على المحك وسط التصعيد.. لماذا طلب الأردن نشر منظومة باتريوت الأميركية؟
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
لا ينفصل طلب الأردن من الولايات المتحدة الأميركية نشر منظومة "باتريوت" عن تداعيات الحرب الدائرة في قطاع غزة، وعلى نحو أكثر تحديدا، ينظر إلى هذه الخطوة من جانب حليفة واشنطن البارزة من زاوية يهيمن عليها الاستعداد لـ"السيناريوهات المفتوحة"، وفق مراقبين.
وبعد مرور 23 يوما على الحرب التي انطلقت ردا على هجوم حركة "حماس" في السابع من أكتوبر الحالي لا يزال استمرار القصف يخيم على مشهد القطاع المحاصر، كما تحول الجيش الإسرائيلي، خلال الأيام الماضية، إلى تنفيذ توغلات برية محدودة على الأرض.
وللأردن حدود طويلة مع إسرائيل، وخط ساحلي صغير على البحر الأحمر، بجوار مدينة إيلات، وجاء الكشف عن الطلب الذي وجهه لواشنطن على لسان الناطق باسم الجيش الأردني، العميد الركن، مصطفى الحياري، قائلا الاثنين إن نشر "باتريوت" يتعلق بـ"التهديدات التي تحيط بنا من كافة الاتجاهات".
وربط الحياري الطلب المتعلق بنشر منظومة الدفاع الأميركية بالتهديد المتعلق بـ"الصواريخ البالستية"، فيما أشار بذات الوقت إلى أن المملكة طلبت أيضا منظومة لـ"مقاومة الطائرات المسيرة"، التي باتت تهديدا على كافة الواجهات الحدودية، وتعبر محملة بالمخدرات.
ومنذ بداية الصراع السوري في عام 2011، أنفقت واشنطن مئات الملايين من الدولارات لمساعدة عمان على إنشاء نظام مراقبة متطور يعرف باسم "برنامج أمن الحدود"، لوقف تسلل المسلحين من سوريا والعراق.
كما جرى نشر منظومة باتريوت الأميركية في المملكة، عام 2013، إذ كانت المملكة تخشى أن يتسع نطاق الحرب الأهلية، وتشعل صراعا إقليميا.
لكن طلب المملكة الجديد يراه مراقبون من عمّان والولايات المتحدة الأميركية، تحدثوا لموقع "الحرة" مرتبطا بما يجري في غزة، والسيناريوهات المفتوحة والاحتمالات التي قد تحدث في الأيام المقبلة، في ظل التحذيرات من أن تأخذ الحرب في القطاع "طابعا إقليميا".
"حرب بدأت بمخدرات"ومنذ أكثر من عامين، يتحدث المسؤولون الأردنيون عن "حرب" يخوضونها على طول الحدود الشمالية مع سوريا. وبينما كانت تتعلق أولا بعمليات تهريب المخدرات وأقراص "الكبتاغون"، سرعان ما تحولت لعمليات تهريب أسلحة وذخائر ومتفجرات.
وذلك ما أشار إليه الحياري خلال مقابلة تلفزيونية مع "التلفزيون الأردني"، موضحا أن التهريب لم يقتصر خلال الفترة الأخيرة على "الطائرات المسيرة"، بل تطور إلى حد تمرير الشحنات من خلال الحيوانات و"الحمام الزاجل".
وفي أعقاب حرب إسرائيل في غزة بعد هجوم "حماس" المباغت سلّطت وسائل إعلام غربية، من بينها صحيفة "وول ستريت جورنال" الضوء على ما يجري بالخفاء على طول الحدود السورية – الأردنية.
وقالت الصحيفة في تقرير لها نشر، في الخامس والعشرين من أكتوبر، إن "إيران تمكنت عبر شبكة الميليشيات الموالية لها، من إنشاء ممر بري عبر العراق وسوريا إلى لبنان، ومن خلال الأردن إلى الضفة الغربية، مما سمح لها بنقل المسلحين والمعدات والأسلحة إلى حلفائها في المنطقة".
وفيما يتعلق بالضفة الغربية، أشار تقرير الصحيفة إلى أن الأسلحة التي وفرتها إيران كانت تدخل إلى الأردن بشكل غير شرعي ومن ثم تصل إلى الضفة الغربية، ونقلت عن مسؤول أمني أردني كبير قوله إن "شبكات من المهربين آخذة في النمو بمساعدة من الحكومة السورية والميليشيات المدعومة من إيران مثل حزب الله اللبناني".
ولم تصل عمّان والنظام السوري حتى الآن، رغم تطبيع العلاقات إلى حل لمشكلة تهريب المخدرات عبر الحدود، التي تطورت مؤخرا لعمليات عبور أسلحة وذخائر، وكذلك الأمر بالنسبة لباقي الدول العربية.
ولطالما عبّر مسؤولون أردنيون عن مخاوفهم من تبعات هذه القضية على أمنهم القومي، ورغم أنهم هددوا سابقا باتخاذ تدابير لوقف التدفق، يأتي ما كشف عنه الحياري، الاثنين، في توقيت لافت وذو طابعٍ خاص.
ماذا وراء الطلب؟وتسير المنطقة في الوقت الحالي باتجاه توسع ما يحصل في غزة، و"دليل ذلك دخول الولايات المتحدة الأميركية بقوة على المشهد، سواء بالحشود التي دفعت بها خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، أو الضربات التي أعلنت عنها مؤخرا في سوريا، واستهدفت منشآت للحرس الثوري الإيراني".
ويقول عامر السبايلة، مدير معهد "لغات الأمن" والدراسات الأمنية في عمّان إن هذا المسار، وما يوازيه من ضربات إسرائيلية على مواقع في سوريا ولبنان "يعني أن احتمالات الرد وتوجيه الضربات المضادة واردة".
ولذلك يضيف لموقع "الحرة" أن الطلب الأردني المتعلق بـ"باتريوت" يأتي كون "المملكة الأردنية، جغرافيا، أصبحت على المحك".
"قضية الطائرات المسيرة التي لا تبدو الآن عادية بل لنقل المتفجرات تعني أنها قد تتحول إلى حالة استهداف لنقاط أردنية، وبالتالي هناك حاجة لتفعيل منظومة حماية".
ويتابع السبايلة أن "الحديث عن استهدافات للوجود الإيراني في المنطقة قد يقودنا لمحاولة توجيه ضربات"، وأن "الأردن جغرافياً ستكون محطة لهذا الأمر"، مشيرا إلى "تهديد الصواريخ البالستية" الذي تحدث عنه الحياري.
ويعتقد مدير مركز "الطريق الثالث للاستشارات الاستراتيجية" في الأردن، عمر الرداد أن "توقيت الطلب الأردني غير معزول عن الحرب التي تجري في غزة، والسيناريوهات المفتوحة التي تترتب عليها، بما فيها التهديدات الإيرانية بفتح جبهات".
ويشير الرداد إلى تصاعد المناوشات بين "حزب الله" في لبنان وإسرائيل، ووصولها إلى عمق 10 كيلومترات، مضيفا لموقع "الحرة": "طلب باتريوت لا ينفصل عن هذه السياقات التي تجري، واحتمالات توسع الحرب باتجاه حزب الله والميليشيات الإيرانية".
"استعداد لمراحل لاحقة"وخرجت الكثير من التحذيرات، خلال الأيام الماضية، من أن تتخذ الحرب في غزة طابعا إقليميا، لكن المؤشرات لا تقود إلى تثبيت هذه الفرضية حتى الآن.
لكن في المقابل يواصل الجيش الإسرائيلي، تهديد "حزب الله" على جبهته الشمالية، بينما يستمر الأخير بالمناوشات التي انحصرت منذ السابع من أكتوبر في إطار الاستهدافات بصواريخ موجهة وقذائف.
ويرتبط الأردن باتفاقية دفاع مشترك واتفاقيات أمنية أخرى مع الولايات المتحدة الأميركية، ويقول الرداد إن "تسليح الجيش الأردني في غالبيته أميركي".
ويعتقد أن طلب منظومة الدفاع الجوي "باتريوت" قد يندرج ضمن إطار الاستعدادات "لمرحلة لاحقة"، بقوله: "يبدو أن الأردن له تقدير موقف أن احتمالات فتح الجبهات لاتزال قائمة، ربما خلال حرب غزة أو بعد الانتهاء منها".
وسبق أن تم تزويد الأردن بـ"باتريوت" ومنظومات دفاع جوي أخرى، وكان وزير الدفاع، لويد أوستن أعلن، قبل أسبوع، أنه "سيتم تزويد العديد من الحلفاء بالمنطقة بمنظومات دفاع مختلفة".
ويرى الرداد أن الإعلان الأميركي السابق "لن يشمل الأردن فحسب، بل دول الخليج".
من جهته يشير الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، راين بوهل إلى أن "الأردن لديه قلق طويل الأمد بشأن التصعيد الإقليمي، الذي يشمل إيران".
كما يستضيف نحو 3000 جندي أميركي، و"هؤلاء يشكلون أهدافا طبيعية لإيران في حالة التصعيد الإقليمي"، وفق ما يقول بوهل لموقع "الحرة".
ويضيف: "هناك احتمال أنه حتى لو لم نشهد نطاقا كاملا، فإن الصواريخ الباليستية الإقليمية قد تسقط على المناطق المأهولة بالسكان في الأردن. كل ذلك يدفع عمان إلى طلب مثل هذا النظام".
ويعتقد الخبير الأمني السبايلة أن "الجزئية الأبرز في حديث الناطق باسم الجيش الأردني هي التعبير عن المخاوف من تداعيات ما يمكن أن يحدث".
ويرى أن "محاولات استهداف إسرائيل سيضع الأراضي الأردنية في مرمى الصواريخ، ويضع الأردن ضمن دائرة الاستهداف كحليف للولايات المتحدة الأميركية".
واعتبر السبايلة أن "طلب منظومات الدفاع خطوة واقعية جدا"، مشيرا إلى أن "إسرائيل والولايات المتحدة سبق أن تطرقا إلى هذا السيناريو خلال السنوات الماضية، وكان حاضرا بقوة".
"تقدير موقف أردني"وقال مسؤولون لوكالة "رويترز"، الاثنين، إن الأردن يشعر بقلق متزايد من أن القصف الإسرائيلي المستمر على غزة منذ الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل "يمكن أن يتحول أيضا إلى صراع أوسع نطاقا".
وعادة ما يكون هناك نقص في المعروض من منظومة "باتريوت"، التي تعتبر أحد أنظمة الدفاع الجوي الأميركية الأكثر تقدما، إذ يتنافس الحلفاء في جميع أنحاء العالم على الحصول عليها.
وحتى هذه اللحظة، يشير الخبير الأردني الرداد أن بلاده "قادرة على التعامل مع الطائرات المسيرة التي تعمل في مجال تهريب المخدرات عبر ميليشيات إيرانية من سوريا إلى الأردن، وتطورت بتهريب متفجرات".
لكنه يضيف أن "هناك تقدير موقف أردنيا بأنه ربما إذا توسعت الحرب وجبهات المقاومة التي يتحدث عنها الأردنيون، قد يكون أمام طائرات أخرى متطورة، منها طائرات شاهد الإيرانية المسيّرة".
ويتابع حديثه: "الأردن يتحسب لهذا الموقف، ولذلك طلب هذه المنظومة الدفاعية من الولايات المتحدة".
ومنذ بدأت الحرب في غزة حذر الملك الأردني عبد الله، ومسؤولون أردنيون آخرون، مرارا وتكرارا من أن الحرب قد تمتد إلى بلدان أخرى.
وهذا الشهر، قال الجيش الأمريكي إن الحوثيين أطلقوا طائرات مسيرة وصواريخ فوق البحر الأحمر، لكن تم إسقاطها قبل أن تصل إلى هدفها، الذي على الأرجح كان إسرائيل.
وبعد هذه الحادثة شهدت مدينة طابا المصرية حادثة مشابهة إلى حد قريب، وبعدما أعلنت القاهرة عن "طائرة مسيرة" وذكر الجيش الإسرائيلي أنه اعترض هجوما في الجو نشرت الخارجية الإسرائيلية بيانا أكدت فيه "اعتراض طائرة مسيرة أطلقها الحوثيون على إسرائيل".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمیرکیة الطائرات المسیرة طلب الأردن نشر منظومة حزب الله إلى أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
أزمة تضاف إلى أزمتين
أزمة تضاف إلى أزمتين _ #ماهر_أبوطير
لا يعرف كثيرون أن هناك أزمة تضاف إلى أزمتين، إذ إن #الأزمة_الأولى هي #الحرب، و #الأزمة_الثانية هي #تراجع_المساعدات وتوقفها إلى حد كبير، والأزمة الثالثة انخفاض تدفق المساعدات، بسبب قلة كمياتها المتوفرة في مخازن المؤسسات الأردنية وتحديدا الهيئة الخيرية الهاشمية.
في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي بلغ عدد الشاحنات التي دخلت قطاع غزة 60 شاحنة، فيما الحاجة الفعلية لأهل غزة تصل إلى ألف شاحنة يوميا، وكل التقارير العربية والدولية تتحدث عن مأساة إنسانية في شمال قطاع غزة تحديدا، وفي كل القطاع، خصوصا، مع توقف المساعدات الدولية، وتراجعها والإشكالات اللوجستية في إدخال المساعدات، مع استمرار الحرب للعام الثاني على التوالي، بكل دموية.
وقد لا يعرف كثيرون أيضا أن الأردن أصبح منذ الصيف الماضي المنفذ الوحيد لدخول المساعدات الإغاثية، وما يقدمه يعد قليلاً نسبة إلى الحاجة الملحة للقطاع، أمام احتياجات أكثر من مليوني فلسطيني، يريدون وقف الحرب أولا، ويريدون تدفق المساعدات الإغاثية، وكل ما يساعدهم على استرداد الحياة جزئيا، في ظل تدمير القطاع، وتخريب البنية التحتية، وتحويله إلى منطقة خربة بحاجة لعشرات السنين، وعشرات المليارات من أجل إعادة الإعمار، وهذه ملفات ثقيلة جدا، لا يجوز تناسيها أو التعامي عنها.
يذهب الأردن إلى القمة العربية الإسلامية المشتركة التي تنطلق اليوم في الرياض، ولا يتخلى عن ذات مناشداته من أجل غزة، ودعوته تتكرر بإطلاق مشروع جسر إنساني من أجل غزة، فالمشكلة الأكبر ستظهر حين توقف الحرب، حيث لن تتوفر المساعدات، بسبب قلتها، وبسبب توقف الدعم الدولي لصالح أبناء غزة.
إذا توقفت الحرب فإن احتياجات كل القطاع لا يمكن تلبيتها، لا كليا ولا جزئيا، وإذا استمرت الحرب فإن عدد الشاحنات الواصلة إلى القطاع قليل جدا، في ظل شح المساعدات، وتحول الحرب إلى حرب مستدامة، لا يأبه بنتائجها أحد، وهذا ما فعله الأردن حين وضع العالم أمام مسؤوليته خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول الماضي، عبر مبادرته لفرض بوابة دولية للمساعدات الإنسانية، وحض العالم على الانضمام لها، وهو ما يريده الأردن خلال أعمال القمة العربية الإسلامية المشتركة في الرياض.
تجاوب الدول العربية والإسلامية، والعواصم الدولية مع الدعوات الأردنية المتتالية من أجل غزة، أمر مهم، من أجل وقف الحرب، ومن أجل إدامة المساعدات وكفايتها وهذا هو الملف الأخطر، خصوصا، مع اقتراب الشتاء، وتعمق الأزمة الإنسانية، بشهادة كل المؤسسات الدولية الموثوقة، في ظل ما تواجه المؤسسات المختصة باللاجئين مثل “الأونروا” من إغلاقات تؤدي إلى تعاظم الأزمة الإنسانية، وإذا كان الأردن الشعبي والرسمي يبذل جهدا كبيرا لإغاثة الغزيين، فإن هذا لا يكفي، وعلينا أن نتخيل فقط وقف الحرب، وفتح بوابات المساعدات عبر ألف شاحنة يوميا، لن نراها على أرض الواقع، بما سيعكس لحظتها مشهدا مؤذيا جدا للغزيين في هذه الظروف.
أدرك الأردن هذه الأزمة منذ حزيران حين عقد على أراضيه مؤتمر الاستجابة الإنسانية الطارئة لغزة، حيث اجتمع قادة دول ورؤساء حكومات ورؤساء منظمات إنسانية وإغاثية دولية، من أجل تحديد خطوات عملية تضمن إيصال المساعدات الإنسانية والطبية الطارئة بشكل فوري ومناسب ومستدام، وتسرع وتنظم عملية توفير المساعدات، وتحدد سبل تعزيز استجابة المجتمع الدولي للكارثة الإنسانية في غزة، وتلبية الاحتياجات العملياتية واللوجستية ومختلف أنواع الدعم اللازم، وتأكيد الالتزام باستجابة جماعية منسقة للتعامل مع الوضع الإنساني الحالي في غزة، واستدامة خطوط المساعدات وتهيئة ظروف تفضي إلى الإيصال الآمن لها وحماية المدنيين.
اجتماع الدول العربية والإسلامية في الرياض اليوم الاثنين، منصة أساسية، من أجل دعم أي مبادرة أردنية، وتوافق هذه الدول على وقف الحرب بشكل فاعل من جهة، وعلى التهيئة لهذه المرحلة، والمراحل المقبلة، على صعيد كفاية المساعدات لاحتياجات أهل عزة، حتى لا نبقى ندور وسط ثلاث أزمات مركبة: الحرب، وتراجع المساعدات الدولية والإقليمية، وقلة الكميات المتوفرة حاليا من المساعدات، وهي أزمات يدركها الأردن، وسيواصل العمل في سياقها، مع إدراكنا هنا أن الدعوات الأردنية ليست لمجرد إبراء الذمّة، بقدر كونها تشخيصا لواقع مؤلم.
الغد