منفستو التنازلات في أعمال اللجنة التحضيرية للقوى المدنية المناهضة للحرب!
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
قد لا يكون تغيير اسم (الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديموقراطية)، المبادرة التي أطلقتها لجان مقاومة وأحزاب وتكوينات مطلبية ونقابات في 27 أبريل الماضي، إلى (تنسيقية القوى المدنية الديموقراطية - تقدم)، في اجتماعها التحضيري، في أديس أبابا، الأسبوع الماضي، خاليا من المغزى، فقد ظل الهدف العاجل والأهم حسب كلمة اللجنة التحضيرية الافتتاحية (هو إنهاء الحرب من خلال التجسيد السياسي والمؤسسي لشعار " لا للحرب"، وتوحيد أكبر قاعدة شعبية حوله لوضع حد لمعاناة الأطفال والنساء والشباب والشيوخ).
ووضع البيان التأسيسي للجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديموقراطية، الأصل، في مقدمة أهداف الجبهة (العمل على إيقاف الحرب فورا، واسكات صوت البنادق والسعي لتوفير الإحتياجات الإنسانية والصحية والخدمية والبيئية العاجلة للمواطنين والمناطق المتأثرة). غير أن الجبهة في أحدث تطوراتها، تعتزم القيام بدور سياسي أكبر، لا يقتصر على وقف الحرب وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين. فالقوى الديموقراطية المدنية والتي تنتظر أن تقوم إحدى الورش المقترحة بتطوير موقفها التفاوضي، ستتوسل بالتفاوض، أساسا وما يتصل بذلك من مساومات وتسويات لاستعادة الديموقراطية. وهو ما يفرض عليها تحديد موقفها من العديد من القضايا المثارة ذات الصلة.
في هذا الإطار يمكن ملاحظة أن التحضير لمؤتمر القوى المدنية المناهضة للحرب والذي أنهى أعماله في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، يوم الخميس، بعد خمسة أيام من المناقشات، قد نحا باتجاه إيجاد قواسم مشتركة للوحدة بين قواه، جديدة كليا ومختلفة تماما، عما استقر عليه الأمر سابقا، وما إنتهى إليه التداول العام وسط مختلف القوى السياسية والمدنية من خلاصات. إلى جانب ذلك، ينطوى المسعى
أيضا على تجاوز أهم موضوعات الخلاف الجوهرية، مرة أخرى والتي عطلت تلك الوحدة، ممثلة في الإتفاق الإطاري وما يتضمنه من بنود خلافية على رأسها الموقف من إعادة الشراكة بين المكونين المدني والعسكري، وهي حجر الزاوية في مشروعات التسوية، التي ظلت تسوقها القوى الإقليمية والدولية (الرباعية والثلاثية .الخ)، منذ 25 أكتوبر 2021.
نص إعلان المبادرة الأصلية، في واحد من بنودها التسعة على (رفض كافة أشكال التدخل الخارجي في الشؤون الوطنية، ما عدا المساعي الدولية العاملة من أجل وقف الحرب، وتوفير الغوث الإنساني، وإحلال السلام العادل)
في السياق، أيضا، تم تجاوز مخرجات الورش الخمس التي تناولت موضوعات الخلاف الجوهرية التي ينتظر حسمها والحاقها بالإطاري، لتكون الإتفاق النهائي بدلا من التأسيس عليها بعد مراجعة نقدية.
ومع ذلك، فقد تضمنت التوصيات التي حواها البيان الختامي لاجتماعات أديس أبابا، فقرة تتعلق بإعادة المناقشة (على نهج الورش)، لموضوعات جديدة منتقاة، لكنها تشمل أحد موضوعات الورش السابق، وهو الإصلاح الأمني والعسكري الذي أشعل خلاف المكون العسكري حول توصياته، شرارة حرب 15 أبريل.
وشملت التوصيات بند العدالة الانتقالية، بمعزل عن العدالة الجنائية، والتي يتصدر مطلوباتها مساءلة مرتكبي مجزرة اعتصام القيادة، وانقلاب 25 أكتوبر وما رافقه من مجازر، والحرب وتجاوزاتها، التي ترقى لمستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتحقيق العدالة للضحايا، وتسليم مطلوبي الجنائية الدولية ..الخ
وبالنتيجة، أسقطت التوصيات ضرورة مراجعة توصيات الورش السابقة، وفي مقدمتها اتفاق جوبا، ومخرجات ورشة قضايا شرق السودان، وتفكيك التمكين الإنقاذي.
وفي ضوء بعض التصريحات، التي صدرت من بعض قادة تحالف قوى الحرية والتغيير، العمود الفقري لجبهة القوى المدنية الديموقراطية، قيد التأسيس، حول ضرورة تقديم تنازلات (من إجمالي مطالب جماهير ثورة ديسمبر)، من أجل الوصول لتوافق يسمح بتفكيك أزمة البلاد، يمكن النظر إلى جملة ما إنتهت اليه مداولات اللجنة التحضيرية لوحدة القوى المدنية المناهضة للحرب، كحزمة من التنازلات المقترحة من قوى الحرية والتغيبر، لأجل التقارب والتوافق مع الطرف الآخر (في أزمة 25 اكتوبر 2021).
بهذا المانيفستو الحاشد بالتنازلات، للتوافق مع أطراف أزمة 15 ابريل 2023 و25 أكتوبر 2021، تبدو جبهة القوى المناهضة للحرب، قيد التكوين، وكأنها تضع عينيها على كراسي الحكم كأولوية، وتبحث عن مكان لها في التسوية القادمة كواجهة لطموحات بعض القوى المتطلعة للعودة للحكم، بأي ثمن أكثر من اهتمامها بحشد الشعب وتعبئته لمحاصرة الحرب، وإطفاء نارها، كهدف مقدم ذي أولوية مطلقة.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى المدنیة
إقرأ أيضاً:
الديموقراطية نبراس الحقيقة
التوازن قد يرقى ليكون سنة إلهية، وقانونا كونيا يضع الأمور فى نصابها الصحيح، ويبعدها عن المغالاة، لكى يكون فى مقدور كل حالة أن تقاس وفق قدرها بحسب السن والجنس ومرحلة النمو والهدف وحجم المنفعة والاستقلالية بما يمكنها من تقدير العواقب والحرص على بناء علاقة سليمة تضفي عليها المرونة وتبعدها عن التحديات والتقلبات. وتأتى الديموقراطية تتصدر الواجهة بوصفها الملكة المتوجة بالنسبة للجميع، وأكثر مكتشفات الإنسانية بالتصديق والولاء.
ما أحوجنا اليوم إلى تطبيق الديموقراطية النزيهة كشكل من أشكال الحكم، ومرجعا أساسيا للجميع لحماية حقوق الإنسان بوصفها توفر البيئة الملائمة لحماية هذه الحقوق وتفعيلها بصورة ايجابية. واليوم وبعد مضي فترة على تحقيق الديموقراطية في مختلف أنحاء العالم قد يبدو للبعض أن هناك أنظمة تتراجع عن تطبيقها، وهو الأمر الذى يكون له انعكاساته السلبية على المجتمع لا سيما وقد اعتاد عليها الإنسان ويتشبث بها كمعيار بالغ الأهمية بالنسبة له.
ولا يغيب عن أحد الدور الذى تقوم به الديموقراطية فى مجال دعمها للاقتصاد الوطني من خلال تعزيزها للاستثمار وتشجيعها على الابتكار بما يؤدى إلى تحسين الاقتصاد، وتحقيق المساواة والعدالة في المجتمع. كما أنها تكفل حقوق الإنسان وحرياته العامة وتحميها من أية انتهاكات قد تتعرض لها. وتتميز الديموقراطية بالسياسات التي تنتهجها يتصدرها البعد الكامل عن سياسة الاضطهاد، والتغول على الأفراد وإجبارهم على التعايش في ظل مناخ ديكتاتورى بعيد كل البعد عن حرية الاختيار.
تعد الديمقراطية الاجتماعية فلسفة سياسية واجتماعية واقتصادية داخل الاشتراكية التي تدعم بدورها الديموقراطية السياسية والاقتصادية كنظام سياسي وصفه الأكاديميون بأنه يدعو إلى التدخل فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية لتعزيز العدالة الاجتماعية فى إطار نظام حكم ديموقراطى ليبرالى.. ولعل المعنى الحقيقي لمفهوم الديموقراطية هو أنها تعد القيمة المشتركة للبشرية جمعاء ليظل المعنى الحقيقى لها يتمثل في كونها أفضل وسيلة يتم معها التوافق للتنسيق بين طموحات ومطالب المجتمع بأكمله، وصنع قرارات تتوافق مع مصالح الشعب طويلة الأجل. ولا شك أنها تجسد أيضا أهمية بالغة بالنسبة لتعزيز كرامة المواطن وحريته من خلال توفيرها للقوانين والسياسات التي يتصدرها الحق في المساواة بالنسبة للجميع.
إنها الديمقراطية التى يتعامل بها الأفراد فى المجتمع مع بعضهم البعض بعيدا عن إطارها الحكومى، فهي الديموقراطية التى تحمل فى طياتها كل المعاني التي تطورت عبر الأجيال بفعل التغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية والعلمية. هى الديموقراطية التى ما زالت تنبض فى شرايينها روح القيم والفضائل والأخلاق. هى ديموقراطية السلوك والموقف الذي يخدم مصلحة الفرد والجماعة بدون أى تعارض.إنها الديموقراطية التى ينبغى على أفراد المجتمع الأخذ بها موازاة مع الأنظمة لتحقيق توافقية داعمة لما يقوم به المواطن وما يرنو إليه النظام لكى تمارس بشكل اعتيادى وتلقائى من قبل الجميع، ليجرى التعامل مع بعضهم البعض بنفس المبادئ والأسس تحقيقا لمعاني الحرية والمساواة والمشاركة فى اتخاذ القرارات والتقيد بالقواعد والقوانين من أجل إعلاء العدالة الاجتماعية وترسيخ الحقوق والواجبات سعيا وراء الصالح العام المشترك.