غزة.. ميدان للتحوّلات في الرؤية والأمن القومي
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
لا يستوعبُ العقل عزلَ الأحداث الجارية في غزّة، عن مسار كليات القضية الفلسطينيّة في مجملها وتفاصيلها، ولا يمكن تصوير الأزمة على أنّها "صراع بين إسرائيل وحماس"، فهذه اختزالات للمشهد في أضيق زواياه، وفيها "خلع لمصاريع الأبواب" لمرحلة إسرائيليّة جديدة "بعد التطبيع العربي المجاني"، فلا يمكن للغرب "بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية" أن يتخلّى عن "طوق أوكرانيا" بعد تلك الجهود والحشود العسكريّة والماليّة والإعلامية، وينتقل "عسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا" للمنطقة تحت مظلّة إسرائيل "المنبوذة إقليميًا"، إلا أنّ الأمر أكبر من المشاهدة "بالعين المجرّدة"، لسببين:
الأوّل: أنّ العالم الغربي يعلم أنّه بهذا التحرّك المتسارع وغير المحدود للمنطقة "تحت مظلّة إسرائيل"، سيفقدهم ما بقي لهم من المصداقيَّة في الوعي العربي والإسلاميّ "الرسمي والشعبي"، وبالتالي فقدان الثقة بشكل كامل، كما سيؤدّي لانكشاف أوكرانيا باتجاه روسيا، وبالتالي خَسارة ملف أوروبي حيوي لرهان جديد مليء بالمخاطر.الثاني: مخاطرة إسرائيل في الانكشاف الكامل بمشروعها في مواجهة "الشعور العربيّ والإسلامي"، وهي تعلم خطورة "الشعوب العربية" المحجوبة عنها بالأنظمة العربية الموالية لها، وقد أثبتت الثورات الشعبية بما يسمّى "الربيع العربي"، عدم وجود قوّة تحجبها، ولا سيما أن إسرائيل منكشفة لثلاثة اتجاهات: (مسار شعبي من جهة رفح ـ مسار شعبي من جهة الأردن ـ وبقية الفلسطينيين في الضفة والقطاع)، وهذه الشعوب ليس لديها ما تخسره، فهي تخسر كل يوم، "كمن يشاهد شاشات هبوط البورصات"، يعزز ذلك الرعونة والعُنجُهيّة الإسرائيلية التي تغيّبها عن الوعي الواقعي، وآخرها "تصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيونيّ" الذي يدعو فيه لحمل السلاح من كافّة المدنيين.
ـ إنّ ما يجري في غزة يتجاوز الوعي التلقائي!! فهو أشبه ما يكون بقصتَين في رواية، أو حكايتَين في مشهد، ما يلزم معه عزلٌ شعوريّ، وفصلٌ سياسيّ، لتلمس خيوط الحكاية من جميع أطرافها.
هذا التحرير للمسألة يقود للنظر إلى جملة أمور:
أنّ الغرب بقيادة أمريكية، نفض يدَيه من كل التزام "قانوني أو أخلاقي" مع دول المنطقة، فيما يتصل بمصالحه الاستراتيجيّة، مقابل "تحقيق المشروع الصهيونيّ، وإن كان على حساب الأمن القومي العربي "الجمعي أو الفردي". إشكاليةُ وفاء "دول التطبيع" بالتزاماتها مع إسرائيل، يقابله ارتباكها في الاصطفاف الطبيعي مع الحقّ العربي، مبنيّةٌ على نظرة خاطئة "تحقيق المصلحة الوطنية وإن خارج الفضاء العربيّ"؟! الخلل في أداء المنظومات الجمعية العربية "جامعة الدول العربية ـ مجلس التعاون الخليجيّ" تجاه معالجة ملف الأزمة بشكل كُلي، بسبب جنوح بعض أعضائه إلى الطّرف البعيد. يعتمد التوازن في معالجة الموقف الخطير الذي تقبل عليه المنطقة، إلى ثبات الموقف السعودي، وتحرّكه باتجاه التفعيل الإيجابي للأمين العام للأمم المتحدة، وتحريك مجلس الأمن من خلال ثنائية "روسيا والصين". احتمالية بروز "محور التحشيد" لقوى دوليّة فاعلة ومؤثرة "في سياقات سلمية" لمواجهة غوغائية "الغرب تحت المظلة الإسرائيليّة". قد يربك المشهدَ "من الناحية الأمريكيّة" تحركٌ صينيٌّ جادٌّ تُجاه تايوان "في ظلّ الانشغال الأمريكيّ، وتداخل الأولويات لديه. كما قد يربك الحضورَ الأوروبيّ نشاطٌ روسي، يتجاوز حدود أوكرانيا إلى مناطق تقع تحت اهتمامه الاستراتيجي، انتهاز روسي للفوضى لتحقيق خطوات كانت مجدولة خارج الأولويات. زيادة ملامح تحرّكات أذرع إيران تحت عجاج أزمة غزة للضغط على المحيط السّنّي المطوق لإسرائيل. تتوارى إيران بملفاتها الاستراتيجيّة، عن عاصفة "فوضى المنطقة" من خلال مساحة من التماهي خلف الواجهات السياسية (إيران وإسرائيل)، يتوازى معها توزيع للنفوذ وتبادل للمصالح في المنطقة، مع تحييد تركيا، وتحجيم الحقّ العربي في أضيق نطاق ممكن. تتنفس أمريكا إسرائيليًا "في منطقتنا"، وهذا ليس بجديد سياسيًا، ولكن الجديد أن تتحرك "عسكريًا" في وجه شراكاتها الاستراتيجية؛ وهذا دليل على أن المنطقة لم تعد أولوية للذات الأمريكية، وهذه حقيقة يجب أن يستوعبها القرار والوعي العربي "حاليًا ومستقبلًا".الخلاصة، أنّ الملف خطير جدًا من جميع الاتجاهات، ويحتاج لجهود دولية فاعلة وواعية، وبالتوازي، نحتاج إلى جملة خطوات ذاتية:
كخطوة أولى لتصحيح مسار الوعي بأبعاد الأزمة، يلزمنا حجب الأصوات الإسرائيلية عن قنواتنا العربية، وإن لزم الأمر حجب القنوات الناطقة بالعربية التي تمارس العبث بمصداقيّة الوعي بحقيقة الأحداث؛ فالإعلام المخترق أداة لصناعة الكذب، وتزييف الحقائق، وتشويش الوعي. في ظلّ مشاهد غزة المفزعة وتعاظم تحالف الغرب مع الاحتلال الصهيوني، وقلة حيلة إخوتنا في فلسطين، فإنّ العاطفة الشعبية تغلبُ العقل في النظر! وهنا يلزم حجب أصوات النشاز الإعلاميّ "خارج سياقات الصوت العربي الجمعي المبني على "تحقيق الأمن القومي العربي". ضرورة تكوين فريق متابعة ورصد وتحليل، يقدم قراءات واقعية، ومؤشرات موضوعية، ومغذيات معلوماتية صادقة لوسائل التواصل الاجتماعي. aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ة إسرائیل
إقرأ أيضاً:
المعارضة الشيعية: محاولة جديدة للتحوّل إلى قوة سياسية
كتبت ندى ايوب في" الاخبار": لم يتوقّف المعارضون لحزب الله داخل الساحة الشيعية يوماً عن البحث عن فرصة للتحوّل إلى قوّة سياسية. أتت حرب أيلول 2024، وما تخلّلها من ضربات قوية تعرّض لها الحزب، لتزيد من شهية هؤلاء بمختلف مشاربهم لتشغيل المحرّكات بدفعٍ من الوقائع المستجدّة لبنانياً، قبل أن يأتي الحدث السوري ليزيد من قوة الاندفاعة.
ورغم التحفّظ المبدئي لعددٍ من الشخصيات المشاركة في ما يُشبه «ورشة عمل»، على التقولب في إطار عملٍ سياسي شيعي بحت، إلا أنّ «المعارضين الشيعة» يشكّلون نواة مبادرات سياسية ستُطلق في الأيام المقبلة.
ومنذ ما قبل وقف إطلاق النار، بدأ هؤلاء ينظرون إلى أنّ مرحلة ما بعد الحرب، ستشهد طرح «المسألة الشيعية»، على غرار «المسألة المارونية» بعد الحرب الأهلية، و«المسألة السنية» بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وبدأت شخصيات ومجموعات شيعية معارضة تتبادل الدعوات وتخوض نقاشات حول مجموعة أفكارٍ لخلق أطر عمل سياسي، تواكب ما تصفه أوساطها بـ«التغيير الكبير»، مع توقّع انطلاق أكثر من مبادرة تتغربل مع الوقت، مع الإقرار بأنّ «المعارضين للحزب يختلفون في تقدير الموقف وآليات العمل، وليس من الضروري أن ينضووا جميعاً تحت سقف إطارٍ واحد». ويقول هؤلاء: «يخطئ من يعتقد بأنّ حزب الله لا يزال على قوّته كما يخطئ من يعتقد بأنّه انتهى كحالة سياسية واجتماعية وشعبية، ويهمّنا مناقشة المجتمع الجنوبي والشيعي، بانعكاس الخيارات التي اتخذها الحزب عليه، وفتح الفضاء الجنوبي للنقاش».وفي هذا السياق، سيتم غداً إطلاق مبادرة «نحو الإنقاذ»، وهي كما يعرّف عنها مطلقوها، «وثيقة سياسية، تجمع صحافيين ومثقّفين، في محاولة لبناء تحالف يواجه المرحلة المقبلة»، وتضم الشيخ عباس الجوهري، رئيس تحرير موقع «أساس» محمد بركات وهادي مراد. فيما لا يزال رجل الأعمال الجنوبي يوسف الزين (قريب النائب الراحل عبد اللطيف الزين)، صاحب فكرة «المجلس السياسي»، يبحث في موعد إطلاق «المجلس» كتجمّع شيعي. كذلك
يشهد يوم الجمعة إطلاق شخصيات لبنانية «المنبر الوطني للإنقاذ» الذي سيعلن مؤسّسوه عن «النداء الوطني حول خارطة الإنقاذ والثوابت». ومن الأسماء المشاركة في تشكيله علي مراد ومصطفى فحص وحارث سليمان ومحمد علي مقلد... ويقول مراد: «إننا جزء من المنبر الإنقاذي، ونسعى إلى انضمام أكبر قدرٍ من الناشطين الذين عارضوا الوجود السوري وحزب الله، ويؤمنون بتثبيت فكرة مرجعية الدولة على كلّ الصعد، واحترام الدستور واتفاق الطائف كركيزة أساسية، والتباحث في كيفية التعاطي مع حزب الله كحالة شعبية، ومع سلاحه في المرحلة المقبلة، ومسألة الحماية من الإجرام الإسرائيلي، وأيضاً التعاطي مع المتغيّرات السورية»، مركّزاً على رفض أن يكون الإطار شيعياً.
ويلفت المستشار في العلاقات السياسية والناشط السياسي محمد عواد إلى أنّ «العمل السياسي المعارض، يتّخذ الطابع الموسمي، وليس أكثر من ردة فعلٍ بعد كلّ حدث منذ عام 2015 أقله وحتى الآن»، مضيفاً: «لم نشعر بجدية النضوج السياسي الذي يسمح بالخروج بمبادرةٍ فيها خطاب جامع، جل ما نراه شخصيات، كل منها تدعو إلى شيء ما، وغالباً تناقش بعضها وتنظّم وتقرّر ضمن حلقة ضيقة».