لجريدة عمان:
2025-01-27@04:20:45 GMT

بين جداريات الحزن العربي وبركان الغضب

تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT

سقط القناعُ عن القناعِ عن القناعِ

سقط القناعُ

ولا أَحدْ

إلاَّك في هذا المدى المفتوح للأعداء والنسيانِ،

فاجعل كُلَّ متراسٍ بَلَدْ

لا.. لا أَحَدْ

سقط القناعُ

لعل محمود درويش لم يتخيل يومًا أن تختزل هذه الأبيات المشهد العربي في القرن الواحد والعشرين برمته، هذا المشهد المفجع الأقرب إلى ما بعد السوريالية والعدمية، لحظة فارقة في التاريخ الإنساني حيث تتكالب الأمم التي تدعي أنها متحضرة لإبادة شعب منكوب بوجوده في هذه البقعة المجنونة من العالم.

ورغم أن هذه الصرخة الوجودية انطلقت من قصيدة درويش «مديح الظل العالي» وحلّقت من بيروت المحاصرة في عام 1983 إلى العالم وفضاء الإنسانية المرتبك، إلا إنها ذات القصيدة التي تؤرخ الآن وتخلد يوميات الغزاويين، وهم يواجهون آلة القتل الغربية/ الإسرائيلية، والتي تبدو أنها لا تعيش ولا تقتات إلا بالدم الفلسطيني والعربي من بعد الحرب العالمية الثانية.

ورغم أن الفجور في الانتقام والهوس بالدم من صميم وديدن الكيان الإسرائيلي وحلفائه منذ وعد بلفور المشؤوم، إلا أنه انطلق هذه المرة في سعار دموي لا يوقفه وازع من ضمير، ولا نازع من إنسانية، ولا ذرة من أخلاق. ويبدو أن الرسالة الموجهة إلى العالم العربي اليوم، أننا سنبيدكم جميعًا لو اقتضى الأمر لضمان أمن هذا الكيان، وهو الخطاب الذي نرى تجلياته البشعة والمشحون بإمبريالية بغيظة في واقع التفكيك والتدمير والتفتيت الممنهج لدول عربية يراد لها أن تكون دولاً فاشلة قسراً للمائة عام القادمة، وما تقاطر الزعماء الغربيون والرئيس الأمريكي قبلهم إلى تل أبيب، إلا برهان لكل ذي بصيرة أن صدامًا حضاريًا يتشكل في الأفق بين أمة غاضبة ومحبطة، مكلومة بالقمع والاستبداد وبين دول عظمى تحشد أسلحتها وعتادها وتتحالف، رغم تحدياتها الاقتصادية والاجتماعية ورغم استياء الشرفاء من شعوبها وتتكالب، رغم اختلافاتها ونكباتها الأخلاقية وشذوذها ومثليتها لإبقاء ما يسمى الآن بالعالم العربي - رغم أنه يصرخ غضبًا ليكون «الأمة العربية» - مختطفًا في كهوف التخلف والتراجع الحضاري، وعلى هامش العالم.

وما غزة سوى محطة لهذه الهجمة الغربية الشرسة لتحييد العالم العربي عن أي نهوض أو ازدهار أو تنوير يمكّنه من القيام بدوره الحضاري والفكري والسياسي. ومن المفارقات أن يشاركهم هذا التدمير الممنهج لما تبقى من عناصر القوة العربية دول عربية من بيننا تموّل وتتآمر وتتعاون في كل ما من شأنه ضرب آخر رمزيات التضامن العربي حتى في حدوده الدنيا وحتى على المستويات الإنسانية والمشتركات البشرية التي لا تقبل الجدال والتفلسف السياسي والمغامرات المجنونة في سوق المصالح الثابتة والمتغيرة.

وحين ترى تلك المظاهرات الغاضبة في مختلف عواصم العالم الغربية والشرقية رفضاً للعدوان الصهيوني وبشاعته، فإنها ليست بسبب الديمقراطية الغربية العرجاء التي تصاب بالشلل عند عتبات كل قضية عربية وإسلامية، بل هي صوت الشرف والإنسانية والضمير والقيم والمشتركات الإنسانية التي سئمت هذا النفاق الغربي المقزز وازدواجية المعايير، وسقطت معه الأقنعة كلها باستثناء بعض الأصوات الشريفة التي أبت أن تكون معول هدم وقتل لآلة غربية أدمنت دماء العرب والمسلمين.

والسؤال الذي يصعب تجاهله، هل تريد إسرائيل نتنياهو سلامًا يعيد المنطقة إلى ضفة السلام والتعايش في أرض الأنبياء والرسل والأديان أرض فلسطين؟ أم أن الأمر كله مختزل في التطبيع الذي لا يخدم سوى مصالحها وتحويل الأوطان العربية إلى ساحة مخترقة للمصالح الإسرائيلية تشبه ما يحدث الآن في بعض الدول العربية المطبعة؟ ولست أدري إن كانت مفردة «التطبيع» تصف ما نرى فيها. لا يبدو لي أن السلام وارد الآن بعد كل هذه الدماء والشهداء، ومن الواضح أن السلام يرعب الآخر والحرب تنهكه وتستنزفه، في مشهد فيه من المفارقات التي تضيّق الخناق على صوت العقل، وتنسف دور النخب، ولا يبقى ثمة فسحة للحكمة والحوار في كلا المعسكرين.

والسؤال الذي يطاردني كمواطن عربي يقف غاضبًا مقهورًا وحزيناً أمام هذا المد الدموي والبطش الغربي وآلته العسكرية ونفاقه ضد شعب أعزل إلا من كرامته، إلى أين المفر؟ وما السبيل إلى أوطان حقيقية تقينا وتجنبنا الفناء الحضاري والانقراض الجغرافي في كوكب شكلناه علما وحضارة وإنسانية ذات مجد وسؤدد؟ أين المفر؟ لا أجد مخرجا لهذا الطموح الوجودي قبل أن تتم المصالحة الحقيقية بمعناها الحضاري الشامل بين الأنظمة والإنسان العربي وحفظ كرامته وحريته وبقائه، وهو ما لن يحدث في زمننا البائس هذا، وعسى أن يتحقق لأحفادنا فأسمى أمنيات المواطن العربي اليوم أن يجد قوت يومه وعياله، ويحفظ بقاءه لا أكثر! وإلى ذلك الحين، سنظل نتفرج على دموية الآخر التي تسيل في شوارعنا وأحلامنا ومستقبلنا مهما سقطت أقنعة الداخل والخارج في انتظار بركان الغضب الذي سيقتلع كل هذا الذل والهوان، ويعيد لهذه الحضارة العظيمة مجدها وعنفوانها، مهما بدا الحاضر عبوسًا قمطريرًا.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

استمرار الغضب بسبب الوضع الاقتصادي في مناطق حكومة عدن

 

 

الجديد برس|

 

تواصل الاتحادات العمالية ونقابات الموظفين في مناطق حكومة عدن عمليات الاحتجاج سواء بالإضراب أو المسيرات والوقفات الاحتجاجية؛ للمطالبة بتحسين الوضع المعيشي للموظفين والعمال في ظل الانهيار المتسارع للعملة.

 

حيث دعا اتحاد التربويين والموظفين في محافظة تعز، إلى تنفيذ مسيرة يوم غد الأحد؛ لاجبار “الحكومة” على دفع كافة الحقوق للموظفين.

 

ويعتقد المواطنين في عدن وبقية مناطق اليمن الواقعة تحت سيطرة التحالف، إلى أن “الحكومة تعتبر سببا لمشكلة الانهيار الاقتصادي ولا يمكن أن تكون سببا للحل” وأنها لا تقوم باتخاذ أي إجراءات من شأنها الحد من تدهور العملة المحلية والأوضاع المعيشية.

مقالات مشابهة

  • خبراء ومحللون يقرعون أجراس الخطر في العالم العربي بعد تصريحات ترامب عن غزة
  • التحالف الديمقراطي في العالم العربي يرفض تصريحات ترامب حول تهجير الفلسطينيين
  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم (1)
  • اليوم التالي في غزة بين نرجسية الاحتلال وداعميه وقوة الأمر الواقع الذي فرضته المقاومة!
  • استمرار الغضب بسبب الوضع الاقتصادي في مناطق حكومة عدن
  • بالصورة.. شاهد الإرهاب الحقيقي الذي ينهش العالم
  • ماسك وترامب… الصدام الذي لا يمكن تجنبه!
  • عمرو دياب يطلق أول سلسلة فنادق تجمع بين الموسيقى والذكاء الاصطناعي في العالم العربي
  • الروائي خليل الجيزاوي: معرض الكتاب التظاهرة الثقافية الأكبر في العالم العربي
  • قلب الكون..كيف غيّرت قناة بنما التي يرغب دونالد ترامب بالإستيلاء عليها العالم؟