على أطراف الصحراء.. براميل وذخيرة من الحرب العالمية الثانية في متحف حملة تونس
تاريخ النشر: 31st, October 2023 GMT
لا شيء يوحي بوجود أي نشاط ثقافي بمنطقة "أولاد يحيى" الريفية الهادئة التي تبعد نحو 4 كيلومترات عن مركز مدينة بئر لحمر، التابعة لمحافظة تطاوين، جنوب شرقي تونس.
أغلب أهل "أولاد يحيى" يعملون في الفلاحة، إلى أن تكتشف المتحف الخاص بالشابة زينب اليحياوي، الذي يحمل اسم "حملة تونس" ويوثق مرحلة مهمة في تاريخ البلاد تعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية بين 1942 و1943.
اليحياوي، الحاصلة على الإجازة الوطنية في التراث والآثار من الجامعة التونسية، افتتحت في أواخر 2022 متحفها الخاص، انطلاقا من شغفها بالتراث.
وعلى مساحة 120 مترا مربعا يعرض المتحف أكثر من ألف قطعة حربيّة وأدوات عسكرية مختلفة من مخلفات المعارك التي دارت على أرض تونس خلال الحرب العالمية الثانية، والتي راح ضحيتها آلاف الجنود المشاركين في المعارك وحتى من المدنيين التونسيين.
محتوى المتحفيبدو المتحف كمرآب كبير؛ حيث يضم حوالي ألف قطعة حربية وأدوات أخرى مختلفة من مخلفات الحرب قضت صاحبته قرابة 3 سنوات في جمعها من عدة مناطق في البلاد.
ووفقا للمؤرخ الألماني بيتر ليب المتخصص في تاريخ ألمانيا النازية؛ نُقل إلى تونس بدءا من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1942 وحتى أبريل/نيسان 1943 ما مجموعه 137 ألف جندي ألماني و40 ألف جندي إيطالي و495 دبابة وحوالي 975 قطعة مدفعية.
متحف "حملة تونس" يضم حوالي ألف قطعة حربية وأدوات أخرى مختلفة من مخلفات الحرب (صفحة المتحف على فيسبوك)وينتشر الكثير من تلك القطع أو المعدات على نطاق واسع بين المزارعين وسكان المناطق الريفية، حيث تستخدم في الغالب في الأنشطة الزراعية، كما يجري اكتشاف قنابل مدفونة تحت الأرض بشكل متواتر.
وتقول اليحياوي إن ولعها بالتراث منذ صغرها دفعها إلى التخصص في هذا المجال والبحث في مرحلة تاريخية لم تحظ بالتدقيق الكافي من قبل المؤرخين. وتضيف أن المتحف كان بمثابة "الحلم" بالنسبة لها.
ومن بين مخلفات الجنود الذين شاركوا في تلك المعارك، حاملات لواقيات الغاز وعبوات أكسجين طيار وقناني ماء بلاستيكية، بعضها ألمانية وأخرى فرنسية.
وهناك أيضا أواني أكل وأجهزة راديو عتيقة لا تزال في حالة جيدة وآلات "رقن" لفها الصدأ.
مقتنيات حربية بمتحف "حملة تونس" (صفحة المتحف على فيسبوك)ويقدم المتحف نماذج من قذائف غير محشوة وذخيرة تعود إلى المعارك في تلك الفترة وبراميل وصناديق ذخيرة وأوعية محروقات وفوانيس ومواقيد تقليدية سهلة الحمل.
ومن بين المقتنيات المعروضة حذاء لجندي أميركي في حالة جيدة يعود لعام 1941. تصنفه صاحبة المتحف كقطعة "ثمينة جدا" تخفي قصة جندي من بين عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين الذين قدموا من الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي لدحر القوات الألمانية.
وعلى الجدران تتوزع صور أرشيفية عن جبهات القتال وقادة ميدانيين وصور لضحايا تونسيين سقطوا في المعارك، من بينهم ضحايا مجزرة "هنشير الصفصافة" بولاية باجة شمال غرب البلاد، وعددهم 9 ضحايا تونسيين والعاشر مغربي.
وتبرز صورتان مجاورتان لتونسيين متطوعين ضمن القوات الألمانية أمام عربات ناقلة للجنود وصور لدمار بأحياء سكنية تضررت جراء القصف العسكري.
كما يوثق المتحف بالصور لأعمال تسخير بالقوة استهدفت أفراد الأقلية اليهودية بتونس من قبل القوات النازية لإجبارهم على العمل في المعسكرات.
وتكشف صور التقطت في بداية الحملة مرور وحدات من الجيش الألماني وسط العاصمة وصور أخرى التقطت بعدها بأشهر تؤرخ لاستعراض عسكري لقوات الحلفاء في الشارع الرئيسي المعرروف اليوم باسم الحبيب بورقيبة، بعد انتهاء حملة تونس بهزيمة قوات المحور في 13 مايو/أيار عام 1943.
مقتنيات حربية بمتحف "حملة تونس" (صفحة المتحف على فيسبوك) مراجع ووثائقيضم المتحف مراجع وكتبا ومذكرات تؤرخ للحملة موجهة للباحثين. وتكشف وثيقة نادرة عن مراسلة من ممثل السلطات في منطقة "ورغة" بولاية "مدنين" إلى وزير الداخلية محمود الماطري آنذاك بتاريخ الخامس من مارس/آذار 1943، لإحاطته بآثار القصف الجوي الذي بدأ في 19 يناير/كانون الثاني من نفس العام وطال المنطقة وتسبب في سقوط ما لا يقل عن 60 قتيلا وعن نزوح السكان إلى المناطق الجبلية.
وجاء في مقتطفٍ من الوثيقة "أما السكان فهم الآن في راحة ما، وقد أصيب عدد منهم قبل الانجلاء بقاذفات الطيران فمات البعض تحت الردم وآخرون بالشوارع ولم نتمكن من ضبط عدد الموتى لتفرق الناس بمجرد وقوع الرمي الذي بدأ يوم 19 ديسمبر/كانون الأول عام 1943 ولا يستبعد أن يكون عدد الأموات 60 على أقل تقدير".
وتقول الباحثة إن المتحف نجح في خلال مدة قصيرة أن يستقطب الزائرين وطلبة المدارس في المنطقة الريفية ما يعزز معارفهم بحقبة مهمة في تاريخ تونس.
الكثير من القطع أو المعدات كان منتشرا بين سكان المنطقة قبل أن يضمه المتحف (صفحة المتحف على فيسبوك)وتعد الحملة التي بدأت في 17 نوفمبر/تشرين الثاني واستمرت حتى 13 مايو/أيار 1943، منعرجا للحرب العالمية بجانب حملة الجيش النازي على الاتحاد السوفياتي. ووفق المؤرخين دارت 9 معارك رئيسية بين قوات الحلفاء وقوات المحور في "حملة تونس" أشهرها معركة "خط مارث" جنوب البلاد.
وبدأت الحملة العسكرية بنجاح عسكري لقوات المحور؛ إلا أنه سرعان ما تحول إلى هزائم متتالية بسبب التفوق العسكري الواضح لقوات الحلفاء على مستوى المعدات والمؤونة.
وكانت الضربة القاضية في معركة القصرين التي وضعت نهاية لوجود قوات المحور في تونس، وأدت إلى أسر حوالي ربع مليون جندي إيطالي وألماني، إضافة إلى الغالبية العظمى من قوات فيلق الصحراء.
وليس بعيدا عن "تطاوين" تضم مدينة مارث التابعة لولاية قابس اليوم، متحفا عسكريا يخضع لإدارة وزارة الدفاع وهو يؤرخ لمعركة خط مارث الشهيرة.
ووفق المؤرخ التونسي فيصل الشريف خلفت "حملة تونس" حوالي 90 ألف قتيل من بينهم 8 آلاف من المدنيين التونسيين بجانب آثار كارثية على المعيشة والبيئة والبنية التحتية في مدن الصراع.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حملة تونس من بین
إقرأ أيضاً:
“بيعت في مناطق حدودية وجنوب السودان”.. اتهامات لسلطات جوبا بإهمال مناشدات ضبط الآثار السودانية المسروقة
شف مسؤولون ومصادر حكومية سودانية عن متابعة وملاحقة الآثار السودانية المسروقة من عدد من المتاحف، خاصة تلك التي مرت عبر جنوب السودان أو عبر الحدود، ولم يتسن بعد تحديد حجم أو قيمة المسروقات بسبب صعوبة وصول المسؤولين إلى المتحف القومي بالخرطوم والمتاحف الأخرى في أنحاء
منتدى الإعلام السوداني: غرفة التحرير المشتركة
اعداد وتحرير: سودان تربيون
الخرطوم :20 يناير 2025 - كشف مسؤولون ومصادر حكومية سودانية عن متابعة وملاحقة الآثار السودانية المسروقة من عدد من المتاحف، خاصة تلك التي مرت عبر جنوب السودان أو عبر الحدود.
ولم يتسن بعد تحديد حجم أو قيمة المسروقات بسبب صعوبة وصول المسؤولين إلى المتحف القومي بالخرطوم والمتاحف الأخرى في أنحاء مختلفة من البلاد، والتي تقع جميعها في مناطق اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وخسر السودان تاريخاً كاملاً، معززا بآثاره الثقافية، بعد سرقة مخزن رئيسي لآثاره في المتحف القومي بالخرطوم. وتعرض المتحف للنهب، ولم يتم التأكد بعد من حجم الآثار المسروقة، حيث لم يتمكن المسؤولون من الوصول إليها.
آثار ضائعة
وأكدت مديرة المتاحف بالهيئة القومية للآثار السودانية ورئيسة لجنة استرداد الآثار السودانية الدكتورة إخلاص عبد اللطيف، في حديث لـ«سودان تربيون» أن المتحف القومي بالسودان تعرض لعملية نهب كبيرة من قبل قوات الدعم السريع.
وتم افتتاح المتحف القومي عام 1971، وهو يقع في العاصمة ويطل مدخله على ضفة النيل الأزرق، ويضم مقتنيات وقطعا تؤرّخ لجميع فترات الحضارة السودانية بدءا من العصور الحجرية وحتى الفترة الإسلامية مرورا بالآثار النوبية والمسيحية.
وفي ذات السياق أكدت إخلاص، أن الآثار الموجودة في المتحف تم نقلها بشاحنات كبيرة عبر أم درمان إلى غرب السودان ومن هناك إلى الحدود خاصة إلى دولة جنوب السودان.
يأتي ذلك في الوقت الذي أكدت فيه مصادر خاصة في جوبا لـ«سودان تربيون» قيام مجموعة من تجار الآثار من بعض الدول الأوروبية والأفريقية بشراء هذه الآثار ونقلها خارج البلاد.
وفي مقابل ذلك، اتهم مسؤول حكومي في حديث لـ«سودان تربيون» السلطات في جوبا بإهمال التواصل مع السودان بشأن آثاره المسروقة وتورط مسؤولين جنوبيين في تهريب آثار سودانية مسروقة إلى الخارج بعد بيعها بجوبا.
وأوضح المسؤول أن السودان خاطب دولة جنوب السودان رسمياً لتعقب هذه الآثار ومنع نقلها وبيعها وخروجها ومصادرتها، إلا أن السلطات في جوبا لم تستجب له.
وقال إن السلطات في جوبا لم تهتم بالأمر، مؤكدا أن هناك آثاراً تم بيعها بتسهيلات من مسؤولين في حكومة جوبا- لكنه لم يقدم أدلة على ذلك خلال حديثه-.
في هذه الأثناء أكدت مديرة المتاحف بالهيئة القومية للآثار السودانية الدكتورة إخلاص عبد اللطيف، تعرض متاحف أخرى للنهب والتدمير، مؤكدة أن متحف نيالا بدارفور تعرض لنهب كل ممتلكاته ومقتنياته بالإضافة إلى الأثاث وخزائن العرض.
كما تعرض متحف الخليفة عبد الله التعايشي بأم درمان للسرقة وتدمير أجزاء من المبنى وفقا لحديث إخلاص.
وأوضحت في الوقت نفسه، أنّ المجاميع المتحفية ترجع إلى جميع العصور التاريخية القديمة منذ العصر الحجري وحضارة كرمة ونبتا ومروي وما قبل المسيحية والمسيحية والإسلامية، حيث أن مخازن متحف السودان القومي تُعتبر المستودع الرئيس لكل آثار السودان.
ويعدّ متحف السودان القومي، أكبر المتاحف في البلاد، ويحتضن تطور الحياة السودانية وحضارتها منذ الفترة النوبية بآثارها والمسيحية والعصور الحجرية حتى الفترة الاسلامية.
مطاردة بالانتربول
وأكد المسؤول الحكومي أن السلطات السودانية، عبر أجهزة الأمن والمخابرات، رصدت آثاراً سودانية معروضة في مدينة جوبا، خاصة مجموعة نادرة من الكنوز (القطع الأثرية) في أحد الفنادق.
وتحدث عن عرض مجموعة من القطع الخاصة بالعصر الحجري ومعها قطع أخرى تخص الحضارة النوبية، وكشف أن عمليات المتابعة تجري حاليا مع الإنتربول لتعقب هذه القطع وغيرها بالتنسيق مع اليونسكو، وأن كل الآثار تُعتبر سُرّقت رغم عدم التأكد من ذلك.
وقال المسؤول، "إن رصد وتتبع كل الآثار الموجودة في المتحف يعزز فرص حمايتها، ولا يوجد يقين بأنها كلها مسروقة، لكن لضمان حمايتها فضلت السلطات الإبلاغ عن سرقة محتويات المتحف بالكامل".
وذكر أن الآثار المتتعبة حاليًا تشمل منحوتات وتماثيل وأسلحة وآنيات أثرية ذات قيمة تاريخية ومادية عالية جداً.
وتعرضت آلاف القطع الآثرية السودانية للسرقة خلال الحرب من المتحف القومي، وعرضت قطع منها على موقع (إي باي) مقابل 200 دولار وكانت عبارة عن 3 تماثيل على قاعدة واحدة تضم رجل وامرأة وطفل لكن الموقع قام لاحقاً بحذف تلك المعروضات.
وفي نوفمبر الماضي، ألقت المباحث الجنائية في ولاية نهر النيل شمال السودان، القبض على مجموعة مكونة من عشرة أشخاص أجانب كانوا في طريقهم لتهريب قطع أثرية نادرة مسروقة من متحف السودان القومي.
وأعلنت المباحث حينها عن ضبط قطع أثرية أخرى مسروقة من متحف نيالا بجنوب دارفور، حيث تم إخفاء القطع الأثرية لفترة في أحد المصانع بمدينة عطبرة، وبعضها تم إخفاءه في أحد المنازل.
وشملت الآثار المضبوطة تمثالين أثريين نادرين مزخرفين بنقوش قديمة، 7 أباريق نحاسية تاريخية، بالإضافة إلى خنجر ومدق أثريين يعودان لعهود قديمة.
وقبل فترة قصيرة تعرضت المعالم التاريخية في متحف وقصر السلطان علي دينار بالفاشر للقصف من قبل قوات الدعم السريع ما أدى إلى حرق أجزاء كبيرة من القصر وتدمير محتويات القصر وأثاثه.
وقالت مصادر في المدينة لـ«سودان تربيون»، إن المتحف تعرض لأضرار بالغة، حيث أتت النيران على متعلقات السلطان الشخصية، بالإضافة إلى تدمير واسع للمبنى.
ودعت اليونسكو في بيان قبل شهرين، الجمهور والأفراد العاملين في تجارة السلع الثقافية في المنطقة وفي كل أنحاء العالم إلى الامتناع عن حيازة ممتلكات ثقافية من السودان أو المشاركة في استيرادها أو تصديرها أو نقلها.
وأكدت أن مجموعات رئيسية عديدة أخرى تشهد على تاريخ السودان الغني، أُبلغ عن سرقتها من متحف بيت الخليفة ومتحف نيالا.
ومع ذلك، أبدى خبراء في الآثار مخاوفهم من تعرض التماثيل الكبيرة بالمتحف القومي للتدمير بسبب المواجهات العسكرية المحتدمة بين الجانبين بالقرب منه.
كما يخاف الخبراء من العبث وتدمير النصب التذكارية والتماثيل الكبيرة للدمار بسبب محاولة تحريكها ونقلها أو إقتطاعها لتسويقها، فيما تؤكد اليونسكو تعرض 10 متاحف ومراكز ثقافية للنهب والسرقة والتخريب في السودان منذ ظهور الحرب.
ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني
#SilenceKills #الصمت_يقتل #NoTimeToWasteForSudan #الوضع_في_السودان_لا_يحتمل_التأجيل #StandWithSudan #ساندوا_السودان #SudanMediaForum