من ديغول لماكرون.. كيف تحول موقف فرنسا من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
تاريخ النشر: 31st, October 2023 GMT
باريس- منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أعربت الحكومة الفرنسية عن دعمها غير المشروط لإسرائيل، ودافعت عن حقها في الدفاع عن النفس ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وعند التطرق إلى كواليس الدبلوماسية الفرنسية بشكلها "الرسمي"، يبدو أن الحكومات المتعاقبة لم تتخل عن المبدأ "الديغولي" -نسبة إلى الجنرال شارل ديغول– بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني "حل الدولتين".
لكن تاريخ السياسة الخارجية للبلاد كشف الانسلاخ التدريجي عن هذا المفهوم على مدار نحو 20 عاما حيث يشكل رئيس الجمهورية الحالي إيمانويل ماكرون مثالا حيا على استمرارية نقطة التحول الصامتة هذه، والتي بدأها أسلافه من قبله نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند.
ديغول دعم قرار مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية (مواقع التواصل) ديغول.. عراب القطيعةبدأت العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا وإسرائيل فعليا في نوفمبر/تشرين الثاني 1947 عندما صوتت باريس لصالح قرار الأمم المتحدة الرامي إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، قبل أن تعترف بعد عام من ذلك باستقلال إسرائيل.
ومهد هذا الاعتراف إلى تعاون مكثف بين الطرفين، خاصة فيما يتعلق بتزويد تل أبيب بالأسلحة النووية أو خلال أزمة قناة السويس المصرية في عام 1956.
وبعد أيام قليلة من حرب الأيام الستة، عقد رئيس الجمهورية آنذاك شارل ديغول مؤتمرا صحفيا لإصدار مرسوم بتعليق بيع الأسلحة لتل أبيب. كما قدم دعمه لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
وقد دخلت هذه الصياغة الجديدة في السجلات الدبلوماسية بين باريس وتل أبيب، وأحدثت شرخا وتحولا حقيقيا مع حليفتها في الحرب ضد القومية العربية في المنطقة.
ويرى السيناتور ورئيس مجموعة "فلسطين ـ فرنسا" في البرلمان الفرنسي سابقا جيلبير روجيه أن الجنرال ديغول تصرف على هذا النحو، لأنه اعتقد أن "إسرائيل تريد أن يكون لها موقف توسعي إلى حد ما في الضفة الغربية على وجه الخصوص، ففي ذلك الوقت لم يكن الحديث متركزا على غزة".
وأضاف روجيه ـ في حديثه للجزيرة نت- أن موقف ديغول كان هدفه القول لإسرائيل "كفى، توقفي، هناك حدود لا ينبغي تجاوزها".
ميتران أول رئيس دولة اشتراكي للجمهورية الخامسة يزور إسرائيل (غيتي) ميتران.. صديق إسرائيلوبعد مرور 34 عاما على تأسيس دولة الاحتلال، زار أول رئيس دولة اشتراكي للجمهورية الخامسة فرانسوا ميتران إسرائيل للتحدث أمام الكنيست، ليؤكد أن "الشعب الفرنسي صديق للشعب الإسرائيلي".
كما أنه لم يتردد في الإعراب عن تأييده لاتفاقيات كامب ديفيد ومعارضته لدعوات مقاطعة الدولة العبرية. لكنه فاجأ الحضور بمناقشته "القضية الفلسطينية"، قائلا إن "الأمر متروك للفلسطينيين ليقرروا مصيرهم بأنفسهم بشرط وحيد هو أن يضعوا حقوقهم في احترام حقوق الآخرين، وفي احترام القانون الدولي، وفي الحوار الذي يحل محل العنف".
وترجمت تصريحاته على أنها وسيلة للاعتراف بالفلسطينيين الذين كانوا ممثلين من قبل منظمة التحرير الفلسطينية التي اعتبرتها السلطات الإسرائيلية آنذاك منظمة إرهابية.
ويعتقد روجيه أن زيارة ميتران مهدت لتحسين العلاقات بين فرنسا وإسرائيل، معربا عن إعجابه الشديد بسياسة هذا الرجل "لأنه لم يخف ارتباطه بإسرائيل، لكنه في الوقت ذاته لم ينأ بنفسه عن الرغبة في الاعتراف بفلسطين".
وأضاف "أظهر لنا التاريخ للأسف أن زيارته لم تأت بثمارها لتحقيق هذا التوازن والسلام والاحترام المنشود".
شيراك (يسار) استقبل في باريس عام 2005 رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون (رويترز) شيراك.. حامل راية السلاماعتبر روجيه مواقف الجنرال ديغول والرئيسين ميتران وجاك شيراك متوازنة، وتصب في تحقيق الاعتراف بدولة فلسطين، إلى جانب إسرائيل بسلام وأمن. واليوم، أود القول "إن الخلل يكمن في أننا لا نعرف حقا ما يريده الرئيس ماكرون لمستقبل منطقة الشرق الأوسط".
وأضاف أنه في 23 أكتوبر/تشرين الأول 1996، ذهب شيراك إلى رام الله بالضفة الغربية لإلقاء خطاب سلام يهدف إلى التأكيد على أن وجود دولة فلسطينية مرهون بالأمن الدائم لإسرائيل.
وعلق السيناتور الفرنسي السابق على هذه الفترة التاريخية بالقول إن "الرئيس جاك شيراك لم يكن شخصا يتحمل الادعاءات الكاذبة، فقد وجد أن خطابه بعيد كل البعد عن الإجراءات الحقيقية التي نفذتها السلطات الإسرائيلية على أرض الواقع. وهذا هو ما دفعه إلى إلقاء خطاب بلهجة حازمة".
ولفت الرئيس الفرنسي أمام نظيره الفلسطيني ياسر عرفات وأعضاء المجلس التشريعي إلى "عراقة العلاقات الفرنسية الفلسطينية" بعد أيام قليلة من زيارته المليئة بالأحداث في شوارع القدس.
فمنذ ذلك اليوم عرف بعبارته الشهيرة "هل تريد مني أن أستقل طائرتي، وأعود إلى فرنسا؟" بسبب استيائه من منع أجهزة الأمن الإسرائيلية المواطنين الفلسطينيين من الاقتراب منه أو التحدث معه خلال زيارته للبلدة القديمة.
وبفضل هذا المشهد، اكتسب شيراك شعبية هائلة عند أهل فلسطين والدول العربية، خاصة بعد حفاظه على علاقات جيدة مع عرفات.
ولهذا السبب أيضا، يقول روجيه "لو كان ميتران أو شيراك يشغلان اليوم منصب رئيس الجمهورية، فأنا على يقين أن كليهما سيدعوان إلى وقف فوري لإطلاق النار والجلوس إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل لإنهاء هذه الحرب الدائمة بين فلسطين وإسرائيل".
ماكرون.. موقف غير متوازن
ولكن في عام 2005، شهدت السياسة الفرنسية نقطة تحول مختلفة. فبينما كانت إسرائيل تسحب قواتها من غزة، استقبل شيراك رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون في باريس. مما أدى إلى انطلاق فصل جديد من العلاقات التي تتسم بنشاط فرنسي "ضعيف" في ساحة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وتطور هذا الخط الجيوسياسي في فترة رئاسة نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، لينتقل بدوره إلى حكومة ماكرون الحالية التي لم تبتعد عن موقف المطالبة بحل الدولتين، لكن بشكله "الباهت".
وفي حين يتوافق عضو مجلس الشيوخ الفرنسي السابق مع الحكومة الحالية في وصفها لحماس بأنها "حركة إرهابية"، انتقد روجيه موقف رئيس الجمهورية في عدم مطالبته بوقف إطلاق النار "ماكرون من النوع الذي يقول لك نعم، ولا في الوقت نفسه، وهو دائما متردد بين اليسار واليمين. وهذا الأمر أفقده مصداقيته".
وقد كشف هذا الصراع القائم حاليا عدم قدرة فرنسا على التفاوض، وأن الدول العربية لا تثق ثقة مطلقة بالموقف الفرنسي الحالي، على حد تعبيره.
كما أشار روجيه إلى أن باريس لا تطالب بإجلاء الفرنسيين فورا من مسرح هذه الحرب، من الذين يعملون في منظمات مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أو أطباء بلا حدود أو بعثات دولية أخرى في غزة، في الوقت الذي تعاطف فيه ماكرون مع الفرنسيين الإسرائيليين الذين تضرروا بشدة.
ووصف السيناتور الفرنسي السابق سياسة ماكرون بـ"التوازن غير المستقر"، موضحا "يؤسفني القول إننا لا نهتم بالمواطنين الموجودين على أراضي غزة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رئیس الجمهوریة
إقرأ أيضاً:
رئيس وزراء فرنسا المكلف يجري تعديلات أخيرة على حكومته
أفاد مصدر من طاقم رئيس الوزراء الفرنسي الجديد فرنسوا بايرو بأن الأخير يجري "التعديلات الأخيرة" قبل إعلان حكومته المرتقبة.
وأضاف المصدر أن بايرو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحدثا هاتفيا مرّتين، اليوم الأحد، بعد عودة الأخير من جولة في أرخبيل مايوت الفرنسي، الذي ضربه الإعصار "تشيدو"، وأفريقيا الشرقية.
ولم يتطرّق المصدر إلى موعد الكشف عن تشكيلة الحكومة الجديدة.
وقال مارك فيسنو رئيس الكتلة البرلمانية لحزب "الحركة الديموقراطية" (موديم) الوسطي الذي ينتمي إليه بايرو، لصحيفة "تريبون ديمانش" إن "الأمور تتقدّم" و"هيكلية الأقطاب الوزارية الكبيرة حدّدت"، مؤكدا أن القائمة الكاملة للحكومة ستقدّم "دفعة واحدة" و"قبل عيد الميلاد".
وخلال نهاية الأسبوع، واصل بايرو، الذي عيّن رئيسا للوزراء في الثالث عشر من ديسمبر الجاري، العمل على تشكيل الحكومة التي يريدها متراصة الصفوف ومنفتحة قدر المستطاع. وهو يرغب في أن تشمل شخصيات وازنة، من اليسار واليمين والوسط، لمواجهة الأولويات الطارئة في البلد، لا سيما مسألة الميزانية.
ومن المستبعد الإعلان عن الحكومة غدا الاثنين المصادف ليوم حداد وطني أعلنه الرئيس الفرنسي على ضحايا أرخبيل مايوت في المحيط الهندي والذي ضربه إعصار "تشيدو".
مساء السبت، أكد زعيم حزب "الجمهوريين" (يمين) أنه يميل إلى المشاركة في الحكومة، في حين أعلن بايرو نيّته إبقاء وزير الداخلية برونو روتايو المنتمي إلى هذا الحزب في منصبه.
وما زال من الصعب إقناع المعسكر اليساري بالمشاركة في الحكومة.
تقضي أولويات بايرو باعتماد ميزانية العام المقبل وتجنّب تصويت لسحب الثقة من حكومته.
ويتوقّع خبراء كثر أن تكون ولايته قصيرة الأمد.
وبايرو هو سادس رئيس وزراء في عهد ماكرون والرابع في 2024.
وفي فترة سابقة من الشهر، تحالف اليمين المتطرف مع اليسار لإطاحة ميشال بارنييه، سلف بايرو والذي كانت له أقصر ولاية في رئاسة وزراء منذ إعلان الجمهورية الخامسة في 1958.