صدى البلد:
2025-04-26@08:07:36 GMT

خالد الشناوي يكتب: شيخ العرب والظاهر بيبرس

تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT

منذ أيام قليلة دعيت لزيارة القطب الكبير سيدي أحمد البدوي في طنطا حيث مسجده العريق وضريحه الأنور جميل الاشراق_من أحب البقاع إلى قلبي_


و إنني حين أذهب الى هذه الديار زائرا فإنما أذهب اليها من زاويتين فكريتين متناغمتين، الأولى زاوية روحانية تجد فيها روحي مشربها الذي يعينها في رحلة سيرها ويحقق لها التوازن مع عالم المادة الذي جميعنا يعيشه ويحياه .


فأحاول جاهداً أن أطل بنافذتي على عالم الاشراق النوراني والسلام القلبي والروحاني فتهدأ ثورتي وتطيب نفسي واعود إلى حالتي الوجدانية المرتفعة شيئا فشيئا مواصلا رحلتي مع الحياة جهاداً وعملاً وسلوكاً  .


بينما الزاوية الأخرى أطل منها على قديم الزمان متذكرا الديار وساكنيها واقفا على اطلالها مستلهما العبر والعظات والعلوم والمعارف فلم أزر مسجدا أو معلما إلا ووقفت على تاريخه الفياض الذي هو امتداد لثقافتنا الفكرية والوجدانية .


حين تدخل من الطريق المعبد نحو المسجد الأحمدي سيرا على الاقدام ترى الجمال المعماري وتصميمه العريق فترى المأذنتين من أعلا يمين المسجد ويساره وكأنهما يدين مرتفعتين بالدعاء لمصر بالحفظ والنصر والتمكين بل وكأنهما يدين من الاحتواء والحماية والعناية الروحانية .


هذه المآذن الساكنة تارة والثائرة تارة أخرى تحت السحب المتحركة في عنان السماء لتحكي جمال الطبيعة المصرية الخلابة و مدى صلابة الدولة المصرية مهما توالت عليها النوائب والمحن  .


دلفت إلى المسجد العريق في وسط هذا الزحام البشري المتدافع لزيارة القطب البدوي_علم التصوف في الشرق الاوسط_ و رأيتني اتساءل في ضميري:لماذا مصر تحديدا بهذا الجمال؟ ولماذا هي حاوية لكل الأفكار والمذاهب؟ف لا عصبية قبلية فيها؟ ولا تناحر فكري أو مذهبي؟


ولم البث قليلا حتى كدت أن اسمع صوتا كبيراً بداخلي يقرر لي إنها مصر عنوان للوسطية وتقبل الآخر فهي الجامعة المانعة بحضارتها العريقة واعلام امتها الكبار وهي مختلفة تماما عن سائر بلدان الدنيا ففيها السياحة الدينية والسياحة المعرفية والسياحة الفكرية والسياحة الروحانية فهي قبلة للناس جميعهم من أقصى الأرض إلى أقصاها، أليس الله هو القائل{ادخلوها بسلام آمنين}؟


فليست دولة لقيطة وليست وليدة الصدفة ولم تنشأ بوعد أو ميثاق فهي درة الشرق الأوسط وعروس العالم كانت ولا تزال عبر تاريخها الطويل الضارب في الأرض لأكثر من ٧٠٠٠ آلاف سنة قبل الميلاد مطمعا للعدا وفي ذات الوقت كانت مقبرة لهم .


وفد إلى مصر أعلام الأمة ومصلحيها عبر العصور فعاشوا على ترابها رافعين رايتها ودفنوا في ثراها الطاهر ليدور الزمان مخلدا ذكراهم .


وممن جاءوا إلى مصر القطب الكبير سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه والذي ينتمي اليه الجامع الأحمدي بطنطا صنو الجامع الأزهر الشريف ...


في مسجد شيخ العرب اهداني أحد الزائرين كتابا يتحدث عن صاحب الذكري وبتصفح صفحاته رأيت كيف استرعت دعوة القطب الكبير السيد أحمد البدوي وأتباعه انتباه «الظاهر بيبرس» حاكم «مصر» «فكلف ابن دقيق العيد قاضي القضاة بالديار المصرية » ليتحقق من دعوة «البدوي»، التي كثر حولها الأتباع، ويتأكد من ميوله السياسية والتي خاف منها "الظاهر" لشعبية الرجل في طندتا بعد أن خشي منها على ملكه ..


وبالفعل نزح قاضي القضاة  إلى طندتا_طنطا حالياً_ليقف بنفسه على حقيقة الرجل ، فلما التقاه أفزعه احمرار عينى الرجل كأنهما بركانا من الدماء وحدثته نفسه : " أنه ربما بهذا الرجل  مس من الجنون"!
وقبل أن يفيق من حديثه الداخلي في طيات سره فوجئ بالسيد البدوى يقول :
مَجَانِيـنُ إِلا أنَّ سِـرَّ جُنُونِهـمْ  
عَجِيبٌ عَلى أعْتَابِهم يَسْجُدُ العَقْلُ
وأمام هذه الحال من الكشف النوراني اهتز مضطربا ابن دقيق العيد ثم حاول التماسك قائلا : يا أحمد هذا الحال الذي أنت فيه مخالف للشريعة !
البدوي: وهل أنت على علم بكل الشريعة؟
ـ ابن دقيق العيد : نعم
ـ البدوى :هل قرأت قول الله تعالى :{إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً  ° إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ° وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً  ° إِلَّا الْمُصَلِّينَ ° الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ° وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ ° لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} .
..فهل أنت من المصلين ؟! 
ـ ابن دقيق العيد : احسبنى منهم .
ـ البدوى : لست منهم!
فقد طلب إليك أحد تلاميذك ثوباً يستر بدنه وفى خزانة ثيابك أربعون جبة، فلم تعطه سوى خرقة تآكلت أطرافها، فهل أنت من المصلين ؟! ..
"اسكت وإلا أطير دقيقك"
وعلى كل فاذهب يارجل وانشغل بحالك عن أحوال الخلق ، وداوى عيب نفسك ، ولا تنسى أن تصلح خطئين فى نسخة مصحفك!


وجد بن دقيق العيد نفسه فى حضرة رجل يكشف له ما خفى عنه من أحواله ولولا أدب الولاية وسرها الكبير وعهدها المصون لفضحه!


عاد قاضي القضاة إلى القاهرة في رحلة ما أطولها واشقها على نفسه وطول الطريق لم يغب هذا المشهد عن مخيلته وتبقى له أن يتأكد من الخطئين في مصحفه ويقرر في صراعه النفسي لو تأكد لديه صحة ذلك لعاد إلى الرجل يقبل قدميه قبل يديه ...


وصل الرجل إلى داره فزعا ملهوفا عازفا عن الطعام والشراب غير ملتفت لما يدور حوله ثم جعل يتفحص مصحفه ليكتشف خطئين وقع فيهما الناسخ كما أخبر بذلك الشيخ المرابط في عرينه.... !


رجع على وجه السرعة إلى طندتا مرة أخرى وصعد إلى القطب الكبير سيدي احمد البدوي فوق سطح منزله (الجامعة السطوحية) حيث كان القطب الكبير قد اتخذ من سطح منزله الكبير والمرتفع منبراً كبيرا للعلم والفقه والمعرفة والتربية الصوفية تفد إليه أفواج الناس في حلقات من العلم والذكر وتعلية روح الجهاد ترتيبا لصد الهجمات الصليبية البربرية عن الأمة بأسرها 
بعد لقاء الرجل بقطب الولاية المحمدية مرة أخرى تتلمذ على يديه سالكا طريق القوم في تجربته الصوفية الفريدة .


وكأن الأقدار نسجت خيوطها وتناغمت حروفها لتبقى كلماتها الرصينة في سجل الخالدين خير دليل هنا وهناك. 
إنه بالفعل  اذعان الفحول حين تدفعهم الحيادية التامة والحقيقة المجردة بحثاً عن الحقيقة في دنيا الناس.


بدأت عين الظاهر بيبرس تتركز على طندتا والإسكندرية مهبط أبي الفتح الواسطي، وخليفته أبو الحسن الشاذلي، وصديقه العز بن عبدالسلام، وبدأ بيبرس بزيارة الإسكندرية فقابل الصوفي أبا القاسم القباري، ثم مضى لزيارة الشيخ الشاطبي  .


والغالب أن بيبرس في لقائه الغامض بهما حصل على معلومات هامة عن التحرك الصوفي في الإسكندرية وما حولها وسمع الشيء الكثير عن البدوي وعزم على التوجه إليه بنفسه سراً .


وفي سنة (662هـ)، سار بيبرس إلى الغربية وكان يسير منفرداً في خفية، ويسأل عن والي الغربية «الأمير ابن الهمام» وعن سيرة نوابه وغلمانه ومباشريه، فذكرت عنه سيرة سيئة، فقبض عليه وأدبه وأقام غيره...


أي أن بيبرس خص منطقة «الغربية» حيث البدوي بزيارته متخفياً، وتصرف بحزم مع واليها وعزله، وأقام والياً جديداً ينفذ السياسة الجديدة التي ارتآها في رحلته السرية!


ثم توجه إلى القطب البدوي وجلس بين يديه مستمعا لعلمه وفقهه وقد رأى بنفسه أحوال الشيخ الكبير فخرج من مجلسه مثنيا عليه بعد أن تيقن من كذب أقوال الوشاة حول الرجل كما تيقن أيضاً أن الرجل بحر في الولاية الربانيه لا يدرك له قرار  وأنه ليس من طلاب الدنيا أو الباحثين عن مناصبها الزائلة.


فصارت بينهما صلة روحانية كبيرة ووثيقة لم تمزق عراها الأيام بأي حال من الأحوال.
إن حياة السيد احمد البدوي مليئة بالجهاد والمشاركة الميدانية لنصرة الأمة فلم يكن الشيخ منزويا في زاوية أو متقوقعا في ناحية بل شارك في مقاومة حملة الفرنسيين التي قادها لويس التاسع على مصر، وكان تلامذته يأخذون الأسرى من الفرنسيين، ويقاتلونهم أشد القتال، وشارك في معركة المنصورة، التي أُسر فيها لويس فكان الرجل عالما متبحرا ووليا مربيا ومرشدا وبطلا مقاتلا كيف لا وهو أحد فروع الشجرة الهاشمية الرصينة فقد ورثوا العلم والحلم والفروسية كابرا عن كابر فهم أهل بيت نبوة أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا  .


رأيت كيف اهتم القطب البدوي بتربية الرجال علما وسلوكاً وكيف زرع بداخلهم حب الاوطان وحب الله بلا علة وبلا عباده معلولة بتلك العلة ،بل رأيت كيف مع ضعف الإمكانيات اتخذ الرجل من سطح منزله جامعة سطوحية انطلقت منها حلقات العلم والذكر والفهم السليم لصحيح الدين .


بل كيف اهتم بالأطفال فاحتواهم فكرا وتربية وقصته مع خليفته الاول سيدي عبد المتعال الأنصاري وكيف تكفل بتربيته في مدرسته الصوفية المستنيرة منذ كان طفلا وكيف تولاه بالرعاية إلى جانب غيره حتى صاروا اعلاما يشار إليهم بالبنان .


بل رأيت فلسفة الرجل ونظرته البعيدة حينما لم يكتف بجلوس تلاميذه حوله بل كان حينما يمنح أحدهم عهدا ويتيقن من اكتماله علما يبعث بهم إلى الآفاق والبلدان ولو كان الرجل يبحث عن مظهر أو جمع للناس حوله لاكتفى بوجودهم بجواره كنوع من العصبية والتفاخر!


بل رأيت وصيته الجامعة بإطعام الجوعى والتصدق على المساكين والشفقة على جميع خلق الله لا سيما عاصيهم.


رأيت بالفعل خلاصة مدرسته الفكرية «من انتصر على نفسه انتصر على أعدائه وبالمجاهدة تكون المشاهدة» .


جلست في صحن المسجد العريق أطالع الكتاب مستندا إلى أحد الأعمدة منتشيا بروحانية المكان مختبئا عن كل من يعرفني وأعرفه في وقت هو أشبه بالخلوة سافرت فيه عبر سفينة الزمان المبحرة واقفاً على الأطلال وكأني أراها وألامس أحداثها التي سطرها التاريخ بأحرف من النور عبر صفحاته المجيدة والمتجدده بتقلبات الأحداث جيلا بعد جيل .


رحلة روحانية رأيت أن أضع بعضاً من جوانبها بين يديك_سيدي القارئ_لترى كيف أن مصر بالفعل دولة كبيرة وإن اوليائها لم يكونوا وهما و أساطير كما يزعم البعض زورا وبهتانا بل هم حقيقة كبيرة وتاريخ كبير حافل بالعلم والمعرفة والبطولات وجزء لا يتجزأ من كيان هذه الوطن العظيم  .

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

رئيس لجنة السجون ومستشار هيئة رفع المظالم بمكتب رئاسة الجمهورية فهد غثاية لـ” الثورة”:توجيهات السيد القائد كان لها الأثر الكبير في تحسين أوضاع السجون

اللجنة قامت بصياغة وثيقة التزام يتعهد فيها القائمون على السجون بعدم الإساءة أو الاستغلال للسجناء  اللجنة أعدت كتابا توثيقيا لجرائم العدوان على السجون خلال سنوات العدوان  نتمنى على هيئة الزكاة إعادة النظر في بعض المعايير الخاصة بالسجناء المعسرين  بعض السجناء أصبحوا من حملة الشهادات العليا والجامعية وحفظة كتاب الله سجون ما قبل ثورة ٢١ سبتمبر كانت لتفريخ المجرمين والمخربين  عملنا على إيجاد مركز صحي في أغلب السجون المركزية والاحتياطية

 

أكد رئيس لجنة السجون ومستشار هيئة رفع المظالم بمكتب رئاسة الجمهورية الأستاذ فهد ناصر غثايه أن توجيهات السيد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي حفظه الله ورعاه كانت لها الأثر الكبير في تحسين أوضاع السجون المركزية والاحتياطية وتقديم الخدمات المطلوبة لهم بأفضل حال.

وأوضح رئيس لجنة السجون أن اللجنة أفرجت عمن يمكن الإفراج عنه حيث كانت تفرج عن الفي سجين في بعض السنوات، مشيرا إلى أن السجون المركزية تحولت بعد ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر المباركة إلى إصلاح وتأهيل ورعاية تنفيذا لتوجيهات واهتمام القيادة الثورية .. مبينا بأنه لايزال أمام إدارة السجون وأمام الجهات المختصة بالسجون الكثير لعمله للتطوير والتحسين بشكل أكبر وأفضل.

— وتطرق الأستاذ فهد ناصر غثايه في مقابلة خاصة أجرتها معه “الثورة” إلى أن اللجنة قامت بصياغة وثيقة إلتزام يتعهد فيها القائمون على السجون بعدم الإساءة أو الاستغلال للسجناء وأن ممارسات تكشف ينال مرتكبوها العقاب والجزاء الرادع وفقا للدين والقانون، وأن السجون باتت أماكن لإصلاح السجناء وإعادة تأهيلهم ثقافياً وعلمياً ومهنياً.

— وأشار رئيس لجنة السجون مستشار هيئة رفع المظالم بمكتب رئاسة الجمهورية بأنه تم إعادة تفعيل المعامل المهنية في الإصلاحيات المركزية في الأمانة واغلب المحافظات وأصبح بإمكان السجين ان يتعلم الحرف اليدوية مثل حياكة الجلديات والنجارة والحدادة والخياطة وغيرها من الحرف، واصبح هناك معرض كبير لبيع المنتجات التي يصنعها السجناء للمواطنين.. التفاصيل في ثنايا هذا اللقاء:

الثورة / معين محمد حنش

في البداية نرحب بالأخ الأستاذ فهد ناصر غثايه رئيس لجنة السجون مستشار هيئة رفع المظالم بمكتب رئاسة الجمهورية .. في البداية لو تحدثنا عن اهم الأسباب التي أنشأت لأجلها اللجنة ومتى أنشأت؟ وما هي نشاطاتها؟

– الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، في البداية نشكر لكم هذه الاستضافة الكريمة والتي تدل على اهتمامكم كما يسعدنا ان نكون معكم في هذه المقابلة ونسأل الله التوفيق والسداد.

— اما بالنسبة للجنة السجون فالحقيقة عند نجاح الثورة المباركة ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر المجيدة والخالدة، وبعد ان تخلص الناس من النظام السابق المرتهن كان من أول اهتمامات قائد الثورة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله ان يرفع الظلم عن كاهل الناس في شتى المجالات ومن تلك المجالات السجون.

— فوجهت القيادة الثورية والسياسية بإنشاء لجنة تهتم بالسجون في أوائل العام 2016م وكان الأخ المجاهد السيد يحيى بدر الدين الحوثي على رأس اللجنة آنذاك وعدد من الاخوة المجاهدين والقضاة وكنت من ضمن العاملين فيها آنذاك وهكذا عملت اللجنة وقامت بجهود جبارة تشكر عليها حتى منتصف العام 2017م عند ذلك توليت رئاسة اللجنة.

— وللعلم فأن لجنة السجون ليست جهة تنفيذية وأنما جهة رقابية وكل هذه الجهود هي بالتعاون مع الجهات التنفيذية التي لها كل الشكر على التعاون المستمر.

— كما أن اللجنة ليست لجنة دائمة انما في هذه المرحلة التي تمر بها البلاد وهي عون للجهات التنفيذية حتى تتحسن احوال البلاد.

قاض وأعضاء

ماهي اختصاصات ومهام لجنة السجون وهل حققت دورها في تحسين أوضاع السجون والسجناء؟

– ان اختصاص لجنة السجون هو رقابي وليس تنفيذياً ويختص في متابعة أوضاع السجناء والسجون والقيام بزيارات ميدانية للسجون والتواصل والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لتحسين وتطوير أوضاع السجون والعمل على توفير الظروف المعيشية المناسبة للسجناء بما يحفظ كرامتهم الإنسانية، وهذا هو العمل المحوري واختصاصها، وبعد ذلك عملنا لها خطة عمل واعتمدنا مركز شكاوى أو بالمعنى الأصح عمليات وخصصنا أرقاماً تستقبل أي شكاوى أو بلاغات من قبل المواطنين حول السجناء وتعمل على حلها بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وشكلنا فريق نزول ميداني يتكون من قاض وأعضاء يقوم بالنزول الميداني المستمر للسجون في الأمانة والمحافظات الحرة للاطلاع على أوضاع السجون والسجناء ودراسة ملفاتهم والعمل على حل أي إشكاليات بالإضافة إلى القيام بالمساعدة حسب الإمكان في توفير الاحتياجات الضرورية للسجون أثناء النزول الميداني الذي تقوم به اللجنة.

— كما تساهم اللجنة في متابعة قضايا السجناء والإفراج عنهم أو متابعة التصرف في قضاياهم في حال تأخرها أو تعثرها، وكذلك تساهم اللجنة في مساعي حل بعض القضايا اجتماعياً، وتقوم بإجراء دراسات ميدانية حول أوضاع السجون.

(الأثر الكبير)

لقد أصدر قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي يحفظه الله، العديد من التوصيات والتوجيهات للاهتمام بالسجون والرعاية للسجناء في كافة المجالات برأيك هل نفذت هذه التوجيهات؟

– السيد القائد يحفظه الله وبأكثر من خطاب ومناسبة أكد على ضرورة الاهتمام بالسجون وتصحيح أوضاعها ورعاية السجناء والاهتمام بهم، وكان لهذه التوجيهات وهذا الاهتمام الأثر الكبير في ارض الواقع، ورغم الصعوبات وظروف العدوان على بلدنا الا ان الاهتمام بالسجون والسجناء متواصل وفاعل سواء من قبل الجانب الأمني أو الجانب القضائي.

نقلة نوعية

كيف تقيمون الوضع الحالي للسجون بشكل عام في كافة الجوانب بعد ثورة 21 سبتمبر هل أصبحت أفضل مما قبل؟ وما التحسن الذي لاحظتمونه فيها؟

– في الحقيقة منذ ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المباركة أولت القيادة الثورية والسياسية الاهتمام الكبير بالسجناء وهناك جهود كبيرة جداً بذلت وتبذل في تحسين أوضاع السجون والاهتمام بالسجناء ورعايتهم، — وقد حدثت بفضل الله نقلة نوعية جداً في السجون عن ما كانت عليه في عهد النظام السابق، حيث كانت السجون قبل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المباركة عبارة عن أوكار لتفريخ المجرمين، وكذلك يعاني فيها السجناء من الفساد والظلم والابتزاز والاضطهاد بالرغم ان الإمكانيات آنذاك كانت كبيرة مقارنة بإمكانيات الدولة الآن في ظل العدوان والحصار. — اما الآن فقد أصبحت الإصلاحيات أماكن لإصلاح السجناء وإعادة تأهيلهم ثقافياً وعلمياً ومهنياً، حيث تقام فيها برامج إعادة التأهيل الثقافي واصبح هناك اهتمام كبير بالقرآن الكريم واصبح يتخرج منها حفظة لكتاب الله وكذلك يتخرج منها طلبة في مختلف المراحل التعليمية وكذلك طلبة دراسات عليا، وكذلك تم إعادة تفعيل المعامل المهنية في الإصلاحيات المركزية في الأمانة واغلب المحافظات واصبح بإمكان السجين ان يتعلم الحرف اليدوية مثل حياكة الجلديات والنجارة والحدادة والخياطة وغيرها من الحرف، واصبح هناك معرض كبير لبيع المنتجات التي يصنعها السجناء للمواطنين، كل ذلك كان في ظل توجيهات واهتمام القيادة الثورية والسياسية ولايزال أمامنا وأمام الجهات المختصة بالسجون الكثير لعمله للتطوير والتحسين بشكل اكبر وافضل.

إنجازات ملموسة

ما هي أبرز إنجازات وأعمال اللجنة في الإصلاحيات المركزية والسجون الاحتياطية؟

– بالنسبة للجنة السجون عملها يضم الإصلاحيات المركزية والسجون الاحتياطية وكذلك بقية السجون وأماكن التوقيف الأخرى في عموم المحافظات الحرة، وبالنسبة لأبرز إنجازات وأعمال اللجنة فالحمد لله وفي ظل عناية ومتابعة القيادة الثورية والسياسية وكذلك بالتنسيق والتعاون مع الجهات المختصة وعلى سبيل المثال لا الحصر.، فمنذ بداية عملها باشرت اللجنة عملها وأصلحت أوضاع السجون وأفرجت عمن يمكن الإفراج عنه حيث كانت تفرج عن الفي سجين في بعض السنوات وتبني سجوناً بالتعاون المستمر مع الجهات المختصة، وقد تمكنا بفضل الله من متابعة وتنفيذ خطة الاحتياجات الثقافية لأغلب السجون بالتنسيق والتعاون مع وزارة الداخلية حيث تم تركيب منظومة شاشات وصوتيات ووحدات تحكم بالشاشات وتوفير أجهزة كمبيوتر محمول وهاردات لأغلب السجون وتم تفعليها في برامج التأهيل الثقافي، وفي العام المنصرم 1445هـ تلقت اللجنة عبر قسم العمليات فيها المتاح للمواطنين عبر الاتصال بالأرقام 775881111 – 714881111 — فقد تلقت اللجنة اكثر من 649 بلاغاً حول تنسيق زيارات لأهالي سجناء وتقديم رعاية صحية لهم وغيرها وتم بفضل الله المتابعة والتعامل مع هذه البلاغات وتم الإفراج عن 87 سجيناً من خلال متابعة هذه البلاغات. — كذلك قامت اللجنة بالنزول الميداني لزيارة السجون في اغلب المحافظات الحرة وتم بفضل الله المتابعة والإفراج عن 251 سجيناً وإحالة 578 سجيناً للجهات المختصة، بالإضافة إلى توفير عدد من الشاشات والصوتيات والمصاحف والملازم والكتب الثقافية والدينية لبعض السجون الأخرى.

.. كذلك تم في العام المنصرم متابعة مشروع استكمال المبنى الجديد للإصلاحية المركزية بمحافظة الحديدة بالتنسيق مع قيادة السلطة المحلية والمكاتب التنفيذية بالمحافظة ومصلحة التأهيل والإصلاح وإدارة امن المحافظة وبفضل الله تم افتتاح عنابر جديدة للنزلاء وتم التخفيف من حالة الازدحام التي كانت تشهدها الإصلاحية، بالإضافة إلى متابعة سير العمل الثقافي في السجون بشكل مستمر وتقديم مبالغ مالية إعانة للثقافيين العاملين في السجون قدر المستطاع و قامت اللجنة بمتابعة إقامة الفعاليات الدينية والثقافية والوطنية في السجون وهذه الفعاليات تم تغطيها إعلاميا وتوثيقها من قبل مختلف القنوات الوطنية ووسائل التواصل الاجتماعي, وكذلك قامت اللجنة بمتابعة وإنشاء خلوات شرعية في السجون الاحتياطية بالأمانة التي لم يكن بها خلوات شرعية وتم بفضل الله إنشاؤها ويستفيد منها حاليا نزلاء تلك السجون، بالإضافة إلى متابعة ترميم بعض السجون وبفضل الله تم ترميمها مثل احتياطي علاية وهبرة بالأمانة وبناء ملاحق في احتياطي المعلمي بالأمانة، وتم خلال العام الماضي عقد عدة اجتماعات مع الأخ وزير العدل والأخ النائب العام وكذلك مع رؤساء ووكلاء النيابات لمناقشة أوضاع السجناء وتم الخروج بتوصيات ومعالجات وتقوم اللجنة بمتابعة تنفيذ مخرجات تلك الاجتماعات.

كتاب توثيق لجرائم العدوان

وماذا عن جرائم العدوان ؟

– قامت اللجنة بإعداد كتاب يوثق جرائم العدوان السعودي الأمريكي الإماراتي بحق السجون والسجناء والذي يضم إحصائيات عددية دقيقة لما تسبب به العدوان من خسائر بشرية ومادية من العام 2015 وحتى العام 2022م في السجون والكتاب باللغتين العربية والإنجليزية، وتقوم اللجنة بمتابعة الجهات المختصة لتنفيذ التوصيات التي تقررها اللجنة أثناء النزول الميداني المستمر للسجون، وكذلك قامت اللجنة بإعداد مواد توعوية مرئية تعالج بعض الظواهر السلبية التي تم ملاحظتها بين أوساط السجناء أو بالنسبة للقائمين على السجون, وهناك أيضا بعض الحالات الإنسانية التي تدخلت فيها اللجنة مثل حالة ثلاثة سجناء باكستانيين امضوا بالحبس حوالي 18 عاماً وانقطعت بهم السبل بعد ان تقدم بهم العمر ولا يوجد من يتابع قضيتهم فتم الرفع بقضيتهم من قبل اللجنة وجاء توجيه القيادة الثورية والسياسية بالإفراج عنهم ومساعدتهم من قبل الهيئة العامة للزكاة بمبالغ مالية وترحيلهم إلى بلادهم وتم بفضل الله المتابعة والإفراج عنهم وترحيلهم. وكذلك تم المتابعة عبر تقارير اللجنة السنوية وصدرت توجيهات الأخ المشير مهدي المشاط للجهات المختصة بمجانية المياه والكهرباء للسجون وبشكل دائم.

— وكذلك تقوم اللجنة بمتابعة الجانب الصحي في السجون حيث تم متابعة بناء مستوصفات ووحدات صحية في اغلب السجون وعلى رأسها الإصلاحية المركزية بالأمانة والذي اصبح فيه مستوصف يقدم الرعاية الطبية للسجناء وكذلك يقوم بإجراء بعض العمليات الجراحية، وكذلك تم متابعة جانب التغذية للسجناء وتم على أثر ذلك زياده المبلغ المخصص لمصلحه التأهيل والإصلاح ليتم شراء لحوم وخضروات ولو بشكل أسبوعي في السجون المركزية و في اغلب السجون وكذلك بقية الخدمات الأخرى.

نقلة نوعية حصلت في السجون

هل أنتم راضون عن وضع الإصلاحيات المركزية والسجون الاحتياطية فيما يقدمونه للسجناء في كافة المجالات؟ وهل عملتم على متابعة الإجراءات الكفيلة بالحد من أي انتهاكات لحقوق السجناء؟

في البداية وقبل ان نجيب على هذا السؤال يجب ان نشير إلى أن اغلب السجون في البلاد مبانيها قديمة حيث ان بعضها تم بناؤه في السبعينات والثمانينات وكذلك سعتها محدودة، ومع تزايد النمو السكاني أصبحت مشكلة الازدحام هي ابرز الظواهر التي نجدها في السجون وهذه الظاهرة تشكل تحدياً كبيراً أمام الجهات المختصة والقائمين على هذه السجون في توفير الرعاية والخدمات للسجناء بالشكل المطلوب، هذا التحدي يضاف اليه الظروف التي أوجدها العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على بلدنا من حصار واضرار بالجانب الاقتصادي للبلاد وإيجاد خلايا وحرب ناعمة وتشجيع وإيجاد المشاكل والتشجيع عليها وتغذية الصراعات كل هذ التحديات، كما كان لابد من بذل جهود كبيرة من قبل الجميع للتعامل معها والعمل على توفير الرعاية والخدمات للسجناء، ومن خلال واقع السجون اليوم نرى نجاحاً كبير في مواجهة هذه التحديات وكما اسلفنا هناك نقلة نوعية حصلت في السجون وما زال الوضع يتطلب المزيد من الجهود للتطوير والتحسين من واقع السجون بشكل اكبر وافضل.

— وبشكل عام الآن السجون وضعها جيد، اما بالنسبة للانتهاكات وحقوق السجناء كان السجناء في عهد النظام السابق يعانون من التعذيب والاضطهاد والانتهاك لكرامتهم وإنسانيتهم وحقوقهم تماماً كما هو حاصل الآن في سجون المرتزقة وخير مثال على ذلك ما يظهر كل فترة من جرائم ارتكبت بحق السجناء في سجونهم، وبفضل الله منذ ثورة 21 سبتمبر دخلت الثقافة القرآنية للسجون وتم الحد بشكل كبير من هذه الظواهر التي تمس بكرامة أو حقوق أي سجين كون ديننا الإسلامي يحرم التعذيب في السجون، واصبح أي إنسان تسول له نفسه الأضرار بأي سجين يُحاسب ويعاقب وينال جزاءه.

— وقد قامت اللجنة بعمل حملة توعية حول تحريم التعذيب في السجون وقامت بتوزيع ملصقات توعوية تحتوي على عبارات من محاضرات الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه حول تحريم التعذيب في السجون.، وكذلك قامت اللجنة بصياغة وثيقة التزام لكل العاملين في السجون وقد تم مراجعتها والموافقة عليها من القيادة الثورية والسياسية، حيث في هذه الوثيقة يتعهد كل العاملين في السجون أو من لهم علاقة عمل فيها بعدم القيام بأي أعمال أو تصرفات مخلة بالأمانة أو فيها إساءة أو استغلال للسجناء، وقد تم انزالها وبصّم عليها كل من له علاقة بالسجون والسجناء ويوجد نسخ في مكتب المفتش العام بوزارة الداخلية ، مع العلم اننا كذلك نقوم بزيارة السجون الخاصة بالأسرى بشكل مستمر لتفقد أوضاعهم والمفارقة العجيبة ان سجون الأسرى عندنا افضل من السجون العادية في تقديم الخدمات، وهذا يدل على القيم الإيمانية والإنسانية التي تحملها المسيرة القرآنية المباركة.

لدينا رؤية

هل تملكون رؤية وخططاً مستقبلية للنهوض بأوضاع الإصلاحيات المركزية والسجون الاحتياطية مستقبلا؟

– نحن من خلال عملنا في مجال السجون لسنوات طويلة، لدينا رؤية وتصور للنهوض بأوضاع السجون وتحسين وتطوير العمل فيها، ونقوم بشكل مستمر بالتنسيق والتعاون مع الجهات المختصة حول الاستفادة من الخبرات التي لدينا والتي لدى هذه الجهات في سبيل الرقي بأوضاع السجون والسجناء، كون السجون هي مسؤولية الجميع وليس فقط الجهات الرسمية، فنحن نريد ان تكون الإصلاحيات عبارة عن مدرسة تستطيع إعادة تأهيل السجناء وإخراجهم للمجتمع كأفراد صالحين منتجين قادرين على المساهمة في مسيرة البناء والتنمية لمجتمعهم وبلادهم.

السجناء والجهات القضائية

ما هي العوائق والصعوبات التي تواجهونها في تنفيذ مهامكم وأعمالكم في كافة المجالات؟

– ان من أكبر الصعوبات والعوائق هو ما قام ويقوم به العدوان الظالم على بلدنا من دمار وحصار نقوم ببذل كل الجهود الممكنة للتغلب عليها بإذن الله، ولكن أيضا من ابرز العوائق التي نواجهها هي الاشكاليات ما بين السجين والجهات القضائية مثل تأخير وتعثر قد يحصل في قضايا بعض السجناء والذي سببه الأبرز قلة الكادر القضائي، وظاهرة بقاء السجناء المعسرين بالسجون بعد انتهاء فترة محكوميتهم.

— وهناك جهود جيدة من الهيئة العامة للزكاة فيما يخص السجناء المعسرين ولكن هناك بعض الإجراءات والمعايير التي نتمنى ان يتم النظر فيها من قبل الهيئة مراعاة للسجناء المعسرين خصوصاً من امضوا فترات طويلة في السجون، ومشكلة الازدحام في السجون وكل هذه العوائق يجري العمل على قدم وساق لوضع حلول عملية لها وتتضافر جهودنا مع جهود باقي الجهات المختصة في ذلك والحمد لله العمل الجاري له مؤشرات تبشر بنجاح هذه الجهود بإذن الله.

— كما نرجو تحسين الإجراءات القضائية والأمنية لا ان تشدد، فكل عام تظهر لنا إجراءات أكثر صعوبة والمرجو الاكتفاء بالإجراءات المعمول بها قانوناً مع تحسين الأداء والتسريع فيه، العدوان على بلدنا لا زال متواصلاً منذ العام 2015م وحتى الآن وان شهدت السنوات الأخيرة تهدئة في وتيرة العدوان.

مراكز تأهيل

من خلال عملكم لسنوات طويلة في مجال السجون واطلاعكم على قضايا وأوضاع السجناء، ما هو الدور المنوط بالسجون كمراكز تأهيل في مواجهة مخططات العدوان لتفشي الظواهر الإجرامية وزعزعة الأمن؟

العدوان على بلدنا استهدف كل شيء سواء بالحرب العسكرية أو بالحرب الناعمة وهناك تركيز على الجبهة الداخلية بالذات بعد ان فشل -بفضل الله- في تحقيق أي إنجازات بالحرب العسكرية، ومن الجوانب التي يعمل عليها العدوان هي خلق الفوضى ونشر الجريمة بكل أنواعها وخصوصا ما يتعلق بالفساد الأخلاقي وضرب القيم الإيمانية والأخلاقية التي تحصن المجتمع من الفساد الأخلاقي وانهيار القيم الإيمانية والتقاليد الأصيلة والمحافظة وتحريك الصراع الطائفي وخلق النزاعات والصراعات، وبفضل الله الجهات الأمنية في بلدنا لها إنجازات كبيرة في كشف مخططات العدو في هذا الجانب وإفشالها وتثبيت الأمن والاستقرار في المحافظات الحرة، وهنا تحديداً يأتي دور السجون لكي تقوم بواجبها المنوط بها كمكون من مكونات الجانب الأمني وهذا الدور يوازي ويكمل عمل الجانب الأمني والقضائي في المحافظة على أمن المجتمع والتصدي لمؤامرات العدوان.

— وللتوضيح أكثر فالأمن يبذل جهوداً كبيرة في الحفاظ على أمن المجتمع من أي جرائم قد تظهر ويقوم بضبط كل من يرتكب جريمة تخالف القانون، ويقدمه للجانب القضائي والذي بدوره يقوم بالتحقيق والتأكد من إدانة أو براءة أي متهم تم ضبطه من الجهات الأمنية لتحقيق العدالة اما بإدانة المتهم بالجريمة المنسوبة اليه ومعاقبته أو ببراءته منها وإخلاء سبيله. — وهنا يأتي دور السجن المتمثل في تتويج جهود الجانب الأمني والقضائي عبر إعادة تأهيل وإصلاح السجناء سواء المحبوسين احتياطيا أو المحكومين لكي يتم أعادتهم إلى المجتمع كأفراد صالحين لا يعودون إلى الجريمة مرة أخرى ولا يشكلون عبئاً على الأمن والقضاء ولا يشكلون خطرا مرة أخرى على المجتمع بل ويساهمون في مسيرة البناء والتنمية في المجتمع.

— فالسجن اذا قام بدوره على اكمل وجه فإنه سيساهم بشكل كبير في مكافحة الجريمة والحد منها وتثبيت الأمن والحفاظ على السكينة العامة وإفشال مخططات العدو والحفاظ على بنية المجتمع والتنمية فيه، فدور السجن ضمن ما شرحناه يتلخص بتقديم الخدمات للسجناء وحفظ كرامتهم والإحسان لهم وبنفس الوقت تقديم برامج إعادة التأهيل الديني والمهني والعملي، وتقديم هدى الله لهم، فالسجين هو إنسان قد يخطئ ويقع في الذنب ويقع فريسه للحرب الناعمة أو هوى النفس أو وساوس الشيطان أو ضحية لعقائد خاطئة أو بسبب ظروف أسرية أو اجتماعية أو اقتصادية، وهو بأمس الحاجة لتقديم العون له والنظر له بإنسانية ومساعدته للعودة للمسار الصحيح سواء في أيمانه أو أخلاقه أو في طريقة تفكيره، وإكسابه مهنة تساعده في الحصول على الزرق الحلال بدلاً عن المال الحرام، وكذلك مساعدته في استكمال تعليمه في مختلف المراحل التعليمية، وبذل كل ما يمكن من اجل إصلاحه وعدم اليأس من إمكانية إعادة إصلاحه فالنفس البشرية بفطرتها تحتاج الى هدى الله وتتقبله وتستجيب له وتتفاعل معه، وللعلم حتى المتهم الذي يثبت براءته يجب ان يكون السجن له بمثابة فرصة لمراجعة النفس والاحتساب والصبر والثبات والعودة الى الله.

— لذلك فالسجون لها دور محوري ومهم جدا ضمن مكونات الجانب الأمني كونها تشارك في نجاح كل الجهود المبذولة على مستوى الدولة في الحفاظ على الأمن والرقي بالمجتمع.

معايير في السجون

هنا يأتي سؤال مهم، كيف يمكن للسجون ان تقوم بدورها المهم الذي تحدثتم عنه؟

في كل انحاء العالم السجون لها قوانين وأنظمة ومعايير محددة سواء فيما يتعلق ببنيتها التحتية وتنظيم عملها والخدمات المقدمة فيها او فيما يتعلق ببرامج إعادة التأهيل والإصلاح التي تقدم فيها، وفي بلادنا ومنذ عشرات السنين لم يتم الاهتمام بجانب المعايير في السجون وعدم الاهتمام ببنيتها التحتية كما اشرنا سابقاً، ولكن بفضل الله بذلت جهود كبيرة جدا لمعالجة ذلك بحسب الإمكانيات المتاحة للدولة.

ومن اهم الأشياء التي نرى أخذها بعين الاعتبار لكي تنجح السجون بالقيام بدورها هي الاهتمام بتقديم الخدمات للسجناء، فالسجين عندما تتوفر له الخدمات وتحفظ له كرامته سيشعر بالهدوء والاستقرار ويكون نفسياً جاهزا لبدء مرحلة إعادة التأهيل والإصلاح، وكذلك الإحسان للسجناء فالإحسان له دور كبير في جذب اهتمام وتفاعل الإنسان وتقبله لما يقدم له من برامج إعادة تأهيل وإصلاح، وكذلك الاهتمام بمعايير اختيار العاملين في السجون فيجب ان يكونوا من أهل الإيمان والإحسان والزهد لكي يكونوا قدوة للسجين ويتأثر بهم وبمعاملتهم له وسلوكهم أمامه وليس العكس فلا يمكن للسجين ان يتقبل نصح وكلام القائمين على السجون وهم أمامه يتصرفون بعكس ما يقولون فالله سبحانه وتعالى يقول (كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون)، كذلك من المهم جداً الاهتمام بتقديم هدى الله للسجناء.

— فهدى الله هو المحور الأساسي الذي سيجعل السجين يتفاعل ويتقبل ويستفيد من برامج إعادة التأهيل الأخرى، فإذا اقتنع ووجد السجين انه كان على خطأ ووصل إلى حالة من الندم والشعور بالذنب تجاه ما سبق من تصرفات أو سلوكيات نتجت منه، سيدفعه ذلك للعودة والتوبة إلى الله والعزم على تغيير واقعه وتصحيح مسار حياته، وكذلك من المهم جدا ان يحصل السجين على كامل حقوقه القانونية في مختلف مراحل التقاضي كون أي ظلم أو تأخير أو عرقلة تنال السجين تسبب في شعوره بالإحباط واليأس والغضب فلا يتقبل ولا يتفاعل مع برامج إعادة التأهيل والإصلاح التي تقدم له داخل السجن.

نظرة دونية للسجين

كيف تقيمون نظرة المجتمع للسجين؟ وما هو دور المجتمع تجاه السجين سواء اذا كان بالسجن أو بعد خروجه من السجن؟

– كما تحدثنا السجين مسؤولية الجميع سواء الجانب الرسمي أو الجانب المجتمعي، فالسجين هو جزء من المجتمع لا يمكن انكاره أو تهميشه أو تجاهله، وعدم التعامل معه بشكل مسؤول سيؤدي إلى بقائه عبئاً وخطراً على المجتمع. خصوصا نظرة المجتمع إلى السجين فهي تمثل جزءاً مهماً من عملية إعادة تأهيله وإصلاحه، فالمجتمع اذا تقبل فكرة إعادة دمج السجين كفرد صالح داخل المجتمع خصوصا بعد ان تم إصلاحه وإعادة تأهيله فإن ذلك سيساعد على نجاح الجهود التي على السجين لإعادة إصلاحه وسيجعل السجين يشعر بالاستقرار داخل المجتمع ويشجعه لعدم العودة مرى أخرى إلى أي سلوك إجرامي، اما اذا ظلت نظرة المجتمع للسجين نظرة سوداء لا تتقبله وتنظر اليه بالريبة والمقت والكرة فسيشكل ذلك دافعاً لدى السجين للحقد على المجتمع والعودة مرة أخرى للسلوك الإجرامي.

— أيضا هناك دور مهم للمجتمع تجاه السجناء داخل السجون مثل مراعاة اسر السجناء التي فقدت عائلها بسبب حبسه ومواساتها والاهتمام بها وعدم النظر لها بعين الدونية أو الازدراء أو السخرية بسبب حبس احد أفرادها والحكم على الأسرة كاملة بذنب واحد منها، وكذلك التجار واهل الخير عليهم تقديم المساعدة للسجناء المعسرين ومساعدة الجهات الرسمية في ذلك، وكذلك على المجتمع أي يساهم في مساعي حل القضايا اجتماعياً فهناك الكثير من القضايا التي تتطلب فقط تحركاً اجتماعياً لحلها والسعي للصلح فيها.

وضع السجينات حالياً

من القضايا الحساسة اجتماعيا في بلدنا مسألة السجينات من النساء؟ كيف ترون وضع السجينات حاليا؟

– بالفعل شعبنا شعب محافظ خصوصا فيما يتعلق بالمرأة ولا يتقبل مسألة ارتكابها لجريمة أو دخولها في إصلاحيات لإعادة تأهيلها وإصلاحها، وفي الحقيقة هذا الجانب يحتاج أن نراه من منظور إيماني إنساني واقعي، فقبل ان نتكلم عن السجينات يجب ان نعرف ان المرأة لا تصل إلى حد ارتكاب جريمة الا في ظل وجود أسباب دفعت بها إلى ذلك مثل التفكك الأسري أو عدم الاهتمام بتربيتها التربية الإيمانية الصحيحة وفي حالات أخرى تركها لتكون ضحية للحرب الناعمة بمختلف وسائلها، وعدم وجود رقابة ومتابعة من الأهل لتقويم سلوكها وإرشادها والاهتمام بها، بالإضافة إلى أسباب أخرى غير ذلك.

— ولكن المشكلة ان الأهل لا يصحون إلا بعد ارتكاب المرأة للجريمة ولا يشعرون انهم يتحملون جزءاً من المسؤولية عن ما وصلت اليه الأمور، فنجد من يتبرأ او من لا يتابع قضايا السجينات.

— وهنا يجب الاهتمام بالمرأة من قبل الأهل والحفاظ عليها ومتابعتها، وفي حال ارتكبت أي جريمة فيجب كذلك عدم تركها والتخلي عنها والشعور بالعار تجاهها فهذا التصرف لن يصلح ما قد وقع بل سيساهم في تفاقهم المشكلة وضياع المرأة ومستقبلها، ويجب على المجتمع ان يستوعب التعامل الصحيح والنظرة الصحيحة لمثل هذه الأمور.، ولتكن نظرتنا المحافظة وعاداتنا وتقاليدنا الدافع لنا للتصرف بشكل صحيح وعقلاني ومسؤول وإنساني تجاه السجينة فاستيعابها واحتوائها وإصلاحها والاهتمام بها لإعادتها إلى المسار والسلوك الصحيح.

— اما بالنسبة لوضع السجينات في بلادنا.، فالحمد لله عدد السجينات لازال قليلاً، وهناك اهتمام كبير بفئة السجينات والمحافظة على حقوقهن وخصوصيتهن وتقديم الخدمات لهن، وكذلك تقديم برامج إعادة التأهيل الديني والثقافي لهن، وكذلك إعادة التأهيل المهني بما يناسبهن من حرف مثل الخياطة وصناعة العطور والبخور، وكل ما نعانيه في الحقيقة هو الغياب الكبير لدور المجتمع ونظرته القاصرة والقاسية تجاه السجينة.

كلمة أخيرة

هل لك كلمة أخيرة تود توجهها للجهات والمجتمع؟

اذا كان من كلمة فهي رسالة للمجتمع ان يقوم ويحرص على مساعدة أبنائه في تقويم سلوكه فنحن أبناء شعب واحد وكل خلل يشاهده الناس يجب ان يعملوا على إصلاحه لا أن يشاهد الجار أبناء جيرانه ينحرفون أو يريدون الإقدام على خطا ويسكت!!، فلعل بعض الجيران كلامه مؤثر لأجل الله وإصلاح عباده.

— ثانياً البعض وللأسف يرى ان النصح خطأ، ولكن القرآن قدم نظرة جميلة للنصح على لسان نبي الله زكريا عليه السلام (أنى لك هذا)، فعلى الآباء ان يسألوا أبناءهم ويحرصوا كل الحرص على المال الحلال والمهنة الكريمة، لأننا اذا حافظنا على ما ذكرت سابقاً، فهذه نصيحتي التي أرى انها ستحد من الجريمة بشكل كبير. وكذلك ان يبعد الآباء أبناءهم عن رفقاء السوء، وكذلك التقليل من الثغرات والكبر وتضخيم المشكلات، لأن الله علمنا في كتابه ( ادفع بالتي هي احسن).

— والبعض وللأسف اذا شاهد مشكلة زادها سعيراً واشتعالاً.، فيا شعبنا العظيم انتم امل المستضعفين في هذا العالم، الله الله في كظم الغيض وتهدئة الناس بعضهم بعضا، كفانا سجوناً وسجناء.

مقالات مشابهة

  • خطر الذوبان يهدد أقرب مطار إلى القطب الشمالي في العالم
  • حسين خوجلي يكتب: الوقوف على الأطلال
  • أوقاف كفر الشيخ تنظم قافلة دعوية كبرى بمسجد السلاهيب الكبير | صور
  • د.حماد عبدالله يكتب: قرأت لك
  • حكايات المكبرين للأوائل.. الجامع الكبير ساحة المعركة الأولى (الحلقة الثالثة)
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: سبعون سنة يتيهون في الأرض
  • حسين خوجلي يكتب: حصريا على أحرار كردفان
  • الشناوي: الأهلي هدفه تحقيق البطولة الثالثة على التوالي لدوري أبطال أفريقيا
  • رئيس لجنة السجون ومستشار هيئة رفع المظالم بمكتب رئاسة الجمهورية فهد غثاية لـ” الثورة”:توجيهات السيد القائد كان لها الأثر الكبير في تحسين أوضاع السجون
  • السفير التركي بالقاهرة: حياتي تغيرت حينما رأيت أطفال غزة المصابين