"بلومبرغ": انهيار رؤية بايدن للسياسة الخارجية
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
كتب خبير الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكينز، هال براندز، أن كل رئاسة هي مسار تطوري، بما أنها تُخضع الأفكار التي يجلبها الرئيس إلى منصبه لاختبار الشؤون العالمية.
قد تكون الانفراجة غير ممكنة، لكن وقف التصعيد كان في متناول اليد
ولفت في شبكة "بلومبرغ" إلى أنه بعد ما يقرب من 3 أعوام على بداية ولاية الرئيس جو بايدن، يواصل العالم كسر افتراضاته الأساسية.
وبعد هجوم حماس على إسرائيل، تدخل سياسة بايدن الخارجية مرحلتها الثالثة، وهي المرحلة التي تبرز الأزمات في كل مكان تقريباً، إلى جانب كونها المرحلة التي تُعتبر إدارته غير مستعدة لها فكرياً ومادياً. المرحلة الأولى هدفت المرحلة الأولى من استراتيجية بايدن إلى نزع فتيل التوترات في اثنين من المسارح الرئيسية الثلاثة في أوراسيا. اعتقد بايدن أن على الولايات المتحدة أن تصب جهدها في مواجهة التهديد الآتي من الصين، اللاعب الوحيد الذي يمكنه تحدي أمريكا في جميع أنحاء العالم. تطلب هذا تحقيق انفراجات صغيرة مع خصوم آخرين أقل تهديداً: اتفاق نووي "أطول وأقوى" مع إيران، وعلاقة "مستقرة ويمكن التنبؤ بها" مع روسيا. بدا أن تحديداً قاسياً كان ضرورياً لمواجهة التحدي الأكثر أهمية. المرحلة الثانية
استمرت تلك المرحلة حتى فبراير (شباط) 2022، عندما حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لم يكن مهتماً كثيراً بـ"الاستقرار الذي يمكن التنبؤ به"، زعزعة التوازن الأوروبي عن طريق غزو أوكرانيا. في مواجهة أخطر أزمة تشهدها أوروبا منذ أجيال، تعهد بايدن بدعم أوكرانيا وإضعاف روسيا. وتعهد بقيادة العالم الحر في صراع جديد ضد الأنظمة الاستبدادية التوسعية. واستخدمت إدارته الصراع بحكمة لتعزيز تحالفات الولايات المتحدة من أوروبا إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
OP-ED: Joe Biden is confronting foreign crises nearly everywhere and his administration is, intellectually and materially, ill-prepared.@HalBrands | @Opinion https://t.co/GB3SfLPT4C
— Javier Blas (@JavierBlas) October 29, 2023
لكن، تابع براندز، في ظل الافتراض أن واشنطن لم تكن بحاجة إلى المزيد من القوة العسكرية بشكل كبير، كان الاعتقاد السائد أن روسيا ستضعف بشدة ثم تُهزم في نهاية المطاف في أوكرانيا. ومن الممكن إدارة التوترات في الشرق الأوسط، حتى من دون التوصل إلى اتفاق نووي رسمي. لتحقيق هذه الغاية، توصلت واشنطن وطهران إلى اتفاق ضمني تساهلت فيه الأولى بشأن العقوبات بينما حدت الأخيرة من تخصيب اليورانيوم. قد تكون الانفراجة غير ممكنة، لكن وقف التصعيد كان في متناول اليد.
Biden is confronting foreign crises nearly everywhere and his administration is, intellectually and materially, ill-prepared.#MustRead the latest by @HalBrands for @Opinion
https://t.co/9JRJ7VY7N2
وكتب مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في مقال: "إن هذا النهج المنضبط يحرر الموارد لأولويات عالمية أخرى، ويقلل من خطر نشوب صراعات جديدة في الشرق الأوسط، ويضمن أن تكون مصالح الولايات المتحدة محمية على أساس أكثر استدامة بكثير". للأسف، استمرت هذه المرحلة حتى 7 أكتوبر 2023.
في الوقت نفسه، تمكنت روسيا في الغالب من الصمود بوجه الهجوم المضاد الذي شنته كييف، وتخوض صراعاً طويل الأمد، من المرجح أن يستمر طوال 2024، وربما بعد ذلك.
كما أن التهديد الصيني آخذ في التزايد. وفق تقرير صدر مؤخراً عن البنتاغون، تعمل بكين بسرعة على توسيع قواتها النووية وتعزيز قواتها الجوية والبحرية وتعزيز قدرتها على "القتال والانتصار في الحروب" ضد "عدو قوي" – الولايات المتحدة.
وحذر وزير القوات الجوية فرانك كيندال في سبتمبر (أيلول) من أنه "لا أستطيع أن أقول ما هي نواياها الفعلية. لكن الصين تستعد لحرب، وتحديداً لحرب مع الولايات المتحدة". بالتالي إن المرحلة الثالثة من استراتيجية بايدن ترى أن الولايات المتحدة تواجه تحديات خطيرة ومتزامنة في 3 مسارح حاسمة، وليس من الواضح ما إذا كانت هذه الإدارة، أو هذه الدولة، جاهزة للاختبار. عقبات كانت القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية تخضع بالفعل للإجهاد تحت وطأة الحرب في أوكرانيا والاستعدادات للصراع في غرب المحيط الهادئ. والآن يتعين عليها أن تدعم إسرائيل في مواجهة إقليمية كبيرة أخرى أيضاً. تناضل الولايات المتحدة، من أجل الحفاظ على حيوية ترسانتها النووية المتقادمة، ناهيكم عن التعامل مع التحدي القادم المتمثل في ردع منافسين نوويين، روسيا والصين، في وقت واحد.
على نطاق أوسع، تتوقف استراتيجية الدفاع الأمريكية على افتراض مفاده أن البنتاغون سيواجه حرباً كبرى واحدة فقط في مرة واحدة ــ وهو الرأي الذي يبدو متناقضاً تماماً مع تحدي المسارح الثلاثة الذي يشهده العالم. لقد أصبح الإنفاق الدفاعي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي منخفضاً، كما كان في أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية. وكما هو الحال في كثير من الأحيان، ترجع جذور أوجه القصور العسكري إلى أوجه قصور فكري. ماذا عن المرحلة المقبلة؟ بالرغم من كل نجاح بايدن في تعزيز التحالفات الأمريكية، تمثل فشله الأساسي في الميل إلى التقليل ــ وتقبل المخاطر ــ من حقد أعداء البلاد وبالتالي تقليص موارد قدرة أمريكا في الرد على التهديدات التي يشكلونها. وهو ليس وحيداً حسب براندز: فلسنوات عدة، نشأت هوة بين التزامات أمريكا وقدراتها لأن قادة كل من الحزبين السياسيين عانوا في فهم مدى سوء تآكل النظام الدولي على جبهات متعددة.
إن مهمة بايدن، في المرحلة التالية – وربما الأخيرة – من استراتيجيته الكبرى، هي البدء في تصحيح هذا الخطأ، من خلال وضع أمريكا على أرضية الاستعداد للحرب التي تتطلبها اللحظة الراهنة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
هل ستنسحب الولايات المتحدة من محادثات أوكرانيا وروسيا ؟
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
وقد بدت علامات نفاد الصبر واضحة في حديث ترامب عن العملية السلمية، تلك التي وعد خلال حملته الانتخابية في 2024 بأنها ستكون سهلة وسريعة. فقال: «إذا جعل أحد الطرفين الأمر صعبًا جدًا، فسوف نقول ببساطة: أنتم حمقى، أنتم فاشلون، أنتم أناس فظيعون، وسننسحب من هذا كله». ثم أضاف: «لكن نأمل ألّا نضطر لفعل ذلك».
تصريحاته جاءت مكملة لتحذير أطلقه في وقت سابق يوم الجمعة وزير الخارجية ماركو روبيو، مفاده أن الرئيس قد «يمضي قُدمًا» في حال عدم التوصل إلى اتفاق. وقال روبيو للصحفيين في باريس: «هذه ليست حربنا. لم نبدأها»، مضيفًا: إن ترامب سيقرر «خلال أيام» ما إذا كان الاتفاق ممكنًا أم لا. وأضاف: «إذا اتضح أن الفجوة بين الطرفين واسعة لدرجة أنه لا مجال للاتفاق، أعتقد أن الرئيس سيقول ببساطة: انتهى الأمر».
أما نائب الرئيس جي دي فانس، المعروف بتشكيكه في دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا، فقد بدا أكثر تفاؤلًا، قائلا يوم الجمعة: «نشعر بالتفاؤل بأننا سنتمكن من إنهاء هذه الحرب الوحشية». وشارك ترامب ذلك التفاؤل، مؤكدًا أنه لا يزال يرى «فرصة جيدة لحل المشكلة». وقد يعكس هذا التفاؤل رغبة الإدارة في دفع أوكرانيا الضعيفة نحو قبول تسوية «الآن أو أبدًا».
لكن وتيرة ترامب المحمومة خلال أول 100 يوم من ولايته أعادت إلى البيت الأبيض طابعًا من مرض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. فكل يوم يطلق ترامب هجمات على الرسوم الجمركية، والمهاجرين، وشركات المحاماة، والجامعات، والقضاة، والوكالات الفيدرالية، وغيرها من القضايا، بينما يواجه دبلوماسيوه تحديات كبرى مع روسيا، وإيران، وغزة. وفي الوقت نفسه، يبدو أن التزامه بإنهاء الحرب بدأ يتلاشى، حتى مع اعترافه بأن «2500 جندي يُقتلون أسبوعيًّا» في «معركة شرسة»، كما وصفها يوم الجمعة.
لقد تبين أن أوكرانيا ليست مشكلة تُحل في يوم، بل مسار يتطلب دبلوماسية منهجية وضغطًا حقيقيًّا على روسيا.
العائق الأساسي الذي يواجه ترامب وفريقه التفاوضي هو رفض روسيا تقديم أي تنازلات في القضايا الكبرى، وفقًا لمصادر مطلعة على المحادثات. فقد أجرى ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لترامب، محادثة طويلة مع الرئيس فلاديمير بوتين هذا الشهر استمرت أكثر من أربع ساعات. لكن بوتين لم يتراجع عن مطالبه الصلبة بالحصول على أراض أوكرانية وضمانات أمنية موسعة. وقد حاول ويتكوف صياغة مقترح يمكن أن يقبله بوتين.
وقد عرض ويتكوف يوم الخميس على القادة الأوكرانيين والأوروبيين إطارًا تفاوضيًّا مستمدًا من لقائه مع بوتين. غير أن هذا المقترح تضمن تنازلات كثيرة لموسكو في المسائل الأمنية، ما دفع الأوكرانيين والأوروبيين إلى الاعتراض، وفقًا لمصادر تحدثت للكاتب. فقد تضمن المقترح، بحسب تقرير لوكالة بلومبيرج، منح روسيا السيطرة على الأقاليم الخمسة التي تحتلها حاليًّا، ومنع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو.
روبيو أشار بدوره إلى الفجوة الواسعة بين موقفي روسيا وأوكرانيا قائلًا للصحفيين: «ما نحاول فعله هو تقييم المسافة بين الطرفين- لا أحد يتوقع إنجاز كل شيء في 12 ساعة، لكننا نريد أن نرى إن كانت هذه الفجوة قابلة للتضييق». ومن المقرر أن يُعقد اجتماع جديد هذا الأسبوع في لندن بين مسؤولين أمريكيين وأوكرانيين وأوروبيين.
ويُعد المقترح الحالي صعب القبول على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لا سيما في ظل غياب أي ضمانات أمنية أمريكية. فوفقًا للمصادر، فإن الاتفاق يترك أوكرانيا معتمدة على مساعدات أوروبية فقط، دون أي «شبكة حماية» أمريكية.
وقد أخبر مسؤولون أوروبيون الكاتب أن غياب الدعم الأمريكي يعني أن قدراتهم العسكرية والاستخباراتية لن تكون كافية لحماية أوكرانيا بعد التوصل إلى اتفاق سلام. فهم لا يملكون قوات كافية أو أسلحة متطورة لردع هجوم روسي شامل، كما يفتقرون إلى أنظمة القيادة والسيطرة اللازمة لمراقبة وقف إطلاق النار أو الرد على أي عدوان مستقبلي.
أما المشكلة الأهم لأوروبا فهي الاستخبارات. فقد تمكنت كييف الشهر الماضي من الصمود خلال ستة أيام من انقطاع الدعم الاستخباري الأمريكي، وهو قرار أمريكي مقصود للضغط على زيلينسكي. لكن مسؤولين أوكرانيين يعتقدون أنه لو استمر ذلك أسبوعًا إضافيًّا، لكانت النتائج كارثية. فمن دون صور الأقمار الاصطناعية الأمريكية، لا تستطيع أوكرانيا رصد الهجمات الروسية الصاروخية أو بالطائرات المسيّرة. وليس لدى الأوروبيين بدائل جيدة.
وقد أظهر ترامب ازدراءه لأوكرانيا الأسبوع الماضي برفضه بيع صواريخ «باتريوت» الدفاعية، رغم إمكانية استخدامها لصد الهجمات الروسية مثل الهجوم الأخير على مدينة سومي الذي أسفر عن مقتل 35 شخصًا. وقال ترامب: «لا تبدأ حربا مع خصم يفوقك بعشرين ضعفًا، ثم تتوقع أن يمنحك الآخرون صواريخ».
وبينما يسخر ترامب من أوكرانيا، ويلقي باللوم، بشكل غريب، عليها في غزو روسيا لها عام 2022، لا يزال متحمسًا لتوسيع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع موسكو. ويقال إن مسؤولين بالبيت الأبيض طرحوا في اجتماعات استراتيجية فكرة أن «تريليونات الدولارات» يمكن جنيها من الاستثمارات الأمريكية المستقبلية في روسيا. وهذه الرؤية يدفع بها كيريل دميترييف، رئيس صندوق الثروة السيادية الروسي، الذي يُعد وسيطًا رئيسيًّا لويتكوف. غير أن هذه الآمال حول ازدهار اقتصادي روسي لا تحظى بدعم كبير من المحللين المستقلين.
إن تراجع اهتمام ترامب بالتوسط في السلام بأوكرانيا هو أحد الأسباب الرئيسية لتنامي شكوك حلفاء أمريكا في أوروبا وآسيا بشأن مصداقية الحماية الأمنية الأمريكية. وفي أوروبا، هذه الشكوك تمثل أزمة وجودية. فدون ضمانات أمريكية، وبوجه طموحات روسيا المتزايدة، قد تجد أوروبا نفسها في مواجهة تهديد مباشر. لكن ترامب يبدو مشغولا بحلم الثراء القادم من موسكو.
ديفيد إغناتيوس روائي وكاتب عمود في الشؤون الخارجية بصحيفة واشنطن بوست، وروايته الأخيرة بعنوان: «المدار الشبحي»