موقف الجذري المتأرجح بين القول والفعل لوقف الحرب
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
حينما ننظر لمواقف القوي التي تقف خلف التغيير الجذري يتوجب علينا قراءة تصريحات الشيوعي بحكم أنه المتزعم لهذا الشعار و يتفق معه حول هذا الطرح حزب البعث العربي الأشتراكي وبعض لجان المقاومة أن لم يكن الجزء الأكبر منها وكذلك بعض القوي الديمقراطية وجزء من منظمات المجتمع المدني التي تري أن أطروحة التغيير الجذري لها الأولوية مما يجعلها تسبق أي دعاوي أخري لمناقشة إيقاف الحرب الشيئ الذي يعني أستمراريتها .
البيان الجماهيري الصادر من المكتب السياسي للحزب الشيوعي في 21 أكتوبر الجاري وبعد أن وضح المآلات التي وصل اليها حال السودان في ظرف الحرب أكد حقيقة أن " هذه الحرب أتت لتكرس الأستمرار في أنقلاب 25 أكتوبر الذي تمر ذكراه الثالثة هذه الأيام" . هذه جملة مفتاحية منقولة من البيان و أستنتاج سليم يؤدي الي وضوح رؤيا حول أنقلاب 25 أكتوبر الذي نفذته اللجنة الأمنية في القوات المسلحة والفلول التي أتت للأنقضاض علي حكومة الحرية والتغيير . الشيئ الذي ينفي عنها (الحرية والتغيير) تهمة الوجه الآخر للهبوط الناعم كما يشاع حيث لا يعقل أن تقوم اللجنة الأمنية منبع الهبوط الناعم بالإنقلاب علي نفسها؟ هذا الأستنتاج الصادر من الشيوعي أري أنه يصب في تقريب الشقة بين دعاة التغيير الجذري وقوي الحرية والتغيير في حالة النظر الي النصف الملئ من الكوب . الأخطاء التي تمت من حكومة قوي الحرية والتغيير رغم جسامتها لا ترقي الي مستوي الخيانة ولا تستدعي إشانة السمعة تجاه مشاركين حقيقيين في ثورة ديسمبر حيث أعتقلوا وشردوا وعذبوا وأسهموا ولو بقدر طفيف في التغيير إذا وضعنا مصلحة السودان الذي يتمزق حالياً هي العليا والمصلحة الحزبية هي الدنيا وليس العكس . ومواصلة لبيان المكتب السياسي كما ورد :( فالقرآر-المقصود قرار الحرب- يعبر عن نهج الحركة الإسلاموية وهدفها للأستمرار في الحرب ونهمها للسلطة بواسطة الحكم العسكري بديلاً لتسليم السلطة للمدنيين) . ليس في هذه الجملة الصادرة في بيان الشيوعي إيحاءً بأن هنالك مجموعات أو أحزاب سياسية تشارك الحركة الإسلامية جريمة الأستمرار في الحرب . المسئولية في إشعال الحرب تقع بكاملها علي الحركة الأسلامية مما يدحض الأتهام بأن أحزاب قوي الحرية والتغيير هي من أشعلت الحرب وتقف مع أستمراريتها .
إستناداً علي هذا الواقع وهذه البديهية التي تدعو الي توحيد الصفوف والإنخراط في العمل المناهض للحرب أضافة الي تصريحات وأطروحات الحرية والتغيير التي نفت في حيثياتها أي علاقة أو شراكة لها مع أي من مكونات القوات المتحاربة ، بل شددت علي قيام حكم مدني ديمقراطي ، تداعت قوي سياسية من بينها الحرية والتغيير وقوي مدنية ومنظمات مجتمع مدني وأفراد وممثلين للجان المقاومة لأجتماع تحضيري بأديس أبابا أنعقد الأسبوع المنصرم لمناقشة السبل لوقف الحرب وتوحيد كل المبادرات للأسهام بالمقترحات والآراء في سبيل أنقاذ ما تبقي من الوطن . علي حسب ما ورد الدعوة قُدمت للجميع وشملت كذلك قوي المعارضة المسلحة وتـأجل الإجتماع ليومين أملاً في لحاق هذه القوي المؤثرة للأشتراك في الإجتماع التحضيري . وبحكم التفاؤل المطلوب من كل دعاة السلم ، أعتقدت جازماً أن الحزب الشيوعي سيلحق بهذا الإجتماع الأ أن الأمل تبخر . حقيقةً لم أتفهم موقف الشيوعي . إذا كان موقفه قبل إنقلاب 25 أكتوبر مناهضاً لموقف الحرية و التغيير رغم الأختلاف معه الأ أنه يجد بعض القبول ، أما بعد أن أشتعلت الحرب في 15 أبريل برز واقع جديد بموجبه تغير الواقع السياسي والأجتماعي والأقتصادي والديمغرافي وبحكم الدياليكتيك يجب أخذ الواقع المتغيير الجديد في الأعتبار. الحرب أدخلت متغيرات كثيرة علي مجري الأحداث وأصبح وجود السودان في الخريطة الجغرافية مهدداً بالخطر، خاصة وأن الحرب وصلت الي 9 من ولايات السودان . إضافة الي أننا لا زلنا نعاني من فقدان جزء عزيز من الوطن ، وبكل مرارة وحسرة لم تكسبنا هذه التجربة الخاسرة الدروس والعبر .
الحزب الشيوعي السوداني بتاريخه المجيد في التحالفات ونضاله من أجل سعادة العمال والكادحين بكل أسف لم يري بعد المعاناة التي يعانيها عمال السودان ومزارعيه وما تبقي من شعب في فقدان للأرواح ونزوح وتشريد ونقص في الأموال والأنفس والثمرات . الذين يتمترسون حول الأطاري أو الجذري لا أشك في أنهم يقبعون خارج المناطق التي تدور في رحاها الحروب . وصلني مكتوب من صديق ( شيوعي ) يعيش بمنطقة تدور فيها الحرب لسبعة أشهر تفيد بأن أبنائه دخلوا في أضراب عن الطعام ورفضوا التخاطب مع والديهما وتدهورت حالتهم الصحية والنفسية لعدم مقدرة الوالد المادية الخروج بأسرته الي مكان آمن . وأخيراً وصلوا الي نقطة آمنه حيث وجدوا فيها أيجار منزل بمبلغ 700 دولار وهذا بعد أن تدخل الوسطاء في تقليل تكلفة الايجار، ولا زال المشوار أمامهم في إستخراج جوازات السفر والتحضير للخروج . هذا حال آلاف النازحين بالداخل ولا تكفي اللغة عن التعبير عن حالات العالقين . اليست هذه التراجيديا كافية بأن يشارك الشيوعي في أي منبر يدعو لوقف الحرب حتي وأن لم يكن مدعواً لحضوره . عدم المشاركة في تكوين جبهة موحدة لوقف الحرب الأ يعني ضمنياً الأسهام في أرتفاع عدد الضحايا؟
قبل إندلاع الحرب شعب السودان أشاد بتوجهات وتكتيكات الحزب الشيوعي حينما أجتمع مع السيد فولكر مندوب الأمين العام للأمم المتحدة ووضح له رأيه المعارض في تكوين حكومة مشاركة بين العسكريين والمدنيين. الشيوعي في ذلك الوقت الذي سبق الحرب أجتمع مع ممثل لقوي أجنبيه ، فما هو الذي حدا به أن يتخلف عن هذا الأجماع السوداني سوداني الذي أنعقد بأديس بابا؟ هل هو ما يطلق عليه التطرف اليساري؟ . هل للحزب الشيوعي رؤية مختلفة عن مجموع كل القوي الداعية لوقف الحرب ؟ من الاسلم أن نفكر في كيفية إيقاف هذا النزيف ومن ثم نبدأ في بناء جبهة وطنية صلدة لقيام حكم مدني ديمقراطي كخطوة تسبق مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية التي ينادي بها الشيوعي . لا الحرية والتغيير ولا تنسيقية القوي الديمقراطية والمدنية تمتلك شهادة بحث للأراضي السودانية حتي يتخلف الحزب الشيوعي ذو التاريخ السبعيني الذي سبق تكوينه وجود هذه الأجسام من المشاركة برأيه في أي منبر يخص أمر الوطن في الداخل أو الخارج . إضافة الي أن مخرجات إجتماع أديس أحتوت علي كثير من التوصيات والآراء المشتركة مع مطالب الحزب الشيوعي وقوي التغيير الجذري في الوصول الي حكم مدني ديمقراطي وتطبيق شعارات الثورة علي أرض الواقع . وبالضرورة أن كان رأي الشيوعي صواباً فيما يطرح سيجد من يدعمه ويسانده في هذه اللقاءات وسيعرف الشعب السوداني ضعف حجة من يقف ضد هذه الآراء . وهذه أرضية قد يكسب منها الشيوعي أكثر مما يفقد . هذا هو فن الممكن .
الحرب دخلت شهرها السابع كما نعلم ، هل لنا أن نسأل لماذا لم تتم دعوة من الشيوعي لعقد مؤتمر أسفيري تداولي أو أستشاري لعضويته لمناقشة وضع أستراتيجية للتعامل مع ظرف الحرب؟ اللجان القاعدية التي يشترطها الشيوعي لتكوين الجبهة العريضة تضم في عضويتها نشطاء ليسوا من المنادين بالتغيير الجذري . كيف يتم التعامل معهم وقبولهم في هذه اللجان ورفض أحزابهم ؟
وفي الختام ، أري ضرورة وقف الهجوم وإشانة السمعة والتخوين الغير مبرر الذي يصدر في بعض الأحيان من كتاب وصحفيين وحزبيين لهم أسهاماتهم في دحر الديكتاتوريات ، هذا في نهاية المطاف يصب ضد وحدة العمل المعارض لوقف الحرب ويترك آثاره السالبة للوصول لتحول مدني ديمقراطي.
لا للحرب ، ولا لمليشيات الجنجويد ولا للجيش اللجنة الأمنية
hamedbushra6@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحریة والتغییر التغییر الجذری الحزب الشیوعی لوقف الحرب
إقرأ أيضاً:
رسالة دعاة الحرب البلابسة والإسلاميين خاصة … هذه هي الحرب التي تدعون اليها
هذه هي طبيعة الحرب، ولا ينبغي أن نتفاجأ بشناعة الانتهاكات التي وقعت في الجزيرة بعد دخولها من قبل الجيش والمستنفِرين وكتائب البراء والقوات المشتركة. فالحرب ليست مناسبة لتوزيع الزهور أو المثلجات، بل هي رصاص يتساقط، وأزيز طائرات تحوم ، و أصوات مدافع وقنابل تتساقط.
الحرب تحمل رائحة الموت التي تنتشر في كل مكان، وتترك خلفها جثثًا ملقاة على جوانب الطرق. هي القتل بدافع الانتقام والتشفي، والاغتصاب، والنهب، والسلب، واستغلال الضعفاء والعزل.
لا أخلاق في الحرب، فالرصاصة التي تخرج من فوهة البندقية لا يمكن لأحد إيقافها أو توجيهها، ولا يعرف أحد إلى أي جسد ستستقر. الحرب فتنة، والفتنة نائمة، فليُلعن من يوقظها.
لقد أظهر الانتصار أن السودانيين يتشابهون في كل شيء، فلا يوجد فرق بين الدعم السريع والجيش، فكلاهما يمارس القتل ويبرر أفعاله بطريقته الخاصة. لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن العديد من الأرواح تسقط في المعارك، وتُفقد الكثير من الأجساد.
عندما كنا نتحدث عن بشاعة هذه الحرب، وأنها وحش يجب عدم إيقاظه لأننا لن نستطيع السيطرة عليه إذا استيقظ، اعتقد الكثيرون أن موقفنا كان ناتجًا عن نكاية في الجيش.
كلا الطرفين بشر يخضعون لنفس القوانين الإنسانية من انتقام وأنانية ورغبة في القتل والإفراط فيه.
فالقتل يجرّ القتل،
والكراهية تثير الكراهية،
والتشفي يؤدي إلى المزيد من التشفي.
فقط الدين هو الوحيد القادر على كبح جماح النفس البشرية، وللأسف، لا يتمتع الطرفان بقدر كبير منه، كما يتضح من الانتهاكات التي ارتكبها أفراد الدعم السريع، وكذلك الانتهاكات التي قامت بها الكتائب المتحالفة مع الجيش. ويمكن أن نضيف شهادة عبدالحي يوسف إذا كانت تعني شيئًا لبعض الناس.
يجب أن ندرك أن وجود أي كيان خارج إطار مؤسسات الدولة الأمنية المنضبطة أو القوات المسلحة يمكن أن يكون له تأثير مدمر على الأمن القومي في السودان.ان ما قام به الدعم السريع في غرب السودان في السابق، تكرر أمام أعيننا في الجزيرة، حيث كنا نشاهد الأحداث . كما أن ما قامت به الكتائب المناصرة للجيش بعد دخول مدني لا يختلف عما فعله الدعم السريع، وما ستقوم به القوات المشتركة في دارفور ضد القبائل العربية في المستقبل لن يكون أقل من الأفعال السابقة لطرفي الحرب .
إنها حلقة متسارعة من الأحداث التي ستستمر في التفاقم ما لم نعمل على كسر هذه السلسلة وإيقاف النار المشتعلة من خلال فصل عناصر مثلث الحريق: الإسلاميين، المليشيات، والجيش عن بعضها البعض.
ما حدث في الجزيرة يثبت للجميع أن وجود أي مجموعات مسلحة خارج إطار القوات المسلحة المنضبطة، بغض النظر عن ولائها أو خلفيتها العقائدية، هو بمثابة مشروع للفوضى الأمنية والقتل خارج إطار القانون، ولا يمكن التنبؤ بتصرفاتها. لذا، عندما رفضنا تسليح الناس وتشكيل المقاومة الشعبية، كنا ندرك تمامًا المخاطر المرتبطة بتلك الخطوة، وكنا نستشرف بعقولنا ما قد تؤول إليه الأمور، وقد رأينا بعضًا من ذلك بعد تحرير مدني.
و لقد أسمعت اذ ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي.
yousufeissa79@gmail.com