صحيفة التغيير السودانية:
2025-03-15@00:05:50 GMT

أكبر حروبات الثورة المضادة

تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT

أكبر حروبات الثورة المضادة

وائل محجوب

• إذا كان انقلاب ٢٥ اكتوبر الذي نفذته قيادات الجيش والدعم السريع هو انقلاب للثورة المضادة، فإن هذه الحرب التي أكملت شهرها السابع، هي أكبر حروبات قوى الثورة المضادة وخرابها، في سعيها لبسط هيمنتها الكاملة على السلطة، وكانت نتيجتها المباشرة الآلاف من القتلى والجرحى والمصابين، والملايين من المشردين داخل وخارج البلاد، وخرابا فاق حجمه ١٠٠ مليار دولار، دمر البلاد وخرب منشآتها العامة والخاصة، وحطم اقتصادها، ومزق نسيجها الاجتماعي، ويسعى لهدم أسس التعايش السلمي لمكوناتها.


• من ينظر للقوى المشاركة في هذه الحرب، وطبيعة حلفاء كل طرف من طرفيها عسكريا، يدرك بوضوح لا لبس فيه، مقدار السوء الذي تنطوي عليه هذه الحرب، بما لا يصح معه وصفها بحرب للكرامة، ولا معركة للديمقراطية، فهي قد أطلقت روح الشر الكامنة في مجموعات الانقاذ العسكرية ومليشياتها المختلفة، وقادت البلاد لسلسلة من جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، التي هي بضاعة للإنقاذ وعهدها، وسبة تطارد قادتها الكبار، وتابعيهم من بقاياها في اللجنة الأمنية.
• من المهم تفكيك القوى الضالعة في هذه الحرب، فهي لم تعد مجرد حرب بين طرفين، انما هي صراع بين قوى مختلفة، انتجها نظام الإنقاذ في إطار حروبه وتكتيكاته السياسية، ورعتها من بعده، قيادة اللجنة الأمنية، في سعيها لإضعاف الحكومتين الانتقاليتين، ومساعيها للهيمنة والاستيلاء على السلطة، ومحاصرة القوى المدنية.
• هذه الحرب تشمل القوى التالية؛
– القوات المسلحة؛ وتتحالف معها التنظيمات المسلحة لحزب المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية وحلفائها، مثل كتيبة البراء بن مالك “أحد أذرع الأمن الطلابي المسلحة”، وكتائب الجهاديين السلفيين، ومجموعات الدفاع الشعبي التي تم إعادة تجميعها، وهيئة عمليات جهاز المخابرات التي تم إعادة عناصرها للخدمة، عقب اندلاع الحرب، ومجموعات الأمن الشعبي.
– قوات الدعم السريع؛ والتحقت بها قوات المك أدم شوتال، وهي فصيل منقسم من الحركة الشعبية قطاع النيل الأزرق، وقوات درع البطانة بقياد عبد الباقي كيكل، وهي قوات تم تأسيسها ودعمها بواسطة الجيش، وفق ما تردد، ولكنها انحازت للدعم السريع بعد بدء الحرب، وقوات تمازج بقيادة احمد أدم “قجة”، وهي من ضمن القوات التي تم الزج بها في اتفاق سلام جوبا، وكانت من قبل تقاتل بجانب الجيش، بجانب قوات من شمال كردفان، وقوات مجلس الصحوة وهي قوات عسكرية منشقة عن الشيخ موسى هلال القائد السابق لقوات حرس الحدود المتهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية بدارفور.
• لقد بعثت الحرب بغالبية المليشيات التي نشأت وترعرعت في عهد الانقاذ لساحة المعركة، مصطحبة معها الخلل الذي لازم تكوينها لافتقارها لقواعد الضبط والربط العسكري، ومسلكها الخارج عن القانون، ولابد أن يفضي أي جهد لإنهاء الحرب لانهاء وجود هذه المجموعات، وإنهاء عهد الفوضى العسكرية الذي صنعته ورعته الانقاذ طويلا.
• إن أي محاولة لمعالجة سطحية لهذا الواقع، عبر ترتيبات أمنية تنبني على القوات المسلحة والدعم السريع، وتتجاهل وضعية كل هذه المليشيات وتبقي عليها وعلى أسلحتها وعتادها العسكري، ودون وضع خطوات عملية لإنهاء الأساس القانوني والمادي لوجودها، لن تفضي الإ لتأجيل للحرب، أو اغراق البلاد مستقبلا في مستنقع الفوضى، والإبقاء على عناصر الانقسام الاجتماعي الذي صنعته الحرب حاضرا ما بعدها.
• اول خطوات ذلك تبدأ بفتح الطريق أمام العدالة والمحاسبة على كل الجرائم التي وقعت خلال هذه الحرب، والإعتراف بخطأ منهج تأسيس ورعاية قوى مسلحة خارج القوات النظامية المخولة بحمل السلاح، والإستعداد لمعالجة الخلل البنيوي والهيكلي داخل القوات المسلحة، الذي سمح لقادتها برعاية هذه المليشيات، والصرف عليها من خزائن الدولة والسماح لها بخوض الحروب، وبأن تتحول لدولة داخل الدولة، بالحصانات والحماية من الملاحقات القانونية على أفعالها.
• لقد درج البعض على المطالبة بالحكم العسكري حتى بعد اندلاع الحرب، وهولاء ختم الله على عقولهم وأفهامهم، فهم يتجاهلون حقيقة ان ما تواجهه البلاد حاليا من كوارث، هي نتاج لتسلط العسكر واستيلائهم على السلطة، خدمة لمصالح حزب سياسي، ثار ضده الشعب والقى به لمزابل التاريخ، وقد مضى القادة من العسكر بانقلابهم العسكري في طريق معادي للشعب وإرادته، وكانت النتيجة المباشرة لأفعالهم المستهترة، والمخالفة لمهامهم الدستورية والقانونية، هي هذا الخراب الماثل الأن، وهو وحده كاف لإنهاء أي دور سياسي لهم وللمؤسسة العسكرية، ومحاسبتهم على كل الجرائم التي اقترفوها في حق البلاد وشعبها.
• إن الحرب الحقيقية ستبدأ بعد توقف الحرب وصمت المدافع، وهي ستبدأ حينما يكتشف الناس حجم الدمار والخراب، الذي خلفته هذه القوى المصطرعة ببلادهم وأهلها، ومقدار التفكك الذي أحدثته بالنسيج الاجتماعي والانقسام الجهوي والقبلي، الذي رعته القوى المساندة للمحتربين بخطابات الكراهية والعنصرية، وشيطنة المناهضين للحرب، والبيئة المعادية لكافة القوى السياسية والمدنية، التي سعت لخلقها بالتضليل الاعلامي وغسل العقول وتشويه المواقف، وهي بيئة تسعى من خلالها لفتح المجال للفوضى وقفل المجال أمام الثورة وأهدافها وشعاراتها، وقواها المختلفة، تكريسا للردة الشاملة التي يسعى لها من أشعلوا الحرب، والسبيل لمواجهة عقابيل الحرب يبدأ بإدراك مستبصر لما ينتظر الناس بعدها، والإستعداد المبكر بوحدة سودانية تهزم الحرب ودعاتها ومخططاتهم، وتسترد الوطن من عبثهم وحروبهم، وتقبر كامل عهد الانقاذ وتبعاته، مرة واحدة وللأبد.
• لقد قلنا من قبل ونكرر أنه لا سبيل لمواجهة كارثة الحرب وقواها المختلفة، والضغط لوقفها والاستعداد لمواجهة نتائجها، بالانقسام الذي سبقها للقوى المدنية والسياسية، وهي ستفرز واقعا شديد التعقيد، ويحتاج لرؤية موحدة وصف متماسك للتصدي للمخططات الجارية حاليا، ولواقع خروج قوى الإنقاذ عبرها للساحة، وهزم ما تسعى اليه، وتداعياتها الكارثية على المواطنين، ومعركتهم للبقاء واسترداد حياتهم التي حطمت الحرب أساسها، وحالة الفوضى التي ستعقبها، وهو واقع لن تستطيع أي قوى منفردة التصدي له ومواجهته، والسبيل المتاح هو حوار سوداني تأسيسي على أساس شعارات وأهداف الثورة، وموقف جماعي وموحد ضد الحرب واقطابها، وثابت تجاه قضية العدالة لا يحيد عنها، ولا يهادن فيها، فذلك هو السبيل الذي يحفظ البلاد من التفكك ويعيد تجميع أهلها من جديد.

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

حرب اللصوص- الوجه الحقيقي للصراع في السودان

حرب اللصوص- الوجه الحقيقي للصراع في السودان

د. وجدي كامل

عندما اندلعت هذه الحرب في بداياتها، بدا الأمر وكأنه صراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، ثم سرعان ما تكشفت حقيقتها لتصبح حربًا بين جنرالين لا يمتلكان أي حس بالمسؤولية الوطنية، يسعيان بكل ما أوتيا من قوة للاستئثار بالسلطة. ومع مرور الوقت، أدرك الناس أن هذه الحرب ليست سوى محاولة من المؤتمر الوطني وأجهزته العسكرية والأمنية لاستعادة الحكم الذي أسقطته ثورة الشعب.

كل ذلك صحيح بلا شك، لكنه ليس سوى جزء من المشهد. فمع توالي الأحداث، اتضح أن هذه الحرب لم تكن سوى غطاء لعمليات نهب منظم لموارد وثروات البلاد من ذهب، ومعادن اخرى، حيث شاركت جميع الأطراف المسلحة- الجيش والدعم السريع على حد سواء- في عمليات السلب والنهب، مستهدفين البنوك والمنازل والأسواق، وباطن الارض، دون أدنى اعتبار لحقوق المواطنين أو ممتلكاتهم. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل كشفت التقارير الأخيرة عن تورط عناصر من الجيش في مواصلة عمليات النهب التي بدأتها قوات الدعم السريع، في ما أصبح يُعرف بـ”الشفشفة”، وهو مصطلح محلي يعبّر عن نهب ممتلكات النازحين بعد مغادرتهم قسرًا.

ولم تتوقف هذه الجرائم عند نهب الممتلكات الفردية، بل امتدت لتشمل عمليات تهريب للثروات الوطنية، مثل تصدير النحاس المستخرج بطريقة غير قانونية، في وقت يعاني فيه المواطنون من الجوع والفقر والتشريد. أصبح من الواضح أن هذه الحرب ليست سوى حرب لصوص، حيث تتنافس القوى المسلحة المختلفة على استغلال البلاد لصالحها، دون اعتبار لمصير الشعب أو مستقبل السودان.

لقد بات واضحًا أن الإطاحة بالمرحلة الانتقالية لم تكن سوى “كلمة سر” لفتح الأبواب أمام نهب منظم من قبل القادة العسكريين، وهو ما تؤكده المعلومات المتداولة حول تضخم ثرواتهم بطريقة يعجز العقل عن استيعابها. هذه الاستباحة للممتلكات العامة والخاصة، وهذا الاحتقار التام للحقوق العامة، ليسا سوى امتداد لثقافة الفساد التي عمّقها عقلية الإخوان المسلمين خلال سنوات حكمهم، حيث زرعوا فكرة أن الفساد ليس مجرد انحراف، بل ممارسة مشروعة بل ومطلوبة لتحقيق المصالح. وهكذا، أصبحت السرقة سلوكًا راسخًا، لا يقتصر على الأفراد بل يمتد إلى مؤسسات كاملة، تشمل الجيش، الدعم السريع، الحركات المسلحة المتحالفة، وحتى الكتائب الأمنية المختلفة. لقد فهم الناس ان الفضائح اخرجتها لجنة التفكيك كانت اجراءات مؤلمة وشديدة الصدمة للمدانين وان الحرب لم تعد سوى الوسيلة والاداة لرفض حكم القانون والافلات من العقاب والمحاسبة. الحرب والفساد دائرة جهنمية لا تنتهي، وان هذه الفوضى لا تقتصر على تدمير الاقتصاد ونهب الثروات، بل إنها تخلق واقعًا اجتماعيًا جديدًا تُطبع فيه اللصوصية كجزء من الحياة اليومية. كل يوم تستمر فيه الحرب، يتغلغل الفساد أكثر، ويصبح أكثر قبولًا كجزء من النسيج الاجتماعي، حتى يصل إلى مرحلة يستحيل فيها اقتلاعه دون ثمن باهظ.

من الواضح بات، ان النتائج ستكون كارثية، ليس فقط على الأوضاع الاقتصادية الحالية، ولكن على مستقبل البلاد والأجيال القادمة، التي ستجد نفسها مضطرة لدفع ثمن هذا الفساد المنهجي على “دائرة المليم”، كما يُقال. لقد أُبتلي السودان بحكام عسكريين، بتحالفات مدنية، لم يروا في الدولة سوى غنيمة، ولم يروا في الشعب سوى عقبة في طريقهم للثراء.

في ظل هذا الواقع المظلم، لا يمكن الخروج من هذه الدوامة إلا عبر وعي شعبي متزايد بحقيقة الصراع، ورفض تام لاستمرار سيطرة هذه القوى الفاسدة على مصير البلاد. لا بد من إعادة بناء السودان على أسس جديدة، يكون فيها القانون هو الحاكم وليس السلاح، وتكون فيها العدالة هي الميزان، وليس المصالح الشخصية لمن هم في السلطة.

إنها السرقة بأوامر عليا. انها السرقة التي كلف تنفيذ خطتها فض انعقاد الاجتماع المدني السوداني وتدمير الدولة والعبث بالحقائق والتاريخ. إنها حرب اللصوص، لكن الشعب، وحده قادر على إنهائها، طال الوقت، ام قصر.

[email protected]

الوسومالحرب السودان الفترة الانتقالية القوات المسلحة اللصوص الوعي الشعبي د. وجدي كامل قوات الدعم السريع

مقالات مشابهة

  • تايمز: ما قصة الثورة التي يريد ستارمر إطلاق شرارتها في بريطانيا؟
  • سوريا بين تاريخيْن 2011-2025: من الاحتجاجات إلى التحولات الكبرى
  • الحَرْبُ مُنْعَطَفٌ تِكْتِيكِيٌّ أَمْ مُطَبٌّ دْيالِكْتِيكِيٌّ (5)
  • الجيش الروسي يستعيد السيطرة على أكبر مدينة في كورسك
  • سرديات الخراب: كيف تعيد الحرب إنتاج نفسها في السودان؟
  • حرب اللصوص- الوجه الحقيقي للصراع في السودان
  • الشرعية تلوح مجددا بخيار الحرب وتتحدث عن الضرر الذي جاء من البحر الأحمر
  • من أكبر الرابحين بعد مقترح أميركي بهدنة فورية في حرب أوكرانيا؟
  • مصرع أحد أكبر مهربى المخدرات بسفاجا فى تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن
  • الإعلام الأمريكي يشيد بالأسلحة الروسية التي تفوق قدرات قوات كييف