صدام الحضارات في الحرب على غزّة
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
"صدام الحضارات" في الحرب على غزّة
رجال سياسة وسياسيون، طالما ادّعوا العلمانية والديمقراطية والليبرالية أو حتى اليسارية والمحافظة، انصرفوا لخطابات دينية صارخة وسافرة، لا يسعون لإخفائها.
هل هي عملية "توظيف للدين" فقط، لخدمة السياسيين وأجنداتهم المختلفة، أم إحياء جديد للإيمان والدين في الصراعات السياسية في مهد الأديان السماوية الكبرى؟
لا يتردّد بايدن في التصريح بأنّ إسرائيل أرضٌ يهودية وأنّه صهيوني، ويأتي وزير خارجيته لإسرائيل بعد طوفان الأقصى بوصفه "ابن عائلة من المحرقة اليهودية"!
يعيدنا الخطاب والهجوم الغربي وسياسات تستبطن عنصرية صريحة إلى سيناريو قديم- جديد وهو "صدام الحضارات" أو بالأخرى الأديان لأنّ هنتنغتون يعتبر الدين جوهر الحضارة.
لم يعد "الخطاب الإداني" للغرب ومعاييره العنصرية مرتبطاً بإسلاميين أو قوميين أو يسار، فلم تستطع أنظمةٌ وشخصياتٌ سياسيةٌ صديقة للغرب، وعلمانيون متطرّفون القفز عن هذه الحقائق الصادمة.
* * *
في الحرب على غزّة؛ ليس رجال الدين، بل رجال السياسة والسياسيون، الذين طالما ادّعوا العلمانية والديمقراطية والليبرالية أوحتى اليسارية والمحافظة، انصرفوا إلى خطابات دينية صارخة وسافرة، لا يسعون إلى إخفائها أو تخبئتها.
هل هي عملية "توظيف للدين" فقط، لخدمة السياسة والسياسيين وأجنداتهم المختلفة، أم رجوع وإحياء جديد للإيمان والدين في الصراعات السياسية، في منطقة تمثّل مهد الأديان السماوية الكبرى؟
أيّاً كان الجواب، واضح أن المشاعر والعواطف الدينية تطغى اليوم على الحدث، ليس من جانب حركة حماس التي تعمل إسرائيل على وسمها بالداعشية (لتبرير الإبادة الحالية لكل سكّان غزّة)، بل هي في خطاب الرئيس الأميركي الديمقراطي جوزيف بايدن نفسه، الذي استدعى قصته مع رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير قبل خمسة عقود (خلال حرب 1973).
ولا يتردّد بايدن في التصريح بأنّ إسرائيل أرضٌ يهودية وأنّه صهيوني، فيما يأتي وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن إلى إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى بوصفه "ابن عائلة من المحرقة اليهودية" قبل أن يكون وزيرا لخارجية أميركا!
هذا غيضٌ من فيض العواطف والتعاطف والهيجان الغربي بعد عملية طوفان الأقصى، بوصفه شعوراً دينياً ضد "المسلمين"، أو سياسياً مرتبطاً بالغرب المستعمر الذي يخشى على مستوطنته المدلّلة في العالم العربي؛ ويريد ليس فقط من تجرّأ عليها، بل غزّة كاملة، كي يتعلّم الجميع الدرس!
ويتسابق المسؤولون الغربيون والأميركيون لتقديم الدعم والتأييد لإسرائيل، ولا تخرج عن هذا السياق إلاّ قلّة قليلة من السياسيين والمسؤولين ومجموعات من المواطنين غير المؤثّرين.
لا يتردّد نتنياهو نفسه من استخدام التواره في خطابه السياسي. وفي كلمة تلفزيونية موجهة إلى الإسرائيليين، وعد بتحقيق نبوءة أشعيا، مستخدماً أوصافاً توراتية، بينما وصف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، عندما تحدث، "حماس" بأنها حركة تحرر وطني تستخدم حقّها في المقاومة والدفاع عن النفس.
يعيدنا هذا الخطاب والهجوم الغربي والسياسات التي تستبطن عنصرية لا يمكن مواربتها إلى سيناريو قديم- جديد وهو "صدام الحضارات" (أو الأديان بعبارةٍ أدقّ، لأنّ هنتنغتون يعتبر الدين جوهر الحضارة).
وهو أمرٌ لم يعد الإسلاميون يتحدّثون عنه في العالم العربي والإسلامي، بل عُتاة العلمانية في أقصى اليمين أو اليسار. وقد ذُهلت وأنا استمع لمحلل سياسي وإعلامي أردني من الطراز اليساري الأيديولوجي العلماني الفاقع، وهو يصف ما يحدث اليوم، على تلفزيون المملكة (قناة شبه رسمية إخبارية)، بأنّه "حرب صليبية جديدة".
ثم جاءت أغنية لطفي بشناق، الفنان التونسي الملتزم، التي أهداها لأهل غزّة بعنوان طوفان الأقصى، لتقدّم كلماتٍ حادّة واضحة في إدانة الغرب وادّعائه حقوق الإنسان والديمقراطية وكذبه وتآمره على الفلسطينيين وغزّة (أن يُقتل العربي ليس تجنّياً.. فالعدل أن يكثروا قتلانا.. لكنما الغربي قطرة دمه.. قد عادلت من دمنا أطناناً)..
الصورة التي كان الغرب يحاول رسمها خلال عقود لينسى العرب مرحلة الاستعمار والانتداب، والدعوة إلى الديمقراطية والحرّيات وحقوق الإنسان، والحديث لدى "المجتمع المدني" عن ضرورة التمييز بين الغرب والسياسات الخارجية الأميركية ودعم إسرائيل.
كل تلك المفاهيم والأفكار تبدّدت منذ الساعات الأولى التي تهافت فيها الساسة الغربيون إلى المنطقة وتخلّى الإعلام الغربي عن أيّ حيادية مهنيّة (أتخمونا حديثاً عنها سابقاً)، واختبأت كل الخطابات العالمية عن حقوق الإنسان، عندما بدأت صور الإبادة الجماعية في غزّة.
لم يعد "الخطاب الإداني" للغرب ولمعاييره العنصرية مرتبطاً بإسلاميين أو قوميين أو يساريين، فلم تستطع أنظمةٌ وشخصياتٌ سياسيةٌ معتدلة منفتحةٌ على الغرب، وكذا علمانيون متطرّفون ضد الدين، القفز عن هذه الحقائق الصادمة خلال أيام.
ويمكن أن نلاحظ ذلك بوضوح في الخطاب السياسي الأردني غير المسبوق؛ خطاب الملك عبد الله الثاني في مؤتمر القاهرة، الذي تحدث فيه بوضوح عن هذه السياسات الخطيرة التي ستفجّر المنطقة، ومقابلة الملكة رانيا مع شبكة CNN، وكانت في غاية القوة في التأشير إلى هذه الانحيازات الغربية، وخطاب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في الأمم المتحدة.
والذي تجاوز كل السقوف الرسمية العربية المعتادة، عندما تساءل عما إذا كان آدم (الرضيع الذي قتله القصف في غزة؛ وهو حفيد وائل الدحدوح مذيع الجزيرة) هو بمعايير الغرب بريئاً وإنساناً مثل الآخرين (سبق أن قارن الصفدي معايير الغرب بالتعامل بين الأوكرانيين والفلسطينيين).
جرى اليوم رسمياً اختطاف المنطقة ليس من الأصولية الدينية الإسلامية كما يدّعون، بل من الأصولية الدينية الإسرائيلية والروح الغربية التي استفاقت على أبعاد دينية وتاريخية مختبئة وراء خطاباتٍ مزوّقة سابقاً عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، هذه "الصورة" (جرى تجديدها) ستكون ديناميكية خطيرة، ليس إقليمياً بل عالمياً خلال الفترة المقبلة.
*د. محمد أبورمان باحث في الفكر والإصلاح السياسي، وزير أردني سابق
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أميركا إسرائيل طوفان الأقصى جو بايدن حقوق الإنسان غولدا مائير طوفان الأقصى
إقرأ أيضاً:
وزير الثقافة: معرض القاهرة للكتاب حدث ثقافي عالمي يعكس مكانة مصر كجسر للتواصل بين الحضارات
افتتح الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، صباح اليوم الخميس الموافق 23 يناير 2025، فعاليات الدورة الـ 56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، تحت شعار "اقرأ... في البدء كان الكلمة"، بمركز مصر للمعارض الدولية، بالتجمع الخامس.
شهد الافتتاح حضورًا رسميًا واسعًا، حيث شارك عدد من كبار المسؤولين والشخصيات العامة، من بينهم: الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، الدكتور سامح أحمد زكي الحنفي، وزير الطيران المدني، المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون والمجالس النيابية، السيد؛ محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم، الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، الدكتور محمد عبد الرحمن الضويني، وكيل الأزهر الشريف، الدكتور نظير عيَّاد، فضيلة مفتي الجمهورية، اللواء هاني أبو المكارم، مساعد وزير الداخلية، رئيس أكاديمية الشرطة، الدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة، السفير ياسر شعبان، مساعد وزير الخارجية للعلاقات الثقافية، بالإنابة عن السيد وزير الخارجية، اللواء أسامة نجا، مساعد وزير الدفاع للتدريب، بالإنابة عن السيد وزير الدفاع، وكل من: مرجريت صاروفيم- رامي عباس، بالإنابة عن السيدة وزيرة التضامن الاجتماعي، والدكتور عبد الخالق ابراهيم، مساعد وزير الإسكان للشئون الفنية، بالإنابة عن السيد وزير الإسكان، إلى جانب حضور عدد من سفراء الدول المشاركة، وممثلي الوزارات والهيئات الثقافية.
حيث بدأ وزير الثقافة، والوفد المرافق له جولتهم بزيارة جناح وزارة الثقافة المصرية، الذي يضم للمرة الأولى أجنحة متنوعة لقطاعات الوزارة المختلفة، كما زاروا جناح وزارة الدفاع، والذي سلط الضوء على الإسهامات الثقافية للقوات المسلحة في تعزيز الوعي الوطني، وجناح وزارة الداخلية، ووجه التهنئة للقيادات الأمنية بمناسبة أعياد الشرطة، وجناح هيئة الرقابة الإدارية، وكذلك تفقد جناح حلايب وشلاتين، وتفقد العروضات البيئية.
حيث ثمن وزير الثقافة حرص القوات المسلحة المصرية على المشاركة بالمعرض، ومايجسده ذلك من اهتمام قواتنا المسلحة بمشاركة أجهزة الدولة بكافة المجالات، والعمل على زيادة الوعي القومي للمواطنين، والتعريف بجيش مصر العظيم عبر التاريخ.
كما تفقدوا جناح سلطنة عمان ضيف شرف الدورة ال56، الذي يُقام على مساحة كبيرة ويقدم التراث والفنون العمانية، وذاك برفقة، الدكتور عبد الله بن ناصر الحراصي - وزير الإعلام العماني، والسيد سعيد بن سلطان البوسعيدي، وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب العمانية للثقافة، والسفير عبد الله بن ناصر الرحبي سفير سلطنة عمان بالقاهرة.
كما شملت الجولة أجنحة الأزهر الشريف، وهيئة كبار العلماء، إلى جانب أجنحة دولية مثل هيئة الشارقة للكتاب، وحكومة الفجيرة، وهيئة النشر السعودية التي تشارك لأول مرة، وتفقد عددًا من أجنحة الدول المشاركة منها المملكة العربية السعودية، والإمارات بأجنحتها المتعددة، وقطر، والبحرين، وغيرها.
وحرص على زيارة أجنحة الوزارات والمؤسسات المحلية وفي مقدمتها وزارات الشباب والرياضة، والسياحة والآثار،والبيئة، والرقابة المالية، والرقابة الإدارية، والبورصة والمجلس القومي للمرأة، ومركز المعلومات ودعم أتخاد القرار، ومكتبة الإسكندرية، وجناح حرف حلايب وشلاتين.
وأعرب الدكتور أحمد فؤاد هنو عن اعتزازه بتنظيم مصر لهذا المحفل الثقافي الدولي، الذي يجسد ريادتها الثقافية، وقال: "إن معرض القاهرة الدولي للكتاب لا يمثل فقط حدثًا ثقافيًا عالميًا، بل يعكس أيضًا مكانة مصر كجسر للتواصل بين الحضارات، هذا المعرض هو منصة تجمع بين الفكر والإبداع، ويؤكد التزام مصر بدعم الثقافة كوسيلة لتحقيق التنمية المستدامة ونشر قيم السلام العالمي".
وقال وزير الثقافة: "إن استضافة مصر لأحد أهم الملتقيات الثقافية الإبداعية في العالم، إنما يجسد حرصها على استثمار الثقافة في دعم الروابط الإنسانية بين الحضارات المتعددة، تأكيدًا لأهمية نشر السلام العالمي بين شعوب العالم وتعددية الثقافات، وهو ما يلقي علينا مسؤولية كبيرة إزاء بذل المزيد من الجهد والتطوير للخدمات التي يقدمها المعرض، ليؤدي هذا الدور على الوجه الأمثل، وأن تكون دورة هذا العام تاريخية بمعنى الكلمة، وهو ما يظهر بوضوح من خلال ما يشهده المعرض من أفكار ورؤى إبداعية مبتكرة تواكب التطورات التكنولوجية والرقمية التي يشهدها العالم من حولنا، وتطويعها لخدمة أهدافنا الثقافية وأهميتها في بناء الإنسان على أسس من الوعي والإدراك البناء للتحديات الوطنية التنموية بالمجالات المتعددة"
وأضاف وزير الثقافة: "فاليوم، ونحن في قلب معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السادسة والخمسين، نجد أنفسنا في لحظة تاريخية جديدة تلتقي فيها أجيال الثقافة والفكر والإبداع، حيث إن هذا المعرض هو منبر لا يُضاهى لعرض الإنجازات الفكرية والفنية، وميدان يتلاقى فيه الكتاب مع القارئ، ونحتفل بالكتاب الذي لا يزال يحمل في طياته أعمق المعاني وأعظم الأفكار الإنسانية، لنؤكد على أن الثقافة هي القوة الحقيقية التي تبني الأمم وتدفعها نحو التقدم، لنؤكد أيضًا من خلاله أن مصر، دائمًا وأبدًا، ستظل منارةً للعلم والفكر والإبداع في كل المجالات".
وأضاف: "نعمل على تقديم دورة استثنائية هذا العام من خلال توظيف التطورات الرقمية لدعم الثقافة، وتقديم تجربة متميزة للمشاركين والزوار.
ووجه وزير الثقافة الشكر لجميع من ساهم في تنظيم هذا الحدث الكبير، داعيًا الجميع للاستمتاع بالأنشطة والفعاليات التي يقدمها المعرض.
الجدير بالذكر أن فعاليات الدورة الـ 56 لمعرض القاهرة الدُولي للكتاب، تنظمها الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين العساسي، تحت شعار: "اقرأ… في البدء كان الكلمة"، وتستمر حتى 5 فبراير المُقبل، وذلك بمركز مصر للمعارض الدولية، بالتجمع الخامس، وتحل عليه "سلطنة عمان" ضيف شرف هذه الدورة، وتم اختيار اسم الدكتور أحمد مستجير، العالم والأديب المصري، شخصية المعرض، واسم الكاتبة فاطمة المعدول، شخصية معرض كتاب الطفل، ويأتي المعرض بمشاركة 1345 دار نشر من 80 دولة و 6150 عارضًا للإصدرات الأدبية والفكرية، وتشارك فيه 80 دولة، تمثل قارات العالم، ومن بينهم أكثر من 10 دول تشارك لأول مرة وهي: تشيلي، بلجيكا، الكونغو، رومانيا، بلغاريا، النمسا، بليز، بيرو، هولندا، سورنام، كولومبيا، فيتنام، تنزانيا، سنغافورة، وبوليفيا، ويشتمل المعرض برنامجًا ثقافيًا ثريًا يضم أكثر من 600 فعالية متنوعة.