هل يجوز الصوم لإنقاص الوزن؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء، حيث سائل يقول: ما حكم الصيام لإنقاص الوزن؟ فعندي سمنة وأتبع حِمْيَةً غذائية لإنقاص الوزن، وممَّا أتبعه في ذلك أنِّي أصوم يومًا وأفطر يومًا -في غير رمضان-؛ فهل أثاب على ذلك الصيام مع أنَّ الباعث عليه إنقاص الوزن لا القُرْبَة؟

وبينت: النية شرط لصحة الصيام، فإنْ صام المكلف غير مريدٍ القربة لم يقع صومه صحيحًا، ولها أيضًا الأثر البالغ في تحقيق الثواب الأخروي، وعلى المكلف أن ينوي القربة مع الحمية وإنقاص الوزن رجاء تحقيق الأثر والثواب جميعًا.

النية وأثرها في صحة العمل وفساده

وقالت الإفتاء: أناط الله تعالى صحة الأعمال وقبولها والإثابة عليها بالنية، فمتى صلحت النية صلح العمل، ومتى فسدت النية فَسَد العمل، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» أخرجه الإمام البخاري ومسلم في "صحيحيهما"، واللفظ للبخاري.

قال الإمام بدر الدين العيني الحنفي في "عمدة القاري" (1/ 30، ط. دار إحياء التراث العربي): [معناه: أنَّ صحة أحكام الأعمال في حقِّ الدِّين إنَّما تقع بالنية، وأنَّ النية هي الفاصلة بين ما يصح وما لا يصح، وكلمة إنَّما عاملة بركنيها إيجابًا ونفيًا، فهي تثبت الشيء وتنفي ما عداه، فدلالتها أنَّ العبادة إذا صحبتها النِّيَّة صحَّت وإذا لم تصحبها لم تَصِح، ومقتضى حقِّ العموم فيها يوجب أن لا يصح عملٌ من الأعمال الدينية: أقوالها وأفعالها فرضها ونفلها قليلها وكثيرها إلَّا بنية] اهـ.

هل تقبل التوبة عن المال المسروق بإهداء الصوم لصاحبه؟.. علي جمعة يوضح صيام عاشوراء.. هل التردد في الفطر أم الصوم ينقص من الثواب؟ حكم الصوم لإنقاص الوزن فقط

من صام غير مريدٍ القُربة لم يتحصَّل له ثواب الصوم، فقد اتفق فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أنَّ الصوم لا يصح ولا يقبل إلَّا بالنية، فرضًا كان أو نفلًا.

قال العلامة ابن مودود الموصلي الحنفي في "الاختيار" (1/ 126، ط. الحلبي): [اعلم أن النية شرط في الصوم، وهو أن يعلم بقلبه أنه يصوم] اهـ.

وقال الإمام الحطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 418، ط. دار الفكر): [شرط صحة الصوم مطلقًا -أي فرضًا كان أو نفلًا معيَّنًا أو غير معَيَّن- أن يكون بنية] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 300، ط. دار الفكر): [مذهبنا أنه لا يصح صوم إلا بنية سواء الصوم الواجب من رمضان وغيره والتطوع وبه قال العلماء كافة] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 109، ط. مكتبة القاهرة): [لا يصح صوم إلا بنية إجماعًا، فرضًا كان أو تَطوُّعًا؛ لأنَّه عبادة محضة، فافتقر إلى النية] اهـ.

وأما من حيث القبول والثواب: فقد تقرر أن أمر الثواب وهو أمر أخروي لكنه أيضًا مرهون بصلاح النية وفسادها.

قال الإمام ابن نجيم الحنفي في "الأشباه والنظائر" (ص: 17، ط. دار الكتب العلمية): [القاعدة الأولى: "لا ثواب إلا بالنية" صرَّح به المشايخ في مواضع من الفقه أولها في الوضوء، سواء قلنا إنها شرط الصحة كما في الصلاة والزكاة والصوم والحج أو لا كما في الوضوء والغسل.. وعلى هذا قرروا حديث «إنما الأعمال بالنيات» أنَّه من باب المُقتَضَى، إذ لا يصح بدون التقدير لكثرة وجود الأعمال بدونها، فقدَّروا مضافًا، أي حكم الأعمال، وهو نوعان: أخروي وهو: الثواب واستحقاق العقاب، ودنيوي وهو: الصحة والفساد، وقد أريد الأخروي بالإجماع، للإجماع على أنه لا ثواب ولا عقاب إلا بالنية، فانتفى الآخر أن يكون مرادًا] اهـ.

الجمع بين نية الصيام وإنقاص الوزن

تحقيقًا لهذا فإنَّ على مَن يصوم للحمية أن ينوي الصيام للعبادة وتحصيل الثواب مع مقصد التخسيس أو إنقاص الوزن، فإنَّ مَن صام مريدًا القُرْبَة والحمية أو التداوي صحَّ صومه ورجي له الثواب.

وعلى ذلك تواردت نصوص جمهور فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية:

قال الإمام الحموي الحنفي في "غمز عيون البصائر" (1/ 145، ط. دار الكتب العلمية) في الصور التي يصح فيها التشريك في النية: [في "فتح القدير": لو نوى الصوم والحمية أو التداوي، فالأصح الصحة؛ لأنَّ الحمية أو التداوي حاصلٌ، قصده أم لا، فلم يجعل قصده تشريكًا وتركًا للإخلاص، بل هو قَصَدَ للعبادة على حسب وقوعها؛ لأنَّ من ضرورتها حصول الحمية أو التداوي] اهـ.

وقال الإمام الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 533): [من صام ليصِحَّ جسده أو ليحصل له زوال مرض من الأمراض التي ينافيها الصوم ويكون التداوي هو مقصوده أو بعض مقصوده والصوم مقصوده مع ذلك، وأوقع الصوم مع هذه المقاصد لا يقدح في صومه، بل أمر بها صاحب الشرع في قوله: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوَّج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» أي قاطع، فأمر صلى الله عليه وآله وسلم بالصوم لهذا الغرض، ولو كان ذلك قادحًا لم يأمر به صلى الله عليه وآله وسلم في العبادة إلَّا معها] اهـ.

وقال الإمام السيوطي الشافعي في "الأشباه والنظائر" (ص: 21، ط. دار الكتب العلمية) في الصور التي يصح فيها التشريك في النية: [منها: ما لو نوى الصوم، أو الحمية أو التداوي، وفيه الخلاف المذكور] اهـ.

وشددت بناءً على ذلك: فالنية شرط لصحة الصيام، فإن صام المكلف غير مريدٍ القربة لم يقع صومه صحيحًا، ولها أيضا الأثر البالغ في تحقيق الثواب الأخروي، وعلى المكلف أن ينوي القربة مع الحمية وإنقاص الوزن رجاء تحقيق الأثر والثواب جميعًا.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الصوم الصيام لإنقاص الوزن حكم الصيام لإنقاص الوزن دار الإفتاء اهـ وقال الإمام لإنقاص الوزن قال الإمام الحنفی فی لا یصح

إقرأ أيضاً:

الصوم والفيسيولوجيا .. المشقة تجلب التيسير

الصادق عبدالله أبوعيّاشة
الدمام ، رمضان 1446، مارس 2025
مقدمة
هذا موضوع للنظر في ممارسة الصوم بمنظار علم الفيسيولوجيا. وعلم الفيسولوجيا أحد العلوم المتقدمة التي في تخصصات علم الأحياء، يتم تدريسها في الجامعة وفي سنوات متقدمة. وعلى رأس ذلك تُدرس في علم الطب والعلوم المجاورة، بما يشمل تخصصات علم الاحياء في كليات العلوم، والعلوم البيطرية والزراعة. في عهد هذا الكاتب بدأ علم الأحياء لديه ضمن حصة الطبيعة في السنة الثالثة إبتدائي. الحقيقة كان ذلك عندما بدأ دراسة العلوم (الطبيعة) والتي انقسمت في وقت مبكر إلى فيزياء وكيمياء وأحياء.

الفيسولوجيا
مفردة فيسيولوجيا، مفردة معرّبة، تعني علم وظائف الأعضاء الحية، إن كان ذاك في النبات، أو الحيوان أو الإنسان. مثلاً لعضو الكبد وظيفة، وولعضو الكلية وظيفة. وللعين وظيفة،. ولكل عضو من أعضاء الجسم وظيفة. وأن مجمل وظائف أعضاء الجسم تعطي مجمل الحالة الفيسولوجية للجسم. وأقول أن النوم أحد حالات الجسم الفيسيولوجية. وأن المرض، والجوع، والشبع. وغير ذلك مما يعترى الجسم، بما في ذلك الوظائف التناسلية.
المعلوم لدى دارسي جسم الإنسان، أن الجسم تتحكم فيه عدد ثمانية أزواج من الغدد الصماء، أي الغدد التي ليست لها قنوات، وتفرز منتجاتها (الهرمونات) مباشرة في الدم. تتوزع على أماكن مختلفة من الجسم. وتشمل الغدة الصنوبرية والغدة النخامية والبنكرياس والمبيضين والخصيتين والغدة الدرقية والغدد المجاورة للدرقية، وغدة تحت المهاد (أسفل المخ) والغدة الكظرية. تعرف منتجات هذه الغدد بالهرمونات. والهرمون مادة كيمائية عضوية (أي غير معدنية)، ينتج بكميات قليلة. مع قلة كميته له أثر بالغ في الجسم. قدر ضيئل منه يفعل بالجسم الأفاعيل. ولتقريب النظر، ليتخيل القارئ كم كمية السم الذي تدفعه شوكة العقرب في الجسم، وما هي النتيجة. كذلك الهرمون على قلته له تأثير في الجسم واسع وخطير.
تؤثر الهرمونات التي تفرز في الدم في مزاج الإنسان قوته، وقدرته على التحمل، وسلامة تصرفاته، ومنها هرمون الخوف، هرمون الشبع (؟)، الهرمونات الجنسية في الذكور والإناث. من يقرأ قصة الكاتب المصري يوسف إدريس سيستمتع بقصته المسماة أرض النفاق، حيث نسج من مفهوم الهرمونات قوام روايته الممتعة.
في الجانب الآخر هناك أيضاً عدد من الغدد ذات القنوات التي تفرز منتجاتها، في غير الدم. مثل الغدة الدمعية، الغدة اللعابية، الغدد العَرقية، الغدد الدهنية، وغيرها.

خلفية إعداد هذا الموضوع
تم تحرير هذا الموضوع على خلفية تزامن رمضانٍ سابق، مع أشهر الصيف الحار في السودان. وقد تعرض الكثير من الصائمين للإجهاد، بما تطلب حمل بعضهم على الأقل للمستشفيات. فأفتى أهل الفتيا (علماء الفقه) بجواز إفطار الذين يتعرضون للإجهاد المفضي للعنت. هذا على القاعدة الفقهية الشهيرة (المشقة تجلب التيسير). وقاعدة (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين). وليت علماء وأطباء الفيسيولوجيا كتبوا شارحين ماذا يحدث، وكيف تتم المعالجة، ومن يحق له أن يفطر ومن لا يحق له. أرجو أن يتعمق علماء الفيسولوجيا في الفقه، حتى ينتجوا فقهاً داعماً للعبادة. أكثر من ذلك كم يحتاج أهل الفتيا لدراسة كورسات من المعلوم الطبعية، وعلى رأسها الفيسولوجيا التى تعمّق فهم المفتي في معرفة خصائص أحوال الناس موضوع الفتاوي. وكورسات أخرى في علم النفس والاجتماع، من شأنها أن تدعم جهود الفقهاء.
الصوم في البلدان الحارة الجافة وغير الجافة كثيراً ما يتعرض فيه الصائم للإجهاد الحراري والجفاف، إلى درجة العنت وربما الموت. والمعلوم أن بعض الناس اقل تحملاً للإجهاد من بعض.
وقد استدعى الكاتب خلفيته في علم الاحياء، حتى تخرجه من الجامعة، والتي تلقى دروساً في علم الفيسيولوجيا تمكنه من فهم الموضوع بشكل جيد. يساعده في الكتابة تأهله لنيل شهادة القيد الصحفي. ثم معرفة الكاتب لآيات وأحكام الصوم، التي تؤهله لفهم وممارسة الصوم، واتخاذ قراره، وربما يسهم في نصح آخرين بشأن الصوم.

آيات الصوم، من شهد منكم الشهر
قد بدأ آيات الصوم بالأمر بالصوم (من شهد منكم الشهر فليصمه)، ثم مباشرة استثنت (من كان مريضاً أو على سفر) فعدة من أيام أخر. وتأكيدا لذلك ورد في النص القرآني أن الله سبحانه أبان (إنً الله يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، سبحانك اللهم ولك الحمد. ثم أضافت الآيات على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين.
وقد فُسرت أن الذين يطيقونه هم من لا تسعفهم حالتهم الصحية أن يصوموا رمضان. وأن الذين يطيقونه، تعني أن الذين يجدون المشقة في حالة صومهم. أي أنّ من يشق عليه الصوم، عليه أن يفطر ويفدي صيامه بإطعام مسكين. والمعنيون هنا (الذين يطيقونه) هم أصحاب الأمراض المزمنة والشيخوخة والهزال. يصيب الإجهاد الصائمين من هذه الفئات تحت إصرارهم على الصوم في ظروف هشاشة صحية. عليهم أن يفطروا. بل أكثر من ذلك ي,ضاف لهم الذين يجدون مشقة في أداء أعمالهم تحت الشمس، أو المناجم أو الافران، أو مشغلي الآلات الثقيلة والشاحنات، ورعاة الماشية تحت وهج الشمس، وغيرهم، حتى العاملين في الحقل الطبي أنفسهم.

الشعائر الدينية والفيسيولوجيا
بالتأمل في مسألة الفيسيولوجيا والصوم، بدا للكاتب أن معظم الشعائر الدينية تتعلق وتتقيد بالفيسيولوجيا. الفيسيولوجيا، كما أشير سابقاً تعني وظائف الأعضاء. بمعنى أن كل عضوء في الجسم له عمل محدد في الظروف العادية. يستشعر الكاتب، أن الفقهاء عندما يذكرون أن هذه العبادة أو تلك تجب على (المسلم العاقل البالغ)، أن ذلك يعني أن العبادة تجب على الشخص الذي له حالة فيسيولوجية سليمة ومكتملة. وأنه (بالغ) بما يعني أن لديه غدد تناسلية مكتملة. والمعلوم أن الغدد الذكرية لدى الرجال والأنثوية لدى النساء لا تكتمل وتفزر هرموناتها إلا عند البلوغ.
أشير إلى أن فترة المراهقة التي تسبق البلوغ ما هي إلا فترة مبكرة يبدأ فيها تاثير الهرمونات، فتتأثر الأجساد الفتية ويتشكل سلوك جديد فيه قدر من الإرتباك، من الغضب أوالخجل أوالنرفزة والتمرد على توجيهات الكبار. وتحتاج هذه الفترة لكياسة الآباء و الامهات، بل والمجتمع.
الفقهاء، بحسب مفهوم البلوغ الفيسيولوجي، إن شاءوا ذكروا أن العبادة تجب على المسلم الذي تتوفر لديه الغدد الصماء المعلومة والتي تشمل الخصيتين لدى الذكور أو المبايض لدى الإناث. والذي يتمتع بكتلة جسم تمكنه من الصوم دون رهق.
لكنّ الكاتب يستطيع أن يسترسل بأن عبادة الصوم، محورها الرئيس هو فيسيولوجيا الجسم ، بما فيها حالة البلوغ والعقل وعمليات حيوية كثيرة ومعقدة. والصوم يتجاز مسألة الهرمونات إلى تنظيم دخول المواد المغذية من طعام وماء وأملاح وغيرها إلى الجسم.
فالصوم يعني وقف تزويد الجسم بالمغذيات لفترة محددة، تمثل فترة النهار، والتي في كل الحالات لا تتجاوز عشرين ساعة حتى في مناطق النهار الطويل من العالم. وفي هذه الفترة تظل أجهزة الجسم تعمل دون ان تتعطل. فإذا تعرض الجسم للإنهاك بسبب الصوم في الظروف الاستثنائية، يكون البديل أن يفطر الصائم، ويعوض حسب البدائل المتاحة، المذكورة عاليه.
وبحسب آيات الصوم، فصوم رمضان شعيرة واجبة "من شهد منكم الشهر فليصمه"؟ باستثناءات مباشرة (ومن كان منكم مريضا أو على سفر) ليعوض عن أيام سفره أو مرضه في وقت لاحق. كذلك الذين يطيقونه، (يصعب عليهم الصوم) يمكنهم أن يقدموا فدية صيامهم طعاما (مغذيات فيسيولوجية لآخرين محتاجين لدعم غذائي)
ولما كان الله الخالق البارئ جل شأنه يريد بالناس القيام بعبادتهم والخضوع له لتحقيق التقوى، قد نبه تعالى في ذات آيات الصوم في القرآن أنه تعالى يريد بالناس اليسر ولا يريد بهم العسر. ولا يكلف الله نفسأث إلا وسعها. ومن ثم لا يكلف الإنسان الإنسان نفسه فوق طاقتها. وقد أوضحت الآيات البديل فدية طعام مسكين. وليلاحظ القارئ أن البديل الغذائي هو دعم لشخص آخر يجد عنتاً من نقص الغذاء. ويذكر أن جزء الآية، الذي يلي فدية طعام مسكين (فمن تطوع خيراً فهو خيرٌ له)، يعني أن يزيد في الإطعام.
قد إنبرى الفقهاء ، كالعادة في تفصيل لوائح فقهية في كيفية صيام الشهر بدءا من إبداء النية (الهدف التعبدي) التي بدونها لا يتحقق مضمون الصوم. ثم ما يلى ذلك من إمساك عن المفطرات أظهرها "الطعام والشراب" ومفطرات أخرى حسية ومعنوية (نفسية) ذات اثر فسيوالوجي، خلال النهار. ثم الإفطار مع أول دخول الليل إلى طلوع الفجر التالي.
ذات الفقهاء، يضعون أسساً للفتيا، مثل قولهم: النصوص محدودة والحوادث غير محدودة. فالنصوص التي وردت بشأن التوجيه ب الصوم محدودة. والحادثات غير المحدودة تشمل أحوال كل من يزاول عبادة الصوم بحالته الجسدية المعتبرة خلال الشهر في جغرافية الأرض ومناخها وتغير مجيء الشهر خلال المواسم المختلفة. لذلك تجدهم يفصلون في مسائل الصوم ويصنفون مصنفات لا تحصى لما يحدث من حادثات في الصوم. وقد وضعوا من القواعد الفهية الحاكمة لفتياهم. ومنها الشقة توجب التيسير.

غايات الدين
يلاحظ أن التوجيه الديني الأول بلا منازع، هو شحذ الإيمان بالله وإلتزام الأعمال الصالحة، فإن الله لا يحب الفساد. إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، كانت لهم جنّات الفردوس نُزُلاً. وفقهاء الأصول (الكليات) قد أبانوا أنّ للدين مقاصد في (الإصلاح) عليا، أوردوها خمسة، تشمل: (1) ، حفظ الدين (الإيمان، والقيم الإيمانية والقانون والعرف السائد لدى المؤمنين وصالح العمل). (2) حفظ النفس، بما يشمل الجنين وأمه، وبما يشمل المحتضر، الذي يمكن أن يحي ويعود، عابداً لله (3) حفظ العقل، الدال على الغيب و الشهادة (4) حفظ النسل، الذي يعمل لاستدامة الحياة (5) وحفظ المال الذي به قوام الحياة وتسخير الناس بعضهم بعضاً، وتسيير الحياة (راجع البروفسور أحمد عبدالعزيز، فقه الطبابة).
ومن ثم، بذات مفهوم المقاصد العليا، نستطيع أن نستبصر أن حالة الفسيولوجيا السوية هي الحالة المقصودة في (حفظ النفس)، وهي الحالة المقصودة في (حفظ العقل)، وهي الحالة المقصودة في حفظ النوع البشري (حفظ النسل). بل إنّ بقية المقاصد والتي تشمل حفظ الدين وحفظ المال هي شاملة نحو مقصدي حفظ النفس والعقل والنسل.

الصوم، جهاد للنفس دون العنت
الصوم بحسب بيان هذه الابعاد الفيسولوجية، يمكن النظر له بأنه عبادة مجالها التحكم في فسيولوجيا الجسم، بما لا يتجاوز إلى العنت، والذي يمكن أن يشمل فيما يشمل: فقدان الوعي والإدراك والقدرة على الحياة الطبيعية.
أي لابد من النظر للصوم فيسيولوجياً، بأنه حالة واجبة تستهدف رفع كفاءة الجسم بواسطة عملية التأقلم adaptation أو التقسية hardening بالأمتناع عن قصد عن الأكل والشرب لوقت معلوم. وعمليات اتأقلم والتقسية (أن يصير الجسم قاسياً) معمول بها في عمليات التدريب الرياضي والعسكري، ورواد الفضاء، بل والحجاج. كما يعمل به في العمليات العلاجية المتقدمة لبعض الأمراض، لخفض وزن الجسم الزائد عبر ما يعرف بالريجيم. وتخليص الجسم من سموم تتراكم. لكن الصوم للشخص المسلم، قبل فوائده المادية، علمها أو لم يعلمها الصائم، بأنه يعني الإمتثال لله بعبادته عبادة مستحقة، هي الصوم المشروع. ويمكن النظر للصوم بأنه خروج ولمدة شهر عن حالة الاسترخاء the Comfort zone ، إلى حالة انتباه vigilant
وأن العبادات بما فيها من شعائر (لها برتوكولات وشعارات ظاهرة). إلا أن تلك البروتوكولات الظاهر لوحدها لا تؤهل المتعبد إلى مراد الله. إذ يحتاج المتعبد أن يكون صادقاً مخلصاً sincere . وقد تعددت الآيات، مثل : آية البر، ليس البر بأن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب .. إلى نهاية الآية 177 من سورة البقرة ، أي ليس هو شكليات الصلاة. وفي الأضحية والهدي في الحج: لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى. وفي سورة الإسراء: ربكم أعلم بما في نفوسكم، إن تكونوا صالحين، إنه كان للاوابين غفورا.
كذلك الصوم ليس هو الإمساك عن المفطرات، لكنه امتثال بالتقوى. وصوم رمضان هو حزمة من الإجراءات التعبدية، بما يشمل تلاوة القرآن، وقيام الليل، والتصدق، وإلتزام السلوك الحسن طيلة الشهر. وبحسب مراد الله ( يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، فالصوم لا يفضى من حالة صحة إلى حالة علة. وينبغي أن لا يتجاوز حالة الإجهاد فيه إلى إزهاق النفس أو حتى أن تمرض مرضاً يفضى (يؤدي) للمشقة. لذلك جاءت الآيات واضحة لاستثناء ذوي الحالات الفيسيولوجية الخاصة: من كان مريضاً (حالة فسيولوجية) أو على سفر (حالة تنقل فيزيائي، تصحبها حالة من الإعياء وجهد يفضي إلى عدم قدرة على استدامة حيوية الجسد المقيم، وهي حالة يصعب على الجسم تحملها). فإذا كانت حالة السفر، مهما تكون ظروفها ووسيلتها، قد أدرجها الكريم، الذي يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر، فكيف بأحوال المشقة في الأعمال وما أكثرها.
من القواعد التي قررها القرآن الكريم قاعدة: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها. معلوم أن يمارس الصوم بدءاً بواسطة الجسد الحي بكل تفاعلاته الحيوية. ولا شك الصوم مجهد للجسد، جهدا ينبغي ألا يدخله فوق سعته إلى دائرة العسر. ودائرة العسر يمكن تصورها أنها أعلاها الموت (ذهاب الحياة) وأدناها الإصابة بالإجهاد المفضي للعنت.. وفي تفصيلاتهم أبان الفقهاء أن الصوم يجب على المسلم العاقل البالغ الصحيح المقيم وعليه، لا يجب على الطفل ولا على المريض ولا على المسافر ولا على الذي يلقى من صيامه مشقة مفضية للإجهاد.
فدية إطعام مسكين لمن يشق عليه الصوم
ورد ضمن متن آيات الصوم (وعلى الذي يطيقونه فدية طعام مسكين). وقد فُسّرت أن يطيقون بأنهم يواجهون مشقة، وأن الطاقة تعني المشقة. وقد وردت في شروحات فقه الصوم أن فئة الذين يطيقونه تشمل: أصحاب المرض المزمن، والشيخوخة، وحالات الحمل والرضاعة. بحساب المعايير الفيسيولوجية للصوم، هناك حالات الهزال، وحالات الفتيان والفتيات الذين على عتبة البلوغ. ودرجت أعراف المجتمعات والنظرة الاجتماعية السالبة للمفطر، أن يصوموا. مما يتسبب في رهق. خاصة في البلدان الحارة، كالحال في السودان. أشير إلى أنه ورد في فقه الإمام أبوحنيفة أن الشيخ الهرم لا صوم عليه، فهو كالطفل تماماً، وكذلك آخرين من أحوال الحاجات الخاصة، غير مكلفين بالصوم. وهنا أيضاً تظل فرضية الصوم محكوم بالحالة الفيسيولوجية فرضية صحيحة. مع ملاحظة أن بديل (الفدية) هو لدعم حاجة فيسيولوجية (غذائية) لأصحاب حاجة للدعم.

الصوم للبالغ الصحيح السليم
بهذا يتعلق الصوم بالحالة الفيسيولوجية للجسد المكتمل (البالغ)، وأهمها إكتمال الغدد الصم الثمانية، والتي تشمل الغدد التناسلية. ثم إكتمال بنية الجسد، إلى درجة الاقتراب من الوزن والحجم المثاليين وخلو الجسم من المرض، حتى الحالات الطارئة مثل ما يعتري المرأة من حالات فيسيولوجية معلومة. أو ما يعتري الجسد من أمراض فيسيولوجية تستعصى على العلاج. وتشمل المعلوم من الأمراض اليوم مثل مرض السكري والأنيمياء والسرطان وغيرها وغيرها. والأمراض المعدية على كثرتها، الطارئ منها والمزمن.

فقه الحالات الخاصة
المعلوم أن لوائح الفقه ونصوصه قد أوضحت أن المريض مرضاً طارئاً أو المسافر، والسفر عادة حالة طارئة، يستثنى منه المشتغلون بالسفر كمهنة. وهؤلاء المسافرين دوماً تنطبق عليه رخصة الإفطار في الصوم. فالمسافر يجوز له أن يفطر ثم يصوم ما أفطر في وقت لاحق.
وبخصوص حالة المريض، على سبيل المثال، قد أجمل الإمام الشافعي في كتابه الأم بقوله: والصوم قد يزيد عامة العلل. فإن زاد مرض المريض زيادة بينة أفطر. وأما ما كان من ذلك محتملا فلا يفطر صاحب. الإمام الشافعي، رحمه الله إمام ذكي. وهو مشهود له بتطوير الفقه بصورة مرنة، وقد أرسى رحمه الله قواعد العامة في الفقه.

هل يُستفاد من الطب في الفقه؟
بحساب ما وصل إليه الطب بالتشخيص الدقيق للمريض، ولغير المريض، يستطيع أن يمثل أمام الطبيب، ويقرأ أمامه، وزنه، وطوله ومعدل كريات دمه، وحالته التغذوية، وتوزازن هرموناته وحالته الصحية خلوها أو عدم خلوها من الأمراض المعدية والأمراض الفيسيولوجية. ويمكن للطبيب الفقيه بحسب البيانات المقروءة أن يوصيه بالصوم أو بالإفطار، بل يمكن أن يقرر له عدم الصوم. طبعاً هذا أوضح ما يكون في بعض الحالات الظاهرة. لكن تظل هناك حالات دقيقة.
هذا بمعنى أن الفتوى بإفطار المريض أو صومه لن تقف عند نصوص الإمام الذكي، محمد بن إدريس الشافعي. لكنها تقترب من الطبيب الفقيه. فمنتجات وبروتوكولات الطب الحديث، تستطيع أن تزود الصائم وغير الصائم بأدوات قياس دقيقة من شأنها أن تحول القاعدة التي أرساها الإمام الشافعي إلى بروتوكول وقواعد بيانات واسعة لحالات عديدة. ومن اليسر الذي أبداه التشريع في الصوم أنه حتى حالة السفر التي يصاب فيها الجسد بالإنهاك يتاح له فيها الإفطار، على سبيل الرخصة المتاحة للإفطار اثناء السفر. إلا أن يرى الشخص أن الصوم لا يسبب له الإنهاك. ومن الإنهاك الصداع والقيء. بالمقابل أن كثير من حالات المرض هي أدعى لكثير من حالات السفر.

هل كان الصوم متدرجاً ؟
يشير الموروث من فقه الصوم، أن الصوم قد فرض في السنة الثانية للهجرة، أي بعد البعثة أربعة عشر سنة. وأن اليهود في المدينة، لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة كانوا يصومون، وأن رسول الله صلى الله عليه صام بصومهم، بما روي قوله صلى الله عليه وسلم: بخصوص صوم يوم عاشوراء أننا أحق بموسى منهم. حتى نزلت الآيات الموجهة للصوم، فصار للمسلمين خصوصية صومهم في شهر رمضان، وتطوعهم في غير رمضان. ولذلك يرى بعض الفقهاء أن صوم يوم عاشوراء كان ممارساً قبل فرض الصوم. وبفرض الصوم وفق آي القرآن يكون ذلك قد تجاوزه الزمن.
المعلوم أن الشعائر المختلفة نزلت فيها آيات بيّنات وتوجيهات من الرسول صلى الله عليه وسلم تنظمها. فالصلاة جاء التوجيه فيها بعد حادثة الإسراء في مكة، في السنة الحادية عشر للبعثة النبوية. وأن الصوم نزلت آياته في المدينة في السنة الثانية بعد الهجرة، كذلك حال تغيير القبلة بعد الهجرة في السنة الثانية للهجرة. وأحكام أخرى جاءت بالتدريج، حتى استقرت. وكان من أواخر ما فرض الحج في السنة التاسعة بعد الهجرة. والقصة مشهورة ضمن تفسير سورة براءة.
تشير بعض الشواهد بأن الصوم قد بدأ توجيهاً تخييراً، ذلك بحسب الإشارة: (أن تصوموا خيراً لكم). بمعنى أن نزلت الآيات: من شهد منكم الشهر فليصمه، ثم جاء الاستثناء: على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين. ثم تلتها: وأن تصوموا خيراً. فتم تقييد الإطلاق، بأن الأمر بالصوم لكافة الناس، باستثناء المريض والمسافر حكماً باقياً.
الملاحظ أن كثيراً من الناس يتجاوزون سبيل التيسير إلى سبيل التعسير، إلى درجة أن يصاب الصائم بالإنهاك. معلوم ذلك ومشاهد لدى أصحاب الأمراض المزمنة. والله لا يظلم الناس شيئاً، لكن أنفسهم يظلمون. والناس يرجعون للأطباء للنصح. كم يحتاج الأطباء للتوسع في فقه الصوم، بل جدير أن يقيم الاطباء حلقات ومؤتمرات يرفعون فيه شأن الصوم، ويقيمون بحوثاً في ذلك.
المعلوم أيضاً، أن آفة العبادة الرياء (ماذا يقول الناس علينا). وقد أبان الخالق البارئ تعالى بأنه بهم رؤوف رحيم، وأنه رحيم ودود، سبحانه ما قدروه حق قدره. وقد نبه تعالى (ما ظنكم برب العالمين. وابان بأن يقصد الهداية يهديه. فالناس، يتعنتون للإستمساك ب الصوم رغم المشقة المفضية للمرض. خاصة النساء.

الصوم والإجهاد الحراري
كما ذكر أعلاه، أن شهر الصوم، يتزامن أحياناً مع مواسم شديدة الحرارة، بما يسبب المشقة لبعض الناس حسب حالتهم الصحية وأجهادهم. ليت بحثاً أجرى في أسباب الدخول للمستشفيات لثلاث أشهر يتوسطها شهر الصوم للنظر في طبيعة الحالات التي دخلت بسبب الإستمساك بالصوم وهي مجهدة فيسيولوجيا. والإجهاد الذي أريد ذكره خاصة في ظرفنا في السودان، منه الإجهاد الحراري، لما نحن فيه من إرتفاع درجة الحرارة.
يحدث الإجهاد إلى درجة أن ينبري المفتي العام أن يعمم أن على الناس أن يفطروا، ثم يقضوا في وقت لاحق. وسبب الإجهاد الحراري هو عدم قدرة الجسم للتخلص من الحرارة الداخلية المتولدة بواسطة العمليات الحيوية. ما يصحب ذلك من جفاف للجسم بسبب فقدان كمية المياه من الجسم بواسطة التعرق. فيدخل الجسم في حالة إغماء عندما يتعرض لحرارة خارجية تتجاوز الأربعين درجة مئوية.
وذلك أقرب ما يصيب الصائم لامتناعه عن تناول الماء بسبب الصوم.
وحالة الإجهاد الحراي قد تصيب العاملين تحت الشمس أو في الافران أو سائقي المركبات والآليات وغيرهم .
علاج حالة الإجهاد الحراري، يتطلب إرواء الجسم، بالتدرج ، بحيث يسحب المُجهد فورا إلى مكان درجة الحرارة فيه تقل عن الثلاثين درجة مئوية ويغطى جسمه بالمناشف المبللة بماء في درجة حرارة الغرفة. أو تعريضه لتيار هواء بارد (في حدود العشرين درجة مئوية). يلاحظ أن التبريد الزائد قد يأتي بنتائج سالبة. ثم أن يتناول الماء (بدرجة حرارة في حدود العشرين درجة مئوية أو أدنى قليلا) على جرعات قليلة، مثل شرب الطائر، و الأفضل عن طريق الحقن الوريد بالتنقيط.
والذى يتعرض للإجهاد الحراري تحت تاثير الشمس، قد تدخله في تشنجات وفقدان وعي تعرف بضربة الشمس. وضربة الشمس عادة ما تصيب العاملين مباشرة تحت الشمس ولساعات عديدة أو المشي أوالبقاء تحت الشمس دون غطاء. حتى الوقوف طويلاً تحت الشمس في إنتظار المواصلات قد يصيب الشخص بضربة الشمس أو الإنهاك الحراري. وضربة الشمس قد تتطلب نقل الشخص للحوادث للتدخل العلاجي المتقدم، الذي يشمل الحقن بمهدىء وحقن الجسم بمحلول تروية، وتعريض الجسم للتبريد بطريقة طبية.

الصوم والإجهاد الغذائي:
وفي حالة الصوم، ييب الإجهاد الغذائي، الإجسام المجهدة غذائياً، حالة الجوع الطويل، في حالات المجاعات أو المرض المزمن الذي ينخفض فيه مؤشر كتلة الجسم (تحسب كتلة الجسم بالوزن بالكيلوجرامات على مربع الطول بالمتر). وانخفاض كتلة الجسم بسبب عدم وجود مخزون كافي من السكر والنشاء والشحوم والبروتين (جلد على عظم)، وهذا ما يعرف بالهزال.
يكون الشخص الهزيل أكثر عرضة لتدهور الصحة والدخول في غيبوبة. كذلك يكون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية والمفضية للمزيد من الضعف والهزال. حتى مجرد الزكام. وتفيد ذلك نتائج جائحة الكورونا، التي أزهقت أرواح الكثير من النحاف المنهكين. ومثل حالة الهزال الشديد أحرى أن لا يمارس الصوم. فحفظ الحياة أولى.
الإجهاد المائي Dehydration ويتمثل في جفاف الجسم، ومؤشره أن يفقد الجلد مرونته، حاله شده، فلا يرجع طبيعياً. والذي سببه عدم تناول قدر كافي من الماء. كذلك لفقدان الماء أسباب أخرى تشمل الإصابة بالاسهالات الحادة. وفي مثل هذه الحالات يسعف الجسم بمحلول تروية كشراب أو عبر الوريد، وهو محلول من سكر الجلكوز والملح بنسب معلومة. ويلاحظ أنّ من أفضل الوجبات التي تعيد للصائم تروية جسمه، شوربة أو بليلة مملحة، وكوب عصير منخفض تركيز السكر، وكوب ماء زلال.

حالة خاصة أحوج للرعاية
لكن يُرجي الإنتباه إلى فئة يصيبها الإجهاد والإعياء أكثر من غيرها، وتصوم بتأثير الكبار أو بتاثير الأقران. صبيان وصبيات، ذوو أعمار في منتصف العقد الثاني أو نحوه تزاول الصوم مع أجساد منهكة. وليس معروفون أهم بالغون أم مراهقون. فالذي يلاحظ أن كثيراً وكثيراً جدا من أفراد هذه الفئة العمرية يعانون من نحافة وهزال مفرط. فما أشق الصوم عليهم في الجو الحار. وقد أفاد أحد الأصدقاء استاذ جامعي، أنه كان في صباه نحيفاً. يذكر كم كان ينهكه الصوم. فهذه الفئة طبياً أحوج للرعاية. وليمعن النظر الآباء والأمهات كم من هؤلاء الصغار أضطر أن يقطع صيامه بسبب الإنهاك.
وليت بحثاً أجري لفحص الصوم لدى هذه الفئة من الصائمين. وثمة فئة أخرى هي النساء كبيرات السن واللائي كثيرا ما يعانين نوبات السكري وهشاشة العظام والهزال. فهؤلاء أيضاً كثيرا ما يضطر ذووهن لأخذهن إلى دور الشفاء.
أما الحالات الفردية من الجنسين في جميع الأعمار فحدث ولا حرج، إصرار على الصوم مع وجود العذر البين.

الخلاصة
خلاصة الأمر أن المطلوب من الصوم تحقيق التقوى بالاستجابة لأمر الله، دون إزهاق النفس، ودون إجهادها، مع توفر البديل تأجيلاً للصوم أو تبديلاً له بصدقة معلومة. ومحور الصوم الواجب هو الإستجابة (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإاليك المصير). ويرد البارئ جل وعلا: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها). وفي آية في سورة الإسراء: (ربكم أعلم بما في نفوسكم، إن تكونوا صالحين، فإنه كان للتوابين غفوراً).
وأن شدة الحرص على الصوم مهما كانت حالة الجسد، كمثل حال الكثيرين المجهدين المغالين في صيامهم. فالتعنت دون الاستجابة للآيات أمر ليس التقوى في شيء. وذلك نوع من الغلو والرهبانية التي لم يكتبها الله على الناس المتعبدي.
وكل صائم عليه أن يراعى حالته الصحية، بتقدير حالته حق قدرها، حتى لا يدخل في دائرة الإجهاد المفضي للمرض.. وذلكم يحتاج إلى تدابير وتوعية كثيفة، وقبلها التوعية بأن الله قد أبان سبل التيسير ولا يؤاخذ عليها أحد. وعلى مؤسسات البحث أن تعمد لمتابعة فسيولوجيا الصوم.
ولقد أوصى الكاتب أن يتفقه الأطباء بحسب أنهم مرجع للناس في شأن الصوم. وأن يتعرض الفقهاء لكورسات في الفيسيولوجيا والعلوم الطبيعية والإنسانية المجاورة، بغرض أن يحسنوا من منتجاتهم الفقهية ومن وعظهم وتوجيههم للناس.
اللهم سألك أجر هذا العرض، فقد يُحي نفساً، أو يرفع عنتاً، أو يحسن نوع الفتيا والاستشارة الطبية تجاه الصائمين. وأسألك اللهم رزقاً وفيراً حلالاً مباركاً. وعيشاً رغيداً، وأسألك حسن خاتمة ألقاك بها ضاحكاً مستبشراً ووالديّ وأهلي وذريتي، إنك سميع مجيب.

sadigabdala@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • الجماع في العشر الأواخر من رمضان يفسد هذه العبادة.. الإفتاء توضح
  • الحكم الصيني يفسد فوز ” الأزرق ” على العراق !
  • هل يجوز إخراج زكاة الفطر لشخص واحد فقط؟.. الإفتاء توضح الحكم الشرعي
  • القرفة أم الزنجبيل.. أيهما أفضل لإنقاص الوزن؟
  • لا فوينتي: الصوم لا يؤثر على استعداد لامين يامال
  • 15 عامًا من العطاء.. دار الإفتاء تحتفي بإنجازات الإمام الأكبر أحمد الطيب
  • الإفتاء تهنئ شيخ الأزهر بمناسبة مرور 15 عامًا على توليه منصبه
  • الصوم والفيسيولوجيا .. المشقة تجلب التيسير
  • زيلينسكي: شروط بوتين تعكس غياب النية الحقيقية لإنهاء الحرب
  • أخصائية تغذية تحذر: مشروبات رمضانية شائعة تسبب زيادة الوزن