باحثون وأكاديميون من 11 دولة يروون حضور العربية في بلدانهم
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
تجارب رائدة لجامعات أتاحت فرصة الاستكشاف والتعلم نتاجات معرفية وعلمية باقية في ذاكرة التاريخ الإنساني الدراسات في تركيا ركزت القواعد والتطور التاريخي الدين الإسلامي ساهم في نشرها بآسيا الوسطى وكازاخستان استخراج الكنوز الثقافية الثمينة ونقلها لأبناء المهاجرين
الشارقة: «الخليج»
أكد عدد من الباحثين والأكاديميين الأوروبيين، أن تدريس اللغة العربية في مختلف دول العالم، يهيئ بيئة خصبة للتفاهم والحوار، ويعزز قيم الأخوة والسلام العالمي، مشيرين إلى أن المعارف والعلوم التي قدمتها اللغة العربية كان لها أثر كبير ومباشر في تحقيق النهضة الحضارية في مختلف بلدان أوروبا، واستعرضوا تجارب رائدة لعدد من المراكز والجامعات الأوروبية التي أتاحت الفرصة لطلابها لاستكشاف وتعلم العربية.
جاء ذلك خلال فعاليات «مؤتمر الشارقة الدولي الأول لدراسات اللغة العربية في أوروبا»، الذي نظمه مجمع اللغة العربية بالشارقة في دارة الدكتور سلطان القاسمي، تحت عنوان «الدراسات العربية في أوروبا: واقعٌ وآفاق»، واختتم المؤتمر أعماله بمشاركة أكثر من 22 باحثاً ومتخصصأً من 11 دولة.
وفي كلمته حول المؤتمر، قال الدكتور امحمد صافي المستغانمي، أمين عام مجمع اللغة العربية بالشارقة: «يجسد هذا المؤتمر منصة عالمية فذة تترجم رؤية وتطلعات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي يجمع من خلاله أصحاب التجارب العالمية الرائدة في نشر اللغة العربية، للتشمير عن ساعد الجِد والعمل في مناقشة حاضر ومستقبل اللغة العربية بين بيتها العربي وإشعاعها العالمي، إذ يتجاوز المؤتمر كونه مجرد تجمع علمي عابر، إلى دليل عملي يؤكد الأهمية الاستراتيجية للغة العربية في العالم اليوم، وأن دورها في الحاضر والمستقبل لا يقل أهمية عن دورها التاريخي العظيم الذي استفادت منه مختلف حضارات العالم، وأثرى التراث العالمي بنتاجات معرفية وعلمية لم تزل باقية في ذاكرة التاريخ الإنساني».
وحول أهمية المؤتمر، تحدث الدكتور عبدالله الوشمي، الأمين العام لمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية قائلاً: «يندرج المؤتمر ضمن محاور السياسات اللغوية التي تُعنى برصد حالة اللغة العربية في العالم، وقد أعطت كلمة صاحب السمو حاكم الشارقة دفعة نوعية لأعمال هذا المؤتمر على مدى يومين، فنتطلع من خلاله إلى صدور مجموعة من التوصيات التي تتلاءم مع العمق التاريخي والجغرافي الكبير للغة العربية، ونعتقد أنها ستمثل إضافة كبيرة للجهود العربية في هذا السياق، ومن ضمنها إصدار مجمع الملك سلمان العالمي لموسوعة ضخمة عن تحديات اللغة العربية في العالم».
بدوره، قال الدكتور عبد الحافظ عبد الوهاب، الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالقاهرة: «يترجم هذا المؤتمر الإقبال الكبير الذي نشهده من مختلف دول العالم على تعلم اللغة العربية لأبنائها، وهذا ما يجعل من المؤتمر بيئة خصبة للحوار والتعاون والتواصل الحضاري، إذ رأينا من خلال الدراسات المتعمقة أن إتقان اللغة العربية من غير الناطقين بها عامل مؤثر في تعميق التواصل والتعارف، لأنهم تشربوا الثقافة العربية واستطاعوا أن يتعرفوا إلى أخلاق العرب وقيمهم، ومن خلال هذه المؤتمرات نسعى إلى توسيع رقعة المتحدثين باللغة العربية في العالم، وهو ما يجعل المؤتمر بداية لعملية مستمرة في فتح آفاق التعاون اللغوي مع مختلف قارات العالم».
جولة تاريخية
في جلسة بعنوان «تعليم اللغة العربية في فرنسا، كازاخستان، ألمانيا، وإسبانيا»، تحدث الدكتور محمد باخوش، من فرنسا، في مداخلة بعنوان «الأدب العربي القديم في جامعة إكس، مرسيليا، بين البحث والتدريس»، أشار فيها إلى أن قسم الدراسات الشرق أوسطية في الجامعة يعد واحداً من الأقسام المهمة لتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، وأن العربية تحظى بالقسط الأوفر فيه، حيث يهدف القسم إلى تأهيل الطلاب لدخول عالم التدريس، والبحث العلمي في المجالات المختلفة.
وفي مداخلة بعنوان «دور العامل الديني في نشر اللغة العربية على أرض كازاختسان»، تنقل الدكتور يركنبيك شوقاي مدير مركز الدراسات العربية بجامعة الفارابي الوطنية بكازاخستان، في جولة تاريخية أضاء من خلالها على تطور تعليم اللغة العربية في كازاخستان على مر العصور، مؤكداً أن للدين الإسلامي دوراً بارزاً وتاريخياً في نشر اللغة العربية وتعليمها بآسيا الوسطى عامة وكازاخستان خاصة، وأن القرآن الكريم أصبح منذ ظهور الإسلام مرجعاً ودافعاً أساسياً لتعليم اللغة العربية ومحفزاً على تعليمها.
وفي مداخلة بعنوان «البحث في موضوع التربية والتعليم في الإسلام الكلاسيكي»، تحدث الدكتور سيبستيان غونتر، أستاذ كرسي الدراسات العربية والإسلامية بجامعة غوتنغن بألمانيا، حول دور العلماء المسلمين الذين صنفوا في التربية والتعليم، والذين كانوا مدركين أهمية التعليم الفعال والميسور في مجتمعاتهم، واقترحوا تغيير الإطار التربوي من كونه محصوراً في نقل المعارف والمهارات، إلى كونه مادة ممتعة، ليصبح التعليم سائغاً ومسلياً للجميع.
أما الدكتور عبد الهادي سعدون، الأستاذ في جامعة مدريد المركزية كومبلتنسه، فأوضح في مداخلته التي حملت عنوان «الدراسات العربية والإسلامية في إسبانيا: اللغة العربية ما بين التجربة والواقع» أن الالتزام بتدريس اللغة العربية في إسبانيا بمعايير ومنهجية مدرجة في منطق التقنيات الجديدة والثورة الرقمية والفهم متعدد الأوجه للواقع المعاصر لمجتمعاتنا، يجب أن يصبح أولوية جميع القطاعات المشاركة في العمل على نشر اللغة العربية والثقافة في القارة الأوروبية، مؤكداً ضرورة النهج الذي يركز على التدريس المبتكر الذي يتكيف مع الحقائق والتقنيات الجديدة.
واقع الدراسات
في الجلسة الثانية، التي حملت عنوان «واقع الدراسات العربية في كازاخستان، تركيا، وإيطاليا»، قالت الدكتورة سامال توليوبايفا، أستاذ قسم الدراسات الشرقية في جامعة أوراسيا الوطنية في أستانا بكازاخستان: «ليس من الغريب أن يكون هناك وجود قوي للدارسات العربية والإسلامية في البلاد، فإنها وإن كانت تقع في أطراف العالم الإسلامي، فقد تحولت إلى جزء لا يتجزأ منه، بل وأسهمت في تطويره بشكل ملحوظ، وذلك على يد عدد كبير من العلماء ذوي الأصول المختلفة عرقياً، الذين انحدروا من هذه المنطقة المميزة جغرافياً وتاريخياً وحضارياً، وكانوا يؤلفون كتبهم باللغة العربية في شتى العلوم، الدينية منها واللغوية وغيرها من العلوم، مثل ابن سينا والبيروني والترمذي والبخاري والفارابي».
وفي مداخلة بعنوان «واقع الدراسات العربية في تركيا وآفاق تطويرها»، أشار الدكتور محمد حقي صوتشين، الأستاذ بجامعة غازي في أنقرة، أن الدراسات العربية في تركيا ركزت أكثر على قواعد اللغة العربية والتطور التاريخي لها، والمواد الصرفية والنحوية وتحقيق المخطوطات، وأن هناك تطوراً ملحوظاً في دراسات الأدب العربي الحديث بعد الثمانينات، مؤكداً أهمية العمل على تطوير المادة العلمية النوعية، أكثر من التركيز على الكم، وخاصة في مجال تدريس اللغة العربية التي تتميز بالثراء الكبير والغنى في المحتوى.
بدوره، قدم الدكتور جوليانو ميمين، من جامعة كالياري، ورقة بحثية تحت عنوان «جزيرة ساردينيا وعلاقاتها بالعالم العربي: تاريخ وواقع وآفاق»، أشار فيها إلى أنه على الرغم من دور جزيرة صقلية بوصفها جسراً إلى الثقافة العربية، فإن علاقات العرب مع جزيرة سردينيا لها تاريخ أقل وضوحاً، مؤكداً وجود آثار واضحة من تجليات اللغة العربية في جزيرة سردينيا، منها أسماء عدد من المدن والأماكن والقرى، مثل مدينة «أرباتاكس» إذ إن حرف «إكس» في الإيطالية ينطق بالسردينية «ش» أو «ج» ويبدو أن أصل الكلمة يعود إلى «أربعة عشر» وهو عدد يدل على ترتيب أبراج المراقبة الموجودة في سواحل الجزيرة.
«الاستشراق الإيطالي بين التاريخ والفيلولوجيا»، هو عنوان الورقة التي شارك بها الدكتور عقيل مرعي، الأستاذ المساعد في جامعة سيانا الإيطالية، والذي قسم من خلالها الاستشراق الإيطالي إلى أربعة محاور: الدراسات الفيلولوجية والأدبية، والدراسات التاريخية، ثم الدراسات الإسلامية، وأخيراً الدراسات الفلسفية، مشيراً إلى دور الترجمة في التأثير والتأثر والتعريف بالاستشراق، وأوضح أن بدايات الترجمة من العربية إلى الإيطالية ارتبطت بترجمة القرآن الكريم، أما الترجمة الأدبية فقد بدأت لأغراض تعليمية في مطلع القرن العشرين، حيث تضمنت مختارات من ألف ليلة وليلة، وبعض القصص الأدبية القديمة.
النهوض والارتقاء
حملت الجلسة الثالثة عنوان: واقع الدراسات العربية في النمسا، الدنمارك، روسيا وإيطاليا، حيث شاركت فيها الدكتورة فاطمة اغبارية، رئيسة منظمة «همسة سماء الثقافة» في الدنمارك، إذ أشارت إلى دور المنظمة في الحفاظ على اللغة العربية وجمالياتها في قلب الثقافة الأوروبية، والتي يتمثل دورها في النهوض بالعربية والارتقاء بها وخدمتها والحفاظ عليها من خلال استخراج ما تحويه من كنوز ثقافية وحضارية ثمينة، ونقلها إلى الأجيال القادمة من أبناء المهاجرين.
أما الدكتورة أليساندرا بيرسيكتي، أستاذ كرسي الدراسات الأنثروبولوجية في جامعة سيانا بإيطاليا، فتحدثت في محاضرة بعنوان «الدراسات الأنثروبولوجية في واقع الدراسات الإسلامية في إيطاليا.. نظريات القرابة في الأنظمة الاجتماعية العربية»، والتي كانت فرصة نادرة لاستكشاف مجال الأنثروبولوجيا في سياق الدراسات الإسلامية.
وفي كلمته خلال الجلسة، أكد الدكتور أومت فورال، من النمسا، أن المساجد والمراكز العربية أصبحت محطات مهمة لأبناء الجالية النمساوية، حيث تشكل هذه المراكز نواة حضارية تربط بين الأجيال المختلفة وتعزز الهوية الثقافية واللغوية للمهاجرين، مقترحاً إنشاء مجموعة من الكراسي التعليمية تُعنى بتدريس اللغة والثقافة العربية بين الأجيال الجديدة، وإقامة مؤتمرات دورية ومؤتمر سنوي عالمي في أوروبا كوسيلة فعالة لتعزيز التبادل الفكري والتواصل بين مختلف الجاليات والباحثين، وتسليط الضوء على منجزات الثقافة الإسلامية التاريخية والفنية في أوروبا وتعزيز التعاون الثقافي مع الشارقة وغيرها من المراكز الثقافية.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات اللغة العربية الشارقة الدراسات العربیة فی العربیة فی العالم اللغة العربیة فی فی أوروبا فی جامعة من خلال فی نشر
إقرأ أيضاً:
مختصون: «المعجم التاريخي» إنجاز يصون إرث لغة الضاد للأمة العربية
الشارقة (الاتحاد)
أكد مختصون ممن أسهموا في إنجاز المعجم التاريخي للغة العربيّة، على أهمية هذا المعجم الكبير باعتباره إنجازاً لكافة العرب، يحقق نقلة نوعية في توثيق اللغة العربية ويخدم الأجيال الحالية والمستقبلية، مشيرين إلى أنّ المشروع ضمّ فريق عمل يتكون من 780 مشاركاً من المحررين والمدققين والمشرفين والإداريين، من 20 مؤسسة عربية ما بين مجمع لغوي وجامعة ومركز، ليحقق توثيقاً شاملاً من خلال 127 جزءاً تحتوي على 12,141 جذراً و348,406 شواهد من القرآن الكريم والحديث النبوي والشعر والنثر، بمجموع يقدر بنحو 14 مليون كلمة.
جاء ذلك خلال مؤتمر خاص للإعلان عن إنجازات المعجم التاريخي للغة العربية، عقد ضمن فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب 2024، بمشاركة كلّ من محمد حسن خلف، عضو مجلس أمناء مجمع اللغة العربية، والدكتور امحمد صافي المستغانمي، الأمين العام لمجمع اللغة العربية والمدير التنفيذي للمعجم، والأستاذ الجامعي الدكتور محمد السعودي، مقرر عام الفريق الأردني، وبحضور أحمد بن ركاض العامري، الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب وعدد من رؤساء وممثلي مجامع اللغة العربية.
وأشاد المتحدثون بجهود صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على إنجاز مشروع المعجم التاريخي للغة العربية رغم التحديات التي واجهها، مؤكدين أن دعم سموه اللامحدود وتوجيهاته باستخدام أحدث التقنيات كان له الدور الحاسم في تسهيل وتسريع إنجاز المشروع، ما يعكس رؤيته الثاقبة للحفاظ على اللغة العربية وتطويرها، وإيمانه بأهمية هذا المشروع للأمة العربية جمعاء. وأوضحوا أن هذا الإنجاز يشكّل إرثاً لغوياً وحضارياً للأجيال القادمة ويضمن للغة العربية مكانة رائدة بين لغات العالم.
في مستهلّ حديثه، عبّر محمد حسن خلف، عضو مجلس أمناء مجمع اللغة العربيّة، عن فخره بهذا المشروع الذي يسهم في حفظ اللغة العربية وموروثها الثقافي. وبيّن خلف أنّ المعجم التاريخي ليس مجرد توثيق للكلمات بل هو تتبع لجذورها منذ استخدامها الأول في عصر ما قبل الإسلام وصولاً إلى العصر الحديث.
من جانبه، أوضح الدكتور امحمد صافي المستغانمي، الأمين العام لمجمع اللغة العربية والمدير التنفيذي للمعجم، أنّ الأمر الذي حال من دون إنجاز مشروع بهذا الحجم سابقاً تمثّل في ضخامته والحاجة إلى التقنيات الحديثة، التي وفّرت بدورها إمكانية تحقيق هذا الإنجاز في وقت قصير اليوم.
وأضاف: «الفرق بين المعاجم العامة والمعجم التاريخي يكمن في أنّ الأولى تضع معاني ودلالات كل كلمات العربية، في حين أن المعجم التاريخي يرصد تطورات هذه الكلمات من أول استخدام لها في النقوش والمخطوطات القديمة، وصلاً إلى العصر الحديث».
بدوره، تطرق الدكتور محمد السعودي، مقرر عام الفريق الأردني، إلى أهمية المعجم في خلق لغة مصطلحية جديدة في العلوم والفكر والثقافة، وأكد على الدور الأساسي للعلماء والخبراء الذين عملوا بجهد كبير لإنتاج هذا المعجم.
وأكد المتحدثون أن من أبرز أهداف المشروع نشر هذا الإنجاز بين الأجيال الشابة، حيث يتوفر المعجم التاريخي الآن من خلال تطبيق إلكتروني يسهّل البحث، إلى جانب موقع المعجم الإلكتروني وموقع مجمع اللغة العربية بالشارقة. ولفتوا إلى أن صاحب السمو حاكم الشارقة أطلق كذلك مشروع «المعجم GPT»، الذي يستخدم تقنية الذكاء الاصطناعي لتسهيل التعامل مع المعجم، ويتيح للجميع التفاعل والوصول إلى المعاني والمفردات بكل سهولة، ما يعزز من مكانة اللغة العربية ويجعلها متاحة للجميع بطرق عصرية.