ذكّرتنا غزة، هذه الوليدة الصغيرة، يتيمة الأبوين، بحكاية الولد الشقي، في حكاية "حلّة الإمبراطور السعيد" الذي صرخ في الحفلة، فأفسدها، والذي لا نعرف كيف دخل إليها من غير دعوة: الملك عريان، ليس عريانا وحسب، إنما هو ممسوخ، فجسمه جسم خنزير، وفكّاه فكّا تمساح، وبراثنه براثن دب، وذيله ذيل ثعلب (بسبع لفات)، هو كائن عجيب مثل حيوان سلفادور دالي في لوحته الشهيرة، لديه من كل حيوان عضو.
كانت إسرائيل قد ارتدت أجمل حلّة في العالم وآتت زخرفها وازّينت، في حفلة التطبيع المنتظرة، الحفلة الكبرى، وهي من هي؛ دولة اللبن والعسل، فيها أجمل المستوطنات، وأذكى العقول الزراعية والحربية، وأطيب الثمار، وأمهر العبيد في قطاف الزيتون والبرتقال والألم، وفيها المظاهرات السلمية، والانتخابات المنظمة، والحكومات المتعاقبة، فهي البلد الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط. لأمريكا عشرات شركات المكدونالدز وستاربكس والسفارات في الشرق الأوسط والقواعد العسكرية، لكن ليس للديمقراطية مدرسة واحدة فيها. وهي ديمقراطية للعرض فقط: وممنوع اللمس (حتى لا ينتقض وضوؤها)، وممنوع الاقتراب والتصوير. ضوء الفلاش سيعمي بصرها.
إنها دولة ديمقراطية لشعبها الغازي الوافد، ودولة مساواة في أنواع القتل، فهي تقتل الأطفال والنساء والشيوخ والرجال، مساواة تامة، بل لفرط عدالتها وتقواها تساوي بين البشر والحجر والشجر في الهدم. هذا أهم درس ثابر هذا الكيان على تلقينه للشعوب العربية وشعوب العالم
الحق إنها دولة ديمقراطية لشعبها الغازي الوافد، ودولة مساواة في أنواع القتل، فهي تقتل الأطفال والنساء والشيوخ والرجال، مساواة تامة، بل لفرط عدالتها وتقواها تساوي بين البشر والحجر والشجر في الهدم. هذا أهم درس ثابر هذا الكيان على تلقينه للشعوب العربية وشعوب العالم.
ظهر عري الملك، وعري ملوك الأرض المدعوين إلى الحفلة جميعا، وبرز عار المنظمات الدولية، وعار الأمم المتحدة، وعورة القانون الدولي، وعورات منظمات حقوق الإنسان. تلعثم الجميع، وهم يرون ملكتهم عارية، تقتل الأطفال أمام أعين الكاميرات، وتدمر البيوت والمشافي، أما المساجد فلا بأس بقصفها، وعري الأنثى أنكى وأعيب من عري الذكر، وليس عريا وحسب إنما هو عري وعار.
لنذكر أمثلة المحمدين الثلاثة، وقد دعوا إلى الحفلة:
أحدهم الممثل المصري محمد سلام، الذي خرج يقول في جمل هادئة معتذرة إنه لن يشارك في حفلة التطبيع الكبيرة في موسم الرياض، وهي حفلة تطبيع، وأهل غزة يُقتلون، والتطبيع ألوان، لن يستطيع أن يهزر ويلهو والشعب الفلسطيني يُقتل، وإنه لن يشارك في مسرحية "زواج صناعي"، أقل ما يمكن فعله هو النكول عن التطبيع الصناعي والعودة إلى الطبع.. قال بيانه وهو يلبس قميصا عليه صورة محمد علي كلاي، الذي اعتذر عن المشاركة في حرب فيتنام، كأنه قال تورية وكناية: إن الملك عريان، فأدرك حرس الملك غرضه ومرامه، فغضبوا، وكان أغضبهم للعار، الإعلامي المصري عمرو أديب، الذي قال في بيان مكتوب، وليس بيانا مرئيا، يدافع فيه عن الملك الكريم الحليم، مشنّعا على "الكومبارس" الغمز من دور السعودية السعيدة: إن الملك لا يحب الأضواء والألعاب النارية (فلمَ كل هذه الألعاب النارية في موسم الرياض)، ويفضّل صدقة السر، فهي تطفئ غضب الرب!
أما محمد صلاح "فخر العرب"، الذي سحر العرب بفصاحة قدمه في الملاعب الخضراء، والقدم أداة غربية للسحر والبيان، فلم ينسحر العرب والمسلمون بقدم قط، هي المرة الأولى التي يصير عربي فخرا للعرب بقدمه وليس برأسه أو لسانه، فهم إنما كانوا يعتلون المعالي بسيوفهم وأقلامهم.. فأعلن في فيديو، في اليوم التاسع من طوفان الأقصى، والذعر ظاهر في عينيه، وشفتيه، عن صدقة ستودع في صندوق الهلال الأحمر المصري، قد تصل وقد لا تصل، وكان بيانه بالإنكليزية وليس بالعربية، وفي بيانه تضامن مع المدنيين عامة (حتى يشعر أنهم من الجانبين) ولم يذكر غزة أو الأقصى خوفا من فئران القبو أن يقرضوا أذنيه الجميلتين.
غزة أحرجت الجميع، العامة والخاصة، الملوك والمماليك، حتى إن بعضنا طفق يخصف من ورق الخريف، يستر ويواري بها سوأته. أشجعنا من وضع بيتا من الشعر، أو آية، ولم يسلم، وتكلم بعضنا بلغة الإشارة، والأحاجي، فمن يجرؤ على قولة إن الملك عريان
أما المحمد الثالث، فهو "صعيدي في الجامعة الأمريكية"، الذي ظهر في موسم الرياض موسم الأضواء والأفخاذ النارية، بقبعة أمريكية، كأنه "كاوبوي مصري في أرض الحرمين".
الحق إن غزة أحرجت الجميع، العامة والخاصة، الملوك والمماليك، حتى إن بعضنا طفق يخصف من ورق الخريف، يستر ويواري بها سوأته. أشجعنا من وضع بيتا من الشعر، أو آية، ولم يسلم، وتكلم بعضنا بلغة الإشارة، والأحاجي، فمن يجرؤ على قولة إن الملك عريان، وكلبان، حتى إن أنطونيو غوتيرش، أوشك أن يتراجع عن قوله الذي أدان به إسرائيل، أو قد فعل.
لقد رمت غزة بأفلاذ أكبادها وهي تقول الحق، عرّتنا جميعا، أخرست بعضنا، وأنطقت آخرين، في نيويورك ولندن ولوس أنجلوس وبلوشستان وداغستان، وكذلك يقلب الله القلوب والشعوب، والأيام والأقلام.
twitter.com/OmarImaromar
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة إسرائيل إسرائيل غزة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إن الملک
إقرأ أيضاً:
الصليب الأحمر للحرة: غزة بحاحة إلى تيار متدفق من المساعدات وليس مجرد فتات
اعتبر المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة، هشام مهنا، في حديث لقناة "الحرة"، الأربعاء، أن فتح إسرائيل لمعبر "كيسوفيم" لإدخال شاحنات مساعدات إلى القطاع "غير كافٍ" لتلبية الاحتياجات الإنسانية للسكان، مشددا على الحاجة إلى "تدفق مستمر من المساعدات وليس مجرد فتات".
وأكدت مراسلة "الحرة" في قطاع غزة، أن فتح المعبر "لم يؤدِ إلى تحسن ملموس في الأوضاع الإنسانية"، مشيرة إلى أن المواد الأساسية "لا تزال شبه مفقودة في الأسواق"، موضحة أنه في حال توفرها "تكون قديمة وبأسعار باهظة للغاية".
ماذا بعد نهاية المهلة الأميركية لإسرائيل لتحسين دخول المساعدات إلى غزة؟ قال المستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية، ديفيد فيليبس، في تصريحات لـ"الحرة" إن فتح معبر "كيسوفيم" لأول مرة لمرور شاحنات المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، كان استجابة خجولة من السلطات الإسرائيلية وإنها لا تحقق النتائج المطلوبة.وقال مهنا إن الاحتياجات الإنسانية في القطاع لا تزال قائمة، "خاصة مع استمرار الأعمال العدائية، ونزوح الأهالي، وانقطاع الدعم"، مضيفًا: "قبل الحرب كانت غزة تستقبل أكثر من 500 شاحنة يوميًا، وبعد اندلاعها لم نعد نشهد دخول 50 بالمشة منها ولو ليوم واحد".
وأشار إلى أن مؤسسات الصليب الأحمر الدولي في غزة تسعى للاستجابة لكل نداء استغاثة عبر الخطوط المباشرة، والتعامل مع الحالات بشكل جدي وفوري، مستدركًا: "لكن تحقيق هذه الاستجابات ومساعدة العالقين في وسط القطاع وإجلاءهم ليس بأيدينا".
وأكد أن المسؤولية تقع "على عاتق الأطراف المنخرطة في النزاع، لتوفير ممرات آمنة وضمان الوقت الكافي لإنقاذ الأرواح".
وتابع: "نتلقى استغاثات من (أشباه المستشفيات) المتبقية في شمال غزة، خاصة كمال عدوان والإندونيسي والعودة، وقد نجحنا في إجلاء بعض الحالات الحرجة ونقلها إلى مدينة غزة بالتعاون مع الهلال الأحمر الفلسطيني".
وطالب مهنا السلطات الإسرائيلية بـ"تزويد المستشفيات في القطاع بما تحتاجه لإنقاذ الأرواح".
تقرير: مقترح أولمرت والقدوة بشأن "اليوم التالي" في غزة يلقى زخمًا دوليًا قالت "هيئة البث الإسرائيلية"، في تقرير لها إن المبادرة التي طرحها كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إيهود أولمرت ووزير الخارجية الفلسطيني الأسبق ناصر القدوة، بشأن إنهاء الحرب في قطاع غزة قد باتت تلقى دعمًا دوليًا متزايدًا.والأربعاء، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن إسرائيل "نفذت معظم الخطوات التي طلبتها الولايات المتحدة لتحسين الأوضاع الإنسانية في غزة"، مشددا على أن هذه الخطوات "يجب أن تستمر".
واعتبر بلينكن أن "التحدي في إعادة إدخال الشاحنات التجارية إلى غزة، هو عمليات النهب والسرقة". كما لفت إلى أن "إسرائيل ستسمح للسكان بالعودة إلى المناطق التي تنهي فيها عملياتها العسكرية داخل غزة".
جاء ذلك بعد أن أعلنت الولايات المتحدة، الثلاثاء، أن سياسة إدارة الرئيس جو بايدن لم تتغير تجاه إسرائيل، وذلك بعد انتهاء مهلة الشهر التي مُنحت لإسرائيل لتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة.
وتعليقا على التطورات المتعلقة بالمهلة الأميركية لإسرائيل، وإجراءات الأخيرة لتحسين الأوضاع الإنسانية الصعبة بالقطاع الفلسطيني المحاصر، اعتبر المستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية، ديفيد فيليبس، في تصريحات لقناة "الحرة"، أن فتح معبر "كيسوفيم" لأول مرة لمرور شاحنات المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، كان "استجابة خجولة" من السلطات الإسرائيلية، "ولا يحقق النتائج المطلوبة".
ورأى فيليبس أن المساعدات الإنسانية التي دخلت شمالي قطاع غزة "لم تكن كافية لتلبية احتياجات الناس هناك لبقائهم على قيد الحياة"، موضحًا أن هذه المساعدات "كانت مشروطة بتقييدات أمنية".
من جانبه، اعتبر الدبلوماسي الإسرائيلي السابق، مئير كوهين، في حديثه لقناة "الحرة"، أن بلاده "لم تعتدِ على قطاع غزة"، مضيفًا: "بل العكس هو الذي حدث".
ورفض كوهين اعتبار فتح معبر كيسوفيم "استجابة خجولة" لطلبات الإدارة الأميركية بشأن تقديم المساعدات لسكان شمالي غزة، ضمن مهلة استمرت شهرًا وانتهت الثلاثاء.