الغرب.. النموذج والتحدي
نعتقد أن مفهوم «الغرب» نفسه بُني على منطلقات واهية لا يمكن الدفاع عنها.
النموذج الغربي في ورطة حقيقية وفقد كثيرَا من وهجه وقدراته التعبوية وجاذبيته والنماذج المنافسة له ليست بوضع أحسن ولا تقدم البديل الناجع.
السؤال المطروح اليوم في بلدان كثيرة من العالم ليس: كيف يهزم الغرب ويقضى على هيمنته؟ بل هو: كيف يسمح الغرب باستيعاب الطامحين إلى ولوج ناديه المغلق؟
الغرب صناعة نظرية متأخرة، لكون الثقافة اليونانية والرومانية تشكلت في الشرق الآسيوي وتفاعلت مع الحضارة والفكر العربي الإسلامي ولا ترتبط عضويا بالغرب الحديث.
عانت أمريكا بعد انتصارها بالحرب الباردة من نفس الثغرة التي عانت منها اليابان والاتحاد السوفييتي: أوهام القوة التي لا تقهر والتدخل غير الموزون في الصراعات الدولية!
الغرب ليس مفهوماً حضارياً بل رابطة جيوسياسية تنتمي إليها أمم خارج السياق الأوروبي الأميركي، اليابان وكوريا، في حين تتبنى بلدان آسيوية ولاتينية وأفريقية الرأسمالية الحرة والديمقراطية الليبرالية ولا تصنف في الغرب.
* * *
في كتابه الصادر مؤخراً باللغة الفرنسية تحت عنوان «متاهة الضائعين»، يتناول الكاتب والأديب الفرنسي اللبناني أمين معلوف واقعَ العالم الراهن، من منظور الصدام القائم بين الغرب والقوى المناوئة له.
في هذا الكتاب يقف معلوف عند نماذج ثلاثة حاولت في العصور الحاضرة تحدي الهيمنة الغربية وإلحاق الهزيمة بها، وهي: اليابان في عهد الميجي، وروسيا السوفييتية، والصين الشعبية الحالية. كما يتناول القوة الغربية الكبرى التي وقفت ضد هذه التهديدات وهي الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، يرى معلوف أن اليابان التي حققت نهضةً فائقةَ السرعة والحيوية استطاعت أن تهزم قوة عسكرية أوروبية كبرى هي روسيا في بداية القرن العشرين، لكنها دخلت في معارك خاسرة مدمرة بدايةً من عدوانها على الصين قبل أن تتعرض للضربة النووية الأميركية الماحقة التي أنهت أحلامها في القوة والهيمنة.
أما روسيا الشيوعية فقد استطاعت بناء إمبراطورية أوروآسيوية كبرى، انحاز لها نصف أوروبا ودول كثيرة في آسيا وأميركا اللاتينية، ودافعت عن أنبل قضية وهي مواجهة الاستغلال الطبقي والسيطرة الاستعمارية.. لكنها انهارت نتيجة لفساد نظامها السياسي وفشل سياساتها الاقتصادية.
وكانت الولايات المتحدة مرة أخرى هي المنتصر في هذا الصدام الأيديولوجي الاستراتيجي. أما الصين الحالية، فهي اليوم حاملة لواء مواجهة الغرب، وقد استطاعت بالفعل أن تكون المنافسَ الحقيقي لأميركا اقتصادياً وتقنياً وسياسياً، وتعول على مشروعها الطموح لإحياء طرق الحرير من أجل السيطرة على منافذ ومراكز التجارة الدولية.
ولئن كانت مآلات الصراع الصيني مع الولايات المتحدة غير محسومة مسبقاً، إلا أن المؤلفَ يرى أن القيادة الجديدة الحاكمة في بكين انتقلت من خطاب الإصلاح الداخلي والحياد المرن في الساحة الدولية إلى خطاب التعبئة والمواجهة الذي يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى هزيمة مشروع الريادة الصينية.
بيد أن القوة الغربية الكبرى التي ورثت أوروبا سياسياً وثقافياً ودافعت عن النموذج الغربي طيلة قرن كامل ليست في أحسن أحوالها حسب معلوف.
فالولايات المتحدة عانت بعد انتصارها في الحرب الباردة من نفس الثغرة التي عانت منها اليابان والاتحاد السوفييتي سابقاً، أي أوهام القوة التي لا تقهر والتدخل غير الموزون في الصراعات الدولية، بما يفسر المصاعب التي واجهتها على أكثر من صعيد في السنوات الأخيرة.
وهكذا يخلص أمين معلوف إلى أن النموذج الغربي في ورطة حقيقية اليوم وقد فقد الكثيرَ من وهجه وقدراته التعبوية والاستقطابية، لكن النماذج المنافسة له ليست في وضع أحسن، وليست قادرة على تقديم البديل الناجع، ومن هنا يمكن القول بأن الكل ضائع في متاهة لا مخرج منها.
لا يبتعد معلوف في كتابه الأخير عن أطروحته السابقة حول انهيار الحضارات، وإن كان يستند في العمل الجديد إلى معطيات تاريخية مكثفة ودقيقة.
ما نريد التعرض له هنا هو مفهوم «الغرب» نفسه الذي نعتقد أنه بُني على منطلقات واهية لا يمكن الدفاع عنها.
فحين يتم الحديث عن الغرب، تكون الإحالة إما إلى خلفية حضارية تاريخية عادة ما يحصرها الباحثون في ثلاثية الفلسفة اليونانية والقانون الروماني والنهضة الأوروبية الحديثة، أو تتم الإحالة إلى المعطيات الجيوسياسية التي تتشكل من ثلاثية الرأسمالية الصناعية والديمقراطية الليبرالية والمنظومة العسكرية الأطلسية.
بالمعنى الأول، نرى أن الغرب صناعة نظرية متأخرة، لكون الثقافة اليونانية والتقاليد الرومانية تشكلت في الشرق الآسيوي وتفاعلت بعمق واتساع مع المجال الحضاري والفكري العربي الإسلامي ولا يمكن ربطها عضوياً بما يسمى الغرب الحديث.
وبالمعنى الثاني، نرى أن الغرب ليس مفهوماً حضارياً بل هو مجرد رابطة جيوسياسية تنتمي إليها أمم وبلدان لا تنتمي إلى السياق الأوروبي الأميركي، كما هو شأن اليابان وكوريا الجنوبية، في حين أن عدداً من البلدان الآسيوية واللاتينية الأميركية والأفريقية تستجيب لمعايير الرأسمالية الحرة والديمقراطية الليبرالية دون أن تصنف في الخانة الغربية.
ما نريد أن نخلص إليه هو أن النماذج الثلاثة التي تحدث عنها معلوف تعبِّر في حقيقتها عن توتر داخلي في المثال الغربي نفسه، وليست موجهة بالصدام مع الغرب ذاته من حيث هو ثقافة وحضارة ومسلك حياة.
ولذا فالسؤال المطروح اليوم على نطاق واسع في بلدان كثيرة من العالم ليس: كيف يهزم الغرب ويقضى على هيمنته؟ بل هو: كيف يسمح الغرب باستيعاب الطامحين إلى ولوج ناديه المغلق؟
*د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني
المصدر | الاتحادالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أمريكا الغرب اليابان الصين روسيا أمين معلوف النموذج الغربي الهيمنة الغربية الولايات المتحدة مفهوم الغرب
إقرأ أيضاً:
وكيلة الأمم المتحدة: مصر تمتلك خبرات كثيرة يمكن الاستفادة منها عالميا
قالت آنا كلوديا روسباخ، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، المدير التنفيذي للمستوطنات البشرية، هابيتات، إن الحوكمة والمسؤولية والشفافية عناصر مهمة جدا لنجاح المشروعات، والمواطن لابد أن يعرف كل شيء وعلى سبيل المثال أين تذهب الضرائب؟.
فعاليات المنتدى الحضاري العالميوأشارت خلال مشاركتها في فعاليات المنتدى الحضري العالمي، إلى أن مصر لديها الكثير من الخبرات يمكن الاستفادة منها بالعالم، مشيرة إلى أن هناك دورين على مستوى الدولة بحيث يمكن دعمها ولابد من دمج مجهوداتنا معا، والمدن ستتطور كثيرا في المستقبل، ولدينا طفرة في عدد السكان بالعالم وعلينا التفكير في الأصول الاجتماعية والبيئية والتصميم الحضاري.
وأوضحت أنّ المدينة ذات التخطيط والموقع الجيد ستعمل على جذب استثمارات، ونحن نرحب بالشراكة وقمنا بالاهتمام بالبنية التحتية والإسكان يمثل عامل مهم.
الاستثمار في المدن وتحقيق التنمية المستدامةوتابعت يمكننا أن نعمل مع الحكومات الوطنية والمحلية لدعم البنية التحتية، ولكن توجد مشكلة بملكية الأرض وأيضا التنسيق الاستثماري سواء متعلق بالكهرباء والصرف الصحى وخلافه.
وأضافت أن هناك العديد من النقاشات حول كيف يمكن الاستثمار في المدن وتحقيق التنمية المستدامة، ودعم الاقتراض للحكومات مع محاولة تمهيد الطريق للمدن التي بها نسيج مجتمعي ومتسقة مع كل من يعيش بها.