لا أتذكر بالضبط كيف بدأت حكايتي مع فلسطين. لكن بالتأكيد كبرت معنا وفينا وظلت كما هي منذ عرفتها فتية لا يصيبها الكبر ولا تشيخ، عودها طريا مخضرا باقيا رمزا للبطولة والعنفوان. فقد شاءت لنا الأقدار أن نعيش في مجتمع ومحيط عائلي لا يفتأ يلقننا اسم فلسطين وإن اختلفت وسائل التلقين. لكن عندما أنبش في الذاكرة تضيء أمامي بعض الشذرات التي قادتني إلى فلسطين.
عندما قرأت لأول مرة قصة غسان كنفاني (موت السرير رقم 12) عن موت العُماني محمد علي أكبر في أحد مستشفيات الكويت، لاحت تلك الحكاية التي يرويها أبي رحمه الله عندما قضى فترة بالمستشفى الأميري في الكويت، وكان ذلك خلال حرب 1967م، يقول والدي بأنه أفاق ذات صباح وجد رجلا كبيرا في السن يرقد في السرير القريب منه. وبمرور الوقت توثقت العلاقة بينهما وكانا يستمعان معا لنشرة الأخبار من راديو صغير في المستشفى، وكانت الأخبار آنذاك تبث من قناتين هما الـ (بي بي سي) وراديو (صوت العرب) من مصر التي تبث في حينه خطابات الرئيس جمال عبدالناصر، وما كان يبثه المذيع أحمد سعيد من تقدم الجيوش العربية وانتصارات العرب التي تنبئهم أن فلسطين على وشك التحرر من الاحتلال الصهيوني. لكن ذلك الرجل الكبير في السن -كما يقول والدي- لا يظهر على وجهه إلا الامتعاض والحزن، وكأنه يستشعر بالقادم السيئ. يتذكر والدي ما كان يقوله له «يا ولدي ما زلت صغيرا ستعرف الحقيقة عندما تكبر، ستعرف حقيقة ما يجري». كبر والدي وأدرك ما كان يعنيه ذلك الرجل.
في المرحلة الابتدائية في أبوظبي لا يغيب عن ذاكرتي ذلك المشهد وكان وقتها شهر رمضان ربما العاشر منه كنت التقط بعض الأسماء التي تتداول في تلك الفترة وكان أكثر ما تردد اسم فلسطين والعدو الصهيوني والعبور وخط بارليف والسادات، وأتذكر بمجرد ما أفطر الناس خرجوا للشارع مبتهجين وأخذوا يوزعون زجاجات (البارد) المشروبات الغازية سعداء فرحين ويهنئون بعضهم، عندما أسترجع الآن أحداثها أدرك أن ذلك اليوم هو حرب أكتوبر 1973. ولا أنسى العائلة الفلسطينية التي تسكن قريب بيتنا وكنا نحن الصغار نلعب معا لا نفترق أبدا إلا وقت النوم. وما زلت أتذكر عددا من المعلمين الفلسطينيين، وتلك اللوحة الخشبية المعلقة على حائط في الفصل مرسوم عليها علم فلسطين ونبذة عن تاريخ فلسطين والمسجد الأقصى.
في هذه الفترة برزت فلسطين لأول مرة بشكل مختلف. وكان النفسي والعقلي أكثر استعدادا لتقبل الأشياء، رغم أن المناهج الدراسية كانت تتضمن نذرا بسيطا عن فلسطين، إذ لم يكن حضورها بتلك القوة، لكن رغم ذلك كان ثمة فلسطين، في نشيد أو قصة عابرة أو حكمة قيلت، فتعلمنا نشيد (فلسطين داري ودرب انتصاري للشاعر سليمان العيسى) ونشيد بلاد العرب أوطاني. وقصة أرض البرتغال الحزين للكاتب غسان كنفاني، وأشعار فدوى طوقان وإبراهيم طوقان.
لاحقا أخذ اسم فلسطين يترسخ تدريجيا ويتصاعد في الوعي، بفضل تأثيرات الصوت في البداية ثم الصورة التي تبثها التلفزة، ثم عبر الصحف، والمجلات، وخلال هذه الفترة بدأت فلسطين تظهر في مخيلتي بشكل أقوى، إذ لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع فلسطين والفلسطينيين، أتذكر في هذا الصدد راديو صغيرا كان في بيتنا أحضره قريب لنا (ربما يلتقي مع الوالد في اسم معين) وكان رجل كبير في السن ونسميه (العُودْ) فقد بصره في آخر عمره وأصبح أعمى وقد أنهى لتوه رحلات الغوص بحثا عن اللؤلؤ، جاء الرجل ليقيم معنا، وظل في بيتنا إلى أن رحل. ذلك الراديو الذي لا يفارقه ظل يطلق صوته الأثيري عبر فضاء البيت، وكان العود يجلس عادة عند مدخل البيت، لذلك كان السماع لصوت الراديو إجباريا للداخل أو الخارج من البيت لا بد أن يلتقط سمعه ما يبثه الراديو وكنت أسمع نشرات الأخبار المتكررة وكانت فلسطين حاضرة بقوة، أما العود يصغي السمع للأخبار بشكل مغاير، ترافق سماعه حركات وعبارات ويستشيط غضبا عندما يسمع شيئا عن فلسطين. وفي الليل عندما ينام البيت وساكنوه يسكت الراديو، ينبري العود في حديث مع نفسه معتقدا أن أحد لا يسمعه، فيبدأ في تحليل الوضع الفلسطيني ثم ينتقد، وكان حادا في نقده، يردد عبارات قوية على قادة الإسرائيليين ويصب جام غضبه على الأمريكيين، فيتقمص دور القاضي ويبدأ في محاكمتهم، ثم يعرج على القادة العرب ويذكر كل واحد منهم بالاسم وكأنه يقف أمامهم يخاطبهم ويلوح لهم بيده وفي مرات يتناول العصا ويستخدمها في الكلام محاولا حثهم ودفعهم نحو فلسطين.
في أغسطس عام 1982م لا أنسى ذلك اليوم الذي تسمّرنا فيه أمام التلفزيون نشاهد ياسر عرفات يخرج من بيروت ومعه رفاقه يخطو نحو السفينة التي ستنقلهم إلى تونس وقبل أن يصعد لوَّح بيده باكيا أمام الآلاف الذين احتشدوا لوداعه قائلا «أيها المجد لتركع أمام بيروت».
كل تلك المشاهد لم تكن إلا ضبابية مشوشة، لكن يبقى الانفجار الأول للواعي بفلسطين القضية والشعب والاحتلال والمقاومة، انفتح فيها الوعي على مصاريعه فكانت فترة الثمانينيات أكثر الفترات نضوجا. مرحلة الدراسة الجامعية في المملكة المغربية. مغرب الثمانينيات كانت لنا بيئة مختلفة ومغايرة، أخذ الوعي بفلسطين يتصاعد، أينما ذهبت ستجد فلسطين، في السوق، في المقهى، وأنت راكب في التاكسي، في الصحف اليومية، في نشرات الأخبار، مع الطلبة، في الحي الجامعي، في الاعتصامات والاحتجاجات المتصاعدة في الكلية. مثلت كلية الحقوق ودراسة القانون قفزة نوعية في تصاعد الوعي بفلسطين، وهو الفضاء المناسب الذي يتفتق فيه الوعي من خلال تنظيمات وهيئات وتيارات طلابية، إذ لا تكاد تمر مناسبة في فلسطين إلا ويكون صداها في المغرب، وخصوصا بين الطلبة في الجامعات والكليات. يتداعى الطلبة فتقام الحلقات والوقفات في ساحة الكلية، تتصاعد فيها التنديدات بإسرائيل، وتلقى فيها الخطب والأشعار، وقصائد نضالية للشاعر نزار قباني ومظفر النواب وأحمد مطر وغيرهم. تبادلنا نحن الطلبة استنساخ الروايات والقصص ودواوين الشعر، ككتيبات نزار قباني، ولافتات أحمد مطر، ومحمود درويش، ورواية مدن الملح لعبدالرحمن منيف وشارع الأميرات، والبحث عن وليد مسعود، وصيادون في شارع ضيق لجبرا إبراهيم جبرا وغيرهم. قرأنا بلهفة وشغف أشاعر محمود درويش وأتذكر أول ديوان شعري اشتريته هو (حصار لمدائح البحر) وكم أعجبتني قصيدة رحلة المتنبي إلى مصر.
في ديسمبر 1987م انفجرت الانتفاضة الفلسطينية أو انتفاضة أبطال الحجارة وأخذ زخمها في التصاعد. كل شيء ينطق فلسطين، في طريقي اليومي للكلية مثلا كنت أمرُّ أمام جداريات تحمل اسم فلسطين بخطوط مختلفة، أعلام فلسطين، وصورا لأطفال صغار يلوّحون بالحجارة يرتدون الكوفية الفلسطينية التي أصبحت رمزا للنضال والمقاومة وانتشرت موضة اقتنائها بلونيها الأبيض والأسود خصوصا بين طلبة الجامعات، وكان كل طالب يفتخر بأنه يرتدي الكوفية أو الوشاح حول رقبته. وكانت مدن المغرب بأكملها تشهد مظاهرات واعتصامات، في كلية الحقوق بمراكش مثلا شاركنا في رفع الأعلام الفلسطينية وصور قادة النضال الفلسطيني. وفي الوقفات والاعتصامات، منخرطون في تقسيمات نضالية، فتجد فتحاويين يرفعون صور ياسر عرفات وأبو جهاد وأبو إياد، ومنهم من يرفع صور جورج حبش، ونايف حواتمة، وصور أحمد ياسين وغيرهم من الزعماء. وفي 16 أبريل 1988م أتذكر ذلك اليوم الذي اغتيل فيه خليل الوزير أبو جهاد في تونس، وكنت يومها في المقهى وفجأة انقطع البث العادي من إذاعة البحر المتوسط التي تبث من طنجة ليعلن خبر الاغتيال.
كبرت الأسئلة وتولدت الدهشة. ترافق الوعي في هذه المرحلة ليس بفلسطين فقط، لكن كان إيذانا بالانفتاح على عوالم كانت لنا غامضة، فسقطت في هذه المرحلة الكثير من المسلّمات والمقدسات. حضرت فلسطين والقضية الفلسطينية بقوة أيضا من خلال ناجي العلي ورسومه الكاريكاتورية التي كان ينشرها في جريدة القبس الكويتية، كنت أتابع تلك الرسومات التي استلهم فيها العلي شخصيات مذهلة وأشهرها حنظلة الذي يدير ظهره ويعقد يديه للخلف ولا يظهر وجهه، وشخصية الشخص السمين وغيره من الشخصيات والرموز التي ينشرها. أعجبت كثيرا بناجي العلي وما زلت احتفظ بكراسة صغيرة تتضمن جميع رسوماته اشتريتها من بائع كتب في شارع محمد الخامس بالرباط. وكانت الفاجعة الكبيرة يوم اغتيل ناجي العلي في لندن 22 يوليو 1987م.
أما في مسقط فلا تزال لفلسطين ذاكرة طرية خضراء مورقة. في صبيحة أحد الأيام في منتصف أبريل عام 1996م كنت أجلس والشاعر الراحل الأخ مبارك العامري في مقهى بمجمع الحارثي آنذاك وكنا نتصفّح الجرائد وكانت الأخبار تتوارد عن عملية عناقيد الغضب والمجزرة التي ارتكبتها إسرائيل في قرية قانا بجنوب لبنان راح ضحيتها عدد كبير من الشهداء، فكتب مبارك العامري في اللحظة نفسها وعلى الطاولة نفسها قصيدة أحمد القاني أو آخر مَا رأى. وفي عام 2004م بدأنا نتابع بشغف العمل الرائع (التغريبة الفلسطينية) لوليد سيف وإخراج حاتم علي.
فلسطين التي لا تغيب وتظل حاضرة بقوة في نفوسنا جميعا جذوة تشتعل وتأبى الخمود، سردية تروى للأجيال، لا تزال ترقد في نفوسنا وقلوبنا. وتكبر في أذهاننا صورة فلسطين وترتسم فينا تلك الأيقونة التي يظل بريقها لامعا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: اسم فلسطین
إقرأ أيضاً:
مبادرة "إحياء العمارة" تختتم رحلة تعزيز الوعي بقيمة العمارة وإبراز الابتكار بها
مسقط- الرؤية
اختتمت مبادرة إحياء العمارة، رحلة تعزيز الوعي بقيمة العمارة وإبراز الابتكار بها، والتي استهدفت زوار مُتحف عُمان عبر الزمان بولاية منح، واستمرت خلال الفترة من 19 حتى 22 من فبراير الجاري؛ بتنظيم من مكتب صاحب السمو السيد بلعرب بن هيثم آل سعيد.
وجاءت المبادرة استكمالًا لمسيرة جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري بدورتيها الأولى والثانية، ومسابقة تصميم جناح سلطنة عُمان في إكسبو اليابان 2025، بهدف إثراء المجال المعماري في سلطنة عُمان. وتستهدف المبادرة مختلف فئات المجتمع المهتمة بالتصميم المعماري ومحبيه من المتخصصين والخبراء والطلبة الدارسين لهذا المجال.
وحظيت المبادرة بالمتابعة والاهتمام المستمر من قِبل صاحب السمو السيد بلعرب بن هيثم آل سعيد؛ تأكيدًا من سموه على أهمية تحقيق الأهداف المرسومة للمبادرة، والتي تمثلت في تعزيز الوعي بقيمة العمارة كأحد مكونات الهوية الوطنية، وتحفيز المجتمع على استكشاف العمارة العُمانية وفهم تأثيرها الثقافي والاجتماعي والاقتصادي. وتهدف المبادرة إلى إشراك فئات المجتمع المختلفة في الحوارات والنقاشات حول العمارة وتوفير بيئة داعمة للإبداع والريادة، إضافةً إلى تعزيز فرص الكادر المعماري في سوق العمل العُماني. وتضم المبادرة ركن جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري، ومنطقة للإنجازات، وتجربة تفاعلية لإحياء العمارة.
جائزة بلعرب للتصميم المعماري
وأتاح ركن جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري، للزائر فرصة الاطلاع على مراحل الجائزة في دورتيها الأولى والثانية، من خلال تأمُّل المشاريع الفائزة بالمركز الأول على شكل مجسم ثلاثي الأبعاد، إضافة إلى المشروع الفائز في تصميم ركن سلطنة عُمان في إكسبو اليابان 2025.
وتناولت الدورة الأولى من الجائزة تطوير الموقع المحدد بحي الميناء بولاية مطرح في المنطقة الواقعة بين الواجهة البحرية وسوق مطرح لبيع الأسماك بمساحة إجمالية تقدر بـ7500 متر مربع، وتُوِّج بالمركز الأول مشروع ميدان مطرح لكل من أحمد بن محمد الجهضمي، وأميمة بنت محمود الهنائية، وعبدالله بن صالح البحري؛ حيث سعى المشروع لتعزيز قيمة مطرح بمعالمها الفريدة، ويتوسط الميدان جسر أيقوني جرى تصميمه بشكل طائر فوق البحر، والذي استلهم من سيف الإمام الصلت بن مالك الخروصي، ويؤطر الجسر معالم مطرح الشهيرة في صورة واحدة، ويحيط بالجسر ساحة متعددة الاستخدامات تشمل نافورة راقصة ومحلات التجزئة ومقاهي، مع أضواء تتماهى مع أمواج البحر.
فيما استهدفت الدورة الثانية من الجائزة تصميم مشروع متحف عُمان البحري بولاية صور؛ لتوثيق تاريخ عُمان البحري الحافل وإبراز نبوغ العُماني عبر التاريخ في علاقته بالبحر، حيث تُوِّج محمد بن صلاح بن علي البلوشي بالمركز الأول عن فكرة تصميم مشروعه من مشهد تجمع السفن في خور البطح بولاية صور في فترات ازدهار النشاط البحري فيها، حيث صمم المتحف لتجسيد التراث البحري العُماني في أوج ازدهاره؛ لإعادة إحياء هذا التاريخ، كما تضمن المشروع ممشى رئيسي «بوليفارد» يحتوي على مقاهٍ ومطاعم ومنتزه، إلى جانب ممشى آخر يُطل على البحر، يربط ممشى الشارع البحري بجسر خور البطح ومصنع السفن.
كما طرحت الجائزة مسابقة تصميم ركن سلطنة عُمان في إكسبو اليابان 2025، وفاز في المسابقة الفريق المكوَّن من بيان بنت مسلم بن سالم الرمضانية، وعمار بن عبدالحميد بن عامر الكيومي، ونيرة بنت خميس بن سيف الهنائية، ووظَّف الفريق فكرة الأفلاج العُمانية في المشروع والذي يعكس دورها المهم في مجال ازدهار المجال الزراعي وتوثق عبقرية الإنسان العُماني في شق الأفلاج.
منطقة الإنجازات
وتصطحب منطقة الإنجازات، الزائرَ في رحلةٍ من خلال عرض مرئي لمسيرة جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري في دورتيها الأولى والثانية، وما ساهمت به الجائزة في المشهد المعماري العُماني. ويستعرض العرض المرئي إحصائيات عن عدد المشاركات التي تلقتها الجائزة والمشروع الفائز بالمركز الأول في كل دورة، إضافة إلى المشروع الفائز بتصميم جناح سلطنة عُمان في إكسبو اليابان 2025.
وتضمن العرض المرئي الهيكل الجديد والتي تترأسه مبادرات بلعرب بن هيثم وتضم مجتمع بلعرب بن هيثم، وجائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري، وبرامج بلعرب بن هيثم، إضافة إلى الإعلان عن موعد الدورة الثالثة من جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري والمُزمع إطلاقها نهاية العام الجاري.
وتتناول التجربة التفاعلية للمبادرة المحاور الرئيسية الثلاثة التي تصب في خدمة المجال المعماري وإعادة إحيائه في سلطنة عُمان، وتتمثل هذه المحاور في محور التعليم المستمر، ومحور الابتكار، ومحور جاهزية السوق.
وتبدأ التجربة باستعراض بعض العبارات المعمارية خاصة لهذه المبادرة لشخصيات عُمانية وعالمية عن التصميم المعماري من أبرزها: عبارة السيدة الجليلة عهد بنت عبدالله البوسعيدية حرم جلالة السلطان المعظم- حفظها الله ورعاها، وصاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب. ثم يُتابع الزائر تأثير العناصر والمساحة في العمارة من خلال الضوء والمساحة، وينتقل إلى الرحلة في العصور، من العصر الحجري وصولًا إلى عصر النهضة. كما يطَّلع الزائر على عرض مرئي لرحلة معماريين في قرية السوجرة بولاية الجبل الأخضر والقريتين بولاية إزكي. ثم ينتقل الزائر إلى منطقة جاهزية سوق العمل والتي تستعرض إحصائيات وأرقام لأعداد الباحثين عن عمل في مجال العمارة، والمؤسسات التعليمية التي تُتيح دراسة تخصص التصميم المعماري والإنشاء؛ حيث توضح الإحصائيات أن عدد مؤسسات الأكاديمية التي توفر تخصُّص العمارة والإنشاء بلغ 14 مؤسسة تعليمية، كما تشير الإحصائيات بأن عدد الباحثين عن عمل في المجال المعماري بلغ 1759 باحثًا.
ويتعرف الزائر على مبادرة بلعرب لتمكين المعماريين، من خلال تسهيل مزاولة النشاط الهندسي وفتح سجل تجاري ومكاتب استشارات هندسية وتقديم التصاميم للمؤسسات المُختصة والمنافسة على المناقصات المطروحة.
وتستعرض الرحلة، قصة نحاج العُمانية نورة الحرملية في الجانب المعماري؛ حيث كانت تواجه 3 أنواع من صعوبات الإدراك والتعلم؛ لتتمكن من التغلب عليها، وتُعزز رحلتها في دراسة المعمار في جامعة ليفربول جون مورس بالمملكة المتحدة. إضافة لقصة المعماري توني كويل الذي بدأ حياته في مكتبٍ بشركة معمارية في غلاسكو البريطانية، وبدأ رحلة التعلم وتطوير معارفه؛ حيث أصبح أحد أبرز المعماريين، وله إسهامات في العمارة العُمانية الحديثة؛ حيث كان المهندس المعماري الرئيسي في إنشاء عدد من المباني في سلطنة عُمان، من أبرزها مبنى بلدية مسقط في دارسيت، وبوابة مسقط.
وتُختتم الرحلة بعرض الشخصيات المشاركة في إنجاح المبادرة وعرض كلمة لصاحب السمو السيد بلعرب بن هيثم آل سعيد، يؤكد فيها أهمية مواصلة مسيرة إحياء العمارة وصياغة هويتنا بإبداعٍ يعكس إرثنا الأصيل، وابتكار يواكب طموحاتنا لرسم ملامح مستقبل ينبض بالإصالة والإلهام.
حلقات عمل متنوعة
وقد سعت المبادرة إلى تعزيز الإرث المعماري، من خلال تقديم نماذج ناجحة تجمع الابتكار مع الإرث؛ حيث استضاف ركن جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري، عددًا من المتحدثين والمتخصصين في مجال العمارة لتعزيز وعي الزوار بقيمة العمارة.
وفي اليوم الأول قدم المهندس إبراهيم محمد جيدة الرئيس التنفيذي لشركة "إيه إي بي"، ورشة "عمران يُلهم تصاميم أحدثت الفارق في المنطقة"، تناول سيرة عملة في الجانب المعماري وتجاربه العلمية والعملية للحفاظ على الهوية من خلال التأثر بالشكل المعماري، كما تطرق إلى أهمية توظيف التراث والهوية الوطنية لكل دولة في الجوانب المعمارية.
فيما تناولت الورشة الثانية موضوع "بين التاريخ والمستقبل إحياء قرية السوجرة من منظور معماري"، قدمها المعماري محمد العصفور، وتطرقت إلى استعراض الطريقة المعمارية التي استخدمها القدماء في بناء القرية مستخدمين أدوات البيئة المحلية.
وسلَّطت الورشة الثالثة الضوء على "رحلة التطوير كيف أصبحت حارة العقر وجهة سياحية فريدة"، وقدمها إسحاق بن هلال الشرياني رئيس مجلس إدارة شركة بوارق نزوى، وتناول فيها المراحل التي مرت بها حارة العقر، من الفكرة وصولًا إلى التنفيذ والتطوير بالخامات الطبيعية التي استخدمها الأجداد في البناء. واستعرض أبرز التحديات التي واجهة رحلة تطوير الحارة لتكون اليوم وجهة سياحية يعرفها القريب والبعيد.
وشهد اليوم الثاني، عقد 3 حلقات عمل؛ حيث قدَّم سعادة المهندس حمود بن محمد المحروقي رئيس شؤون المنشآت السلطانية أولى الحلقات بعنوان "عُمران يعكس الهوية محطات في مسيرة تشييد أيقونات معمارية وطنية"، وتناولت دور المنشآت السلطانية في الحفاظ على الهوية المعمارية العُمانية، واستعرضت مراحل تطور العمارة العُمانية بين الماضي والحاضر، إضافة إلى مواكبة التطورات المعمارية باستخدام المواد المحلية للحفاظ على البيئة.
وتناولت حلقة العمل الثانية موضوع "آفاق جديدة ومحورها التمكين مبادرات بلعرب بن هيثم" قدمها إياد بن نبيل الرواس مسؤول التطوير واللجان بمكتب صاحب السمو السيد بلعرب بن هيثم. واستعرضت الحلقة مبادرة بلعرب لتمكين المعماريين من خلال إمكانية فتح سجل تجاري وتقديم التصاميم للمؤسسات المُختصة، إضافة إلى الإعلان عن موعد الدورة الثالثة من جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري والمُزمع اطلاقها نهاية العام الجاري.
وناقشت الحلقة الثالثة التي حملت عنوان "من الفكرة إلى الواقع كواليس بناء تجربة إحياء العمارة" قدمتها سوماسري شاندرا مُتخصصة في التصميم والإخراج الفني؛ حيث سلطت الضوء على مراحل تطوير فكرة التجربة التفاعلية إحياء العمارة، وصولًا لتنفيذها في أرض الواقع، واستعرضت مسار الزائر في التجربة التفاعلية ودورها في إكسابه المعرفة التاريخية بالعمارة عبر العصور وأهمية تعزيز فهم العناصر والمساحة في العمارة.
وقُدمت في اليوم الأخير، حلقتا عمل؛ تناولت الأولى موضوع "تقنيات الغد: كيف تُعيد الأتمتة والمواد المبتكرة تشكيل مستقبل العمارة"، وقدمها الدكتور أيمن بن عبدالله الفضيلي الرئيس التنفيذي لأكاديمية الابتكار الصناعي، وتطرقت لأهمية الابتكار في تخليد عمل الإنسان وتسجيل تاريخ جديد لكل جيل، وأهمية توظيف التكنولوجيا والابتكار في العمارة، وتناول الإبداع الإنساني وتفوقه على التقنيات الموجودة.
فيما قدم مصطفى الرحبي الرئيس التنفيذي لشركة "جالاكسي واي" حلقة عمل "صناعة الأثر بالكلمة والصورة: كيف نُخلِّد الحدث في الذاكرة"، واستعرضت دور الشركة في العمل على جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري في دورتيها، ومراحل العمل على مبادرة إحياء العمارة من صناعة السرد ومحتوى المبادرة وصولًا إلى التسويق وصناعة المحتوى والإنتاج الفني.