استدعاء الحملات الصليبية في الحرب ضد قطاع غزة
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
سعت الولايات المتحدة والدول الأوربية إلى إيجاد تغييرات محورية وهامة في مفهوم التطرف والإرهاب الديني، ولتحقيق هذه التغييرات استخدمت الولايات المتحدة نفوذها الواسع في مراكز الفكر والأبحاث لربط الإسلام والمسلمين بالتطرف الديني، ومحاولة إيجاد انحصار مفاهيمي لهذا المصطلح وربطه بالمسلمين وحدهم. ولهذا فقد ركّزت إسرائيل والولايات المتحدة معاً على نزع صفة التحرر السياسي والنضال ضد الاحتلال عن المقاومة ووصفها بـ"الإرهابية" وقد ذهبوا في بعض الأحيان إلى أبعد من ذلك من خلال وصف هجماته حماس ضد مستوطنات قطاع غزة بـ"الهجمات البربرية".
إن من أهم التصريحات التي ألقى بها نتنياهو خلال 23 يوماً من الحرب على غزة، كان تصريحه أمام الكنيست الإسرائيلي حين وعد بتحقيق "نبوءة أشعياء". هذه النبوءة هي جزء من سفر أشعياء المكون من 66 فصلاً في الكتاب المقدس، حيث تتحدث هذه النبوءة عن قيام دولة إسرائيل الكبرى بين نهري النيل والفرات وإحداث دمار هائل في كل من العراق ودمشق واليمن ومصر.
استحضار هذه النبوءة في الخطاب والوعي السياسي الإسرائيلي والأمريكي ما هو إلا محاولة إحياء حقبة الحروب الصليبية التي دارت بين القرن الحادي عشر والقرن الثالث عشر الميلادي. بدأت هذه الحرب عندما أطلق البابا أوربان الثاني الحملات الصليبية في مجمع كليرمون عام 1095، ودعا أوربان المسيحيين إلى حمل السلاح ضد المسلمين وتحرير الأرض المقدسة. وقوبل خطابه بحماس كبير، وتطوع آلاف الأشخاص من جميع أنحاء أوروبا للانضمام إلى الحملة الصليبية.
تم شن الحروب الصليبية لعدة أسباب، حيث اعتقد بعض المسيحيين أن من واجبهم النضال من أجل الإيمان وتحرير الأرض المقدسة من سيطرة المسلمين. وكان الدافع وراء البعض الآخر هو العوامل الاقتصادية، مثل الرغبة في السيطرة على طرق التجارة أو الحصول على أراضٍ جديدة، كما بحث آخرون عن المغامرة والمجد في الأراضي التي كانت تخضع لحكم المسلمين.
كانت الحملة الصليبية الأولى ناجحة، حيث استولى الصليبيون على القدس عام 1099 وأنشأوا عددًا من الدويلات الصليبية في الأرض المقدسة. ومع ذلك، لم يتمكن الصليبيون من الحفاظ على سيطرتهم على المنطقة. فقد شن المسلمون سلسلة من الهجمات المضادة، وبحلول 1187 تم طرد الصليبيين من الأراضي الفلسطينية على يد قوات الناصر صلاح الدين الأيوبي.
تعتبر الولايات المتحدة وإسرائيل أنّ هذه الحروب لم تنته بعد، ولا زالت هناك جولة أخيرة سيخوضها هؤلاء ضد المسلمين في الأراضي المقدسة في فلسطين. ولذلك فإن خطابات الرئيس الأمريكي جو بادين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تم تحشيدها بطريقة تظهر بأن الصراع في فلسطين بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص ليس صراعاً للتحرر من الظلم والاحتلال، بل هو صراع ديني قائم بين اليهود والمسلمين. ولذلك فإن كل عمليات الدعم العسكري وتحريك حاملات الطائرات الأمريكية وتقديم الذخائر إلى إسرائيل، وإن كان يتم تحت غطاء منع أطراف أخرى من الدخول في النزاع، إلا أن هدفه الحقيقي هو الاشتراك في الحملة ضد قطاع غزة. وهذا بالضبط ما تظهره تصريحات الرئيس الأمريكي عندا قال بأنه طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن يكون رد إسرائيل حاسماً ضد حركة حماس في قطاع غزة.
في الحقيقة وعلى عكس الولايات المتحدة وإسرائيل، لا تنظر حركة حماس ولا الشعب الفلسطيني في قطاع غزة إلى هذه الحرب على أنها حرب دينية، بل هي حرب تحرر واستعادة الأرض المحتلة من قبل إسرائيل. وهم يستندون في وصفهم هذا إلى قرارات الأمم المتحدة (242، 1860، 2334 والعديد من القرارات الأخرى) التي وصفت إسرائيل بأنها قوة احتلال. وعلى عكس غرف العمليات المشتركة الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية، والدعوات الفرنسية لتشكيل تحالف ضد حماس، فإن حماس وعلى لسان الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة لم تطالب أي جيوش عربية "لا سمح الله" بالتدخل في المعركة، بل طالبتهم بإدخال المساعدات إلى الشعب المحاصر في غزة.
ختاماً، لم يعد يخفى على أحد بأن العملية الهمجية والإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان غزة ما هي إلا جزء من حرب لتصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد. ولا تتردد كل من إسرائيل والولايات المتحدة وحلفاؤهما في أوروبا في استخدام المصطلحات الدينية لإضفاء الطابع الديني على هذه الحرب وإفراغ مفهوم حركة التحرر الفلسطينية من مضمونه.
وبناء على ما تقدم، فإن الخيار الأنسب اليوم بالنسبة لنا كمسلمين وعرب هو دعم الشعب الفلسطيني بشتى الوسائل والطرق والمطالبة بإدخال المساعدات إلى غزة، والتظاهر بشكل مستمر أمام السفارات الأمريكية حول العالم بوصفها شريكة حرب مع إسرائيل. وهذا بالضبط ما تنبه إليه الشعب الإندونيسي في جاكرتا والشعب الموريتاني في نواكوشط عندما تجمعا بشكل مهيب أمام السفارتين الأمريكيتين مطالبين بوقف العدوان على قطاع غزة. ونرجو من الشعوب العربية والمسلمة التظاهر عند هذه السفارات في أي مكان في العالم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الحروب المسلمين الفلسطينية اليهود فلسطين غزة المسلمين اليهود حروب مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تعلن توسيع العملية البرية في قطاع غزة
أعلن الجيش الإسرائيلي الجمعة إطلاق عملية برية جديدة في مدينة غزة بشمال القطاع، مؤكدا أنها تهدف إلى توسيع نطاق المنطقة الأمنية التي يعمل على إقامتها داخل الأراضي الفلسطينية.
إلى ذلك، أعلن الدفاع المدني في القطاع المحاصر مقتل 30 شخصا على الأقل « منذ فجر » الجمعة.
وعاودت إسرائيل منذ استئنافها القتال في القطاع الشهر الماضي بعد هدنة استمرت أسابيع، شن ضربات واسعة وتنفيذ عمليات برية في مختلف أنحاء القطاع. وأكد مسؤولون إسرائيليون أن العمليات هدفها الضغط على حماس للإفراج عن الرهائن الذين تحتجزهم منذ اندلاع الحرب عام 2023.
وتزامنا مع توسيع عملياته في القطاع الفلسطيني، شن الجيش الإسرائيلي غارة في صيدا كبرى مدن جنوب لبنان، أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص بينهم عنصران من كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وأعلن الجيش بدء عملية برية في الشجاعية بشرق مدينة غزة.
وقال إنه « يوسع العملية البرية في شمال قطاع غزة »، وبدأ « العمل في الساعات الماضية في منطقة الشجاعية… بهدف تعميق السيطرة في المنطقة وتوسيع منطقة التأمين الدفاعية ».
وأفاد الجيش بأنه « في إطار العملية، قضت القوات على عدد من الإرهابيين ودمرت بنى تحتية إرهابية ومن ضمنها مجمع قيادة وسيطرة استخدمه عناصر حماس لتخطيط وتوجيه أنشطة إرهابية ».
وقالت إيلينا حلس التي تقطن حي الشجاعية لوكالة فرانس برس إنها محاصرة مع عائلتها في منزل شقيقتها، مشيرة إلى أن « جيش الاحتلال قريب جدا ».
أضافت « القذائف والصواريخ تسقط على منازل وخيام الأبرياء كالحمم البركانية… الوضع خطير جدا والموت يدهمنا من كل اتجاه ».
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس قال الأربعاء إن الجيش يوسع عملياته في غزة للسيطرة على « مناطق واسعة »، بعد استئناف هجومه على القطاع المدمر في مارس الماضي.
وأضاف في بيان أن العملية « تتوسع لتدمير المنطقة وإخلائها من الإرهابيين والبنية التحتية الإرهابية، والسيطرة على مناطق واسعة سيتم دمجها في المناطق الأمنية الإسرائيلية ».
كما أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الأربعاء أن الجيش يقوم بـ »تجزئة » قطاع غزة و »السيطرة » على مساحات فيه، للضغط على حماس من أجل إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم.
وأفاد الدفاع المدني وكالة فرانس برس عن سقوط « 30 شهيدا في قطاع غزة منذ فجر اليوم »، مشيرا إلى أن هذه « ليست حصيلة نهائية ». من جهته، لفت مصدر طبي في مستشفى ناصر في خان يونس الى سقوط 25 قتيلا جراء ضربة إسرائيلية في المدينة الواقعة في جنوب القطاع.
وكان الدفاع المدني أفاد الخميس عن مقتل 31 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 100 آخرين في غارة استهدفت مدرسة دار الأرقم التي كانت تؤوي نازحين في حي التفاح شمالي شرق غزة.
وأعلن الجيش الإسرائيلي الخميس شن غارة على « مركز قيادة وتحكم تابع لحماس » في نطاق مدينة غزة.
ولم يتضح ما إذا كان الجيش يتحدث عن الغارة نفسها التي استهدفت المدرسة.
وبكت رغدة الشرفا التي كانت من بين الناجين من الغارة وقالت « كأنه يوم القيامة، أصبح كل شيء مظلما وبدأنا بالبحث عن أطفالنا وأشيائنا ولكن لم يبق أي شيء ».
ودانت حماس الضربة، مت همة الحكومة الإسرائيلية بمواصلة « استهداف المدنيين الأبرياء في سياق عمليات الإبادة الجماعية » في القطاع.
ومنذ استئناف القتال، أعلنت وزارة الصحة التي تديرها حماس مقتل 1249 شخصا في الهجمات الإسرائيلية.
وأعلنت الوزارة الجمعة ارتفاع الحصيلة الإجمالية للقتلى في القطاع منذ اندلاع الحرب إلى 50609 اشخاص.
ودان الأردن الجمعة توسيع إسرائيل « عدوانها » على قطاع غزة ومواصلتها « الاستهداف الممنهج للمدنيين، ومراكز ايواء النازحين »، مع إعلان الجيش الإسرائيلي عملية برية جديدة في غزة.
واندلعت الحرب إثر هجوم غير مسبوق شنته حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.
وتسبب الهجوم بمقتل 1218 شخصا، بحسب أرقام إسرائيلية رسمية.
وخلال الهجوم، خطف 251 شخصا، لا يزال 58 منهم محتجزين في غزة، بينهم 34 شخصا توفوا أو قتلوا، بحسب الجيش.
وامتدت تبعات الحرب الى أنحاء أخرى في الشرق الأوسط، منها لبنان حيث أعلن حزب الله في الثامن من أكتوبر 2023، فتح جبهة « إسناد » دعما للقطاع الفلسطيني وحليفته حماس.
ورغم سريان وقف لإطلاق النار في لبنان منذ نوفمبر، تواصل إسرائيل شن ضربات.
والجمعة، نعت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، قياديا وعنصرا هو نجله، في ضربة إسرائيلية في صيدا بجنوب البلاد.
ونعت الكتائب في بيان « القائد القسامي » حسن أحمد فرحات ونجله حمزة حسن فرحات، مشيرة الى أنهما قضيا الى جانب جنان ابنة حسن، في الضربة.
ورأى مراسلون شقة في الطابق الرابع من أحد المباني مدمرة بينما اندلعت فيها النيران. كما رأى الأضرار التي لحقت بأبنية مجاورة وعدد من المحال التجارية والسيارات القريبة.
وأثارت الضربة حالة ذعر في صيدا البعيدة من الحدود مع إسرائيل.
وأكد الجيش الإسرائيلي في بيان أنه « قضى على الإرهابي المدعو حسن فرحات قائد القطاع الغربي التابع لحماس في لبنان »، متهما إياه بالضلوع في « مخططات إرهابية عديدة » ضد الدولة العبرية، والوقوف وراء عملية إطلاق قذائف صاروخية أسفرت عن مقتل مجندة في الجيش الإسرائيلي وإصابة عدد آخر بجروح في 14 فبراير 2024.
وأتت تلك العملية في خضم تبادل للقصف عبر الحدود بين حزب الله وإسرائيل. ولم تعلن أي جهة في حينه مسؤوليتها عنها.
وندد رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام بما وصفه بأنه « اعتداء صارخ على السيادة اللبنانية » و »خرق واضح » لاتفاق وقف إطلاق النار.
ودعا إلى « وجوب ممارسة أقصى أنواع الضغوط على إسرائيل لإلزامها بوقف الاعتداءات المستمرة التي تطال مختلف المناطق ولا سيما السكنية ».
تأتي الغارة الأخيرة بعد أيام على مقتل أربعة أشخاص، من بينهم القيادي في حزب الله حسن بدير ونجله، في غارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية، رغم اتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ 27 نوفمبر.
وإضافة الى الضربات في لبنان، شنت إسرائيل غارات جديدة على سوريا ليل الخميس بعد ساعات قليلة من تنفيذها سلسلة ضربات وعمليات توغل دامية نددت بها الأمم المتحدة واعتبرتها دمشق محاولة لزعزعة استقرارها.
كلمات دلالية إسرائيل حرب غزة لبنان