الرسائل الجديدة – ضياءالدين سليمان محمود – نيالا .. السيناريو الأخطر يابرهان
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
حالة من الاحباط سادت أوصال الشعب السوداني بعد سوء الأوضاع التي آلت اليها مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور وثاني اكبر المدن في السودان بعد انسحاب قوات الفرقة 16 مشاة الي خارج المدينة بعد نفاذ المخزون القتالي لديهم وترك المدينة لمليشيا الدعم السريع بهذه الطريقة.
عندما تخوض حرباً فأنك حتماً تضع الخسارة من ضمن الاحتمالات الواردة و عند المعارك ربما تجبرك ظروف المعركة على التراجع تارة أو التقدم تارة أخرى ولكن ما لا نجد له تفسيراً كيف تترك قوات الفرقة 16 تقاتل كل تلك الفترة دون وصول اي إمداد يدعم موقفها القتالي لا سيما وأنها ظلت تقاتل في مليشيا ظل امدادها من السلاح المقاتلين مفتوحاً؟.
المعلومات المتواترة أكدت أن القوة التي ظلت تهاجم نيالا تم تجميعها من كل ولايات دارفور ومرتزقة من عدد من دول الجوار فكل هذه الحشود كانت مرصودة بواسطة استخبارات الجيش لكن لم يحدث اي تدخل لتشتيتها قبل دخول نيالا خاصة وإنها كانت موجودة خارج المدينة وفي مناطق مكشوفة يسهل استهدافها بالطيران.
لا أحد يستطيع الإنكار أن ضباط وجنود وضباط صف الفرقة 16 ضربوا اروع الأمثلة للبسالة والشجاعة وقدموا دروساً في الثبات والجسارة جعلت المليشيا وانصارها في حالة ذهول وهلع ولكن في النهاية اجبروا على الانسحاب بسبب الهجوم المتواصل وتكاثف النيران داخل قيادة الفرقة ونفد مخزون الذخائر خاصة المدافع كما أن المياه انقطعت على مدى ثلاث أيام وانتهت المعينات الطبية حتى ان الشاش الذي يضمد الجراح لم يتبق لأطباء السلاح الطبي المرافقين للجنود، فكان لازما عليهم الانسحاب حفاظاً على ما تبقى من جنود وآليات حربية.
نعم سقطت نيالا وهذه الحقيقة المرة التي يجب أن نتجرعها وقبل كل ذلك يجب أن نستخلص منها الدروس والعبر لما هو قادم فالسيناريو القادم أخطر مما كان عليه في الفترة الماضية فإذا لم تستوعب قيادة الجيش خطورة الأمر و إذا لم تحدث مستجدات وتصحيح لمكامن الخلل فأن الأوضاع ستكون في غاية التعقيد.
فمن السيناريوهات الخطيرة أن تفرض مليشيا الدعم السريع المتمردة واقعاً يماثل لحد كبير النموذج الليبي ( حكومتين في دولة واحدة ) فما اصدرته قيادة المليشيا من قرارات في نيالا بتعيين مدير للشرطة وقائد للفرقة والنداءات لتطبيع الحياة بالمدينة تعني لدرجة كبيرة النية في تشكيل حكومة موازية تتخذ من نيالا عاصمة لها وهي خطوة خطيرة ان تمت تعتبر قيدومة لفصل دارفور عن السودان رغماً عن ان المليشيا فقيرة ولا تمتلك اي مشروع سياسي او اجتماعي واقتصادي.
الأخطر من ذلك أن تتجه المليشيا للتوسع نحو ولايات أخرى انطلاقا من نيالا التي ستكون مركزا للإمداد من جهات خارجية داعمة لها لما يتوفر للمدينة من بنيات تحتية مثل المطار الدولي وحدودها المتاخمة لأفريقيا الوسطى.
إن سقوط عاصمة ولاية جنوب دارفور في يد المليشيا يعني أن عمليات التعبئة والاستنفار والتحشيد ستكون مستمرة وبالتالي استمرارية امداد الخرطوم والمدن الأخرى بأعداد أكبر من المقاتلين إلى جانب امدادها بالسلاح عبر مطار نيالا .
على قيادة الجيش وعلى البرهان تتدارك الامر بصورة عاجلة لقطع الطريق امام المليشيا وانصارها من الداخل وحلفائها من الخارج من فرض سياسة الامر الواقع فحينها سيكون الخطر ليس على نيالا وحدها، بل على السودان باكمله.
على كل نترك هذه الرسائل على بريد قواتنا المسلحة التي ما لانت لها عزيمة ولا تراجعت ثقتنا بها ونجدد معها تأكيدنا المسبق بأنه لو تبقى جندياً واحداً يقاتل انابة عن هذا الشعب لدعمنا وساندناه.
المصدر: نبض السودان
كلمات دلالية: الجديدة الرسائل ضياءالدين
إقرأ أيضاً:
اقتلاع الكيزان: الوهم والحقيقة
بقلم: الريح عبد القادر
(1 من 2)
من أخطر ما يعيشه "المستنيرون" السودانيون في فترة هذه الحرب وهمُ اقتلاع الكيزان. ومن المخيف أن الغالبية العظمى منهم يتوهمون أن اقتلاع الكيزان سيكون تحصيلَ حاصل، وضربةَ لازب؛ فتراهم جالسين لا يفعلون شيئاً، في انتظار أن تهوي شجرة الكيزان إلى الأرض من تلقاء نفسها. وسببُ هذا الوهم ما اشتهر بينهم من نبوءة محمود محمد طه عن اقتلاع الكيزان. الكل يحفظ عن ظهر قلب "وسوف يقتلعون من أرض السودان اقتلاعاً". وهكذا نجد المستنيرين (المرادف العصري للمثقفين) وقد تحولوا إلى الإيمان بفتح المندل، وضرب الرمل، ورمي الودع، في نوع من العطالة الثقافية، والتواكل الثوري، مما لا يليق بدعاة التغيير.
لقد نسيَ هؤلاء، من فرط استهانتهم بعدوهم، حقيقة أنّ الكوزنة فكرة، وإنْ كانت خاطئة. والأفكار تُحاربُ بالأفكار؛ والفكرة الخطأ لا تموت إلا بالتوعية والتنوير. فمن بين جميع الذين يكتبون عن خطل التجربة الكيزانية وفشلها، قلما تجد من يتصدى لتفنيد "المبادئ المؤسِّسة للفكر الكيزاني". وبدون بيان خطل هذه المبادئ، ونسف حججها ودعاواها، سيظل الكيزان عقبة كأداء تعترض طريق بناء دولة الحرية والسلام والعدالة في السودان. بيد أنّ الخبر الجيد أنّ المبادئ التي يقوم عليها الفكر الكيزاني أوهى من بيت العنكبوت. لكن معظم الذين يهاجمون الكيزان إنما يهاجمون ممارستهم، ويتركون منبع فكرهم، ولا يعدم الكيزان أن يجدوا المبررات للدفاع عن فشل تجربتهم، والاستماتة في إحيائها ومواصلتها.
وأعتقد أن ما يعرف بنبوءة محمود محمد طه قد لعبت دوراً سلبياً في تخدير "المستنيرين" وإيهامهم بأن اقتلاع الكيزان قادم مثل فلق الفجر. ولو عُنِي هؤلاء بتحليل نبوءة محمود لتبيّنوا عوارها بأدنى جهد. يقول محمود محمد طه "إن من الأفضل للشعب السوداني أن يمر بتجربة حكم جماعة الهوس الديني". ونعلم الآن جيداً أن تجربة حكم جماعة الهوس الديني هي أسوأ ما مرّ به السودان. ويضيف محمود "وسوف تكون تجربة مفيدة للغاية"، ونعلم الآن أن هذه التجربة قد أذاقت الشعب الأمرين، وأدخلت البلاد في فتنة أحالات نهارها إلى ليل، فما هي التجربة "المفيدة للغاية" التي جناها الشعب السوداني من التشريد والاغتصاب والموت والدمار؟
إن دور قادة الفكر والرأي والسياسة والكياسة ليس في أن يتركوا شعوبهم تقع في دوامة الحروب والفتن، وترك النساء والفتيات يتعرضن للاغتصاب والتشريد، وترك الشباب يموتون موت الضأن في معارك عبثية، وترك الممتلكات عرضة للنهب والتدمير، بحجة أن يتعلم الشعب من هذه التجربة المدمرة. بل إنّ دور القادة الحقيقيين هو تجنيب شعوبهم كل هذه المآسي بسداد الرأي، والحكمة، وحسن التدبير. ويمضي محمود في "نبوءته" قائلاً إن حرب الكيزان "سوف تنتهي فيما بينهم". نعم، سوف تنتهي فيما بينهم، لكن إذا انهزم الشعبي، فسينتصر الوطني، أو إذا انهزم أحمد فسيظفر حاج أحمد. لكنهم لن يُقتلعوا من أرض السودان اقتلاعاً إلا بجهد ثوري مصحوب بجهد فكري لا يقلّ ضراوةً ومثابرة.
وفي هذا الصدد، لا يذكر الكثيرون أن المرحوم محمد أحمد محجوب سبقَ محمود محمد طه بعشر سنوات في توقع ما يحدث للسودان بسبب الكيزان. قال المحجوب مخاطباً الترابي عام 1967م: "إنني لا أخاف على السودان من تبسمك ولا من أحلامك، تبسم كما يحلو لك، واحلم كما تشاء من أحلام؛ ولكنني أخاف على السودان أن تعتلي السلطة فيه يوماً ما أو أحد اتباعك، وبذلك سوف يفقد السودانُ كلمته، والمواطنُ أسباب عيشه، ولا يجد لقمة العيش الكريمة، وسوف يكون مبغضاً من أقرب الأقربين إليه".
لم يرسم المحجوب خارطة طريق للنجاة من حكم الكيزان. لكنه على الأقل كان أكثر شفقةً وخوفاً على الشعب السوداني، وحذرنا من أننا لن نجد لقمة العيش الكريم في سوداننا، بسبب حكم الكيزان وحربهم، فنضطر إلى اللجوء إلى أقرب جيراننا فيوصدون دوننا الأبواب.
إنّ توقع نهاية الظالمين ليس دليل عبقرية، فهو مما هو مشاهد في التاريخ، ومما هو معلوم في سنن الله في خلقه. ولكن نهاية الظالم لا تعني نهاية الظلم. فقد يخلف الظالم من هو أشد ظلماً منه. ولذلك لا بد من خلق البيئة التي لا يمكن أن يترعرع فيها الظلم أو ينمو. وفي حالة الكيزان، علينا أن نعترف أن فكرهم يعشعش في رؤوس عضويتهم. وقطع الرأس وترك الجذور ليس من الحكمة في شيء. بل علينا أن نعترف أيضاً أن 30 سنة من حكم الكيزان قد جعلت الكثير من الناس كيزاناً بفهمهم وسلوكهم وإن لم ينتموا تنظيمياً للكيزان.
في الحلقة الثانية من هذا المقال سنتناول كيفية التصدي لفكر الكيزان من جذوره. وسنعتمد مقاربةً تقوم على تفكيك هذا الفكر، وإزالة الرغام والركام الكثيف الذي يغلفه، لكي ننفذ إلى جوهره. إنّ جوهر الفكر الكيزاني هو طلب السلطة، والتناجي للوصول إليها من دون بقية المواطنين، والعمل على المحافظة عليها بكل الوسائل. وطلب السلطة في الإسلام منكر عظيم. لا يشفع فيه وضع الغايات النبيلة، مثل إقامة الدين وتطبيق الشريعة وخلاف ذلك. وهو ما سنستعرضه في الجزء القادم بحول الله تعالى.
alrayyah@hotmail.com