جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-01@09:20:21 GMT

الاستعمار الجديد

تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT

الاستعمار الجديد

 

عائشة السريحية

للأسبوع الرابع على التوالي، وغزة تمحى رويدا رويدا من الخارطة، وسط غليان الشعوب ومحاولات دولية، لإيجاد نصف حل لإيقاف نزيف الدم دون جدوى.

تعدت القضية الفلسطينية كونها أمرا عقديا، أو دينيا، أو حتى قوميا، فالقضية رغم تحولها لمسألة إنسانية بحتة، إلا أن هناك أمرا جللا يشي بالحدوث. كانت غزة تقصف كل حين، وتنتهك الإنسانية كل عام، فتلقى تعاطفًا على مستوى محدود، دون أن يلتفت إليه أحد رغم مغبة الظلم الواقع عليهم.

لكن هذه المرة حين صرخ العدو المحتل، تجاوب معه العالم الغربي مندفعاً بالمساندة والدعم وتحريك الأساطيل العسكرية التي لم نشهد لمثل هذا الحشد من قبل، أي أن الأمر أخذ بعدا أعظم من أن يكون دينيا، برسالة واضحة لمخطط كبير، وسط عالم يدعي تبني نظاما علمانيا وديمقراطيا، قام بسجن وتغريم كل من يتعاطف مع قضية فلسطين، وانجرت بعد ذلك بعض الدول العربية التي أدانت واستنكرت ما فعلته المقاومة، دون النظر لما قبل السابع من أكتوبر.

إن الصهاينة ومنذ ما يُسمى بالهولوكوست قد وضعوا خطة طويلة المدى، لتأسيس اللوبي الصهيوني ليسيطر على مواقع المال والنفوذ في أمريكا ودول أورووبا، والسيطرة على دول الشرق بمصيدة التطبيع.

كانت خطتهم تحتاج للوقت حتى يتمكنوا من تحقيق الهدف، واعتمدوا على حصول مكسب صغير في كل مرة إلى أن وصلوا للمكسب الكبير، وما زالت خطة جمع المكاسب الصغيرة قائمة، ولم يكتفوا فقط بالتركيز على المال والتجارة، فخصصوا ميزانية كبرى للتحكم بالسياسة الغربية، وفرض توجهها وإن كان منافيا للأعراف الدولية، وعلى سبيل المثال يتحدث المحللون والسياسيون عن أن اللوبي الصهيوني، يقدم الدعم المالي لهم في الحملات الانتخابية مهما كانت الفاتورة، ليصلوا إلى مجلس الشيوخ، ويقول المحللون إن معظم تمويلات الحزبين الديمقراطي والجمهوري هي أموال صهيونية مقابل استمرار الدعم الصهيوني.

ناهيك عن الذين استثمروا أموالهم من أصحاب النفوذ السياسي، أو بالأصح منحوا حق الاستثمار في تل أبيب، وعدة دول أخرى وطمحوا في بناء شراكات اقتصادية، بعد السيطرة على أرض فلسطين، خصوصا بعد المتغيرات الجديدة في العالم من قيام تحالفات شرقية تقودها روسيا والصين، وبالذات بعد مبادرة "الحزام والطريق"، التي تحاول الولايات المتحدة إفشالها، وعزمها التخطيط لبناء طريق آخر تكون إسرائيل أهم طرف فيه؛ حيث يتم دمجها مع الدول العربية، وكان هذا الأمر مخطط له مع بعض دول المنطقة لتقوية النفوذ الأمريكي، كإفشال وتعطيل للنفوذ الصيني الذي يتوغل في الشرق الأوسط، وهذا الأمر يتعدى كونه أمرا تنافسيا في الاقتصاد أو الاستثمار، وإنما هو أمر سياسي وعسكري بالدرجة الأولى.

لكن أي استثمار لابُد وأن يتحقق له شرط الأمن والاستقرار، فكانت دعايات "القبة الحديدية" والدفاعات العسكرية وقوة "الجيش الذي لا يقهر"، مفتعلة من أجل إثبات أن إسرائيل دولة آمنة، وهذا ما اتضح زيفه، عقب أحداث السابع من أكتوبر؛ بل إن كثيرا من الصحفيين والناشطين الحقوقيين عند زيارتهم للأرضي المحتلة قبل الأحداث الجارية، وجدوا على أرض الواقع مؤشرات انفجار الوضع، الفصل العنصري، والتنكيل بالفلسطينيين، وعرفوا أن إسرائيل مهددة بانفجار الوضع وقلب المعادلة.

وعلى ضوء الدعاية الزائفة، كانت أمامهم عقبتان ليصبحوا القوة المهيمنة في الشرق الأوسط؛ الأولى: وجود أهل الأرض الحقيقيين، ومن ثم لا بُد من تهجيرهم أو قتلهم، والعقبة الثانية: عملية التطبيع التي حاولوا أن يوقعوا فيها عددا من الدول العربية، وما هي إلا مصيدة مؤجلة للمستقبل.

الحكومات حين تُطبِّع فإنَّ الشعوب بشكل الغالبية العظمى لن تُطبِّع، وسيحتاج الأمر لعقود من الزمن تسعى فيه الحكومات لجعل الأمر عاديًا، إلّا أن مسألة التطبيع هي أمر غير حقيقي، طالما والقضية الفلسطينية على قدر الطبخ تارة يرفعون تحته النار وتارة يخفضونها، وبعد أكتوبر، أغرق مخطط إسرائيل في الوحل، وبعثت الروح من جديد في القضية الفلسطينية، بل ونسفت كل الجهود المبذولة في التطبيع، وقلبت الرأي العالمي الذي دفع العدو مئات مليارات الدولارات ليكون هو المصدر الوحيد لنقل الخبر وإخفاء الحقيقة، فسعوا لبروبغندا جديدة وهي شيطنة حركات المقاومة، وجعل الحرب تنحى منحى صراع بين النور والظلام حسب زعمهم.

ولو كان دينيًا، لما رأينا طوائف يهودية أبرزها يهود نيويورك الذين تظاهروا بما يزيد عن عشرة آلاف يهودي ضد الصهيونية؛ الأمر ببساطة خلق قوة مسيطرة ومهيمنة داخل الشرق الأوسط تستخدم خطة طويلة المدى، تبدأ أولًا بإنهاء القضية الفلسطينية، ثم توسيع نطاق دولة الاحتلال، وشرعنة كل ما ستقوم به من اعتداءات مستقبلية حتى مع دول التطبيع، بتهمة الدفاع عن نفسها وهذا تجلى في هذه العبارة مرارا وتكرارا، وكأنها اليد العليا على القانون الدولي والتشريعات، لذلك فدول الشرق الأوسط ليست بعيدة جدا عن الاستعمار الصهيوني القادم، وهم يعدون الخطة لذلك، ولكننا لم ندرك أو نفكر بالمستقبل البعيد نظرا لأننا تعودنا على التفاعل مع آنية الأحداث، فمنح إسرائيل حق امتلاك مفاعل نووي ليس بالأمر الذي يمكن لأي مفكر تمريره بسهولة، والاستيطان المستمر الذي تنتهجه غير آبهة بأي أعراف دولية أيضًا لا يمكن تمريره، واختلاق الصراعات الداخلية في الدول العربية لخلق زعزعة الأمن وضمان التفتت وعدم الاستقرار وجر دول المنطقة للصراع العربي العربي أو الإسلامي الإسلامي، من خلال تعظيم الخلافات العقدية والمذهبية، أيضاً أمر لا يمرر.

الاستعمار الصهيوني الجديد يبني مستعمراته إما استعمارا ناعما بحيث يكون هو الحاكم الفعلي للأنظمة السياسية والسيطرة على الثروات لصالحها، وإما الاستعمار من خلال القوة بأي ذريعة كانت.

ولو أن هذه المعطيات والمؤشرات تم تجاهلها ولم يتم اتخاذ التدابير الوقائية من الآن سنجعل الأمر مرهونا على ما سوف يظهر مستقبلا، وحينها سيكون الأمر قد خرج من بين أيدينا.

إن بداية الاستعمار الناعم والذي كان يتسرب من بين أيدينا من خلال الترويج الكبير للدعاية الصهيونية وإقصاء قضايا الأمة، والترويج لمجتمعات المثليين ومحاربة كل من يعارضهم، وخلق منظمات إرهابية ودعمها بالمال والسلاح من تحت الطاولات، وكذبة وأهمية التطبيع كان عاملاً لتمييع الأفكار والأخلاق مع الزمن، وانحلال الهوية والتراث اللامادي.

ولعلَّ مواجهة الاستعمار الناعم، تحتاج قوة ناعمة مضادة، تحافظ على الثوابت والمعطيات الأخلاقية والوطنية والدينية بالقدر الذي يمنع أي مجال للاختلاف الطائفي أو المذهبي؛ حيث يعد أخطر سلاح قد يستخدمه العدو للتفكيك الداخلي، والسلاح الآخر هو القبلي والجهوي، لبث الفرقة والتعنصر.

كما إن استيراد البضائع المجهولة المصدر، والتي يتم إعادة طباعة العلامات التجارية عليها، يجب أن تكون محل التدقيق والتمحيص، فلا نعرف ماذا وأين وما هي المواد التي قد توضع لنا فيما نأكل ونشرب، وزيادة الوعي والمسؤولية لدى كل أبناء الوطن بخصوص هذا الجانب.

ومن ناحية عسكرية، لا بُد وأن تسعى دول المنطقة لبناء جيوش قوية وزيادة عددها وعتادها وتدريبها وبدء التصنيع العسكري للأسلحة وتطوير هذا المجال، تحسبًا لمستقبل لا تعرف تفاصيله، بعد أن شاهدنا جملة واحدة تحمل معنى الدفاع عن النفس ألقت بكل القوانين والتشريعات الدولية عرض الحائط.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وقفات احتجاجية في جنيف تطالب بتعويض الشعوب الأفريقية عن سنوات الاستعمار الغربي

شهدت مدينة جنيف، بالتزامن مع الدورة 48 بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والمحدّد خلال الفترة من 20 إلى 31 يناير الحالى، وقفات سلمية وفعاليات حقوقية على هامش الاستعراض الدورى الشامل، إذ جسّدت تلك الفعاليات صوتاً موحداً ضد التحديات التى تواجه الملف الحقوقى فى مختلف بقاع الأرض، رافعين أصواتهم للمطالبة بالعدالة وتعويض الشعوب عن الأضرار التى لحقت بها نتيجة الاستعمار، وعلى رأسها رفض تهجير الشعب الفلسطينى من أرضه، فضلاً عن رفض المعايير المزدوجة فى السياسة الدولية التى تؤدى إلى تفاقم الأزمات الإنسانية.

ومن بين الفعاليات، نظمت مؤسسة «ماعت» للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، بالتعاون مع المجلس الاقتصادى والاجتماعى والثقافى «الإيكوسوك»، وقفة سلمية أمام مقر الأمم المتحدة بجنيف، حملت عنوان «اتحدوا من أجل السلام: التعويضات ليست مالية فقط»، وجمعت مشاركين من مختلف الدول الأفريقية والأوروبية، حيث جدّدوا مطالبهم بتعويضات عادلة عن الاستعمار الذى امتد لأكثر من 140 عاماً، مؤكدين أن هذه المطالب تتجاوز التعويضات المالية لتشمل استعادة الآثار المنهوبة وتعديل المناهج الدراسية التى لا تعترف بحقوق الشعوب المظلومة من الاستعمار.

وأثناء الوقفة، أكد أيمن عقيل، رئيس مؤسسة «ماعت» ونائب رئيس «الإيكوسوك» الأفريقى، أن عام 2025 يمثل فرصة ذهبية لبدء تحقيق هذه المطالب، وتحديداً فى إطار الاتحاد الأفريقى الذى دعا إلى تعويض الشعوب الأفريقية عن مئات السنوات من الاستعمار، مطالباً بضرورة إعادة الاعتبار إلى الحقوق الثقافية والتاريخية للشعوب المتضرّرة، كما شدّد على أهمية رفض دعوات تهجير الفلسطينيين التى تنتهك حقوق الإنسان، مؤكداً أن هذه الدعاوى تتناقض مع قيم الإنسانية وحق الشعوب فى تقرير مصيرها.

وفى سياق متصل، نظم ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان ومركز حقى لدعم الحقوق والحريات، وقفة تضامنية أمام الكرسى المكسور فى ساحة الأمم المتحدة، لمطالبة المجتمع الدولى بالتدخّل الإنسانى لوقف الحروب فى المنطقة، خاصة فى فلسطين، وذلك فى أثناء مناقشة مصر تقريرها أمام آلية الاستعراض الدورى الشامل، كما ندّدت الوقفة بمحاولات تهجير الفلسطينيين. وأكد المشاركون تضامنهم مع مواقف الدولة المصرية الرافضة لهذه المحاولات، حيث شارك فى الوقفة ممثلون عن الجاليات المصرية واليمنية والجزائرية والفلسطينية وبعض الجنسيات الأخرى فى جنيف، ورفعوا لافتات تُندّد بدعاوى التهجير، وأعلنوا تضامنهم مع فلسطين ورفض أى محاولات لتفريغ القضية من مضمونها.

وقال الدكتور محمد ممدوح، رئيس مجلس أمناء مجلس الشباب المصرى وعضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، وأحد المشاركين فى الفعالية، إن هذه الوقفة تأتى فى وقت حاسم لتأكيد وحدة الحركة الحقوقية الدولية فى مواجهة التحديات التى تُهدّد الشعوب المستضعفة، مؤكداً أن القضية الفلسطينية ليست مجرد أزمة سياسية، بل هى قضية حقوقية وإنسانية بالدرجة الأولى: «نرفض بشكل قاطع أى محاولات لتهجير الشعب الفلسطينى أو تفريغ قضيته من محتواها العادل».

وأشار «ممدوح» لـ«الوطن»، إلى الموقف المصرى الرافض لمخطط التهجير القسرى: «مصر تدرك جيداً أن الإنسانية لا تتجزأ، وأن الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينى هو التزام أخلاقى قبل أن يكون سياسياً».

كما نظمت المنظمة العربية لحقوق الإنسان فعالية بقصر الأمم المتحدة فى جنيف، تناولت خلالها التقدم المحرز فى تفعيل توصيات الدورة السابقة لاستعراض وضع حقوق الإنسان فى مصر والعراق، حيث أكد علاء شلبى، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، أن مصر أظهرت إرادة سياسية قوية لتحسين وضع حقوق الإنسان، مع تحقيق تقدم ملحوظ فى عدة مجالات، كما ذكر أن دمج توصيات الاستعراض ضمن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 2021 يعكس هذا التوجه، فضلاً عن أن هناك تقدّماً ملموساً فى بعض الاستحقاقات، مثل قانون الإجراءات الجنائية الجديد، إلا أن هناك حاجة لتسريع تنفيذ إصلاحات أخرى، خاصة فى قوانين مثل قانون المعلومات وقانون انتخابات المجالس المحلية.

مقالات مشابهة

  • ترامب: المروحية العسكرية التي اصطدمت بطائرة الركاب كانت تحلق على ارتفاع عالٍ جدا
  • أسمته “إسرائيل” رجل الموت.. من هو محمد الضّيف مهندس معركة “طوفان الأقصى” الذي أرعب الكيان الصهيوني؟ (تفاصيل + فيديو)
  • بالفيديو.. تعرف على “محمد الضّيف” مهندس معركة “طوفان الأقصى” الذي أرعب الكيان الصهيوني
  • بالأرقام والتفاصيل.. الكشف عن كافة العمليات العسكرية التي نفذتها القوات المسلحة ضد كيان العدو الصهيوني إسناداً لغزة
  • رئيس برلمان الجزائر يدعو لتمرير مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي
  • مستقبل قضية فلسطين واتفاقات التطبيع خلال ولاية ترامب الثانية
  • الآثار والمتاحف تعلن فتح أبوابها أمام البعثات الأثرية التي كانت تعمل في سوريا
  • رويترز: طائرة بلاك هوك العسكرية التي اصطدمت بطائرة الركاب كانت في رحلة تدريبية
  • وقفات احتجاجية في جنيف تطالب بتعويض الشعوب الأفريقية عن سنوات الاستعمار الغربي
  • بيريز يشكو التحكيم لرئيس الاتحاد الإسباني الجديد ويذكّره بقضية نيغريرا