محمود حامد يكتب: هل نقتل الفلسطينيين؟.. الإعلام الغربى كسر كل القواعد.. والشعوب تُعيد الاعتبار لغربِ متصدع
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
الغرب لم يعد غربًا واحدًا.. رؤساء الدول والحكومات يحجون واحدًا تلو الآخر، إلى تل أبيب، يقدمون فروض الولاء ويذرفون الدموع حزنًا على ما "أصاب دولتهم إسرائيل"، بل ويحضر كبيرهم جو بايدن اجتماع وزارة الحرب الإسرائيلية ويبارك خطة قتل الأطفال والنساء والشباب وتدمير غزة ببيوتها ومساجدها وكنائسها ومستشفياتها، دون وازع من ضمير ودون أى اعتبار لما يسمى "حقوق الإنسان" الذى يتشدقون به دائمًا ويلوكونه ليل نهار، ودون اعتبار لكل قيم الإنسانية على مر التاريخ.
يقابل هذا الغرب "الرسمى" الذى كشف عن وجهه القبيح، وجه آخر مشرق تمثله الشعوب التى خرجت فى مظاهرات عارمة تنطق بالحق وتعترض على سياسات الحكام وتعلن تضامنها مع شعبٍ أعزل يُباد جهارًا نهارًا وعلى مسمع ومرأى من العالم كله.
وبين هذا الغرب وذاك، يقف غرب ثالث ألا وهو الإعلام بكل صنوفه وألوانه، والذى كان فى الأغلب الأعم يتعمد إخفاء الحقيقة ويشوه الوقائع ويبكى على ضحايا الجانب الإسرائيلى يوم ٧ أكتوبر، أما ضحايا الفلسطينيين على مدى أكثر من عشرين يومًا فلا قيمة لهم فى نظر ذلك الإعلام الذى سقط سقوطًا مدويًا وتغاضى عمدًا مع سبق الإصرار والترصد عن "الحياد الإعلامى" فى تناوله للقضايا أيًا كانت هذه القضايا وأيًا كانت أبعادها.
خذ مثلًا ما حدث فى فرنسا، وفيها تقرأ وتسمع كثيرًا عن قيم المجتمع والحرية وإلى آخر هذه الإسطوانة التى أصبحت مشروخة ومتصدعة.. وزير الداخلية جيرالد دارمانان قرر منع أى مظاهرة للتضامن مع فلسطين.. شعب يواجه إبادة جماعية ولا يراد لأى فرنسى أن يعلن تضامنه، بينما مظاهرات تأييد إسرائيل فهى على الرحب والسعة، ورغم أن القضاء الفرنسى سمح بمظاهرة تأييد لسكان غزة وشعب فلسطين، فسوف يظل قرار الوزير نقطة سوداء فى تاريخ دولة الحرية والعدل والمساواة.. لكن العجيب أن الوزير أبلغ مراكز الشرطة فى أنحاء فرنسا أن سماح القضاء بمظاهرة يتعلق بهذه المظاهرة فقط، وجرى التعامل وفق مبدأ "كل حالة على حدة"، وسارت الأمور بين السماح والحظر الذى لم يمنع المتضامنون بتنظيم مظاهراتهم فى بعض المدن الفرنسية، رغم الغرامة وقدرها ١٣٥ يورو، حتى أن عددًا كبيرًا من الذين أصروا على الحضور قالوا عن هذه الغرامة "سيكون هذا أفضل أموال يتم إنفاقها في حياتنا".. فهل سمع دارمانان ماقاله هؤلاء الفرنسيون ومثلهم كثيرون فى دولٍ غربية أخرى، ومنهم أيضًا برلمانيون لعل أشهرهم ذلك النائب الأيرلندى ريتشارد بويد باريت، الذى تحدث فى البرلمان فى وجود عدة سفراء ومنهم السفير الإسرائيلى، وتوجه إليه النائب فى بداية حديثه قائلًا: "أيها السفير، أقولها بصراحة.. أنا من هؤلاء الذين يعتقدون بوجوب طردك من هذا البلد، وهذا الأمر لا علاقة له بشخصك وإنما له علاقة بسياسات بلدك.. وكما قال ديزموند توتو، أقول لكم إن الوقت لمعاملتكم كدولة طبيعية قد انتهى لأنكم لا تتصرفون كدولة طبيعية، وأود أن أوضح أن ما سأقوله ليس مدفوعًا بمعاداة السامية.. على سبيل المثال، حين تمت محاولات ممجوجة للتقليل من بشاعة الهولوكوست، قمت باستضافة أحد اليهود الناجين من معسكر أوشفيتز لتنظيم اجتماعات ولقاءات فى التليفزيون لتذكير الأيرلنديين بأهوال الهولوكوست، لأننى على وجه اليقين معارض للعنصرية ولذلك أعارض ما تقوم به دولتك.. لقد حاولت أنت التغطية على ما قمتم بفعله من قتل الأبرياء فى غزة خلال أحداث منفصلة فى السنوات الماضية، والاستيلاء على الأراضى الفلسطينية وغيرها من أفعال".. ليس هذا فقط، تعالوا نكمل معًا ما قاله النائب الأيرلندى: أنتم تهاجمون تحت دعوى التخلص من حماس.. لماذا لاتعترف أن حماس لم توجد أصلًا حين اشتعلت الانتفاضة الأولى.. حتى منظمة التحرير الفلسطينية كانت فى الخارج ولم يكن لها تواجد فعلى.. لكن المواطن الفلسطينى البسيط انتفض لأنكم منعتم عنه كل حقوق الأساسية، لقد كان نظام فصل عنصريًا، وكانت العنصرية ذات رائحة نتنة كالمرض المستفحل".
هذا النائب ليس عربيًا بالطبع، لكنه مثل غيره، يجعلوننا نرى غربًا آخر لا علاقة له بأولئك المسؤولين، لكن القضية تبقى فى ما يمكن تسميته "الخلل الإعلامى".. وسط استثناءات قليلة، لا نقرأ ولا نسمع إلا التحيز الأعمى للجانب الإسرائيلى، فهل مسح هؤلاء الإعلاميون ذاكرتهم الصحفية وتخلوا بالتالى عن القواعد المهنية؟.
حسنًا، حان وقت تذكيرهم بحقائق يتعمدون تجاهلها.. ألا تعلمون أن إسرائيل احتلت كل الأراضى الفلسطينية عقب حرب ١٩٦٧، وألا تعلمون كم القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولى والتى تدين وترفض بناء المستوطنات الصهيونية فى الأراضى المحتلة؟ [القرارات كثيرة وأفضل أن ينشط هؤلاء الإعلاميون الغربيون ذاكرتهم ويعودوا إلى أرشيفهم، واكتفى فقط بالإشارة إلى قرار مجلس الأمن رقم ٢٣٣٤، المعتمد في ٢٣ ديسمبر ٢٠١٦، وحث فيه المجلس على وضع نهاية للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، ونص على مطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وعدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض المحتلة منذ عام ١٩٦٧.. حاولوا أن تتذكروا].. ثم ألا تشعرون بالخجل من أنفسكم وأنتم تتبعون منهج "الكيل بمكيالين" الذى كثيرًا ما هاجمتوه فيما يخص أوكرانيا تحديدًا بينما تغضون الطرف عن شعب فلسطين وكل "جريمته" أنه يدافع عن أرضه وعن وطنه وعن وجوده.
نحن العرب شعوب تسعى إلى السلام لكنها ترفض الاستسلام مثلما رفض الفرنسيون الاستسلام للألمان فى الحرب العالمية، فهل تنكرون علينا ما فعلتموه؟. ولأننا نحب السلام وافقنا على كل قرارات الشرعية الدولية.. بدايةً من القرار ٢٤٢ حتى الآن، وماكان من الطرف الآخر سوى رفض كل هذه القرارات والإصرار على سياسته المعروفة للجميع. لقد قبل الفلسطينيون والعرب حل الدولتين كحل مقترح للصراع العربي الإسرائيلي ويقوم على أساس دولتين في فلسطين التاريخية تعيشان جنبًا إلى جنب، هما دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل، واعتمد المجلس الوطنى الفلسطينى، بقيادة ياسر عرفات، هذه المبادئ في عام ١٩٧٤ وذلك بتعديل البرنامج المرحلى للمجلس، وأصبح هذا التعديل فيما بعد مرجعية المفاوضات في اتفاق أوسلو عام ١٩٩٣ بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.
ما تفعله إسرائيل الآن ليس جديدًا عليها، إذ فعلته على مر السنين.. لقد اغتالت ممثل الأمم المتحدة وصدر فى ذلك قرار رقم ٥٧ بتاريخ ١٨ سبتمبر ١٩٤٨ وأعرب فيه مجلس الأمن عن الصدمة العنيفة لاغتيال وسيط الأمم المتحدة في فلسطين الكونت فولك برنادوت "نتيجة عمل جبان اقترفته جماعة مجرمة من الإرهابيين في القدس" حسب نص القرار الأممى.. واعتمدت سياسة الترانسفير لتهجير الفلسطينيين والتى تحاول تنفيذها بدعوات ترحيل سكان غزة إلى سيناء وهى الدعوات التى ترمى إلى تصفية القضية الفلسطينية والمرفوضة من القادة العرب. ولعل قادة الإعلام الغربى لا يعلمون إن إسرائيل نفذت ذات هذا الأسلوب من القتل والتدمير عام ١٩٥٦ فى العدوان الثلاثى على مصر الذى شاركت فيه معها فرنسا والمملكة المتحدة، فقد دمرت كل ما يقابلها على أرض سيناء أثناء إنسحابها ووصل الأمر إلى تدمير الحدائق أيضًا بل أن فاقدى الإنسانية جمعوا عددًا من المدنيين البسطاء وأدخلوهم غرفة بمحطة السكك الحديدية بقرية اسمها "مزار" قرب العريش ثم فجروا الغرفة بمن فيها.. والوقائع كثيرة على انعدام الإنسانية لدى حكام إسرائيل.
ماذا يريد الإعلام الغربى المنحاز، بعد ذلك؟، هل نقتل بأيدينا أصحاب الأرض لترتاحوا ويرتاح قائد الحملة الجهنمية على غزة الذى أقرها فى اجتماع حكومة الحرب الإسرائيلية جو بايدن ومن يسير فى ركابه من الحكام الغربيين؟.. هل نقدم الورود لقتلة الأطفال ونستقبلهم على الرحب والسعة وهم القادمون من بلاد شتى؟.
أترك الإجابة لحدثين لهما دلالتهما الكبرى:
الحدث الأول، تلك الأغنية السويدية التى تحولت إلى ما يشبه الترنيمة يرددها كثيرون فى بقاع الأرض، وإذا كان أباطرة الإعلام الغربى لم يسمعوها فهذه بعض كلماتها (بعد الترجمة): تحيا فلسطين وتسقط الصهيونية/ تحيا تحيا تحيا فلسطين/ نحن زرعنا الأرض/ ونحن حصدنا القمح/ ونحن قطفنا الليمون/ وعصرنا الزيتون/ وكل العالم يعرف أرضنا.. إلى آخر كلماتها المعبرة عن تضامن شعوب العالم وإحساسهم بقيمة الأرض الفلسطينية.
الحدث الثانى، تلك المظاهرة العارمة التى شهدتها لندن، وكانت ضمن المتظاهرين سيدة تبلغ نحو الخمسين أو أكثر قليلًا من العمر، قادمة من بلدة برادفورد القريبة من مدينة ليدز غرب بوركشاير.. عندما سألتها المذيعة: لماذا أنتِ هنا؟.. قالت السيدة: أنا هنا للتعبير عن التضامن مع كل أبناء الشعب الفلسطينى الذين يتعرضون للقصف والحصار الإسرائيلى، على مدى كل السنوات الماضية.. نريد وقفًا فوريًا لإطلاق النار، نريد أن يتمكن الفلسطينيون من العيش فى حرية وسلام بنفس الحقوق الديمقراطية التى تتمع بها كل الشعوب الأخرى فى هذا العالم.. نريد إنهاء حصار غزة.. فلسطين يجب أن تكون حرة".. ثم.. كانت المفاجأة حين قالت السيدة: أنا أنتمى للدين اليهودى، وتراثى اليهودى يقول دائمًا "قف إلى جانب المظلومين.. لا تكن مع الظالم".. ماذا بعد سيدتى؟.. قالت السيدة اليهودية: أود أن أقول أن غالبية الصهاينة فى هذا العالم ليسوا بالضرورة يهودًا.. إنهم قادة الدول الغربية التى تزود إسرائيل بالسلاح لقمع الشعب الفلسطينى.. الآلاف منا نحن اليهود يرون أن إسرائيل هى دولة فصل عنصرى مليئة بالعنف والتطهير العرقى، وأن تكون مع الشعب الفلسطينى لا يعنى أن تكون معاديًا للسامية بل يعنى أن تكون إنسانًا".
انتهى كلام السيدة بريطانية الجنسية يهودية الديانة، فهل يمكن أن يتحلى الإعلام الغربى بقليلٍ من الإنسانية بعيدًا عن الصهيونية التى يجره إليها حكام الغرب؟.
محمود حامد: كاتب صحفى مصرى، مدير عام التحرير بمؤسسة «البوابة»، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الأهالى» المصرية سابقًا، نشط فى قضايا الدفاع عن الحريات، وعمل لفترة فى مجلس السلام المصرى.. يكتب عن رؤيته لما يحدث فى الغرب إزاء أحداث القتل والتدمير التى تجرى أمام أنظار العالم فى قطاع غزة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الإعلام الغربي رؤساء الدول والحكومات الأراضي الفلسطينية الحرب العالمية إسرائيل غزة أن تکون
إقرأ أيضاً:
تاريخهم فى الملاعب لا يُذكر.. أنصاف لاعبين يتنمرون على الكرة النسائية!!
فى مشهد يعكس غياب الوعى الرياضى، يتجرأ بعض اللاعبين محدودى التاريخ فى الملاعب على مهاجمة كرة القدم النسائية فى مصر، فى محاولة للنيل من هذه الرياضة التى تشهد تطورًا كبيرًا فى الآونة الأخيرة، هذه التصرفات تقلل من قيمة اللعبة وتؤثر سلبيًا على عزيمة اللاعبات، بل تسيء إلى روح المنافسة واحترام التطور الرياضيين، فكرة القدم النسائية ليست مجرد لعبة، بل رمز للإصرار والطموح الذى يستحق الدعم، وليس التنمر ممن لم يتركوا بصمة تُذكر فى عالم الكرة.
وبالرغم من التطور الذى شهدته كرة القدم النسائية فى الآونة الأخيرة، بمشاركة الأهلى والزمالك لأول مرة فى تاريخ اللعبة التى انطلقت عام ١٩٩٩، الأمر الذى ساهم فى زيادة عدد المتابعين نظرًا للشعبية الجارفة التى يمتلكها القطبين، إلا أن هناك بعض الأشخاص الذين مازالوا يرفضون فكرة ممارسة النساء لهذه الرياضية، مبررين ذلك بأنها ترتبط بالعنف والالتحامات والخشونة، وهى أمور تتناقض، حسب رأيهم، مع الصفات التقليدية المرتبطة بالنساء مثل الأنوثة والرقة، على الرغم من النجاح الذى تحقق خلال المواسم الماضية، مثل تنظيم دورى متكامل، وتفوق بعض الأندية، ووجود لاعبات ومدربين يستحقون التكريم، إلا أنه مع كل خطأ يحدث فى المباريات، يظهر البعض لرفع لافتات التهكم مثل المرأة مكانها المطبخ.
وتسببت تصريحات أحمد بلال، لاعب الأهلى الأسبق، التى أثارت استياء وغضبًا واسعًا بين العديد من اللاعبات والمشجعين للكرة النسائية، إذ كتب «بلال» عبر حسابه الشخصى على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»: «كرة نسائية إيه اللى بيلعبوها فى مصر.. دا الستات مبيعرفوش يطبخوا.. هيعرفوا يلعبوا؟»، وبعد هجوم واسع من متابعى الكرة النسائية، اضطر لحذف المنشور بعد دقائق من نشره، تصريحات أحمد بلال دفعت النجوم والمسئولين للرد عليه، وقال شادى محمد مدير جهاز كرة القدم النسائية: «للأسف وسائل التواصل الاجتماعى تستخدم النجوم بشكل خاطئ، وتقلل منهم ولا بد أن ينتبه النجم أو المسئول لكل كلمة يكتبها أو يقولها، وما يتردد من مقولة إن الست مكانها المطبخ وغيرها من الأقاويل هى دعابة غير لائقة ومصر فيها ستات وبنات كتير بـ ١٠٠ راجل، وتحملن مسئوليات كبيرة فى تنشئة وتربية أبطال ومهندسين وأطباء وعلماء، هناك لاعبة فى الأهلى عمرها ١٥ سنة وتتولى رعاية أسرتها البسيطة، كم امرأة تحملت مسئولية أولادها بعد وفاة زوجها ووصلت بهم لأعلى مكانة ممكنة؟».
واستشهدت دينا الرفاعى عضو مجلس إدارة اتحاد الكرة والمشرفة على كرة القدم النسائية، بالإنجازا التاريخى الذى يحققه فريق مسار «توت عنخ أمون» سابقًا، الذى فرض نفسه على الساحة الإفريقية بقوة، بعدما تأهل للدور نصف النهائى لبطولة دورى أبطال إفريقيا، ليصبح أول فريق مصرى يصل إلى هذا الدور، ومازال لديه الأمل والطموح فى بلوغ النهائى والمنافسة على اللقب، ليسطر تاريخًا جديدًا لكرة القدم النسائية.