جانب من الدمار جراء الانفجار الذي وقع في مستشفى المعمداني بغزة

بعد مرور أكثر من أسبوعين على الانفجار الهائل الذي وقع خارج المستشفى الأهلي "المعمداني" في قطاع غزة، لا تزال هناك الكثير من الأسئلة بلا أجوبة حيال ما حدث وأيضا الجهة المسؤولة عن الانفجار. لكن في المقابل، هناك كم كبير من المعلومات المضللة نظرا لأن القضية ذات حساسية كبيرة ومازالت في جوهر الصراع بين إسرائيل وحماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.

وعلى وقع ذلك، قامت العديد من المؤسسات الإعلامية ومنظمات استقصائية بتشكيل  فرق تحقيق مستقلة  للوقوف على حقيقة الروايات التي قدمها الطرفان، وكشفت هذه التحقيقات عن بعض الملابسات.

ومع عدم القدرة على الوصول إلى موقع الانفجار وظهور معلومات جديدة حول الواقعة بشكل شبه يومي، قامت DW بالنظر في بعض نتائج التحقيقات الاستقصائية من أجل المساعدة على تسليط الضوء على ما حدث في المستشفى المعمداني في تلك الليلة المشؤومة؟ ورغم ذلك، ما زالت هذه الأدلة غير حاسمة في تحديد ما الذي حدث؟ وأيضا تحديد الجهة المسؤولة؟

وقد دفع ذلك قادة دول غربية من أبرزهم المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الدعوة لإجراء تحقيق شامل في هذه الواقعة، فيما قالت الأمم المتحدة إن هناك "حاجة ملحة" لإجراء تحقيق مستقل. وبات الانفجار أحد أكثر الأحداث إثارة للجدل في الحرب القائمة بين إسرائيل وحماس. وبسبب تصاعد التوتر وحساسية القضية، فضل بعض الخبراء الذين حاولت DW استطلاع آرائهم في الأمر، عدم التعليق.

الليلة المشؤومة

وقع الانفجار في باحة المستشفى الأهلي "المعمداني" وسط مدينة غزة مساء السابع عشر من أكتوبر / تشرين الأول وتحديدا في الساعة السابعة مساء بالتوقيت المحلي. ويقول القائمون على المستشفى أنها الوحيدة في القطاع الخاضعة لإدارة مسيحية.

قالت حماس إن حصيلة قتلى انفجار مستشفى المعمداني بلغت 471 فيما أشار مسؤولون أمريكيون إلى أن الحصيلة تتراوح بين 100 إلى 300 قتيل

وظهرت أدلة تحدد   موقع الهجوم  وتوقيته فيما كان مقطع مصور مدته 20 ثانية جرى انتشاره على نطاق كبير عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وهو أول دليل مرئي مهم يظهر الانفجار الذي يبدأ بصوت صفير مقذوف قادم ثم تلى ذلك وقوع انفجار وحريق ضخم.

ويزعم من نشر الفيديو أنه يظهر الانفجار الذي أدى إلى مقتل عدد كبير من الأشخاص، لكن لم يتسن التأكد من أعداد القتلى والجرحى من مصدر مستقل نظرا لصعوبة وصول محققين إلى الموقع. وقالت وزارة الصحة في غزة إن 471 شخصا لقوا حتفهم، لكن الجيش الإسرائيلي قال إن هذا الرقم مبالغ فيه في الوقت الذي لم يعلن فيه عن أي حصيلة عن الضحايا. وأشار مسؤولون أمريكيون إلى أن عدد القتلى يتراوح ما بين 100 إلى 300 شخص.

من هي الجهة المسؤولة عن الانفجار؟

حركة حماس من جهتها حملت على الفور إسرائيل مسؤولية الانفجار، الذي قالت إنه نجم عن هجوم صاروخي، فيما نفت إسرائيل مسؤوليتها ونسبت المسؤولية إلى حركة الجهاد الإسلامي، وقال الجيش الإسرائيلي إن الانفجار نجم عن عملية إطلاق صاروخ فاشلة من قبل الحركة. 

ونفت الجهاد الإسلامي الأمر فيما قالت الاستخبارات الأمريكية قبل أيام إنها على "ثقة كبيرة" في أن الانفجار لم يكن ناجما عن عمل إسرائيلي، بل عن صاروخ فلسطيني انشطر في منتصف الطريق.

تزامن هذا مع حديث دول غربية مثل المملكة المتحدة وفرنسا وكندا عن أن تحليلاتها أظهرت أن  الانفجار  لم يكن ناجما عن صاروخ إسرائيلي، بل كان على الأرجح نتيجة لصاروخ أُطلق من داخل غزة.

فحص الأدلة المتوفرة

لم يقدم ممثلو المستشفى ولا سلطات حماس في غزة حتى الآن أي دليل يثبت أن الانفجار ناجم عن صاروخ أطلقته إسرائيل. ومع صعوبة وصول محققين مستقلين إلى موقع المستشفى، بدأت مؤسسات إعلامية ومنظمات استقصائية في إجراء أبحاث خاصة للمساعدة في الكشف عن المزيد من الغموض الذي يكتنف الانفجار.

وقد كرست بعض التحقيقات الكثير من الجهد للتدقيق في صور حفرة لتحديد اتجاه ونوع الصاروخ المستخدم. وقد أضطلع آخرون بالتحقق في الأدلة المرئية مثل المقاطع المصورة المنتشرة على منصات التواصل وأيضا تحليل الأصوات المسموعة في التسجيلات فضلا عن أدلة أخرى.

تحليل الأصوات

وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول، نشرت القناة الرابعة البريطانية تحليلا صوتيا ومرئيا أجرته منظمات غير حكومية متخصصة في التحقيقات المعنية بمثل هذه الوقائع. وألقى التحليل بظلال من الشكوك على بعض نقاط الرواية الإسرائيلية.

قامت بالتحليل الصوتي منظمة "إيرشوت" التي تُعرف نفسها بأنها منظمة معنية بالتحليل في الأدلة الصوتية في القضايا الحقوقية. وكشف التحليل في بادئ الأمر عن الاتجاه الذي ربما أُطلق منه الصاروخ.

من جانبه، سلط لورانس أبو حمدان، مدير التحقيقات في إيرشوت، الضوء على التحليل الصوتي لما يُعرف بـ "تأثير الدوبلر" في التحقيق الذي نشرته القناة الرابعة البريطانية، قائلاً: "إنه ضغط الموجات الصوتية عندما يتسارع جسم متحرك نحوك وهذا الجسم يصدر صوتا ثم يتحرك بعيدا. يتناقص هذا التردد، وتنخفض درجة الصوت."

وأشار التحليل الخاص بتقنية دوبلر إلى أن  الصاروخ الذي أصاب المستشفى  لم يأت من داخل جنوب غرب غزة كما يدعي الجانب الإسرائيلي، بل انطلق من مجموعة متنوعة من نقاط إطلاق نار محتملة شرق المستشفى. وفي حين أن هذه التقنية يمكن أن توفر أدلة مهمة حول الأحداث المحيطة بالانفجار، إلا أنه يكتنفها بعض القصور خاصة إذا كانت الأدلة الأساسية محدودة أو كان الصوت غير نقي.

يقول تيلمان فاغنر، الخبير في التحقيقات مفتوحة المصدر ومدير قسم الابتكارات في مؤسسة DW، إن الأمر ليس علميا بشكل دقيق. وأضاف "في هذه الحالة، نحن نتحدث بشكل أساسي عن نطاق مجال يبلغ 360 درجة يمكن أن يكون نطاق قدوم الصاروخ. ولهذا السبب لا يمكن تحديده حتى الآن وأيضا لا يمكن تحديد الموقع الدقيق للنقطة التي مر من خلالها الصاروخ".

وكشف التحليل عن دليل ثان يتمثل في التسجيل الصوتي الذي نشره   الجيش الإسرائيلي  والذي يزعم أنه يخص عنصرين من حماس يناقشان كيفية تعطيل صاروخ أطلقته حركة الجهاد الإسلامي وسقط على المستشفى الأهلي.

ومع ذلك، قال التحليل الصوتي إن هذا "التسجيل يتألف من قناتين منفصلتين ويوضح أن هذين الصوتين تم تسجيلهما بشكل مستقل ثم جرى تحريرهما معا في معمل صوتي رقمي. يظهر مستوى التلاعب في تحرير هذين الصوتين معا أنه لا يمكن أن يكون ذلك دليلا موثقا".

ويُضاف إلى ذلك، شكوك أثارها خبراء ناطقون باللغة العربية في القناة حيال "نبرة ولغة" الأصوات في التسجيل.

وأوضح فاغنر أن التحليل الصوتي "ليس دقيقا بنسبة 100 بالمائة، لكنه على الأقل يلقي ظلالا من الشكوك حول ما إذا كان هذا تسجيلا صحيحا أم تعرض للتلاعب عن طريق قطع أصوات ودمجها لتظهر أنها ضمن محادثة".

الحفرة العميقة

تعد الحفرة العميقة التي خلفها الانفجار واحدة من أهم الأدلة، حيث يمكن استخدامها لتحديد مكان إطلاق الصاروخ ونوعه. وقال فريق في مجموعة "بيلينغكات" للصحافة الاستقصائية إن الحفرة ربما ناتجة عن الارتطام، مستشهدا في ذلك بتحليل نشره مارك جارلاسكو، المحقق السابق في جرائم الحرب بالأمم المتحدة ومستشار عسكري في منظمة باكس الهولندية.

وفي تغريدة على موقع إكس، تويتر سابقا، قال جارلاسكو إن "الضرر السطحي الكبير وعدم ظهور حفر لا يتسق مع الغارات الجوية"، مضيفا "أن أصغر قنبلة من طراز جدام تترك حفرة بعمق ثلاثة أمتار".

ويشير جارلاسكو في حديثه إلى ذخيرة الهجوم المباشر المشترك التي يُطلق عليها "جدام" وهي وسيلة تحول القنابل غير الموجهة التي توصف بـ "الغبية" إلى قنابل موجهة بدقة بفضل أجهزة "جي بي إس" وهو أنواع من القنابل قام الجيش الأمريكي بتطويرها، لذا يمكن أن يستخدمها الجيش الإسرائيلي.

ويدعم هذا التحليل إصرار إسرائيل على أنها لم تكن وراء الانفجار فيما أكد جارلاسكو أنه "مهما كان ما أصاب المستشفى في غزة، فهو لم يكن غارة جوية". 

وفي منشور منفصل، أشار إلى حقيقة أن حماس لم تُقدم على نشر أي بقايا  للصاروخ الإسرائيلي  التي قالت إنه تسبب في الانفجار، مضيفا "خلال 20 عاما من التحقيق في جرائم الحرب، هذه هي المرة الأولى التي لا أرى فيها أي بقايا من أسلحة. ولقد شاركت في التحقيق في ثلاث حروب في غزة."

ويتفق في هذا الرأي ناثان روسر من معهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي، الممول جزئيا من وزارة الدفاع الأسترالية، حيث كتب على موقع "إكس" إن "صور الموقع لا تشير إلى حدوث انفجار كبير كما لو كان ناجما عن غارة جوية."

وفيما يتعلق بالحفرة، قالت القناة الرابعة البريطانية في تقريرها إلى أن تحليل صورة الحفرة الذي أجرته منظمة "فورنسك أركتكشر" البريطانية يطابق التحليل الصوتي لمسار الصاروخ.

وكشف التحليل عن أن الصاروخ الذي استهدف المستشفى جرى إطلاقه من الشمال الشرقي وليس من الجنوب الغربي لقطاع غزة، كما يقول الجيش الإسرائيلي. ومع ذلك، أكد المحللون أن ما قاموا به يعد تحقيقا أوليا، ما يعني ضرورة إجراء تحقيق كامل وهو ما يعد فرضية غير مرجحة في الوقت الحالي نظرا للوضع في القطاع.

التشكيك في الرواية الإسرائيلية

ولم تكن القناة الرابعة البريطانية المؤسسة الإعلامية الوحيدة التي شككت في الرواية الإسرائيلية ، إذ كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن تناقضات في أحد المقاطع المصورة التي قال المسؤولون الإسرائيليون إنها دليل على عدم تورطهم في الانفجار.

وقالت الصحيفة إن الفيديو "لا يتصل بالقتال الذي اندلع على الحدود بين إسرائيل وغزة في تلك الليلة".

وأشار التحليل إلى أن المقطع المصور الذي سجلته كاميرا قناة الجزيرة على الهواء مباشرة، يظهر في الواقع أمرا مغايرا فيما قالت الصحيفة إنه "من المرجح أن الصاروخ الذي ظهر في الفيديو ليس هو الذي تسبب في الانفجار الذي وقع في المستشفى. لقد انفجر في السماء على بعد ميلين تقريبا".

وخلصت الصحيفة في تحقيقها إلى أن الصاروخ الذي ظهر في الفيديو لم يكن قرب المستشفى على الإطلاق، مضيفة "الصاروخ أُطلق من إسرائيل، وليس من غزة، ويبدو أنه انفجر فوق الحدود بين إسرائيل وغزة، على بعد ميلين (حوالي 3.2 كيلومتر) على الأقل من المستشفى."

ومع ذلك، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن "ادعاء أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية بأن الانفجار نجم عن محاولة إطلاق فاشلة لصاروخ فلسطيني مازال جديرا بالتصديق". وقالت الصحيفة إن مسؤولين أمريكيين أكدوا لها أنهم على درجة كبيرة من الثقة من أن الانفجار لم يكن ناجما عن صاروخ إسرائيلي.

راشيل بيغ و توماس سبارو / م. ع

المصدر: DW عربية

كلمات دلالية: أخبار كاذبة اسرائيل حماس غزة الحرب بين إسرائيل وحماس قصف مستشفى الأهلي المعمداني حركة حماس في غزة حركة الجهاد الإسلامي الجيش الإسرائيلي أخبار كاذبة اسرائيل حماس غزة الحرب بين إسرائيل وحماس قصف مستشفى الأهلي المعمداني حركة حماس في غزة حركة الجهاد الإسلامي الجيش الإسرائيلي الجیش الإسرائیلی الانفجار الذی الصاروخ الذی أن الانفجار بین إسرائیل عن صاروخ یمکن أن لم یکن فی غزة طلق من إلى أن

إقرأ أيضاً:

إعلام الاحتلال: أضرار كبيرة خلفها الصاروخ اليمني الذي استهدف قلب “تل أبيب” فجرًا

الجديد برس|

تناولت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم السبت، حجم الأضرار الكبيرة التي خلفها الصاروخ اليمني الذي استهدف قلب “تل أبيب” فجرًا، مسلطةً الضوء على الفشل الإسرائيلي في التصدي للقدرات اليمنية المتطورة.

ووصفت صحيفة يديعوت أحرونوت مشهد الدمار بقولها: “كل شيء مدمّر، كل شيء محطّم”، مشيرةً إلى أن الانفجار ألحق أضرارًا بالغة بالمباني المجاورة للملعب المستهدف، وأدى إلى إصابة أكثر من ٣٠ شخصًا.

من جانبها، اعترفت صحيفة معاريف بأن “إسرائيل لا تعرف كيف تتعامل مع اليمن”، مؤكدةً فشل محاولات الاعتراض تمامًا. وأضافت أن “إسرائيل أدركت التهديد القادم من اليمن بعد فوات الأوان”، مما جعلها عاجزة عن تحقيق الردع أو التعامل الاستخباري الفعّال.

كما أفادت الصحيفة أن الانفجار وقع قبل تشغيل صفارات الإنذار، ما منع السكان من الوصول إلى الملاجئ، مشيرةً إلى تأثير العمليات اليمنية على الاقتصاد الإسرائيلي على مدى أكثر من عام.

فشل نظام “حيتس” 

اعترف “جيش” الاحتلال في بيان رسمي بأن محاولات اعتراض الصاروخ باستخدام نظام “حيتس” للدفاع الجوي باءت بالفشل، رغم إطلاق عدة صواريخ اعتراضية.

وفي هذا السياق، قال محلل الشؤون العسكرية أمير بوحبوط: “المواجهة مع اليمن أظهرت فجوة استخبارية كبيرة في التقديرات وبنك الأهداف”.

الصواريخ اليمنية تتحدى أنظمة الدفاع 

وأشارت صحيفة معاريف إلى أن الصواريخ الباليستية اليمنية شهدت تحسينات ملحوظة، مما يجعلها تتفوق على نظام “حيتس”، الذي فشل في اعتراض الصواريخ القادمة من اليمن ثلاث مرات، ومن لبنان مرة واحدة.

كما كشف تقرير لموقع ميفزكلايف أن الصاروخ اليمني ربما استخدم مسارًا فريدًا يصعب اكتشافه، إلى جانب رأس حربي متطور قادر على تغيير مساره أثناء الطيران، ما يزيد من تعقيد جهود الاعتراض.

مقالات مشابهة

  • تحقيقات صهيونية تؤكد فشل محاولات اعتراض الصاروخ اليمني
  • قوات الاحتلال تلقي قنابل حارقة على مولدات الكهرباء في مستشفى كمال عدوان بغزة
  • المحتل الصهيوني يقصف مجددا مستشفى كمال عدوان بغزة
  • الاحتلال يقصف مدرسة تؤوي نازحين بغزة ويستهدف مستشفى كمال عدوان
  • الصحة بغزة: هجوم صهيوني غير مسبوق على مستشفى كمال عدوان
  • وزارة الصحة بغزة: جيش الاحتلال يطالب بإخلاء مستشفى كمال عدوان
  • إعلام الاحتلال: أضرار كبيرة خلفها الصاروخ اليمني الذي استهدف قلب “تل أبيب” فجرًا
  • أول رد إسرائيلي على الصاروخ اليمني الذي سقط في تل أبيب
  • سقوط جرحي في إسرائيل مع استهداف تل أبيب بصاروخ من اليمن
  • انتهاكات لا تنتهي.. ماذا نعرف عن مشفى العودة الذي يستهدفه الاحتلال؟