ربما يكون المسلسل الأطول بالعالم، الذي تتواصل حلقاته وأجزاؤه على مدار أكثر من قرن، ويستمر عرضه للعام السادس بعد المائة، ليستحق عن جدارة «أوسكار» التراجيديا الأكثر وجعًا وإيلامًا في التاريخ الحديث والمعاصر.
إنه مسلسل «وعد بلفور»، الذي يحكي قصة «وعد مَن لا يملك، لمَن لا يستحق».. وعدٌ مصبوغ بذكريات مريرة ممزوجة بالألم والوجع والضياع، بدأ عرضه «رسميًا» في 2 نوفمبر 1917، وتتواصل حلقاته الآن بأكبر «مجازر وحشية وإبادة جماعية»!
تدور أحداث «المسلسل التاريخي الدموي»، حول سرد مؤامرة لفصل الروح عن الجسد، ومحاولة تغيير طبيعة الجغرافيا، وتشويه مسار التاريخ، بإحلال شعب من العصابات والمجرمين والغزاة المحتلين، مكان شعب نبتت جذوره منذ آلاف السنين على أرضٍ مباركة.
بطل المسلسل، وزير الخارجية «آرثر بلفور»، يُطل علينا في المشهد الأول، بتعهده رسميًا ـ نيابة عن حكومة بريطانيا ـ لشخصيات يهودية بارزة، بمنح اليهود وطنًا في فلسطين، على حساب أصحاب الأرض الأصليين الذين يشكلون 95% من تعداد السكان!
تستمر حلقات المسلسل ـ بأحداثه المؤسفة والمؤلمة ـ وتتشعَّب دون انقطاع، طوال أكثر من عشرة عقود، لتحكي أبشع مأساة إنسانية على مرّ العصور، كونها أساس النكبة وضياع فلسطين، ومقدمة مهَّدت لخلق كيان «صهيوني» وُلِدَ سِفاحًا!
ليس من قبيل المبالغة القول إن كلمة «وعد بلفور» هي إحدى الكلمات «سيئة السُّمعة»، والأكثر تداولًا في القاموس السياسي الشعبي «الفلسطيني والعربي والإسلامي»، على مدى أكثر من قرن، بعد أن مَنَحَ هذا «الوعد» فلسطين «وطنًا قوميًا لليهود بغير حق».. وكلما حلَّت مجزرة أو نكبة جديدة، أو اقترف الاحتلال «الإسرائيلي» المزيد من المجازر، يُكتفى فقط بلعن هذا التعهد المشؤوم!
إن «وعد بلفور» ليس سوى جريمة حربٍ مكتملة الأركان، وامتداد طبيعي لمخلّفات اتفاقية «سايكس ـ بيكو»، خصوصًا أن قوة تأثيره وامتداداته الزمنية مستمرة حتى الآن، بعد أن خلَّف وراءه أبشع مأساة إنسانية، وواقعَ لجوءٍ كارثيًا، لم يشهد له التاريخ مثيلًا!
وتتوالى فصول المأساة للمسلسل الدامي، بدءًا من مؤتمر سان ريمو، وصكّ الانتداب، وقرار لجنة بيل، ومؤتمر بلتيمور، ثم قرار التقسيم «181»،، كما تستمر حلقاته وأجزاؤه مع التقسيم، والنكبة، مرورًا بكامب ديفيد، ومدريد، وأوسلو، ووادي عربة، وكامب ديفيد 2، وخارطة الطريق، وبعدها «فك الارتباط»، ووعد بوش لشارون، وصولًا إلى وعود أوباما وترامب بمنح «إسرائيل»، اعترافًا متجددًا بأن «فلسطين هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي»!
أخيرًا.. تستمر الإثارة مع أحداث مسلسل «وعد بلفور» في مشاهده الأخيرة الدموية والعدوان المفضوح، على أنقاض تطبيع مجاني، وتهجير قسري وإلغاء حق العودة لملايين اللاجئين، وتغيير هوية القدس إلى مدينة «صهيونية» محاطة بأسوار وأساطير توراتية، لتبقى النهاية مفتوحة على نُذُر حرب شاملة، قد تُعَجِّل بزوال «إسرائيل».
فصل الخطاب:
يقول «محمد الماغوط»: «كنا أصحاب حق، فصرنا أصحاب سوابق».
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وعد بلفور نكبة فلسطين تهويد القدس غزة تنتصر محمود زاهر الاحتلال الإسرائيلى معبر رفح الغزو البري تهجير الفلسطينيين وعد بلفور
إقرأ أيضاً:
«برنامج أنتمي».. نموذج للابتكار في مختبر التاريخ الوطني
البلاد- الرياض
أبرزت دارة الملك عبدالعزيز خلال مشاركتها في فعاليات مختبر التاريخ الوطني، برنامجها” أنتمي” مقدمة أنموذجًا للابتكار في تقديم التاريخ الوطني بأساليب عصرية، تجمع بين التعليم والترفيه.
ويعرف جناح البرنامج بأهدافه وأبرز إنجازاته منذ انطلاقه في نوفمبر 2023، مع عرض مجموعة من المواد المرئية المبتكرة، التي تنقل الزوار في رحلة عبر عصور تاريخية بأسلوب ممتع وجذاب، وتشمل المنتجات البارزة” أنتمي كوميكس”، ومسلسل “يعرب”، وتطبيقات” رؤيتنا” و” ملوك السعودية”، و”بودكاست جلسة تاريخية”، إلى جانب العديد من المنتجات الجديدة المقرر إطلاقها في العام الجاري.
كما يشارك” أنتمي” في تفعيل مسابقة مسلسل” يعرب” على مسرح مختبر التاريخ الوطني، وهي مسابقة تفاعلية موجهة لطلاب وطالبات المرحلة الثانوية من زوار المختبر من الرحلات المدرسية، عبر سرد تاريخي للحضارات في الجزيرة العربية بأسلوب شيق يمزج الواقع بالخيال، ما يضفي طابعًا ترفيهيًّا وتعليميًّا على المسابقة.
ويهدف برنامج” أنتمي” إلى تعزيز الهوية الوطنية والتعريف بالتاريخ الوطني من خلال منتجات رقمية وغير رقمية؛ تستهدف مختلف الفئات العمرية، خاصة الناشئة واليافعين، بأسلوب مبتكر يمزج بين التعليم والترفيه. كما يسعى البرنامج إلى تقديم العمق التاريخي والثقافي والجغرافي للمملكة بأساليب تناسب روح العصر.
ويمثل برنامج” أنتمي” أحد أبرز نماذج الإبداع في مختبر التاريخ الوطني، حيث يسهم في تحقيق أهداف دارة الملك عبدالعزيز من خلال توثيق تاريخ المملكة بطرق حديثة ومبتكرة، متماشيًا مع رؤية المملكة 2030 التي تركز على تعزيز الهوية الوطنية، وإثراء المعرفة باستخدام التقنيات الحديثة.