أفاد تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية بأن مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين يؤكدون أن محدودية التوغل البري الإسرائيلي في غزة -والذي وصفه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه "المرحلة الثانية" من الحرب ضد حركة حماس– تعود إلى مجموعة معقدة من العوامل.

ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع على الخطط القتالية الإسرائيلية قوله إنه من الناحية التكتيكية يرجع الحجم المحدود للهجوم إلى الحاجة لتوفير دعم جوي أقرب للقوات البرية التي ستدخل مناطق في شمال غزة قضت "حماس" سنوات في بناء الدفاعات فيها.

وصرح أمير أفيفي -الذي شغل سابقا منصب نائب قائد لواء غزة في الجيش الإسرائيلي- "نحن لا نترك شيئا للصدفة، عندما يتحرك جنودنا فنحن نفعل ذلك بقوة نيران هائلة وبوجود 50 طائرة في السماء تستهدف أي هدف متحرك".


اشتباكات شرسة

ويشدد المسؤولون الإسرائيليون وغيرهم على أن الاشتباكات في غزة ستكون شرسة، حيث قامت "حماس" بتدريبات على القتال في المناطق الحضرية وأنشأت شبكة واسعة من الأنفاق المعروفة باسم "مترو غزة" تستخدم لنقل المقاتلين والأسلحة دون الكشف عنها، ولديها أيضا ترسانة من الأسلحة المضادة للدبابات والمتفجرات المبتكرة.

ومؤخرا، تورطت القوات العسكرية الإسرائيلية في مواجهة مع عناصر من "حماس" خرجوا من نفق بالقرب من معبر إيريز الحدودي، وهو مثال حي على نوع المعارك التي يمكن توقعها.

وحسب إيال هولاتا -الذي كان حتى وقت قريب رئيسا لمجلس الأمن الوطني الإسرائيلي- فإن "القتال في المناطق الحضرية صعب بما فيه الكفاية، لكن القتال في أنقاض المناطق الحضرية أصعب بكثير، هناك العديد من الأماكن التي يمكن للعدو الاختباء فيها وشن هجمات مفاجئة".

وأضاف "عندما تكون القوات الإسرائيلية في وضع ثابت فإنها تصبح أكثر عرضة للخطر، لهذا السبب نراهم يتحركون ببطء ولكن بتأنٍ، ويكونون في غاية الحذر عند تأمين المناطق التي يدخلونها".


عوامل متعددة

ويؤكد المسؤولون الإسرائيليون أن التعزيز التدريجي للقوات يهدف إلى تقليل فرص انضمام حزب الله اللبناني إلى الصراع.

وإلى جانب ذلك، تنقل فايننشال تايمز عن خبير عسكري قوله إن الإبقاء على العدد المحدود للقوات المرسلة إلى غزة يعني كذلك إمكانية إعادة توجيه القوات بسرعة وسهولة نحو الشمال في حال انخرط حزب الله في الحرب.

وأكد يعقوب أميدرون الزميل المرموق في معهد الأمن القومي اليهودي بالولايات المتحدة والمستشار الوطني السابق للأمن القومي للصحيفة أن الهجوم البري المحدود يعكس كذلك التزام نتنياهو بإضعاف حماس وطردها من غزة.

وأضاف "نحن أمام هدف إستراتيجي لا يمكن تحقيقه في الأمد القريب، أتوقع أن تستغرق العملية من 6 أشهر إلى عام، نحن نشهد هنا حالة من الحذر التكتيكي وتقدير الأوضاع بدقة، لماذا نخاطر بخسارة المزيد من الجنود إذا لم يكن ذلك ضروريا؟ كل هذا في ظل إدراك بأن الهدف كبير ويتطلب وقتا لتحقيقه".

وقال دبلوماسي غربي للصحيفة "يبدو أنهم يهدفون أكثر إلى تقويض القدرات العسكرية لحماس واستهداف قادتها، وليس بالضرورة القضاء عليها بشكل كامل، ولكن الحقيقة هي أنهم لم يحددوا بعد بوضوح هدفهم النهائي".


محاذير

بدوره، أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت عن اعتقاده بأن إسرائيل ربما لا تمتلك الوقت الكافي الذي يظنه مجلس الحرب لتحقيق أهدافها، خاصة في ظل الصور الصادمة للدمار في غزة والتي تنتشر عالميا، حيث قتل أكثر من 8 الآف شخص وجرح وفُقد الآلاف.

كما حذرت الأمم المتحدة من أن قرار إسرائيل تقليص إمدادات الكهرباء والوقود والماء والمواد الأساسية إلى غزة بشكل كبير قد يؤدي إلى كارثة إنسانية.

وذكر عاموس هاريل الصحفي العسكري ومؤلف كتاب حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أن القوات الإسرائيلية تقدمت لمسافة تتراوح بين 3 و4 كيلومترات داخل القطاع، لكنها لم تبدأ بعد في خوض القتال الحضري، إذ يبدو أن الإستراتيجية تعتمد على ممارسة الضغط وإجبار مقاتلي "حماس" على الخروج لمهاجمتهم.

وأوضحت الصحيفة البريطانية أن البعض حذر من تفسير رد فعل "حماس" الهادئ في هذه المرحلة بشكل خاطئ، خاصة بعد أن أظهرت الأحداث في وقت سابق من أكتوبر/تشرين الأول الجاري أن تقديرات إسرائيل لقدرات ونوايا "حماس" قد تكون خاطئة بشكل كبير.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی غزة

إقرأ أيضاً:

خالد عمر يوسف: لهذه الأسباب يجب إنشاء مناطق آمنة لحماية المدنيين

خالد عمر يوسف

أثارت فكرة إنشاء مناطق آمنة ومحمية داخل السودان نقاشاً مثمراً، إذ إن حال بلادنا المؤسف، الذي لا يرضي عدواً أو صديقاً، يتطلب تفكيراً جاداً وعملًا حثيثاً لتحديد الأولويات. ولا توجد أولوية أهم في هذا الوقت من توفير الحماية للملايين من المدنيين الذين دمرت حياتهم هذه الحرب وأجبرتهم على اللجوء والنزوح.

الحقيقة الواضحة هي أنه لا توجد منطقة آمنة في السودان، على عكس ما يروج له البعض زوراً. بدأت الحرب منذ عام ونصف في ولاية الخرطوم وحدها، مما دفع ملايين الأشخاص لمغادرة الخرطوم بحثاً عن الأمان في ولايات أخرى. وانتقلت الحرب تدريجياً إلى ولايات أخرى، بدءاً من دارفور، مروراً بكردفان ووصولاً إلى الجزيرة وسنار وتخوم ولايات نهر النيل والنيل الأبيض والنيل الأزرق والقضارف.

على سبيل المثال، كانت ولاية الجزيرة آمنة حتى اجتاحتها قوات الدعم السريع، لتصبح مسرحاً لانتهاكات واسعة النطاق وجرائم ضد المدنيين. هناك ولايات مستقرة نسبياً، مثل جنوب وشرق دارفور، لكن الطلعات الجوية المستمرة للقوات المسلحة تزعزع حياة المدنيين هناك، إضافة إلى إغلاق معابر المساعدات الإنسانية الذي يهدد السكان بالجوع والمرض وانعدام مقومات الحياة.

ولايات أخرى، مثل نهر النيل والقضارف، انتقلت الحرب لتخومها، وقد تتوسع في أي لحظة. مناطق كانت آمنة نسبياً مثل شرق الجزيرة شهدت انتهاكات واسعة عقب حادثة أبو عاقلة كيكل حيث شنت قوات الدعم السريع حملة انتقامية ضد مناطق فيها بذريعة تعاونهم مع القوات المسلحة. كما دخلت القوات المسلحة مناطق كانت تحت سيطرة الدعم السريع، مثل الدندر والحلفايا، وارتكبت جرائم تصفية للمدنيين العزل بدعوى أنهم “متعاونون”.

إذًا، ما هو الحل الذي سيضمن بالفعل حماية المدنيين العزل من الموت والدمار الذي يزداد يومًا بعد يوم؟

يطرح معسكر الحرب ودعاته استمرار القتال لفرض الأمان بالقوة، إلا أن نتائج هذا الخيار واضحة، فهي تتلخص في توسيع دائرة الحرب يوماً بعد يوم دون تحقيق هذه الغاية، ويتفاقم الوضع أكثر بدعوات تسليح المدنيين، مما يؤدي عملياً إلى تحلل وتفتيت البلاد وتفاقم أزمة النزاعات المسلحة وتعدد الجيوش، ناهيك عن خطل فكرة دفع مدنيين قليلي التدريب وضعيفي التسليح لخوض حرب ضد جيوش مدججة بالسلاح والعتاد.

نحن، في معسكر السلام، طرحنا منذ بداية الحرب ضرورة الوقف الفوري للعدائيات والجلوس إلى طاولة الحوار بحثاً عن حل عادل ومنصف يقود إلى سلام مستدام في البلاد. عملنا على ذلك عبر دعم المنابر والوساطات الدولية الساعية لاحتواء النزاع في السودان، وتقديم مبادرات محلية لتحقيق نفس الهدف، وأهمها مبادرة تقدم في يناير الماضي، التي استجابت لها قوات الدعم السريع، وأسفرت عن إعلان أديس أبابا، لكن القوات المسلحة تراجعت عن قبولها بعد أن وافقت على الجلوس أول الأمر، مما أجهض هذه المحاولة وحدّ من قدرتها على وقف الحرب.

الآن، وبعد عام ونصف من دمار هائل حل ببلادنا وأهلها، سنواصل السعي لوقف هذه الحرب بشتى الوسائل. لكن قرار وقف الحرب ليس بيد المدنيين، بل بيد حاملي السلاح أولاً، وهذا يبدو غير قريب المنال نظراً للإرادة المتواصلة في خوض الحرب لدى الأطراف المتصارعة. بناءً على ذلك، ينبغي البحث عن بدائل تحفظ أرواح المدنيين إلى حين عودة العقل لأهل السودان وتوقف هذه الحرب الإجرامية.

تطرح فكرة المناطق الآمنة منزوعة السلاح تحت آليات مراقبة دولية حلاً عملياً، إذ تتيح للمدنيين العيش بأمان، وتوفر لهم احتياجاتهم الأساسية من غذاء ودواء، وتمنع تهديدهم من قبل أي من الأطراف المتقاتلة.

إن الجرائم المرتكبة بحق شعبنا يجب ألا تُستغل لتحقيق مكاسب سياسية لأي طرف كان. للأسف، هناك من يتلذذ بانتهاكات الأبرياء سعياً لتحقيق مكاسب سياسية ضد جهة ما، وهناك من يؤجج النزاع، ويتكسب منه مادياً وسياسياً، وليس له مصلحة في إنهائه. هؤلاء لا يكترثون لمعاناة المدنيين، ولا يعيرونها أدنى اهتمام، بل يدعون لاستمرار هذا الجنون الإجرامي، وهذا ما لن نسمح به، وسنتصدى له بحزم.

الوسومخالد عمر يوسف

مقالات مشابهة

  • لهذه الأسباب..رئيس جامعة المنصورة يزور جامعة «فيليكو تارنوفو» بدولة بلغاريا
  • فايننشال تايمز: هل يقدم ترامب على ما هو أسوأ مما فعله في الانتخابات السابقة؟
  • حزب التجمع يمتنع عن التصويت على الإجراءات الجنائية لهذه الأسباب
  • ارتفاع حالات سرطان الرئة لدى النساء غير المدخنات| لهذه الأسباب
  • لهذه الأسباب هاريس لن تدعم النساء والسود في أميركا
  • خالد عمر يوسف: لهذه الأسباب يجب إنشاء مناطق آمنة لحماية المدنيين
  • لهذه الأسباب يرفض نتنياهو تشكيل لجنة تحقيق في هجوم 7 أكتوبر
  • العزاوي: لهذه الأسباب أطلق صدام الرصاص على ابنه عدي
  • اللواء الصمادي: لهذه الأسباب يعزز الجيش الإسرائيلي قواته في جباليا
  • لهذه الأسباب..تتجه “إسرائيل” في طريقها إلى الهاوية