحة من تفكك البلاد أو انفصال الشمال. هذه الحركات التي تنشط في مناطق مثل دارفور، النيل الأزرق، وجبال النوبة، تنظر إلى إمكانية انفصال الشمال كقضية تنقاس، إذ أنه ليس حلاً لمشاكل السودان العميقة. تتخوف هذه الحركات من أن الانفصال سيزيد من تهميش الأطراف ويعمق الفقر والصراعات، حيث سيتركها في مواجهة مشكلات اقتصادية وسياسية أكثر تعقيدًا.
في هذا الإطار، تدرك الحركات المسلحة أن التفاوض من أجل حقوقها في الحكم الذاتي أو التمثيل السياسي يجب أن يكون ضمن إطار دولة موحدة. الانفصال لن يحل قضية السودان التاريخية، بل قد يؤدي إلى تفكك أكبر وانهيار الدولة.
مخاوف أهل الشمال والوسط من الحركات المسلحة
في المقابل، يشعر أهل الشمال والوسط بقلق بالغ من تأثير الحركات المسلحة على استقرار البلاد وأمنها. هناك مخاوف من أن هذه الحركات قد تسعى إلى نقل النزاع المسلح إلى مناطق الشمال والوسط، مما قد يؤدي إلى عدم استقرار واسع النطاق. كذلك، هناك قلق من أن الحركات المسلحة قد تطالب بموارد وثروات بشكل غير عادل، مما قد يضر بمصالح الشمال والوسط.
أهل الشمال والوسط يخشون أيضًا من تفكك الهوية الوطنية وتفاقم التوترات العرقية والدينية إذا ما زادت الحركات المسلحة من نفوذها السياسي. هذه المخاوف تعزز الحذر من أن تحقيق مطالب الحركات المسلحة قد يؤدي إلى تقسيم البلاد وتفكك الدولة.
التحول إلى العمل السياسي المدني: ضرورة ملحة
في ظل هذه المخاوف المتبادلة والتحديات التي تواجه السودان، يصبح من الضروري أن تتحول الحركات المسلحة إلى كيانات سياسية مدنية. السودان بحاجة إلى بناء دولة ديمقراطية شاملة، حيث يتمكن الجميع من المشاركة في الشأن العام عبر الوسائل السياسية السلمية وليس عبر العنف أو التهديد بالسلاح.
شروط التحول الكامل إلى العمل المدني
التخلي عن السلاح: يجب أن تتخلى الحركات المسلحة عن استخدام السلاح كوسيلة لتحقيق أهدافها السياسية. العمل المسلح لن يؤدي إلى تحقيق الاستقرار أو العدالة، بل سيزيد من تعقيد الصراع ويعمق الانقسامات.
التحول إلى كيانات سياسية: ينبغي للحركات المسلحة أن تتحول إلى أحزاب سياسية مدنية تشارك في العملية الديمقراطية. هذا يتطلب تغييرًا في الخطاب السياسي، والابتعاد عن خطاب الكراهية والتحريض على العنف.
محاسبة مرتكبي الانتهاكات: لضمان تحقيق العدالة والمصالحة، يجب أن تقدم الحركات المسلحة ضمانات بمحاسبة كل من ارتكب جرائم أو انتهاكات ضد المدنيين. لا يمكن أن يكون هناك استقرار بدون عدالة، ولذلك يجب أن تكون هناك آلية واضحة لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم.
وميثاق يجرم العمل العسكري في الشأن العام: من الضروري صياغة ميثاق وطني يجرم استخدام القوة العسكرية لتحقيق أهداف سياسية. يجب أن يقر هذا الميثاق من قبل جميع الأطراف ويصبح جزءًا من الدستور الوطني، لضمان أن يكون العمل السياسي محصورًا في الوسائل السلمية فقط.
ميثاق تجريم العمل العسكري في الشأن العام السوداني
يقترح أن يشمل هذا الميثاق البنود التالية -
تجريم حمل السلاح: أي مجموعة تستخدم القوة المسلحة لأغراض سياسية يجب أن تعتبر خارجة عن القانون، وتتعرض للمحاسبة القانونية.
نزع السلاح من الحركات المسلحة: يجب أن تكون هناك عملية شاملة لنزع السلاح من كل الحركات المسلحة في السودان، بإشراف دولي ومحلي، لضمان أن تتحول هذه الحركات إلى كيانات مدنية.
تعزيز التوعية الوطنية: يجب أن تتضافر جهود الدولة والمجتمع المدني لتعزيز مفهوم العمل السياسي المدني، وتعليم الأجيال الجديدة أهمية السلم والعدالة والديمقراطية.
الالتزام بالعملية الديمقراطية: كل الأطراف السياسية، بما فيها الحركات المسلحة السابقة، يجب أن تلتزم بالديمقراطية كوسيلة وحيدة لحل النزاعات وتوزيع السلطة.
ونحو سودان موحد ومستقر , السودان يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تجاوز أزماته التاريخية والانتقال إلى مرحلة جديدة من الاستقرار والتطور. لن يتحقق هذا الانتقال ما لم تتخلى الحركات المسلحة عن السلاح وتتحول إلى كيانات سياسية مدنية تساهم في بناء الدولة. الوحدة الوطنية لا تتحقق بالقوة، بل عبر المصالحة والعدالة والمشاركة السياسية العادلة. الميثاق الذي يجرم العمل العسكري في الشأن العام هو خطوة أولى نحو بناء دولة سودانية قائمة على القانون والعدالة والديمقراطية، حيث تكون القوة الوحيدة هي قوة الشعب المتمثلة في المؤسسات الدستورية.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • قيادةَ «الدعم السريع» لم تتوقَّع أن تستمر الحرب الخاطفة إلى هذا الحد
  • السودان يحترق والقوى الأجنبية تستفيد.. ما المكاسب التي تجنيها الإمارات من الأزمة؟
  • تحالف مدني سوداني يجدد الدعوة لتسليم البشير ورفاقه لـ«الجنائية الدولية» ،، «القوى المدنية المتحدة» تدعو لوقف الحرب وتنفي علاقتها بـ«الدعم السريع»
  • تقرير تقصي الحقائق عن جرائم الحرب في السودان
  • البرهان يوافق على مبادرة من سلفاكير بشأن الحرب مع الدعم السريع
  • تحالف «قمم» يعلن عن تأسيسه في مؤتمر صحفي بكمبال
  • ???? هل سيحمل البرهان العالم لتصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية؟
  • مبارك الفاضل: الدعم السريع مغامرة وانتهت، وهو الآن يريد الخروج من المأزق بعد أن تحول لعصابات للنهب والسلب
  • هل سيحمل البرهان العالم لتصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية؟
  • السودان بين الحركات المسلحة والتغيير السياسي- نحو اندماج كامل في الحياة المدنية