لجريدة عمان:
2024-11-17@04:33:05 GMT

الحرب والدولار

تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT

رويدا رويدا، نقترب من أول صراع عالمي في عصر ما بعد الحرب الباردة. إبان الحرب الباردة، ساعَـد اثنان من العوامل اليقينية الثابتة على الحفاظ على استقرار الأمور (على الرغم من خطورتهما)؛ الآن لم يعد لهذين العاملين وجود: توازن الرعب النووي («الدمار المتبادل المؤكد») وهيمنة الدولار الأمريكي، الذي يُــنـظَـر إليه على نطاق واسع على أنه سلاح نووي مالي.

كانت الـسِّـمة الفريدة المشتركة بين هاتين الأداتين اللتين تتمتعان بقوة مادية ومالية متفجرة أن استخدام أي منهما لم يكن واردا حقا. ذلك أن استخدام أي من الخيارين كان يعني فعليا تدمير الذات، نظرا لكل التأثيرات الارتدادية، والأضرار الجانبية، والعواقب غير المقصودة التي قد تترتب على ذلك. وعلى هذا فإن القوة الكامنة فيهما كانت تجريدية أكثر من كونها ملموسة.

الآن، تغير الموقف. فلا يخلو الأمر من صراعات مستمرة حيث قد يشعر أحد الأطراف بالإحباط إلى الحد الذي يجعله يستخدم سلاحا نوويا، كما دأب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التهديد بأن يفعل منذ بدأ حرب أوكرانيا. وكان الدولار يُـسـتَـخدَم بالفعل كسلاح بشكل كامل كوسيلة لنشر العقوبات المالية والحفاظ على الردع. صحيح أن المشكلات الناجمة عن هيمنة الدولار كانت قائمة لفترة طويلة -طويلة إلى الحد الذي يجعل أولئك الذين يتنبأون بزواله يلقون معاملة «الصبي الذي صرخ... الذئب».

في أواخر ستينيات القرن العشرين، تصدى رجل الاقتصاد روبرت مونديل الحائز على جائزة نوبل لمن أعلنوا انحدار الدولار في عصره (وأغلبهم في فرنسا)، بإطلاق تكهن غير عادي من ثلاثة أجزاء بدا بعيد الاحتمال في ذلك الوقت. فقد توقع على وجه التحديد تفكك الاتحاد السوفييتي؛ وسعي أوروبا إلى إنشاء اتحاد نقدي؛ وبقاء الدولار باعتباره العملة الدولية الرائدة طوال حياته. وتبين أنه كان مُـحِـقا في كل ما تكهن به (توفي قبل عامين). لكن الدولار أصبح اليوم عُـرضة على نحو متزايد للاضطرابات المالية، وهو ما يتجلى بوضوح في أسواق السندات التي تدقق في الدين العام الأمريكي الطويل الأجل. هذه المشكلات ذات طبيعة فنية جزئيا، بطبيعة الحال؛ لكنها أيضا سياسية. ففي غياب أسباب انعدام اليقين بشأن موقف أمريكا المالي في الأمد البعيد، ستظل الأسواق هادئة. لكن إدارة الرئيس جو بايدن نشرت استثمارات عامة ضخمة في وقت حيث أصبح الكونجرس الأمريكي مختلا بشكل كامل، الأمر الذي يلقي بظلال من الشك على قدرة الإدارة حتى على الإبقاء على الحكومة عاملة وسداد الديون. ومن المرجح أن تكون هذه الالتزامات المالية -التي أفضت إلى نمو اقتصادي قوي- والجمود السياسي الحالي من سمات الحكم الطويلة الأمد في الولايات المتحدة. الدولار معرض للخطر أيضا لأن العالَـم يحاول من خلال وصل النقاط فهم استراتيجية الولايات المتحدة في الدفاع عن أوكرانيا ضد الروس؛ والدبلوماسية في الشرق الأوسط، والجهود الرامية إلى الحفاظ على السلام في مضيق تايوان. والنقاط بالطبع هي الدولارات. كما لاحظ نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق خوان زاراتي قبل عشر سنوات، فإن العقوبات تحقق نجاحا بالغا ضد الدول الصغيرة والمعزولة نسبيا؛ ولكن كلما كان الهدف أكبر، ازداد الضرر الذي تلحقه العقوبات بأولئك الذين يفرضونها.

يتمثل سبب آخر وراء ضعف الدولار حاليا في الشكوك العميقة التي تساور عددا كبيرا من الأمريكيين الآن إزاء ما يسمى العولمة المفرطة والاعتماد المفرط على التمويل. من الواضح أن أنجوس ديتون، رجل الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل، كانت يتحدث بلسان كثيرين عندما نشر كتابا جديدا انتقد فيه بقسوة غيره من خبراء الاقتصاد الذين ساعدوا في تحويل العالَـم إلى مكان غير متكافئ إلى الحد الذي يستفز أعمال العنف والثورات. كما أشار ديتون إلى أن الوضع في أمريكا اليوم يذكرنا بالتفكك الاجتماعي في أواخر العهد السوفييتي في روسيا.

الواقع أن الانتخابات الرئاسية المرتقبة في الولايات المتحدة في عام 2024 ستجمع بين كل عناصر فوضى الدولار هذه، وخاصة إذا كان الاقتصاد راكدا في الوقت ذاته. في خضم مثل هذه الاضطرابات المالية، ربما يضيف هذا السيناريو إلى جاذبية أولئك الذين يقترحون تخلي أمريكا عن دورها القيادي والمواقف السياسية التي تبنتها بعد عام 1945.

لقد أبقت إدارة بايدن في نهاية المطاف على أغلب التعريفات الجمركية التي فُـرِضَت في عهد ترامب، وفشلت المحادثات الأمريكية مع الاتحاد الأوروبي بشأن خفض التعريفات والتصدي لصادرات الصين من الصلب بطرق متوافقة مع منظمة التجارة العالمية. الأمر ينطوي على خطر حقيقي للغاية يتمثل في خوض الديمقراطيين والجمهوريين حملاتهم الانتخابية على وعد بالتحول بعيدا عن العولمة.

من الواضح أن المجتمع الدولي في احتياج إلى مبادئ توجيهية أفضل لإدارة الدبلوماسية المالية أشبه بتلك التي جرى تطويرها في وقت لاحق أثناء سباق التسلح النووي إبان الحرب الباردة. في عام 1969، بدأت القوى العظمى العالمية تتخذ خطوات لجعل العالم أكثر أمانا عبر محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية (SALT)، وهي عملية طويلة تمخضت عن معاهدات الحد من الأسلحة الاستراتيجية. ورغم أن احتواء وتقييد استخدام الأسلحة النووية لا يزال يشكل أولوية قصوى في نظر المجتمع الدولي، فلا بد وأن يُـضـاف منع التدمير الذاتي المالي إلى الأجندة. إن وقف تحويل القنوات المالية العالمية إلى «سلاح نووي» يعني إعادة الاتصال بموضوعات تسوية ما بعد عام 1945.

في مؤتمر بريتون وودز ومؤتمر الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو، كان الاقتصاد والأمن وجهين لعملة واحدة. لكن العلاقة الوثيقة بين الأمم المتحدة ومؤسسات بريتون وودز (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) كانت معيبة. كان أكبر خمسة مساهمين في المؤسسات المالية الدولية هم أيضا الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لكن قوة سلطة النقض التي يمتلكها الأعضاء الدائمون دمرت فعالية تلك الهيئة، والآن تسربت روح سلطة النقض إلى مؤسسات بريتنون وودز عبر قواعد التصويت بالأغلبية المطلقة.

بالاستعانة بإجراءات أبسط لاتخاذ القرار على أساس الأغلبية، يصبح من الممكن تأسيس عملية قضائية للتعامل مع العقوبات المالية وفرضها -بما في ذلك مصادرة الأصول- على الدول المارقة مثل روسيا. ومن الممكن أن تسير محادثات الحد من الأسلحة النقدية على خُـطى محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، ليتوج الأمر في النهاية بمعاهدة الحد من الأسلحة النقدية. يجب أن يكون هذا أولوية قصوى. ذلك أن النظام النقدي الدولي الأكثر قوة من شأنه أن يعمل على توليد قدر أعظم من الأمان من خلال خلق قدرة عالمية أقوى للوقاية من انتهاكات السلام ووقف الزيادة المثيرة للقلق التي طرأت على تواتر هذه الانتهاكات.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الحد من الأسلحة

إقرأ أيضاً:

عفو عام في الدنمارك يسفر عن تسليم 8400 قطعة سلاح تشمل قنبلة يدوية من الحرب العالمية الثانية

أكثر من 8400 قطعة سلاح تمّ تسليمها إلى الشرطة الدنماركية هذا الشهر كجزء من عفو عام على مستوى البلاد للتصدي لأعمال العنف  التي تزايدت بين العصابات الإجرامية في السنوات الأخيرة.

اعلان

وقد عثر رجل في الدنمارك أثناء تنظيف أحد المنازل على 80 سلاحًا ناريًا و140 كيلوغرامًا من الذخيرة وقنبلة يدوية يرجح أنها تعود إلى الحرب العالمية الثانية، وسلّمها إلى الشرطة في إطار العفو العام.

وكانت الشرطة الدنماركية قد أعلنت أنه يمكن للأشخاص تسليم الأسلحة دون المخاطرة بالملاحقة القضائية خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، في محاولة لمنع الجماعات الإجرامية من الحصول على أسلحة غير مصرح بها.

في هذا السياق، قال المتحدث باسم الشرطة توماس كريستنسن: ”إنها أكبر دفعة سلاح تلقيناها حتى الآن“. وأعلنت الشرطة أنها ستبلغ المتحف الوطني في الدنمارك حتى يتمكنوا من تقييم ما إذا كان يجب الحفاظ على أي من الأسلحة "للأجيال القادمة".

فيما لفتت السلطات إلى أنه خلال الأيام الـ 12 الأولى من العفو، تم تسليم ما لا يقل عن 8400 قطعة سلاح.

Relatedبعد تقارير عن عبور شحنات أسلحة.. أيرلندا تمنع الرحلات العسكرية الإسرائيلية عبر مجالها الجويألمانيا تنفي تعليق صادرات الأسلحة إلى إسرائيل.. ونتنياهو يتهم نظيره البريطاني بتقويض الدولة العبرية"اشتروا صواريخكم ودباباتكم".. دراغي يدعو دول الاتحاد الأوروبي شراء الأسلحة من بعضها بدلا من أمريكا

ويُعد اقتناء أو حيازة أو حمل أو استخدام الأسلحة النارية أو الأسلحة الخطرة والسكاكين دون تصريح من الشرطة في الدنمارك أمر غير قانوني. وذكرت وسائل الإعلام المحلية أن الدنمارك أصدرت عفوًا مماثلًا عن الأسلحة في 2009 و2013 و2017. وهو الأمر الذي أقدمت عليه دول أوروبية أخرى أيضاً في السنوات الأخيرة.

ففي فرنسا، تم تسليم ما لا يقل عن 65 ألف قطعة سلاح ناري في جميع أنحاء البلاد عام 2022. وفي العام الماضي، تم تسليم أكثر من 13500 قطعة سلاح بصربيا في عفو دام شهرًا في إطار حملة أمنية بعد عمليتي إطلاق نار جماعي أسفرتا عن مقتل 17 شخصًا.

المصادر الإضافية • AP

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية منظمة العفو الدولية تتهم الإمارات وفرنسا بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة في السودان نكاية بدعم بيونغيانغ لموسكو.. كوريا الجنوبية تدرس تزويد أوكرانيا بالأسلحة الولايات المتحدة سنتشر أسلحة إضافية جديدة في الشرق الأوسط لتحذير إيران وحماية إسرائيل أسلحةشرطةعصاباتأوروباالقانونالدنمارك اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. الحرب على غزة: خلافات إسرائيلية حول خطة الجنرالات ومقترح تسوية جديد في لبنان وحزب الله يصعّد في حيفا يعرض الآن Next في جلسة سرية.. ماسك يلتقي بالسفير الإيراني لدى الأمم المتحدة وحديث عن إمكانية رفع العقوبات عن طهران يعرض الآن Next مصرع 10 أشخاص في حريق بدار للمسنين في إسبانيا يعرض الآن Next عاجل. بعد 40 عاما في سجون فرنسا.. جورج إبراهيم عبد الله حرا طليقا في ديسمبر يعرض الآن Next مقتل شخص وإصابة آخرين في هجوم روسي على أوديسا اعلانالاكثر قراءة روسيا تحذّر من اجتياح إسرائيلي لسوريا وتقول إن قواتها حاضرة مقابل مرتفعات الجولان "كان لا بد من كشف الحقيقة"... أمريكي متهم بتسريب خطط إسرائيلية لضرب إيران لا مجال لكسب مزيد من الوقت.. النيابة العامة الإسرائيلية ترفض تأجيل شهادة نتنياهو بقضايا الفساد مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز بين السماء والأرض: ألمانيان يحطمان الرقم القياسي في التزلج على الحبل المتحرك بارتفاع 2500 متر اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومكوب 29إسرائيلفرنسادونالد ترامبفيضانات - سيولضحاياقصفإسبانياواشنطنأزمة المناخإيلون ماسكلبنانالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • وزير المالية الإسرائيلي يرفض إنهاء العدوان على غزة حتى القضاء علي حماس
  • وزير المالية الإسرائيلي: الحرب كلفتنا 250 مليار شيكل حتى الآن
  • ما الدور الذي يمكن أن يلعبه ترامب في حرب روسيا بأوكرانيا؟ زيلينسكي يعلق
  • الحرب في السودان: الشروط المالية والاقتصادية للإصلاح النقدي
  • وزير المالية لـ«سودان تربيون»: نأمل أن تلجم أميركا دعم الإمارات لقوات الدعم السريع ولا خلافات بين الحركات المسلحة المؤسسة للقوة المشتركة و قيادة الجيش
  • عفو عام في الدنمارك يسفر عن تسليم 8400 قطعة سلاح تشمل قنبلة يدوية من الحرب العالمية الثانية
  • الجيش الأميركي يكشف عن طراز المقاتلات التي شاركت في الضربات الأخيرة على مواقع الحوثيين
  • سعر الذهب والدولار الآن.. تراجع «الأصفر» وارتفاع «الأخضر»
  • الذهب إلى أدنى مستوى في 8 أسابيع والدولار عند أعلى مستوى في عام
  • أحمد حسين: الحرب الإعلامية التي تمارسها الميليشيا عن تحركاتها في الأطراف الشرقية لمدينة الفاشر محاولة “