مع دخول الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شهرها السابع، يواجه اقتصاد السودان فاتورة ثقيلة في ظل تعطل الإنتاج والتصدير وتهاوي قيمة العملة المحلية، بالإضافة إلى زيادة معدلات انعدام الأمن الغذائي الحاد لملايين السكان.
وقال خبراء لـ"الشرق" إن السودان فقد مليارات الدولارات جرّاء الحرب، موضحين أن الدمار الذي طال كل شيء لا يسمح بإحصاء كل الخسائر.

ومع ذلك اعتبروا أن الخروج من الأزمة الحالية "ممكن" شريطة وضع برنامج اقتصادي متكامل تنفذه حكومة كفاءات تحظى بدعم دولي.
وأكد وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم لـ"الشرق" تراجع إيرادات البلاد إلى أقل من الثلث، موضحاً أن الاقتتال أثر في حركة الصادرات، خاصة من الأقاليم الغربية، فضلاً عن زيادة الطلب على العملات الأجنبية بعد توقف المصانع عن العمل.

وقال إبراهيم إن "استمرار الحرب لا يسمح بإحصاء دقيق لكل الخسائر"، مشدداً على أن "الدمار طال المصانع والشركات والمرافق العامة والبنوك وغيرها"، ولفت إلى أن عمليات النهب "طالت ممتلكات عديدة في المناطق التي تشهد مواجهات مسلحة".

وفيما يُحصي السودانيون خسائرهم، تتواصل المساعي الإقليمية والدولية لوضع حد للأزمة الراهنة. وأعلنت وزارة الخارجية السعودية، الأحد، عن بدء محادثات بين القوات المسلحة السودانية وقوات "الدعم السريع" في مدينة جدة، تتركز على 3 بنود محددة، وهي: "تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية"، و"تحقيق وقف إطلاق النار وإجراءات بناء الثقة"، و"إمكانية التوصل لوقف دائم للأعمال العدائية".

وأدى النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل إلى سقوط أكثر من 9 آلاف قتيل، وفق حصيلة للأمم المتحدة التي أشارت إلى نزوح نحو 6 ملايين شخص داخل البلاد أو إلى دول مجاورة.

خسائر الصناعة والتصدير
ولا يستبعد رئيس اتحاد الغرف الصناعية السودانية أحمد عبيد أن تبلغ خسائر الاقتصاد الوطني من الحرب مليارات الدولارات. ويوضح لـ"الشرق" أن "كل المنشآت الصناعية الموجودة في الخرطوم تمت استباحتها ونهبها وتدمير بنيتها التحتية ونهب حتى المنتجات الجاهزة"، مضيفاً أن أجزاء من ماكينات الإنتاج لم تسلم من ذلك، فضلاً عن احتراق مصانع بالكامل بسبب القصف. وفي نبرة أسى يقول: "نتحدث عن آلاف المصانع".

وأشار عبيد إلى أن منشآت صغيرة تعمل في مجال التعبئة تحاول نقل أعمالها إلى خارج العاصمة السودانية الخرطوم. لافتاً إلى أن اتحاد الغرف الصناعية قدّم مقترحات إلى وزارة المالية بهذا الخصوص، منها تقديم إعفاء جمركي لبعض المصانع التي تحاول العمل من خارج البلاد، مستدركاً: "لكن الاقتراح قوبل باعتراض المستوردين".

ويقول المدير التنفيذي لغرفة المُصدّرين السودانيين محمد الحسن عبد القادر، لـ"الشرق"، إن هناك محاصيل من غرب السودان لم تُصدَّر منذ أبريل، بينما تأثرت صادرات الماشية، وغابت اللحوم المبردة والفواكه والخضر عن دفتر تصدير المنتجات السودانية إلى الخارج، متأثرة بتداعيات الحرب على مصانع تجهيز وتجميع اللحوم والخضر والفاكهة بالخرطوم.

احتياجات الموسم الزراعي
وخلال أكتوبر الجاري، قال وزير الزراعة السوداني أبو بكر عمر البشرى إن القطاع الزراعي بحاجة إلى دعم طارئ لعملية حصاد 36 مليون فدان تمت زراعتها في الموسم الصيفي، منبهاً إلى أن "حصاد هذه الأراضي يتطلب مستلزمات متنوعة، في مقدمتها مواد بترولية بقيمة تبلغ 4 ملايين دولار، فيما يحتاج الموسم الشتوي إلى مواد بترولية، وأسمدة، ومستلزمات أخرى، بقيمة تعادل 370 مليون دولار.

وأشار اتحاد منتجي الدواجن في السودان إلى خروج جميع مزارع الدواجن في الخرطوم عن العمل بسبب الحرب.

تضرر أسواق المال
من جانبه، قال مدير إدارة الإشراف على الأسواق بسلطة تنظيم أسواق المال محمود فاروق عبد الحليم لـ"الشرق" إن الشركات المدرجة في سوق الخرطوم للأوراق المالية تضررت نتيجة تدمير كامل أو جزئي لمقراتها أو أنشطتها في الخرطوم والولايات، مشيراً إلى أن سلطة تنظيم أسواق المال اضطرت إلى تعليق التداول في جميع الأوراق المالية المدرجة حتى إشعار آخر.

وأوضح عبد الحليم أن "المساهمين والمستثمرين في سوق الخرطوم للأوراق المالية غير قادرين حالياً على تداول ممتلكاتهم في البورصة كأسهم الشركات المساهمة العامة والشهادات الحكومية، بالإضافة إلى وحدات الصناديق الاستثمارية التي تضرر نشاطها بسبب الحرب أيضاً.

وأضاف أن العمل على افتتاح بورصة المعادن توقف بعد اندلاع الصراع، بالرغم من أنها "كانت على عتبة التدشين بعد تجهيز المبنى ونظام التداول".

وتوقع صندوق النقد الدولي، في تقرير حول آفاق الاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا، انكماش إجمالي الناتج المحلي في السودان بنسبة 18% خلال عام 2023، وهي أكبر نسبة تراجع في تاريخ الاقتصاد السوداني.

برنامج اقتصادي
ورغم ما تبدو عليه أزمة الاقتصاد السوداني، يتمسك أستاذ الاقتصاد بجامعة السودان محمد الناير بالتفاؤل، ويقول لـ"الشرق" إن الخروج من الأزمة الحالية "ممكن"، لكن "شريطة وضع برنامج اقتصادي متكامل تنفذه حكومة كفاءات تستطيع الاستفادة من الموارد السودانية من الأراضي الزراعية، والثروات المعدنية، مع حشد الدعم الدولي اللازم لها".

ويشير الناير إلى أن 14 ولاية من ولايات السودان لم تتأثر بالحرب الجارية بطريقة مباشرة "يمكن الاستفادة من وضعها الآمن في عملية الإنتاج".

بورتسودان-الشرق- أحمد العربي  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: إلى أن

إقرأ أيضاً:

وزير خارجية السودان لـ “الشرق “: لن نشارك في أي اجتماعات خارج منبر جدة

قال وزير الخارجية السوداني علي يوسف، السبت، إن السودان لن يشارك في أي اجتماعات خارج نطاق منبر جدة، وأنهم ليسوا معنيين بـ"اجتماعات جنيف"، ولا بالمشاركين فيها، مؤكداً على ضرورة العودة إلى نفس المسار.

وأكد وزير الخارجية لـ"الشرق"، على أن السودان مستعد للعودة إلى منبر جدة، إذا تم العمل على تنفيذ مخرجات الاتفاق، مشيراً إلى أنه أبلغ المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة رمطان لعمامرة بهذه الرغبة.

وأشار يوسف إلى أن المبعوث الأممي "يعلم أن اجتماعات جنيف ومن يشارك فيها لا يجدوا اهتماماً من جانبنا"، مشدداً على أن مخرجات جدة هي المسار الذي يجب أن تكون العودة من خلاله.

وأضاف: "نحن وضحنا للمبعوث الأممي استعداد السودان العودة لمنبر جدة، عند تنفيذ مخرجات الاتفاق الذي تم سابقاً، ودون ذلك لن يشارك السودان في أي اجتماعات تعقد خارج هذا الإطار"، مشيراً إلى أنه اجتمع مع المبعوث الأممي لبحث سبل تحقيق السلام.

من جانبه قال المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان رمطان لعمامرة لـ "الشرق"، إنه تم الاتفاق مع وزير الخارجية على أن تكون منهجية العمل وفق الأطر والممارسات الدبلوماسية، مشدداً على أهمية العمل تجاه القضايا التي تشغل السودانيين، مؤكداً على ضرورة أن تكون لدى كافة الأطراف الرغبة في إيجاد الحلول.

وأشار لعمامرة إلى أنه بعد الفراغ من الاجتماع بوزير الخارجية السوداني لديه جدول أعمال، يهدف إلى عقد لقاءات مع عدد من المسؤولين لمناقشة بعض الآراء التي تصب في صالح الملف.

محادثات جدة
واستضافت مدينة جدة محادثات برعاية سعودية أميركية العام الماضي، توصل من خلالها الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لاتفاق يقضي بحماية المدنيين، وإيصال المساعدات الإنسانية، وإعلان أكثر من هدنة، إلا أن حدوث خروقات متعددة لوقف النار دفع الرياض وواشنطن إلى تعليق مفاوضات جدة في ديسمبر الماضي.

وكانت الجلسة الافتتاحية لمفاوضات جنيف انعقدت في أغسطس الماضي، بحضور شركاء الوساطة الدوليين، الولايات المتحدة وسويسرا والسعودية ومصر والإمارات والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، فيما غاب الجيش السوداني عن المحادثات.

وجاءت هذه المفاوضات بناءً على دعوة أميركية في يوليو الماضي، لكنها شهدت غياب وفد عن الجيش السوداني المتمسك بتطبيق "إعلان جدة" الذي تم التوصل إليه في مايو من العام الماضي، فيما شارك وفد قوات الدعم السريع، في الاجتماعات.

وأكدت الحكومة السودانية في بيان، على "تمسكها بمخرجات اتفاق جدة"، معربةً في الوقت نفسه على "انفتاح السودان للحوار وفقاً لذلك".

وذكرت وزارة الخارجية السودانية، في يوليو الماضي، عندما وجهت الولايات المتحدة دعوة لحضور مفاوضات جنيف من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار في البلاد، بأن أي مفاوضات قبل تنفيذ "إعلان جدة" الذي ينص على انسحاب شامل لقوات الدعم السريع ووقف التوسع "لن تكون مقبولة."

وأوضحت الوزارة في بيان أنها أشارت في ردها على مبادرة واشنطن إلى ضرورة التشاور المسبق مع الحكومة السودانية بشأن شكل وأجندة أي مفاوضات والأطراف التي تشارك فيها أو تحضرها، مع التأكيد على أن يكون "منبر جدة" وما تم فيه من "اتفاق هو الأساس."

بورتسودان/ دبي-الشرق  

مقالات مشابهة

  • وزير خارجية السودان لـ “الشرق “: لن نشارك في أي اجتماعات خارج منبر جدة
  • صمود غزة يفتك بـ “اقتصاد الكيان الصهيوني”
  • أفتيته” يبحث مع وزيرة الشباب والرياضة السودانية تعزيز التعاون الرياضي بين ليبيا والسودان
  • أستاذ اقتصاد بجامعة لندن: لا تنمية دون استقرار سياسي في الشرق الأوسط
  • خبير اقتصاديات الطاقة: أزمة الشرق الأوسط تضرب اقتصاد العالم كله
  • أستاذ اقتصاد: لا تنمية دون استقرار سياسي في الشرق الأوسط
  • شاهد بالفيديو.. مع وصلة رقص مثيرة.. التيكتوكر السودانية رندا خليل تضع صور قادة الجيش “البرهان وكباشي والعطا” والعلمين السوداني والمصري في مدخل شقتها بالقاهرة
  • السودان: “المالية” تشكل لجنة فنية لطوارئ الدفع الإلكتروني
  • وزير الخارجية الأمريكي: نحن نتحمل مسؤولية وقف المعاناة وإنهاء هذه الحرب ودعم الشعب السوداني
  • في جلسة لمجلس الأمن.. السودان يكشف بالأدلة عن شحنات سلاح مضطردة من الإمارات للدعم السريع ومهابط سرية لطائرات داخل السودان ويدفع مطالب عاجلة ويعلن عن “خطة” فيديو