لمن ستنحاز أفريقيا في عملية طوفان الأقصى؟
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
" إنَّ الدولَ الأفريقيَّةَ ليست غنيّة، لكنَّ أصواتَها في المحافل والمؤسَّسات الدولية تعادل في القيمة تلك الخاصّة بأكثر الدول قوّة".
هكذا أوضح، ديفيد بن غوريون، أوَّل رئيس وزراء إسرائيلي، أهميةَ أفريقيا بالنسبة لبلاده؛ لكونها تمتلكُ أكبر كتلة تصويتيّة في العالم " 54 دولة"، وهكذا أدرك العرب أيضًا أهميةَ الأفارقة؛ لاعتبارات الكتلة التصويتيّة، والجوار الجغرافيّ معنا.
لذا باتت أفريقيا إحدى دوائر الصّراع العربي- الإسرائيلي، حيث سعى كل طرف إلى جذبه إياها في مواجهة الطّرف الآخر، كما حاول أن يكون المدخل العاطفي أحد مجالات الوصول إلى قلب القارّة.
وبالتالي يصبح السؤال: لمن ستنحاز أفريقيا في عمليَّة "طوفان الأقصى"، وماذا عن مواقفها وانحيازاتها السابقة، وما هي الاعتبارات التي تؤثّر على مواقفها في الانحياز للطرف العربي والفلسطينيّ أو الإسرائيليّ؟
المدخل الوجداني لأفريقيابداية يمكن القول إن اهتمام إسرائيل بالقارَّة السمراء ليس وليدَ اللحظة، بل يرجع إلى ما قبل نشأة إسرائيل، وتحديدًا وقت التفكير في مؤتمر بازل 1897، حيث كانت أوغندا إحدى البدائل المطروحة في حينها، كي تكون وطنًا لليهود، لكن تمَّ تفضيل فلسطين؛ زعمًا بأنها أرضُ الميعاد، ومع ذلك عملت الحركة الصهيونية على كسب ودّ الأفارقة وتشبيه علاقة عودتِهم لفلسطين بعودة الأفارقة المحرّرين من العالم الجديد إلى القارَّة من جديدٍ بعد فترة استبعاد واستعباد على يد الاستعمار، كما تمَّ تشبيه فكرة العودة والوحدة أو الجامعة الأفريقية التي كان من مؤسسيها ماركوس جارفي وغيره، بعودة اليهود لأرض الميعاد، وأطلقوا على حركة الوحدة الأفريقية أو الجامعة الأفريقية اسم "الصهيونيَّة السوداء".
وفي المقابلِ ركَّزت الدول العربية على فكرة وَحدة المصير، وأهميَّة الشراكة العربية -الأفريقية في تحرر دول القارَّة من الاستعمار الأجنبيّ، وكذلك تحرّر بعض الدول العربية من الاحتلال الإسرائيلي لبعض أو كلّ أراضيها.
نجاحات عربية "تاريخيًا" في أفريقيالقد كان من ثمرات التعاون العربيّ الأفريقي، قطع غالبية الدول الأفريقية الأعضاء بمنظمة الوحدة الأفريقية في حينها"50 من 53 دولة"، علاقاتِها بإسرائيل بعد حرب 1973، وأعقب ذلك بعامين القرار الهامّ لمنظمة الوحدة في دورتها المنعقدة في كمبالا يوم 28 يوليو/تموز 1975 بمساواة الصهيونيّة بالعنصرية، كما ساهمت الدول الأفريقية بأغلبية كبيرة في إصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار الصهيونية شكلًا من أشكال العنصرية في نوفمبر/تشرين الثاني 1975. ولم يقتصر الأمر على ذلك، ففور إعلان المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ قيام دولة فلسطين عام 1988، تمّ طرح الموضوع للتصويت في الأمم المتحدة، ووافقت عليه 104 دول، منها 35 دولة أفريقية، لكن القرار قُوبل حينها برفض من مجلس الأمنِ بسبب الفيتو الأمريكيّ.
انتكاسات عربية بعد مُؤتمر مدريد للسلام
هذا التقارب العربيّ- الأفريقيّ، شهد انتكاستَين أفسحتا المجال لولوج إسرائيل إلى القارّة على حساب العرب، هما: توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، ثم مؤتمر مدريد لإحياء السلام عام 1991، والذي يعدّ بداية الهرولة الأفريقية نحو إسرائيل. وكان من ثمار هذا التقارب، نجاح الولايات المتحدة في ذات العام في تمرير قرار إلغاء مساواة الصهيونيّة بالعنصرية في ديسمبر/كانون الأول 1991، بعد ممارستها ضغوطًا على الدول الأعضاء واستغلال انهيار الاتحاد السوفيتي "الكتلة الشرقية".
هذا التباعدُ العربي الأفريقي يمكن تلمّسُه في عدة مؤشرات وردت في تقرير لجنة الخبراء العرب بشأن واقع واستراتيجية التعاون العربي – الأفريقي (11-14 نوفمبر 2001)، حيث سجل التقرير وجود بعض النقاط السلبية في هذه العلاقة، فسياسيًا غاب التنسيق في المحافل الدولية، كما حدثَ في كل من مؤتمر ديربان لمُكافحة العنصرية (جنوب أفريقيا)، ومؤتمر منظمة التجارة العالمية (قطر-نوفمبر 2001)، كما سجّلت اللجنة غياب الاهتمام العربي بالقضايا الهامة في أفريقيا، مثل: قضايا الأمن والاستقرار، واقتصاديًا، سجّل التقرير تدنيًا في التجارة البينية، وانخفاض حجم الاستثمارات المتبادلة، وكان من نتيجة ذلك انقطاعٌ طويل دامَ أكثر من 33 عامًا بين القمتَين: العربية- الأفريقية الأولى "القاهرة 1977″، والثانية "سرت 2010 "، كما انشغلت الدول العربية الأفريقية بعدها بأحداث الربيع العربي، والخلافات العربية – العربية، كما حدث في القمة العربية -الأفريقية الرابعة التي استضافتها مالابو عاصمة غينيا الاستوائية 2016، حيث تراجع الحديث عن قضية فلسطين، والانشغال بقضايا أخرى، منها على سبيل المثال الموقف بالنسبة لـ" الجمهورية الصحراوية"، حيث شهدت انقسامًا عربيًا – عربيًا؛ بسبب وجود وفد ما يسمَّى "بالجمهورية الصحراوية"، حيث أيّدته مصر، وعارضته دول الخليج، ما ترتّب عليه انسحاب وفود عديدة من القمة.
تغلغل إسرائيليّ ناجح في القارّةهذا الانكفاء العربيّ على الذات، وانشغال دول عربية عدّة بالربيع العربي، وما تلاه من الثورات المضادة، وحروب في اليمن وسوريا وليبيا، وما ترتّب عليها من غياب توجّه عربي جماعي نحو أفريقيا، وعدم وجود خُطة لتحجيم النفوذ الإسرائيليّ في القارّة، كل ذلك صبّ في مصلحة إسرائيل التي عملت على التمدّد في هذا المحيط الأفريقيّ الكبير.
لذا لم يكن مستغربًا أنه في ذات العام الذي عُقدت فيه قمة مالابو، نجحت إسرائيل في مارس/ آذار 2016، في تدشين اللوبي الإسرائيلي الأفريقي لحماية مصالح الطرفَين، لاسيما في المحافل الدولية. ولم يخفِ رئيس الوزراء نتنياهو في حينها، الهدفَ منه، وهو مواجهة الطرف العربي، وأية محاولاتِ إدانةٍ لإسرائيلَ في المحافل الدوليّة، حيث قالَ للسفراء الأفارقة المُعتمدين لدى تل أبيب: "أعي أنّ مُمثلي دولكم سيصوّتون في المحافل الدولية بما يتماشى مع مصالح أفريقيا، وأنا أرى أنّ مصالح إسرائيل ومصالح أفريقيا تقريبًا متطابقة، ما يعني أنّ التصويت لصالح إسرائيل هو بالضرورة تصويت لصالح أفريقيا". وبعد هذا التدشين بثلاثة أشهر فقط، أصبح نتنياهو أول رئيس وزراء إسرائيلي يزور القارّة منذ عقود، حيث زار أربع دول نيليّة: "أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا"، وهي دول تقع في نطاق دائرة الأمن القومي المصري تحديدًا، أمّا النقلة النوعية الأهم فكانت في يونيو/ حزيران 2016، عندما تمّت استضافة نتنياهو في ليبيريا (غرب أفريقيا)، وكان أول رئيس حكومة غير أفريقي يشارك في قمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) التي تضمّ 15 دولة، وتشكّل نقطة التماس والظهير لدول الشمال الأفريقي، وتضمّ دولًا ذات أغلبية إسلامية، أعضاء في منظمة التعاون الإسلاميّ، في مقدمتها نيجيريا، حيث أعلن نتنياهو أمام القمة أنَّ "إسرائيل ستقدم مليارَ دولار للمنظمة في السنوات الأربع المقبلة، لتطوير مشاريع الطاقة الخضراء في الدول الأعضاء، في مقابل عدم اتخاذ هذه الدول مواقفَ ضد إسرائيل. "
وكان من ثمار هذا التمدد، ارتفاع عدد الدول الأفريقية التي لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل إلى 48 دولة بعد التطبيع مع كلٍ من: غينيا 2016، وتشاد عام 2019، ثم المغرب وأخيرًا السودان، في مقابل 7 دول ليست لها عَلاقة مع إسرائيل، 5 منها عربية، هي: الصومال، جيبوتي، ليبيا، تونس، الجزائر، واثنتان في غرب أفريقيا هما: مالي والنيجر، " قطعت الأولى علاقاتها مع إسرائيل بعد حرب 1973، في حين قطعت الثانية العلاقات 2002 بعد الاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية".
هذا التغلغل الإسرائيلي، دفع تل أبيب إلى محاولة تكريسه رسميًا عبر تقديمها طلبًا في يوليو 2021 بشأن الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقيّ، ورغم موافقة رئيس المفوضية موسى فكي-" بالتعاطف معها"- على الطلب، لكنه قُوبل بالرفض من قبل مصر، وليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا،" يعني دول شمال أفريقيا باستثناء المغرب"، بالإضافة لجزر القمر وجيبوتي، وجنوب أفريقيا، وبالتالي تم تعليق الأمر خلال قمّة 2022، وتشكيل لجنة للبتّ في موضوع سحب هذه الصفة، وتجدّد الأمر في القمة الأخيرة في فبراير 2023 بعد رفض حضور دبلوماسية إسرائيلية اجتماعات القمة، حيث تم طردُها من القاعة. ومع ذلك لم يتم حسم القضية حتى هذه اللحظة، وسط حالة من الانقسام داخل المؤسسة الأفريقية، لكن في المقابل أكّدت ذات القمة في بيانها الختامي، على مركزية قضية فلسطين العادلة، وثبات الموقف الداعم لها، ولقراراتها في المحافل الدولية، ودعم مبادرة الرئيس محمود عباس للسلام، ودعوته للأمين العام للأمم المتحدة لوضع خُطة دولية لإنهاء الاحتلال لأرض دولة فلسطين، مع الترحيب بتبنّي الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ77 العام الماضي، "طلب الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية حول ماهية وجود الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي على أرض دولة فلسطين والآثار المترتبة على هذا الوجود والمُمارسات غير القانونية المرتبطة به".
أفريقيا و"طوفان الأقصى"مع بدء عملية "طوفان الأقصى"، حرص موسى فكي، على إصدار بيان يراعي التيار العام السائد لدى دول القارة، حيث أشار إلى أن إنكار الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، لا سيما حقوقه في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، هو السبب الرئيسي للتوتّر الإسرائيلي- الفلسطيني الدائم، داعيًا كلا الطرفين لوضع حدّ للأعمال العدائية العسكرية، والعودة دون قيد أو شرط، إلى طاولة المفاوضات لتنفيذ مبدأ حل الدولتَين.
وهكذا تحاول أفريقيا مسك العصا من المنتصف، فيما يتعلق بالصراع العربي- الإسرائيلي، فهي مع مبدأ حل الدولتَين، لكن في المقابل ترفض اتخاذ أية إجراءات تصعيدية بشأن إسرائيل، مثل: قطع العلاقات الدبلوماسية معها، أو حتى تخفيضها، " ربما جنوب أفريقيا استثناء من ذلك؛ بسبب الظروف التاريخية التي مرَّت بها إبان نظام الفصل العنصري". هذا الموقف الأفريقي يرجع إلى عدم رغبتها في أن تكون ملكيَّة أكثر من الملك"، في إشارة إلى التطبيع العربي مع إسرائيل ". لكن يبقى السؤال الأخير: هل ستنجح القمة العربية- الأفريقية الخامسة التي تستضيفها الرياض الشهر المقبل، في إحداث مزيدٍ من التقارب، وجعل الأفارقة أكثر انحيازًا للعرب على حساب إسرائيل واتخاذ قرارات جماعية في هذا الشأن، وهل سنجد صدًى لهذا التقارب المحتمل في رفض الأفارقة قبول منح إسرائيل صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي؟ أم ستكون قمة الرياض " بروتوكوليَّة" مثل غيرها من القمم السابقة؟
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی المحافل الدولیة طوفان الأقصى مع إسرائیل القار ة
إقرأ أيضاً:
تكريم خريجي دورات “طوفان الأقصى” من موظفي الوحدة
الثورة نت/..
كرّمت مديرية الوحدة في أمانة العاصمة، اليوم، خريجي الدورات العسكرية المفتوحة “طوفان الأقصى” لعدد 100 متدرب من موظفي المديرية.
وفي التكريم، أشاد مدير المديرية، سامي حميد، بجهود القائمين على هذه الدورات، وتفاعل الملتحقين بها من موظفي المديرية ضمن أنشطة التعبئة العامة، والاستعداد لمواجهة أي تصعيد للعدو الأمريكي والصهيوني والبريطاني، ومرتزقتهم.
وأشار إلى أهمية دورات التعبئة والتأهيل العسكري في رفع مستوى الوعي والجاهزية لمختلف شرائح المجتمع، واستمرار مناصرة الشعبين الفلسطيني واللبناني، ودعم وإسناد محور المقاومة حتى تحقيق النصر ودحر العدو الصهيوني .
من جانبهم، عبَّر الخريجون عن الاعتزاز بالتحاقهم بهذه الدورات العسكرية، مؤكدين استعدادهم للمشاركة في “معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس”.