ما زالت أداة (إلَّا) الاستثنائيَّة تُستخدم في خضمِّ الأحداث السَّاخنة الحاليَّة وما قَبلها خلال السنوات الماضية، فالمستثنى معروف دائمًا بأنَّه خارج دائرة الحُكم العامِّ الوارد قَبله، والحُكم العامُّ بذاتِه أنواعُه عديدة ومتنوِّعة، إنِ استطعتَ أنْ تُحصيَها فحاسَّتك الحسابيَّة جيِّدة بالطبع، وإن لَمْ تستطعْ فسنعذرك؛ لأنَّها لا تُحصى ولا تُعدُّ، وبَيْنَ هذا المستَثنى ومَنْ يستثنيه دائمًا علاقة مشتركة ومصالح مترابطة قَدْ تكُونُ ظاهرة وأغْلَبُها مخفي في ملفات محصَّنة.
مهما حاولنا أن ننمِّقَ الحديث ونزيِّنَه ونعطيَه صبغة عامَّة، ومهما كتَمْنا مشاعرنا وحبسناها في جوفنا؛ فلا يُمكِننا ذلك حين نشاهد على شاشات التلفاز مآسيَ ودمارًا وتنكيلًا بمَدنيِّين يُفترض أنَّهم محميُّون بحُكم القوانين الدوليَّة، ماذا تراني كتبت (القوانين الدوليَّة)؟! نعم صحيح هي بذاتها الَّتي سُطِّرت على أوراق الأُمم المُتَّحدة، وتُحاكم بها دوَل وترفعها الأيادي في مناسبات واجتماعات عديدة، ولكن في حالة الهجوم البربري على المَدنيِّين في قِطاع غزَّة فإنَّ ملزمات هذه القوانين تُترك جانبًا ولا تُمَسُّ إلَّا بعد أنْ يتمَّ القضاء على الأطفال والنساء والشيوخ المسالمين، لَمْ أنتبهْ لقَدِ استخدمتُ (إلَّا) كما يستخدمها صُنَّاع الأكاذيب في اجتماعاتهم، أعتذر عن ذلك، سأرجع قليلًا إلى القوانين الدوليَّة الَّتي لا تُبرِّر أيَّ احتلال دَولة لدَولة أخرى مهما كان السَّبب والمُبرِّر لذلك، وفرضت في بنودها حقَّ البلد المحتلِّ مقاومة الاحتلال بأيِّ شكلٍ أو وَجْهٍ يراه مناسبًا، ولَنْ أخوضَ في الحديث عن ذلك لأنَّ القوانين الدوليَّة ـ ومِنْها القانون الدولي الإنساني ـ متوافرة ويُمكِن لأيِّ شخص قراءتها في أيِّ وقت يشاء. ما شدَّني كثيرًا في الأيَّام القليلة الماضية أنَّ منظَّمة الأُمم المُتَّحدة الَّتي فرَضتْ هذه القوانين وتُحاسِبُ المخالِفين عليها وقفَتْ عاجزةً عن إنقاذ المَدنيِّين في قِطاع غزَّة، وكأنَّ مشهد الأمين العامِّ للأُمم المُتَّحدة على حدود معبر رفح وهو يطالب بفتح المَعْبَر لدخول المساعدات لشَعب غزَّة مُخزٍ وغير منطقي البتَّة. ولكن نعذره حقيقة فهو يعلَمُ جيِّدًا أنَّ هذا المستثنى لَنْ يستطيعَ أحَد أنْ يوقفَه مهما تزايدت وعلَتِ الأصواتُ وتغيَّرتِ النبراتُ، فالمستثنى ما زال يُعربد ويُهلك الحرْثَ والنَّسْلَ والجميع يشاهد فحسب.
على جميل النعماني
alijameel1000@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: القوانین الدولی
إقرأ أيضاً: