نيويورك (الاتحاد)

أخبار ذات صلة «الأونروا»: الوضع في غزة يزداد تعقيداً ميقاتي: نسعى لتجنيب لبنان دخول الحرب مع إسرائيل

أكدت دولة الإمارات، أمس، أن المنطقة تمر بأصعب الأزمات في تاريخها الحديث، حيث تشهد حرباً أخرى مدمرة يعاني ويلاتها المدنيون في غزة، محذرة من الانزلاق إلى حرب إقليمية ستكون خسائرها فادحة على الجميع.


وقالت الإمارات في بيان أمام جلسة لمجلس الأمن الدولي، أدلى به السفير محمد أبوشهاب نائب المندوبة الدائمة للدولة لدى الأمم المتحدة: «يأتي اجتماعُنا هذا بينما تمُر منطقتنا اليوم بأحد أصعب الأزمات في تاريخها الحديث، حيث نشهدُ حرباً أخرى مدمرة يعاني ويلاتِها المدنيون في غزة».
وأضاف أبوشهاب: «مع كل يومٍ يمُر دون وقف هذهِ الحرب، تتصاعَد الشواغِل إزاء إمكانية انزِلاق المنطقة بأكملها في حربٍ إقليمية ستكون خسائرُهَا فادحة على الجميع». 
وتابع أبوشهاب: إن «ما يحدُث في الجولان السوري المُحتل، وغيرهِ من المناطق المجاورة من تنامي التوترات خلال الأسابيع الماضية، يؤكِد على الحاجة الماسَّة لمعالجة مختلف الأزمات التي تمُر بها منطقتنا، ومنها الأزمة السورية».
وأضاف: «إن سوريا، التي لا تزال تُعاني من تداعيات حربٍ دامت أكثرَ من 13 عاماً، لا يسعَها أن تصبح جبهةً أخرى لتصفية الحسابات الجيوسياسية، فالملف السوري من الملفات الأكثر تعقيداً بسبب ما يحيطُه من تدخلاتٍ خارجية، وأي تصعيد جديد سيعرقلُ هدفنا الأسمى بتحقيق السلام والأمن في سوريا والمنطقة بأكملها».
وأكد أبوشهاب دعم جهود المبعوث الخاص ومجموعة الاتصال العربية لعقد اجتماعات اللجنة الدستورية نهاية العام الجاري، والتي تساهم في تعزيز الحوار بين الأطراف السورية لإنهاء الأزمة بقيادة وملكية سورية، ودون تدخلاتٍ خارجية، مشدداً على أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لحلِ هذهِ الأزمة.
وفي سياق تنامي التوترات والأعمال العدائية في سوريا مؤخراً، شدد أبوشهاب على أهمية خفض التصعيد ووقف إطلاق النار في كافة المناطق السورية وعدم استهداف المرافق الحيوية، خاصة مطار حلب ومطار دمشق، حتى لا تتعرقل عمليات إيصال المساعدات الإنسانية.
كما أكد أهمية مكافحة تهديدات الإرهاب في سوريا، خاصة مع استمرار تنظيم «داعش» في شن الهجمات التي تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في سوريا.
وجدد أبو شهاب إدانة الإمارات، للهجوم الإرهابي الذي استهدَف الكلية الحربية في حمص، باعتبارها أعمال الإجرامية، معرباً عن رفض الإمارات الثابت لجميع أشكال العنف والإرهاب. كما أعرب عن أسفه أنه لم تكن هناك إدانة واضحة من مجلس الأمن حول هذا الهجوم الإرهابي.
وقال: «لا يخفى عليكم تدهور الوضع الاقتصادي مع كل عامٍ يمر نتيجة عواملٍ متعددة، منها ارتفاع أسعار المحروقات والسِلَع والمواد الغذائية وانخفاض الليرة السورية إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، الأمر الذي يقتضي من المجتمع الدولي بحث السبل للدفع بعجلة الاقتصاد في سوريا، والذي بدوره سيحسن الأوضاع الإنسانية والظروف المعيشية للشعب السوري»، مشددا على أهمية إعادة تأهيل شبكات المياه والكهرباء والتي تعدْ ضرورية لتقديم الخدمات الإنسانية.
وفي هذا الصدد، أشاد أبوشهاب باستمرار «أوتشا» والحكومة السورية في جهودهما لإدخال المساعدات الإنسانية بشكلٍ سلس عبر المعابر الثلاث على الحدود السورية-التركية، معرباً عن أمله في أن يتم تمديد فتح معبريّ «باب السلامة» و«باب الراعي»، حيث ستنتهي المدة المحددة لفتحهِما في الشهر القادم، لضمان تلبية احتياجات الشعب السوري خاصة مع اقتراب فصل الشتاء وشُح الموارد الأساسية ومقومات العيش.
وكرِر الحاجة إلى استخدام كافة الطرق لإيصال المساعدات، ومنها ضمان مرور القوافل عبر الخطوط، داعيا إلى زيادة عدد هذهِ القوافل، حتى تتناسب مع حجم الاحتياجات الإنسانية على الأرض.
من جهته، أشاد مارتن كيماني المندوب الدائم لكينيا لدى الأمم المتحدة، بالجهود الحثيثة التي تبذلها الإمارات من أجل خفض التصعيد في غزة.
وكتب كيماني في تغريدة على الحساب الرسمي لبعثة بلاده على منصة «إكس»: «بعد الظهر يعقد مجلس الأمن جلسة طارئة دعت إليها دولة الإمارات حول الأزمة في غزة، لافتاً إلى أن الإمارات لا تزال لم تتخل عن حمل المجلس على الاتفاق على قرار». 
وقال «إن بعثة الإمارات لدى الأمم المتحدة تستحق الإشادة على حرصها وتصميمها ورغبتها في إجراء مشاورات مكثفة».
إلى ذلك، قال معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة: “أتابع مداولات مجلس الأمن هذا المساء حول التطورات الحرجة في غزة، جهود الإمارات في المجلس لاتخاذ قرار يتصدى للأزمة الإنسانية المستفحلة مستمرة، والتزامنا بالحق الفلسطيني تاريخي، واخترنا العمل الجاد لتجسير الإنقسام الدولي”.
وأضاف معاليه في تغريدة عبر منصة “إكس”: “تبقى العبرة بالنتائج بعيداً عن المزايدات ومقاربات جلد الذات”. وتواصل دولة الإمارات جهودها الحثيثة الرامية إلى خفض التصعيد في المنطقة، ضمن حراك نشط وفاعل وجهوداً حثيثة في أروقة مجلس الأمن الدولي وخارجه، من أجل حشد الجهود الدولية لبحث الوقف الفوري لإطلاق النار لدواعٍ إنسانية في غزة، وحماية جميع المدنيين وتقديم الدعم الإنساني لهم، وإيجاد أفق للسلام الشامل، وهو ما أشاد به ممثلو الدول الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن. 
ومن أجل ذلك، دعت الإمارات لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، بعد عدم تمكن مجلس الأمن من إقرار مشروعي قرار قدمتهما الولايات المتحدة وروسيا الأسبوع الماضي. 
وتماشياً مع الموقف العربي، صوتت دولة الإمارات ضد القرار الأميركي، ولمصلحة القرار الروسي الذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار لأغراضٍ إنسانية.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: غزة الإمارات فلسطين قطاع غزة مجلس الأمن مجلس الأمن الدولي دولة الإمارات مجلس الأمن فی سوریا فی غزة

إقرأ أيضاً:

مرور عامان: تقرير خاص عن الحرب السودانية وتداعياتها الإنسانية

منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، غرق السودان في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث. ووفقًا لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة، تجاوز عدد القتلى المدنيين 24,000 شخص حتى الآن، مع نزوح أكثر من 5.7 ملايين شخص داخليًا وخارجيًا (الأمم المتحدة - نوفمبر 2024). ولم يقتصر عدد الضحايا

خاص – سودانايل

مقدمة

منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، غرق السودان في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث. ووفقًا لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة، تجاوز عدد القتلى المدنيين 24,000 شخص حتى الآن، مع نزوح أكثر من 5.7 ملايين شخص داخليًا وخارجيًا (الأمم المتحدة - نوفمبر 2024). ولم يقتصر عدد الضحايا على القتل الناتج عن تبادل النيران العشوائية، بل تصاعدت الانتهاكات في الآونة الأخيرة لتشمل القتل العمد، واستهداف الأفراد على أساس قبلي وهوياتي، وهو ما يزيد من تعقيد النزاع وتأجيجه.

انتهاكات جسيمة تستهدف الهوية

تشير تقارير حقوقية، منها ما صدر عن منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إلى أن عمليات القتل العمد بحق المدنيين والأسرى تستند غالبًا إلى خلفياتهم الإثنية أو القبلية، مما يُنذر بتفاقم الانقسامات العرقية وتعميق جراح المجتمع السوداني. وذكرت منظمة العفو الدولية أن عددًا كبيرًا من حوادث القتل موثقة على أنها جرائم حرب، حيث تُرتكب دون أي مراعاة للقوانين الدولية الإنسانية (العفو الدولية - ديسمبر 2024).

أبعاد الكارثة الإنسانية

يتجاوز النزاع القتل المباشر ليشمل تداعيات إنسانية كارثية. ووفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، يعاني أكثر من 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في السودان، مع تحذيرات من مجاعة واسعة النطاق إذا استمرت الحرب دون تدخل دولي فاعل (برنامج الأغذية العالمي - نوفمبر 2024). وفي الوقت نفسه، وثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) حالات اغتصاب وعنف جنسي متزايدة، مع تسجيل أكثر من 200 حالة مؤكدة في المناطق المتأثرة بالنزاع منذ بداية الصراع.

انتهاكات قوات الدعم السريع واستهداف المدنيين على أسس عرقية وقبلية

على الجانب الآخر من النزاع، ارتكبت قوات الدعم السريع انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، اتسمت بالقتل الممنهج والاستهداف المباشر على أسس عرقية وقبلية وجنسية. ووفقًا لتقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، فإن قوات الدعم السريع استهدفت بشكل منهجي مجموعات سكانية تنتمي إلى قبائل محددة، حيث تم توثيق عمليات قتل واغتصاب ونهب في المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات (العفو الدولية، نوفمبر 2024؛ هيومن رايتس ووتش، ديسمبر 2024).

استهداف النساء والفتيات

تشير تقارير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن العنف الجنسي ضد النساء والفتيات قد أصبح سلاحًا حربياً تستخدمه قوات الدعم السريع لترهيب المجتمعات المحلية وإجبارها على النزوح. وتم توثيق أكثر من 200 حالة اغتصاب في المناطق التي سيطرت عليها القوات، مع توثيق شهادات مباشرة من الناجيات تؤكد أن هذه الجرائم كانت موجهة ضد فئات عرقية معينة. (UNFPA، ديسمبر 2024)

استهداف القرى والأحياء السكنية

في المناطق الريفية تحديدًا، قامت قوات الدعم السريع بحملات عنف شديدة استهدفت القرى التابعة لقبائل معينة، حيث تم تدمير المنازل ونهب الممتلكات وقتل المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال. وفي بعض الحالات، تم إجبار الناجين على النزوح تحت تهديد السلاح، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وارتفاع أعداد النازحين داخليًا إلى أكثر من 5.7 ملايين شخص (مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA، نوفمبر 2024)

انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في ود مدني بعد دخول الجيش السوداني

في أعقاب دخول الجيش السوداني إلى مدينة ود مدني بولاية الجزيرة الأسبوع الماضي، تواترت تقارير عن ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بحق المدنيين. وأفادت منظمة العفو الدولية باندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في ود مدني، مما أثار مخاوف جديدة على سلامة المدنيين (العفو الدولية، ديسمبر 2024).

من جانبه، أعرب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، عن قلقه البالغ إزاء التقارير المتعددة التي تفيد بوقوع تجاوزات واسعة النطاق وارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في ود مدني خلال الأيام الأخيرة من القتال. وأشار إلى أن الحالة الإنسانية في ولاية الجزيرة، التي تستضيف ما يقرب من نصف مليون نازح داخليًا، "رهيبة ومروّعة" (مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ديسمبر 2024).

في هذا السياق، ندد الجيش السوداني بما وصفه بـ "التجاوزات الفردية" التي حدثت في بعض مناطق ولاية الجزيرة عقب استعادة مدينة ود مدني، مؤكدًا التزامه بالقانون الدولي الإنساني وحرصه على محاسبة كل من يثبت تورطه في أي تجاوزات (الجزيرة نت، يناير 2025).

هذه التطورات تسلط الضوء على التحديات المستمرة التي تواجه المدنيين في مناطق النزاع، وتؤكد الحاجة الملحة لحماية حقوق الإنسان وضمان المساءلة عن أي انتهاكات تُرتكب.

أدوار الكتائب والمليشيات المرتبطة بحزب المؤتمر الوطني المنحل

تشير التقارير الميدانية إلى أن العديد من هذه الانتهاكات تُرتكب على يد كتائب ومليشيات مسلحة، في الغالب ذات توجهات إسلامية أو تدّعي تبنيها لقيم الإسلام، مع انتمائها إلى قيادات الحزب الحاكم المحلول، حزب المؤتمر الوطني. من بين هذه الكتائب، تبرز كتائب البراء المعروفة، التي تنشط في مناطق النزاع وتتحمل مسؤولية انتهاكات جسيمة ضد المدنيين. تعمل هذه الكتائب غالبًا تحت مظلة دعم بعض قادة الجيش السوداني أو على الأقل تحت مرأى ومسمع من القيادات العسكرية دون اتخاذ إجراءات واضحة لردعها أو محاسبتها. وقد أعربت منظمات حقوقية دولية عن قلقها من أن هذه الكتائب، واللتي تسهم في تأجيج النزاع عبر ممارساتها التي تنتهك حقوق الإنسان، وتفاقم الانقسامات العرقية والسياسية في البلاد (العفو الدولية، ديسمبر 2024؛ هيومن رايتس ووتش، نوفمبر 2024).

توثيق الانتهاكات عبر وسائل التواصل الاجتماعي

في سياق توثيق هذه الجرائم، نشر عشرات الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تُظهر بوضوح انتهاكات جسيمة تُنسب إلى كتائب البراء وغيرها من المليشيات المشابهة. تُظهر هذه الفيديوهات عمليات قتل متعمد وتعذيب للمدنيين ونهب للممتلكات في المناطق التي شهدت نزاعًا مسلحًا. وقد أثارت هذه المقاطع موجة من الإدانات الدولية والمحلية، حيث تمثل دليلًا مباشرًا على الانتهاكات التي تُرتكب بجرأة وعلانية. ورغم ذلك، لا تزال هذه الجرائم تُرتكب دون محاسبة جدية أو تدخل دولي فاعل لوقف هذه الممارسات التي تهدد الأمن والاستقرار في السودان.

القتل العرقي وتداعياته على السودان

تقوم هذه الجرائم على أساس القتل العرقي والممنهج، مما يشير إلى نقل الحرب إلى مربعات جهوية وعرقية وإثنية خطيرة. وما حدث مؤخرًا في ولاية الجزيرة يمثل دليلًا موثقًا لهذه الانتهاكات، حيث تعرضت مجموعات معينة للاستهداف على أسس إثنية واضحة. هذا التصعيد يهدد بنقل البلاد إلى مرحلة الحرب العرقية، وهي مرحلة قد تطول نتيجة التعدد القبلي الكبير والتنوع الثقافي في السودان.

في ظل هذه الظروف، فإن عدم تدخل السلطات بشكل حاسم يُعد إشارة ضمنية إلى مباركة هذه الجرائم، خاصة في ظل الصمت أو التأييد غير المباشر من رئاسة الدولة ممثلة في مجلس السيادة الانتقالي. هذا الوضع يضع السودان أمام سيناريوهات خطيرة، حيث تتعمق الانقسامات العرقية وتُزرع بذور حروب أهلية طويلة الأمد، ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الانتهاكات ومعالجة جذور الصراع.

مسؤولية القيادات وتفاقم الانقسامات

تعتمد قوات الدعم السريع في عملياتها على قيادات ميدانية تنتمي إلى شبكات قبلية متداخلة، ما يجعل من الصعب فصل الممارسات الفردية عن التوجهات العامة التي تُنفذ بتوجيه أو بغطاء ضمني من القيادة العليا. وقد أدت هذه الانتهاكات إلى زيادة الانقسامات العرقية وتأجيج الصراعات داخل المجتمعات المحلية، مما يُنذر بتفكك النسيج الاجتماعي في السودان.

تداعيات مستمرة وخطر الحرب الممتدة

إن استمرار هذه الممارسات من قبل قوات الدعم السريع، إلى جانب الانتهاكات الموثقة التي ترتكبها القوات المسلحة السودانية والمليشيات المتحالفة معها، يعمّق الانقسامات العرقية والقبلية في البلاد. ومع غياب أي مساءلة دولية أو محلية جادة، تتزايد المخاوف من أن تتحول هذه الحرب إلى صراعات طويلة الأمد على أسس عرقية، مما يجعل التوصل إلى أي حل سياسي شامل أكثر تعقيدًا.

تصاعد الضغوط الدولية: عقوبات أمريكية تطال حميدتي والبرهان

في تطور لافت، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قائد قوات الدعم السريع السودانية، محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، في 7 يناير 2025، متهمة إياه بارتكاب جرائم إبادة جماعية خلال الصراع المسلح مع الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من السودانيين (فرانس 24، 7 يناير 2025).

وفي 16 يناير 2025، أعلنت الحكومة السودانية رفضها للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، معتبرة إياها استخفافًا بالشعب السوداني (سودان تربيون، 16 يناير 2025).

هذه الإجراءات تعكس تصاعد الضغوط الدولية على القيادات العسكرية السودانية بسبب الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في البلاد.

دور الإعلام في مواجهة الحرب ومخاطر الانزلاق العرقي

في خضم الأزمة السودانية المتفاقمة، يلعب الإعلام دورًا محوريًا في توجيه الرأي العام نحو نبذ خطاب الكراهية ومواجهة الانتهاكات التي ترتكبها الأطراف المتنازعة. تقع على عاتق الإعلاميين والصحفيين مسؤولية كبيرة في تسليط الضوء على هذه الجرائم، وتحديدًا الانتهاكات ذات الطابع العرقي أو القبلي، والتي قد تؤدي إلى تقسيم المجتمع السوداني وإشعال فتيل حرب لا تبقي ولا تذر.

مناشدات للإعلاميين والنشطاء

يجب على الإعلاميين والنشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة الناشطين المؤثرين الذين يمتلكون أعدادًا كبيرة من المتابعين، الالتزام بخطاب يدعو إلى التهدئة وتجنب تأجيج الصراعات القبلية. هؤلاء الناشطون، بمنصاتهم الواسعة الانتشار، لديهم القدرة على تغيير مسار الخطاب العام من التحريض إلى تعزيز قيم التعايش السلمي ونبذ العنف.

دور الصحفيين ووسائل الإعلام

من جهة أخرى، يجب على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، سواء عبر الصحف الإلكترونية أو القنوات الإعلامية التقليدية، الإقليمية منها، والدولية التطرق إلى هذه الانتهاكات بموضوعية ومصداقية. على الإعلام أن يكشف الحقيقة ويوثق الجرائم التي تُرتكب، مع التركيز على الأبعاد الإنسانية لهذه الكارثة. يجب أن يكون الإعلام صوتًا للضحايا، وأداة للضغط على الأطراف المتنازعة والمجتمع الدولي للعمل على وقف هذه الحرب.

حماية النسيج الاجتماعي

الإعلام مسؤول أيضًا عن التذكير بأهمية حماية النسيج الاجتماعي للسودان، وضرورة عدم السماح بتحويل النزاع إلى صراع قائم على العرق أو الجنس أو القبيلة. عليه أن يواجه محاولات بعض الأطراف التي تسعى لتأجيج الفتنة القبلية لتحقيق مكاسب قصيرة المدى على حساب وحدة السودان ومستقبله.

هذا الدور الإعلامي الحساس يجعل من الصحفيين والإعلاميين شركاء أساسيين في مجابهة هذه الحرب اللعينة، ومنعها من التدهور إلى صراعات قبلية طويلة الأمد، قد تستنزف السودان لعقود قادمة.

الخاتمة

في ظل هذه الأزمات المتفاقمة، يتطلب الوضع في السودان تحركًا جماعيًا من كافة الأطراف، بدءًا من القيادات السياسية والعسكرية إلى المجتمع المدني والإعلام. لا يمكن للسودان أن يتحمل استمرار هذا النزاع الذي يهدد مستقبل أجياله ويُدمر نسيجه الاجتماعي. إن الحل الوحيد يكمن في وقف فوري لإطلاق النار، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، والالتزام بتسوية سياسية شاملة تضمن تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان.

على الإعلام، كسلطة رابعة، أن يستمر في نقل الحقيقة بموضوعية وشجاعة، وأن يكون صوتًا للضحايا ومنبرًا للمصالحة الوطنية. فلا يمكن تحقيق السلام دون مواجهة حقيقية للجرائم والتحديات، ودون خطاب إعلامي يوحد السودانيين بدلًا من تقسيمهم.

فهرس المراجع

العفو الدولية: تقرير حول انتهاكات حقوق الإنسان في السودان، ديسمبر 2024

هيومن رايتس ووتش: تقارير موثقة عن الانتهاكات الجسيمة من قبل الأطراف المتنازعة، نوفمبر وديسمبر 2024

مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA): تقارير حول أعداد الضحايا والنازحين، 2024

صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA): تقرير عن العنف الجنسي ضد النساء والفتيات في مناطق النزاع، ديسمبر 2024

برنامج الأغذية العالمي: تقرير عن أزمة انعدام الأمن الغذائي في السودان، نوفمبر 2024

فرانس 24: إعلان العقوبات الأمريكية على قائد قوات الدعم السريع، 7 يناير 2025

سودان تربيون: تقرير حول العقوبات الأمريكية على عبد الفتاح البرهان، 16 يناير 2025

مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: تقارير النزوح الداخلي والخارجي في السودان، 2024

تصريحات مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك: حول الانتهاكات في ولاية الجزيرة، ديسمبر 2024

الجزيرة نت: تغطية للتصريحات والتطورات السياسية في السودان، يناير 2025  

مقالات مشابهة

  • الخطوط الجوية السورية تستعد للانطلاق مجدداً نحو دولة الإمارات العربية ‏المتحدة ‏
  • مرور عامان: تقرير خاص عن الحرب السودانية وتداعياتها الإنسانية
  • قطر تستضيف 19 عائلة روسية وأوكرانية لتقديم الرعاية والتخفيف من ويلات الحرب
  • عامان من الحرب في السودان... تقلبات كثيرة والثابت الوحيد هو تصاعد الأزمة الإنسانية
  • عاجل| الرئيس التركي: أي طرف يحاول زعزعة استقرار سوريا سيجدنا أمامه إلى جانب الحكومة السورية
  • عاجل. أردوغان: أي طرف يحاول زعزعة استقرار سوريا سيجدنا أمامه إلى جانب الحكومة السورية
  • تداعيات كارثية لعامين من الحرب المدمرة في السودان
  • مجلس الأمن يناقش التصعيد العسكري في اليمن وتأثيراته على جهود السلام والأوضاع الإنسانية
  • الصليب الأحمر: المدنيون في السودان يعيشون كابوساً
  • فتح الطرق المؤدية إلى حيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب تنفيذاً للاتفاق الموقع بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية