لجريدة عمان:
2024-07-07@02:12:19 GMT

دور السياسة المالية والنقدية في معالجة التضخم

تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT

يعد التضخّم أكثر مشاكل الاقتصاد الكلي المعاصرة تعقيدا وتؤرق اقتصادات الدول الكبرى خاصة الرأسمالية منها، مثل الولايات المتحدة الأمريكية بسبب إرباكها لتطبيقات السياسة الاقتصادية المتبعة، ورغم اختلاف آراء الاقتصاديين بشأن المفهوم الدقيق للتضخم إلا أن هناك اتفاقا بالإجماع على أن التضخم هو الارتفاع المتزايد والمستمر في المستوى العام للأسعار، وهذا المفهوم يمثل توصيفا وتشخيصا لحالات الارتفاع المفرط في المستوى العام للأسعار، وارتفاع الدخول النقدية أو أي عنصر من عناصر الدخل وارتفاع مستوى التكاليف أو الإنفاق، إضافة إلى الإفراط في إيجاد الأرصدة النقدية، وليس بالضروري أن تتزامن الحالات مع بعضها البعض؛ فمثلا من الممكن أن يحدث ارتفاع المستوى العام للأسعار دون أن يصاحبه ارتفاع في الأرباح، واحتمالية حدوث إفراط في إيجاد الأرصدة النقدية ليس بالضرورة أن يكون الاتجاه العام لأفراد المجتمع أو الاقتصاد عموما نحو ارتفاع مستوى الإنفاق.

وتمثل السياستان المالية والنقدية الأداتين الرئيستين الفاعلتين للسياسة الاقتصادية في معالجة التحديات والمشاكل الاقتصادية مثل التضخم بمختلف أنواعه لاسيما التضخم الركودي عبر التأثير في المتغيرات الاقتصادية الكلية ومواجهة الظروف الخصبة والعوامل المساعدة لمشاكل التضخم وزيادة أعداد الباحثين عن عمل شريطة توفّر بيانات رسمية وإحصاءات دقيقة تساعد على تشخيص مشكلة التضخم وإيجاد الحلول الفاعلة ووضع الخطط الاقتصادية اللازمة لمعالجة المشكلة. وحقيقة ما يربك الاقتصاديين في تحديد المفهوم الدقيق والواضح للتضخم هو استقلالية الظواهر المرتبطة بالتضخم نفسه، فهناك مصطلحات أخرى مثل تضخم الدخل، والتضخم النقدي إضافة إلى تضخّم التكاليف وتضخّم الائتمان المصرفي، وهي الحالة التي تؤدي إلى الإفراط في حجم الائتمان المصرفي الممنوح للقطاع الخاص لتمويل النفقات الاستثمارية أو تمويل عجز الميزانية العامة للدولة في القطاع العام، لكن عموما لا يهتم أفراد المجتمع لكيفية تكوّن التضخم والحالات المرتبطة به بقدر ما يركّزون على أنواعه ومسبباته وأثره على الحياة اليومية الاجتماعية؛ فمثلا كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن التضخم المستورد الذي تأثر به الاقتصاد العماني نتيجة ارتفاع تكاليف الشحن والتخزين إبان تفشي جائحة (كوفيد-19) في السنوات الماضية بسبب نقص الإمدادات العالمية من المواد الاستهلاكية خاصة الضرورية منها وما ساعد على استمراره هو طول أمد الأزمة الاقتصادية التي خلفتها الجائحة واستمرار إغلاق الاقتصادات العالمية لفترة طويلة خاصة اقتصادات الدول الكبرى وتوقّف معظم الصناعات والأنشطة التجارية والاقتصادية، وعند عودة الحياة إلى طبيعتها بعد انتهاء جائحة (كوفيد-19) بدأت هذه الاقتصادات بمزاولة أعمالها مما أدى إلى ارتفاع الطلب العالمي على بعض المواد والسلع الخام مثل سلعة النفط التي لا تزال المحرك الرئيس لمعظم الصناعات. وقد كثر الحديث عن التضخم المستورد وهو الشائع بين المحللين الاقتصاديين خلال فترة الأزمات الاقتصادية إلا أن هناك أنواعا أخرى من التضخم لا تقل أهمية عن التضخم المستورد من بينها التضخم الجامع ويحدث عند ارتفاع الأسعار بمعدلات سريعة ومرتفعة خلال فترة زمنية محددة مما يؤدي إلى تدهور العملة وسرعة تداول النقود كما حدث في ألمانيا خلال الفترة من 1921-1923م بعد الحرب العالمية الأولى، إلا أن الدول التي عانى اقتصادها من التضخم المستورد استطاعت أن تسيطر عليه وتحد من مخاطره على الاقتصاد والفرد. ومن النماذج الرائدة في هذه المعالجة هي سلطنة عمان عندما وجّه جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أعزه الله- بإعفاء بعض السلع من ضريبة القيمة المضافة ووضع حد أعلى لتسعيرة الوقود إضافة إلى دعم المواد الاستهلاكية التي تأثر استيرادها ببعض الأزمات السياسية والاقتصادية، ونظرا لارتفاع كلفة تصنيع بعض المنتجات حول العالم بسبب ارتفاع معدل التضخم عالميا أدى إلى ارتفاع كلفة المواد الخام إثر الارتفاع في أسعار النفط العالمية لمستويات قياسية؛ فإن السياسة النقدية في سلطنة عمان كانت تراعي تطور القوة الشرائية في السوق عبر تثبيت نسبة إعادة الاقتراض للبنوك المحلية رغم رفع البنك الفيدرالي الأمريكي عدة مرات للتعامل مع ارتفاع معدّل التضخم عالميا. ولنكن واقعيين بأن أدوات السياسة المالية والنقدية التي أقرتها سلطنة عمان كان لها دور كبير في احتواء كثير من العقبات الاقتصادية التي تواجه الاقتصاد، وبدأ أثرها يظهر على وضع الاقتصاد العماني الذي يشهد تحسنا ملحوظا من حيث التصنيف الائتماني ونسبة الارتفاع في الإيرادات العامة للدولة. ورغم إقرار وزارة المالية سياسة مالية انكماشية في بداية معالجة الأزمة الاقتصادية التي عمقها تفشي جائحة (كوفيد-19) إلا أنها نجحت في امتصاص التضخم بسبب استجابة الاقتصاد العماني للسياسة المالية وتطوّر سوق العمل.

فالسياسة المالية التوسعية أو الانكماشية رغم دورها المهم في معالجة التضخم خاصة الركودي إلا أن نجاحها مقرون بمدى متابعة تنفيذها ورغبة الدول في معالجة التضخم، وهذا ما تميّزت به سلطنة عمان عبر إقرار خطة مالية تضمّنت مبادرات مالية عاجلة للتعامل مع التضخم الذي ألقى بظلاله على اقتصادات الدول العظمى وتأثرت به بقية الاقتصادات، ورغم أن هناك جدالا بين مؤيدي السياسة المالية ومؤيدي السياسة النقدية -عرض النقد والبطالة والاستثمار وأسعار الفائدة والتجارة والحساب الجاري- بشأن فاعلية كل خطة في معالجة التضخم إلا أن الفيصل الحقيقي في رأيي هو الالتزام بتنفيذ أدوات كل سياسة وفق جدول زمني محكم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السیاسة المالیة سلطنة عمان إلا أن

إقرأ أيضاً:

«كجوك»: نستهدف خلق مساحات مالية أكبر للتخفيف عن المواطنين

قال أحمد كجوك وزير المالية، إننا نستهدف خلق مساحات مالية أكبر للتخفيف عن المواطنين بكل السبل الممكنة خلال المرحلة المقبلة، وسنعمل على مساندة الفئات الأولى بالرعاية، للحد من الآثار المرتبطة بالموجة التضخمية المرتفعة، المترتبة على التحديات الاقتصادية العالمية والإقليمية، موضحًا أهمية وضع وتنفيذ سياسات مالية أكثر تحفيزًا للاستثمار والإنتاج والتصدير ونمو القطاع الخاص لتحسين الأداء الاقتصادي؛ فالدولة لديها رغبة حقيقية في تهيئة بيئة أعمال تنافسية، لإطلاق طاقات التصنيع المحلي في شتى القطاعات، على نحو يسهم تعظيم القدرات الإنتاجية والتصديرية.

دعم المستثمرين المحليين والدوليين

وأضاف، في أول لقاء بقيادات الوزارة بمختلف قطاعاتها ومصالحها، بحضور ياسر صبحي نائب الوزير للسياسات المالية، وشريف الكيلاني نائب الوزير للضرائب: «لازم نكون أكثر انفتاحًا ومرونةً ودعمًا للمستثمرين المحليين والدوليين لجذب المزيد من الاستثمارات وتنشيط حركة الاقتصاد المصري»، لافتًا إلى مواصلة تطوير وميكنة النظم الضريبية والجمركية حتى تكون أكثر تنافسية بدول المنطقة، وتحفظ مستحقات الخزانة العامة للدولة، وحقوق الممولين، على نحو يُعزز جهود دمج الاقتصاد غير الرسمي الذى يحقق العدالة الضريبية ويساعد في سد الفجوة التمويلية.

كما وجه وزير المالية، حديثه لجموع العاملين بالوزارة، قائلا: «معًا.. نستطيع تجاوز التحديات والصعاب، واحتواء الصدمات الخارجية والداخلية.. وضمان الاستغلال الأمثل لموارد الدولة لصالح المواطنين، من خلال العمل المتواصل على تعزيز حوكمة منظومة الإيرادات والمصروفات»، متعهدًا بتقديم كل الدعم للارتقاء بمستوى الأداء وتحقيق نتائج متميزة تفوق المستهدفات في جميع الملفات، «لازم نعمل الحاجة الصح في الوقت الصح.. بلدنا وأهالينا ينتظرون منا الكثير».

خفض المديونية الحكومية

وأشار وزير المالية إلى اهتمامه بوضع وتنفيذ سياسات أكثر استهدافًا لخفض المديونية الحكومية في إطار مسار تطوير الأداء الاقتصادي، أخذًا في الاعتبار الالتزام بسقف دين أجهزة الموازنة بمعدل 88.2%؜ من الناتج المحلي في العام المالي الحالي، مع العمل على وضعه في مسار نزولي مستدام، جنبًا إلى جنب مع خفض عجز الموازنة، وتحقيق فائض أولى بنسبة 3.5%.

فيما قال ياسر صبحي نائب الوزير للسياسات المالية، إن المواطن هو الهدف الأساسي لأي سياسات مالية، وسنعمل خلال المرحلة المقبلة على مساندة الفئات الأكثر احتياجًا ودعم مسار تحقيق الاستقرار الاقتصادي، مشيرًا إلى أن فريق العمل بوزارة المالية استطاع أن يدير بكفاءة، المالية العامة للدولة في ظل تحديات قاسية ترتبط بأزمات عالمية وإقليمية، وسينجح في تطوير أدائه بشكل أكبر من أجل تحقيق المستهدفات المالية والاقتصادية وتلبية الاحتياجات التنموية للمواطنين.

بناء نظام ضريبي أكثر تطورًا وكفاءة

كما أكد شريف الكيلاني نائب الوزير للضرائب، أننا نستهدف بناء نظام ضريبي أكثر تطورًا وكفاءة وقدرة على دمج الاقتصاد غير الرسمي وتحقيق العدالة الضريبية، موضحًا حرصه على تبني أي أفكار من شأنها الإسهام في خلق آليات فعالة في التغلب على التحديات وفتح آفاق جاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية.

مقالات مشابهة

  • أسامة كمال: تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين أول أهداف وزير المالية
  • توقعات أسعار الذهب في مصر: تحليل شامل للفترة القادمة
  • وزيرة الاقتصاد التونسية ونائب رئيس البنك الإفريقي للتنمية يبحثان استحداث آلية للتوازنات المالية
  • التغير المناخي يرفع أسعار الغذاء ويثير قلق البنوك المركزية
  • «كجوك»: نستهدف خلق مساحات مالية أكبر للتخفيف عن المواطنين
  • جوتيريش يدعو إلى تعاون الدول في إصلاحات معالجة أزمة المناخ
  • أمين عام الأمم المتحدة يدعو إلى تعاون الدول في إصلاحات معالجة أزمة المناخ
  • مصرفيون: توقعات بتوافق السياستين المالية والنقدية في عهد الحكومة الجديدة
  • "شباب الأعمال" تطالب بخطة لزيادة مساهمة القطاع الخاص لـ70% وخفض التضخم
  • كاتب صحفي: الحكومة عليها إحداث نقلة نوعية في الاقتصاد والتخفيف عن المواطنين