تطرَّقت منظَّمة الصحَّة العالَميَّة قَبْلَ فترة وجيزة بقولها بأنَّ هنالك فرصًا قريبة لتطوُّر وباء أو ربَّما جائحة. وحقيقة، سواء بدأ الوباء الأسبوع المقبل أو العام المقبل، أو ربَّما العقد المقبل، فإنَّ جائحة أخرى في طريقها. ولكن ـ بلا شك ـ لا يستطيع الباحثون التنبُّؤ بدقَّة متى أو كيف يُمكِن أن يبدأَ تفشِّي المرض؟ وهنا يجِبُ أن نعيَ بأنَّ هنالك أكثر من مليون فيروس كامن في الحياة البريَّة للثدييات والطيور في العالَم، ويُمكِن أن ينتقلَ ما يصل إلى نصفها إلى البَشَر حسب الدراسات المُعلَنة.
بطبيعة الحال، يُمكِن للعلماء على الأقلِّ أن يتوصلوا إلى تخمين مدروس حَوْلَ ما قَدْ يحفِّز الحدث الكبير التَّالي! فهناك حسب عدَّة دراسات، ثلاث عائلات رئيسة من الفيروسات، أكثر من غيرها، تجعل العلماء متخوِّفين وهي: فيروسات الإنفلونزا، والفيروسات التاجيَّة (كورونا)، وفيروسات يُطلق عَلَيْها (فيروس باراميكسو). وهذه المجموعات قَدْ نقول إنَّها تُشكِّل مع بعضها ثلاثيَّة الموت التنفُّسي!
ولعلَّ هنا الاستقرار الجيني للفيروسات المخاطيَّة (فيروس باراميكسو) يُمكِن أن يجعلَ التطعيم ضدَّها سهلًا. فإنَّه كما أدركنا سابقًا وخلال الجائحة السَّابقة (كورونا)، تحتاج لقاحات الإنفلونزا والفيروسات التاجيَّة لدَيْنا إلى تحديثات منتظمة ـ كما هو الحال سنويًّا ـ للحفاظ على مواكبة نظام المناعة لدَيْنا للتطوُّر الفيروسي، خصوصًا وأنَّنا نستخدم بشكلٍ أساسي نَفْسَ لقاح الحصبة لأكثر من نصف قرن، ويبدو أنَّ المناعة ضدَّ الفيروس تستمرُّ لعقود. وهكذا هو الحال لفيروس (باراميكسو) المُسمَّى الطاعون البقري، الَّذي كان ذات يوم آفة كبرى للماشية، وأحَد الأمراض المُعْدية الوحيدة الَّتي تمكَّن العلماء من القضاء عَلَيْها على الإطلاق، خصوصًا وأنَّه يصيب في المقام الأوَّل الأبقار المضطربة. مع هذا فالباحثون ما زالوا لا يعرفون بالضبط كيف تنتقل الفيروسات المخاطيَّة تلك إلى أنواع جديدة، أو ما هي الطفرات الَّتي تحتاجها لِتصبحَ أكثر قابليَّة للانتقال بَيْنَنا! والحقيقة أنَّهم لا يعرفون لماذا تثير بعض تلك الفيروسات التهابات الجهاز التنفُّسي البسيطة فقط، في حين أنَّ البعض الآخر يتجوَّل في الجسم بشكلٍ مسعور حتَّى يموتَ المضيف!
الأهمُّ من ذلك، ربَّما نصل بأنَّ العالَم يُمكِن أن يصبحَ أيضًا أكثر عرضة للفيروسات الحصبيَّة، وهي الفصيلة الفرعيَّة الَّتي تشمل الحصبة. فإذا تمَّ القضاء على الحصبة في أيِّ وقت، فقَدْ تضغط بعض الهيئات الصحيَّة من أجْل وضع حدٍّ لحقن الحصبة. وأجزم بأنَّ المُشْكلة ستكُونُ هنا، بنَفْسِ الطريقة الَّتي أدَّى بها انتهاء التطعيم ضدَّ الجدري إلى ترك العالَم عرضة للإصابة بالجدري، فإنَّ انخفاض المناعة ضدَّ الحصبة يُمكِن أن يتركَ فرصة لظهور قريب مثلًا!
ختامًا، لَنْ يكُونَ الوباء القادم بالضرورة فيروس إنفلونزا أو فيروس كورونا. لكن لدَيْها فرصة ممتازة للبدء كما حدَث مع العديد من الأوبئة المعروفة الأخرى، مع انتشار البرامج للأبحاث البيولوجيَّة التسليحيَّة وارتباطها بالحيوانات في أجزاء من العالَم. قَدْ لا نكُونُ قادرين على التنبُّؤ بالكائنات المُسبِّبة للأمراض أو المخلوقات الَّتي قَدْ تكُونُ متورِّطة في تفشِّي المرض الكبير المقبل، ولكن حتمًا سيكُونُ التهديد الفيروسي تقريبًا هو ذلك الَّذي لَمْ يفكِّر فيه أحَد!
د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
dryusufalmulla@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: العال م
إقرأ أيضاً:
كندا تؤكد رصد الإصابة الأولى بسلالة فرعية من فيروس جدري القردة
أعلنت وكالة الصحة العامة الكندية عن رصد أول إصابة مؤكدة بالسلالة الفرعية (1) من فيروس جدري القردة في كندا، لدى شخص في مقاطعة مانيتوبا، مبينة أن هذه هي الإصابة الأولى بهذه السلالة الفرعية في كندا.
وأفاد راديو «كندا الدولي»، اليوم السبت، بأن هذه الحالة مرتبطة بالسفر ومتعلقة بتفشي السلالة الفرعية (1) من المرض في وسط وشرق إفريقيا، وأنه يجري حاليًا تحقيق يتضمن تتبع المخالطين للمصاب.
وأكدت سلطات المقاطعة، أن فيروس جدري القردة لا ينتقل بسهولة إلا إذا كان هناك اتصال وثيق مع شخص يعاني من أعراض، مثل الحمى التي يتبعها طفح جلدي مؤلم، وبالتالي فإن المخاطر الإجمالية التي يتعرض لها عامة الناس منخفضة.
وذكرت منظمة الصحة العالمية، أمس الجمعة، أن تفشي جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية حالة طوارئ صحية عامة عالمية بسبب جدري القردة للمرة الثانية خلال عامين في أغسطس، بعد انتشار سلالة جديدة من الفيروس، هي السلالة الفرعية 1 بي، من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى الدول المجاورة.
اقرأ أيضاًبعد تحذير «الصحة العالمية» من توسع انتشاره.. هكذا استعدت الصحة المصرية للتعامل مع جدري القرود
بعد وصوله أمريكا.. أعراض جدرى القرود وطرق الوقاية منه
بعد تفشي «جدري القردة».. هل يشهد العالم جائحة جديدة مثل «كورونا»؟