أنقرة (زمان التركية)- هجوم حماس على المستوطنات الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والغارات الجوية الإسرائيلية اللاحقة على غزة، بمثابة بداية فصل جديد في سياسة الشرق الأوسط، وقد أسفرت الغارات الجوية أيضًا عن مزيد من الضحايا على الجانب الفلسطيني بما في ذلك البالغين والأطفال الأبرياء.

ومع إعلان إسرائيل عن نيتها شن هجوم بري على غزة، نرى أن الولايات المتحدة الأمريكية من جهتها قد صعدت من وجودها العسكري، حيث أرسلت مجموعتين من حاملات الطائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، ونشرت أعدادًا كبيرة من الطائرات المقاتلة وأنظمة الدفاع الجوي باتريوت والقوات الخاصة في القواعد الأمريكية في اليونان وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط.

كل تلك التوترات العسكرية في المنطقة على وشك التصعيد، مما قد يجر إيران وسوريا وحزب الله والفصائل الموالية لإيران إلى صراع متعدد الأطراف، وفي أعقاب هجوم حماس مباشرة، تبنت تركيا نبرة دبلوماسية محسوبة، في محاولة للتوسط بين حماس وإسرائيل. لكن الأطراف بما في ذلك حماس لم تستجب لتركيا بشكل إيجابي، وبرزت قطر ومصر إلى الواجهة كوسطاء. وبينما قام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بزيارات دبلوماسية إلى دول في المنطقة، فإن غيابه عن تركيا وحقيقة أن المقترحات التركية لحل الأزمة بين حماس وإسرائيل لم تؤخذ على محمل الجد من قبل الجهات الفاعلة، دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تشديد لهجته ضد إسرائيل، حيث أدلى الرئيس التركي بتصريحات في اجتماع للحزب في أنقرة يوم الأربعاء،الماضي قائلا إن حماس ليست منظمة إرهابية ولكنها منظمة تحر يرية تسعى إلى تحرير أرضها، وتضمن خطاب أردوغان عبارات جعلت الأمر يبدو وكأن تركيا تقف إلى جانب حماس ضد إسرائيل في الأزمة.

وفي اليوم السابق لإدانة الرئيس أردوغان الشديدة لإسرائيل، أحال طلب عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي إلى البرلمان التركي للموافقة عليه ــ وهي خطوة تحظى باهتمام كبير بالنسبة للولايات المتحدة، ويبدو أن هذه المناورة الإستراتيجية كانت تهدف إلى التخفيف من رد الفعل الأمريكي المحتمل ردًّا على تصريحاته الانتقادية بشأن إسرائيل، ومن وجهة نظر إسرائيل لم يكن رد أردوغان الصريح على ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين غير متوقع نظرًا لمواقفه السابقة خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.

والحقيقة أن إسرائيل تستورد 60% من نفطها من كازاخستان وأذربيجان، ويصل النفط الأذربيجاني إلى ميناء اسكندرونة التركي عبر خط أنابيب النفط باكو-تبليسي-جيهان، ومن هناك تنقله ناقلات النفط إلى الموانئ الإسرائيلية، وبالطبع فبالنسبة لإسرائيل فإن القضية الحاسمة هي مرور النفط دون انقطاع لناقلات النفط من خليج الإسكندرون إلى موانئها، وامتناع تركيا عن تقديم الأسلحة والمساعدات العسكرية لحماس. وفي هذا السياق فإن اتهام الرئيس التركي إسرائيل بأنها نفذت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول واحدة من “الهجمات الأكثر دموية ووحشية” في تاريخ الفلسطينيين وارتكبت جرائم حرب، ليس له وزن يذكر حيث يبدو أن الجمهور الرئيسي لهذه التصريحات هو الأتراكبالإضافة إلى الرأي العام العربي.

جدير بالذكر أنه تاريخيًّا كانت أيديولوجية أردوغان السياسية متشابكة مع المشاعر المعادية لإسرائيل، ونتيجة لذلك فغالبا ما يحافظ السياسيون الذين يتبنون هذه الأيديولوجية على علاقات تجارية واقتصادية مع إسرائيل خلف الكواليس، بينما يستخدمون بشكل دوري خطابًا مناهضًا لإسرائيل لتحفيز قاعدتهم المحلية، ومع ذلك فإنهم عادة لا يتخذون إجراءات ملموسة ضد إسرائيل. ولكن الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية الحالية تختلف بشكل ملحوظ عن ما سبقها من أحداث مشابهة، فهي تمتد إلى ما هو أبعد من حماس وإسرائيل وعلى وجه التحديد، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أدى هجوم حماس على الأراضي الإسرائيلية أيضًا إلى تقويض النظام الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والذي يقوم على التطبيع العربي الإسرائيلي، وكذلك فإنه من غير المعقول أن تتمكن حماس من تنفيذ هجوم يخلف مثل هذه العواقب البعيدة المدى بالاعتماد فقط على قدراتها العسكرية، بل إن الافتراض الأكثر منطقية هو أن حماس تلقت دعما عسكريا واستخباراتيا من إيران لهذه العملية، وهناك احتمال أن تكون إيران قد اشترت أجهزة تشويش إلكترونية متقدمة ومركبات تحت الماء من روسيا والصين لمساعدة حماس في هذا المسعى.

ومن جانب آخر نجد أن الصين تسعى إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط والخليج العربي مدعومة بشراكتها الاستراتيجية مع إيران، وهذا التدخل المتزايد يؤدي تدريجياً إلى تآكل الهيمنة الأمريكية في المنطقة، وما يدل على ذلك أنه في مارس/آذار من هذا العام اتخذت المملكة العربية السعودية وإيران خطوة مهمة من خلال اتخاذ قرار بتطبيع العلاقات الدبلوماسية وذلك بوساطة صينية، كما قاومت المملكة العربية السعودية الضغوط الأمريكية لزيادة إنتاج النفط، واختارت بدلاً من ذلك التحالف مع روسيا في إدارة إمدادات النفط، وقد دفع هذا التحدي دولاً أخرى إلى التفكير في أنها بدعم من الصين قادرة أيضاً على مقاومة المطالب الأميركية.

ومن تلك الدول سوريا ففي 21 سبتمبر 2023 زار الرئيس السوري بشار الأسد الصين، مما عزز وجود الصين في المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك في 16 يناير 2023 اتفقت الصين ومصر على رفع علاقتهما الثنائية إلى شراكة استراتيجية. ولكن وبالعودة إلى وضع إيران في هذه المعادلة نجد أنها تتمتع بالفعل بنفوذ سياسي وعسكري كبير في العراق وسوريا ولبنان واليمن، و تعمل كقناة لنفوذ الصين في هذه البلدان، ففي اليمنعلى وجه الخصوص يسمح نفوذ إيران على المتمردين الحوثيين بشكل غير مباشر للصين بممارسة نفوذها شمال مضيق باب المندب وهو الرابط الحيوي بين المحيط الهندي والبحر الأحمر.

وقد وضعت الصين نفسها في موقع استراتيجي بقاعدة عسكرية في جيبوتي، جنوب مضيق باب المندب، الذي يمر عبره 20% من التجارة العالمية، كما أن اقامتهاعلاقات قوية مع مصر من شأنه أن يمنح الصين ميزة إضافية في قناة السويس البوابة الشمالية من البحر الأحمر إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. ويُعَد هذا السيناريو واحداً من أكثر السيناريوهات غير المرحب بها في الولايات المتحدة، حيث يعتمد الحفاظ على القوة البحرية الأمريكية ونفوذها في بحار ومحيطات العالم، و السيطرة على نقاط التفتيش الاستراتيجية مثل مضيق باب المندب وقناة السويس، ومن غير المقبول استراتيجياً أن تظل الولايات المتحدة سلبية في مواجهة نفوذ الصين المتنامي عند الأطراف الجنوبية والشمالية للبحر الأحمر.

وبالعودة لفتيل الصراع الحالي فقد ألقى هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول بثقله على عملية تطبيع العلاقات شبه المكتملة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، بينما من جهة الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحاضر فإن الأولوية هي الحد من نفوذ الصين في المنطقة من خلال تقويض إيران والكيانات التي تدعمها، ففي النهاية إسرائيل هي الشريك الاستراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة، وتخطط الولايات المتحدة لتعزيز وجودها العسكري هناك من خلال تقديم المساعدة العسكرية لإسرائيل، وإذا حاولت إيران عرقلة الجهود الأمريكية بشكل مباشر أو من خلال وكلائها، فإن الولايات المتحدة مستعدة لاستهداف إيران مباشرة.

أما على الصعيد الأخر فإن إعلان الصين دعمها الثابت لإيران في الدفاع عن سلامة أراضيها وشرفها الوطني ومعارضتها القوية لأي تدخل أجنبي في إيران يشير إلى وعي الصين بالخطط الأمريكية واستعدادها للرد. إن الشرق الأوسط حاليًا يعد ساحة معركة للنفوذ بين الولايات المتحدة والصين، والولايات المتحدة عازمة على استخدام قوتها العسكرية في هذا الصراع على السلطة، ولذلك تريد الولايات المتحدة الحد من نفوذ جماعات مثل حماس وحزب الله اللذين تدعمهما إيران، وقد يؤدي الفشل في القيام بذلك إلى التشكيك في هيمنة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، و بالنسبة لتركيا فإن مسار العمل الحكيم هو البقاء على هامش هذا الصراع.، فليس لدى الولايات المتحدة توقعات من تركيا في هذا الشأن ولم تستخدم قاعدة إنجرليك الجوية للتعبئة العسكرية، ويحاول الرئيس التركي يحافظ على نهجه السابق من خلال تكثيف خطابه ضد إسرائيل، لكن هذه المرة اختلفت الديناميكيات وتغيرت الأطراف المعنية.

 

____

تقرير نشر في موقع تركش مينيت المتخصص في الشؤون التركية، يتناول وضع تركيا الحالي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وما قد ينتجه الموقف التركي، وقد كتب المقال الصحفي فاتح يورت سور، وهو صحفي عمل كضابط في البحرية التركية.

Tags: إسرائيل وتركيااردوغانفلسطيننفط أذربيجان

المصدر: جريدة زمان التركية

كلمات دلالية: إسرائيل وتركيا اردوغان فلسطين أکتوبر تشرین الأول الولایات المتحدة الرئیس الترکی الشرق الأوسط فی المنطقة ضد إسرائیل هجوم حماس من خلال فی هذا

إقرأ أيضاً:

بكين: لا فائز في الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين

الثورة نت/..

أكدت السفارة الصينية في الولايات المتحدة، أنّه “لا يوجد فائز في الحروب التجارية” بين الصين والولايات المتحدة.. مشددةً على ضرورة “احترام واشنطن قواعد التجارة الدولية”.

ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن المتحدث باسم السفارة، ليو بنغيو، تعليقاً على مسألة فرض الولايات المتحدة تعريفات إضافية على الصين، قوله: إنّ بلاده “ترى أنّ جوهر التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين يقوم على المنفعة المتبادلة وتحقيق الربح للطرفين”.

وأضاف ليو: إنّ على واشنطن “احترام مبادئ اقتصاد السوق وقواعد التجارة الدولية بجدية، وأن تخلق بيئةً مناسبةً للتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين”.

إضافةً إلى ذلك، أشار المتحدث الصيني إلى أنّ بكين “تتّبع نهجاً صارماً في مكافحة المخدرات”، بحيث “دعمت واشنطن في معالجة قضايا مرتبطة بالفنتانيل”، على نحو ساهم في مواجهة انتشار هذه المادة في الولايات المتحدة.

وأبدى استعداد الصين لمواصلة التعاون مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة المخدرات، “على أساس المساواة والمنفعة والاحترام المتبادلين”.. قائلاً: “على واشنطن أن تقدّر حسن نوايا بكين وتحافظ على الوضع الإيجابي، الذي تحقق بصعوبة في التعاون في هذا المجال”.

ويأتي ذلك بعد إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نيته فرض رسوم جمركية بنسبة عشرة في المائة على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة، بدءاً من الأول من فبراير المقبل، في قرار “سيؤدي بالتأكيد إلى تصعيد التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم”، كما قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.

مقالات مشابهة

  • متخصص في الشأن العسكري: إيران أكثر الخاسرين من تغيرات الشرق الأوسط عكس إسرائيل
  • حماس تنعى القياديين “روحي مشتهى” و”سامي عودة” اللذين ارتقيا خلال معركة طوفان الأقصى
  • هل تقرب "سياسة ترامب الانعزالية" الصين من دول العالم؟
  • معركة طوفان الأقصى.. معجزة غزة وأهلها
  • وزير الخارجية الأمريكية الجديد يثمن دور مصر المحوري في منطقة الشرق الأوسط
  • ترامب يعيّن ممثله الخاص في الشرق الأوسط مسؤولاً عن ملف إيران
  • ماذا استفاد اليمن من مشاركته في معركة “طوفان الأقصى” انتصارًا لغزة؟
  • بكين: لا فائز في الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين
  • ما خسرته إيران ربحه العرب
  • تأملات في أبرز محطات معركة “طوفان الأقصى”.. من ساعة الصفر حتى إعلان الانتصار