أي فهم بسيط للسياسات الغربية، خاصة الأمريكية، فيما يخص التعامل مع إسرائيل، يقود بسهولة إلى عدم الاستغراب من التصريحات الرسمية التي أتت من خارج المنطقة مناصرة لها، ومؤكدة حقها في الدفاع عن نفسها، بعد الهجوم المباغت الذي تعرضت له في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
ورأينا في الأيام الأولى التالية لهجوم «حماس» الذي شكّل صدمة لإسرائيل وبعض الدول، وسيكون محل مراجعة طويلة وقاسية في مجتمعها السياسي بعد أن تهدأ الحرب، كيف تقاطر أرفع المسؤولين في الولايات المتحدة ودول أوروبية إلى تل أبيب، لإعلان التضامن، وتأييد حق الرد فيما بدا ضوءاً أخضر لما نشهده اليوم في غزة.
صحيح أن الداعم الأبرز كان ولا يزال الولايات المتحدة، وشواهد ذلك لا تحتاج إلى تعداد، لكنّ زعماء أوروبيين نافسوها في مواساة إسرائيل، والنيل من حقوق الفلسطينيين في غزة، غير أن مجريات الرد الإسرائيلي بما أسفر، ويسفر عنه، من نسف لمعاني الحياة في القطاع، جعل بعضهم يتراجع خطوات على الأقل من جهة ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع.
كل ذلك يمكن قراءته في ضوء التعامل الرسمي مع المسألة، وما تفرضه تطوراتها من تأرجح في المواقف لأي سبب، لكن اللافت هو التظاهرات الحاشدة التي ملأت شوارع عواصم غربية دعماً للفلسطينيين.
هذه التظاهرات خطفت الأنظار من مثيلاتها في بعض الشوارع العربية، ليس من حيث القيمة، فالثانية طبيعية، ولا تنفصل كثيراً عن الجهود الرسمية الساعية إلى وقف العدوان؛ بل إن حكومات عربية، وإسلامية أيضاً، هي التي رعت مثل هذه التحركات الشعبية في بداية الأزمة.
ما يلفت في امتلاء ساحات غربية بأصوات تدعم الفلسطينيين في غزة، هو مخالفته للمواقف السياسية لصنّاع القرار هناك، وتحديه لتحذيرات من عواقب التجمع. ربما احتاجت الشوارع الغربية أياماً للتحرر من سطوة الآلة الإعلامية التي هوّلت بعض تفاصيل هجوم «حماس»، وسوّغت أي رد إسرائيلي، لكن بعد ذلك استفاقت هذه الشوارع على مآسٍ إنسانية في القطاع، بعد أن أصبحت كل معاني الحياة فيه مستهدفة بالموت.
قد يستدعي التوقف أيضاً تفوق الحشود في شوارع بريطانيا على مثيلاتها في دول الغرب، ليصبح مهد «وعد بلفور» منطلقاً للهتاف بحق الفلسطينيين في الحياة، وألا يصبحوا ضحايا جولة جديدة من النزق السياسي أو عدم الحكمة عند أي طرف.
إن انتصار التفاصيل المرعبة لما يعيشه الفلسطينيون، ومنها مطاردة الموت لهم حتى في المستشفيات ودور العبادة، على أي انحياز إعلامي غربي، حرّك ضمائر شعوب بأكثر مما فعل في ساستها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
كلاب إسرائيل وجثث الفلسطينيين!
هل هناك حدود للإجرام والوحشية الإسرائيلية ضد العرب عموما والفلسطينيين خصوصا؟
كنت أعتقد أن هناك حدودا يصعب حتى على أى مجرم مهما كان عتيا أن يتجاوزها، لكن ما تفعله إسرائيل فى قطاع غزة فاق كل خيال.
صدعت إسرائيل رءوسنا ورءوس العالم بخرافة أنها واحة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان فى غابة من الاستبداد العربى الإسلامى، إلى أن جاء عدوانها المستمر على قطاع غزة منذ ٧ أكتوبر من العام الماضى، ليكشف أنها منبع وأصل الوحشية والعنصرية.
ما هو الجديد الذى يدفعنى للكتابة عن هذا الموضوع اليوم؟
صحيفة هاآرتس العبرية ذات الاتجاه اليسارى نشرت.
يوم الأربعاء الماضى عن قائد بالفرقة ٢٥٢ بجيش الاحتلال أن هناك خطا شمال محور الشهداء «نتساريم» فى قطاع غزة يسمى بخط الجثث ويعرفه أهالى المنطقة جيدا. يضيف أى شخص يتجاوز هذا الخط نطلق عليه الرصاص فورا، ولا يجرؤ الأهالى على سحب الجثث، بل نتركها لتأكلها الكلاب.
المئات من جثامين الشهداء ما تزال موجودة فى شوارع مخيم جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، وكلما حاول الأهالى نقل الجثث تستهدفهم المسيرات مما يؤدى لسقوط شهداء جدد، والعشرات من المصابين ظلوا ينزفون لأيام طويلة حتى استشهادهم دون أن يتمكن أحد من إسعافهم.
«صور الكلاب وهى تنهش جثامين الشهداء أمام أعين جنود وضباط الاحتلال تكشف - حسب بيان لحركة حماس - عن مستوى الوحشية وحجم السادية والإجرام واللاإنسانية فى سلوك جيش الاحتلال وقيادته الفاشية».
صحيفة هاآرتس أيضا التقت بمجموعة من قادة وضباط وجنود الجيش الإسرائيلى فى شمال قطاع غزة وجاءت أهم تصريحاتهم كالتالى:
محور نتساريم مصنف بأنه منطقة قتل، وكل من يدخل نطلق عليه النار فورا، وهناك سباق بين الوحدات لقتل أكبر عدد من الفلسطينيين. نحن نقتل مواطنين ثم نعدمهم على أساس أنهم مسلحون. ولدينا أوامر بإرسال صور الجثث، وقد أرسلنا صورا لـ٢٠٠ قتيل، وتبين أن عشرة فقط منهم ينتمون لحماس. وأحيانا يتصرف الجيش فى غزة وكأنهم ميليشيا مسلحة مستقلة لا تلتزم بأى قوانين، ولدينا سلطات غير محدودة، وهناك عمليات تجرى من دون أوامر. وبعض القادة الذين خدموا فى المنطقة كانوا يبحثون عن صورة نصر شخصى، وأحد القادة قال لجنوده أن صورة النصر لفرقته سوف تتحقق بعد إفراغ شمال غزة من سكانه.
وأظن أن العبارة الأخيرة هى أحد الأهداف الأساسية للعدوان الإسرائيلى ضمن أهداف أخرى كثيرة. لكن هناك جيوشا كثيرة تحتل مناطق فى دول أخرى من دون أن تفعل ما فعلته وتفعله إسرائيل فى غزة من إجرام غير مسبوق.
فى نفس اليوم، لتقارير هاآرتس كانت منظمة «هيومان رايتس ووتش» تتهم إسرائيل بارتكاب أعمال إبادة جماعية. المنظمة قالت إن السلطات الإسرائيلية فرضت عمدا على سكان غزة ظروفا معيشية مصممة لتدمير جزء من السكان من خلال تعمد حرمان المدنيين من الوصول إلى المياه بشكل كاف. مما أدى إلى آلاف الوفيات، إضافة إلى الحرمان من الصرف الصحى، وتعطيل البنية التحتية، خصوصا قطع الكهرباء وكلها أعمال تشكل جريمة حرب متمثلة بالإبادة.
المنظمة استشهدت بما قاله يوآف جالانت وزير الدفاع الإسرائيلى السابق بعد بدء العدوان مباشرة فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ «لن تكون هناك كهرباء ولا طعام ولا ماء، ولا وقود. كل شىء مغلق». يومها وصف جالانت الفلسطينيين بأنهم «حيوانات بشرية!!!».
تقرير هومان رايتش ووتش استغرق إعداده عاما كاملا، ومن المستحيل اتهام أصحابه بأنهم مغرضون أو عرب معادون للسامية. هو اعتمد على مقابلات سكان مدنيين وصور بالأقمار الصناعية وبيانات وتحليل صور وفيديوهات. وبالطبع فإن وزراء الخارجية الإسرائيلية قال إن التقرير ملىء بالأكاذيب، وافتراء دموى لتعزيز الدعاية المناهضة لإسرائيل!!!
ولا أعلم كيف يمكن أن يكون هذا التقرير ملىء بالأكاذيب فى حين أن أهم دليل على صحته هو سقوط ١٥٢ ألف شهيد وجريح فلسطينى وعشرة آلاف مفقود ودمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الآلاف من الأطفال والمسنين والنساء وتدمير أكثر من ٧٠٪ من قطاع غزة ونزوح أكثر من ٨٠٪ من السكان، مما شكّل واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية فى العالم.
أما ما يحدث فى شمال قطاع غزة من تدمير منظم لكل شىء وتسوية المبانى والمنشآت بالأرض خير دليل على الجريمة العظمى التى ترتكبها إسرائيل.
ختاما يقول ضابط إسرائيلى: «نحن فى مكان بلا قوانين وحياة البشر فيه بلا قيمة!!!».
(الشروق المصرية)