«الجنيزا القاهرية».. شواهد حية على حرية اليهود فى مصر
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
عاشت الطائفة اليهودية في العصر الإسلامي في أمان وسلام وتركزت في القاهرة والإسكندرية، وكان لهم مطلق الحرية في ممارسة شعائرهم الدينية، من حيث بناء معابدهم ومؤسساتهم الخيرية ومدارسهم ومعاهدهم الخاصة بهم، فعلى مر التاريخ تفتح مصر أبوابها دائما أمام اللاجئين والمضطهدين من جميع الدول، فتكرمهم حتى يجدوا فيها الأمن والسلام.
حارة اليهود
في منطقة الموسكي بوسط القاهرة بين القاهرة الإسلامية والقاهرة الخديوية، كان لليهود حي خاص بهم أطلق عليه "حارة اليهود"، وهي لم تكن حارة بالمعنى الحرفي فهي في الحقيقة حي كامل فيه شوارع وحواري متصلة معا، ولم تكن تلك الحارة حكرا على اليهود فقط، بل كان يسكنها المسلمون والمسيحيون، واختلط اليهود مع جيرانهم المصريين واندمجوا معهم.
مكانة اليهود
مارس اليهود في مصر مختلف المهن بحرية، واحترفوا التجارة واشتغلوا بالصناعة ،واتصلوا بالعائلة المالكة لاشتغالهم بالمجوهرات، وانخرطوا في سلك الحكومة ووصلوا إلى أعلى المراكز، واشتهر عدد كبير منهم في مختلف المجالات ففي الأدب برز اسم "سعديا الفيومي" الذي زاع صيته في عصره،وهو أحد خامات اليهود الذين ولدوا في مصر في قرية من قرى الفيوم، لذلك لقب بالفيومي، وألف كتاب "الأمانات والاعتقادات" باللغة العربية، ثم ترجمه إلى العبرية، وقد تأثر "سعديا" في كتابه هذا بالفلسفة الإسلامية، كما ترجم العهد القديم إلى العربية ، كما ذكر الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسوعة "المفاهيم والمصطلحات الصهيونية.. رؤى نقدية".
وكان الفيلسوف اليهودي "موسى بن ميمون"، الذي وصل إلى مصر في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي له مكانة عظيمة، وعمل طبيبا خاصا ل"نور الدين" أكبر أبناء القائد صلاح الدين الأيوبي، كما عمل بعض خلفائه أطباء لدى الحكام، وأثناء الحروب الصليبية وصل إلى مصر عدد من اللاجئين اليهود من أوروبا فعاملهم صلاح الدين الأيوبي معاملة حسنة للغاية.
ووصلت درجة التسامح بين المسلمين واليهود إلى تعيين الخليفة الحاكم بأمر الله لطبيب خاص يأتمنه على حياته من اليهود وهو "صفير" اليهودي.
وخلال العصور المتعاقبة ظلت الطائفة اليهودية في مصر لها مكانتها الاجتماعية حتى أصبحت في منتصف القرن العشرين من أرقى الطوائف اليهودية في بلاد الشرق واستطاع الكثير منهم أن يحققوا نجاحا كبيرا وثراء ونفوذا وفيرا عظيما، ويشير "يعقوب لانداو" في كتابه "تاريخ يهود مصر" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب إلى ازدياد أعداد اليهود في مصر منذ عام ١٨٨٢ ميلاديا وحتى عام ١٩٤٧ ميلاديا ،حتى قلت أعدادهم بعد ما مرت به البلاد من أحداث خاصة بإعلان دولة إسرائيل وحرب ١٩٤٨، مما أدى إلى الهجرات اليهودية كبيرة العدد بدءا منذ ذلك العام.
الجنيزا
تعتبر وثائق "الجنيزا" اليهودية أحد موروثات التراث المصري اليهودي ،وتعد دليلا قويا على الحرية التي تمتع بها يهود مصر وعلى اندماجهم داخل المجتمع المصري ،وهي عبارة عن مخطوطات عبرية وعربية، كتبت بحروف عبرية وأخرى بالعبرية القديمة والآرامية، "الجنيزا" كلمة عبرية بمعنى كنز أي حفظ، خبأ، طمر، دفن، وهو اسم يدل على مجموعة من الوثائق المحفوظة الخاصة بجماعات اليهود الذين عاشوا في مصر وغيرها ،كما يدل على المكان الذي اكتشفت فيه سواء كان معبد أو مقبرة يهودية.
يطلق مصطلح "الجنيزا "على الأوراق اليهودية التي لا يجوز إحراقها أو إهمالها حسب الشريعة اليهودية وذلك لذكر اسم "الله" بها، ثم أصبح المفهوم أشمل وأعم مع مرور الوقت، حيث يطلق اسم "جنازة" في المصادر العبرية على الأدوات المقدسة التي بليت من الاستعمال والكتب التي توقف استخدامها نتيجة عدم الحاجة إليها ،وكذلك على الأوراق المكتوبة التي انتهت صلاحياتها، أي يطلق هذا الاسم على كل شيء أصبح في حكم الميت، لذا فهم يشيعونه كما يشيع الميت ويدفنونه في مقابر كما يدفن الميت أيضا.
كان يتم تخزين "الجنيزا" في المعبد اليهودي بحجرة مخصصة لذلك، تسمى بحجرة "الجنيزا" ،وهذا النوع أطلق عليه "الجنيزا المؤقتة"، مثل جنيزا معبد "بن عزرا" بمصر القديمة، وجنيزا "معبد المصريين" بحارة اليهود بالموسكي، وجنيزا "معبد موشيه درعي" بالعباسية، وعند امتلاء تلك الحجرة كان يتم نقل "الجنيزا" في موكب جنائزي إلى المقابر اليهودية لدفنها هناك فتبلى مثلما يبلى الجسد وكانت تسمى ب"الجنيزا المستديمة" مثل جنيزا المقابر اليهودية بالبساتين، وجنيزا المقابر اليهودية في حلوان، وجنيزا المقابر اليهودية بالشاطبي في الإسكندرية، بحسب المجلة الدولية للتراث والسياحة والضيافة التي تصدرها كلية السياحة والفنادق جامعة الفيوم.
وفي مصر كان الرجال ينقلون المواد المراد وضعها في "الجنيزا" ، وأحيانا الأطفال أيضا والنساء ولكن شرط طهارتهم من الحيض، إلى حاخام المعبد والذي بدوره يقوم بدفنها كما ذكر أستاذ التاريخ اليهودي مارك كوهين، أما في الدول الأخرى فقد اختلف الأمر ، ففي إيران اقتصرت تلك المهمة على قضاة المحاكم الدينية الذين كانوا يجمعون المواد من البيوت ويأتون بها إلى المعبد، وفي الدار البيضاء كان القضاة وطلبة العلم هم الذين يجمعون مواد الجنيزا، أما في أفغانستان فكانت جمعية "حافرا قاديشا" هي المسئولة عن جمع المواد من البيوت والقيام بدفنها.
أهمية الجنيزا
للجنيزا أهمية خاصة بالنسبة لليهود وأهمية عامة بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط حيث أراد اليهود أن يظهروا أنفسهم كقوى دينية مثلما استطاعوا أن يظهروا كقوى اقتصادية، وكانت عملية نقل مواد "الجنيزا" من المعابد إلى المقابر بمثابة مناسبة دينية كبرى تتكرر على فترات متباعدة تحت مسمى يوم "الجنيزا" ، وكانت تمثل عيدا شعبيا ودينيا في ذات الوقت.
ويمثل قيام اليهود بدفن أوراقهم وخطاباتهم الخاصة بعد استنفاذ أغراضها نوعا من الحرص الشديد على دفن أسرارهم، واختار يهود العصر الوسيط في مصر فكرة الإيداع في غرفة محصنة آمنة تمهيدا لنقلها إلى المدافن، وهذا يفسر وجود كنوز وثائق ومخطوطات "الجنيزا" في غرفة معبد "ابن عزرا"، وأيضا مدافن اليهود في منطقة البساتين بالقاهرة.
وتعتبر هذه الوثائق سجلا تاريخا حافلا لأوضاع المجتمع اليهودي في تلك العصور ،تكشف عن جوانب متعددة لليهود في الفترة من القرن العاشر حتى القرن الثالث عشر الميلادي ،وثبت أنها تحوي معلومات عن الأوضاع السياسية والاجتماعية عن المجتمعين الإسلامي والعربي، ومعلومات عن المعاملات التجارية والمالية ومذكرات شخصية ووصايا وعقودا للزواج والطلاق وشكاوى مرفوعة إلى الخليفة أو السلطان.
وتعتبر هذه الوثائق مرآة صادقة للعصور التي كتبت فيها ومصدر أصلي من مصادر كتابة التاريخ، وتفيد في دراسة التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمجتمع الإسلامي في العصور الوسطى، ومصدرا غنيا لتاريخ اللغة العربية، كما تمدنا بمعلومات عن المنسوجات والملابس والمجوهرات والأدوات المنزلية والحرف والصناعات والكوارث الطبيعية من زلازل ومجاعات وطاعون والضرائب وموظفي الحكومة والمحاكم الإسلامية ووظائف المحتسب والوالي والشرطة.
كما تعددت مواد "الجنيزا" ،وتعددت موضوعاتها ،ولغاتها بحيث شملت كثيرا من اللغات العبرية والعربية ولغات أوروبية ولغات أخرى استخدمها اليهود في الدول التي كانوا يقطنون بها، ويقدر عدد تلك الوثائق بالآلاف وتم تهريب الكثير منها إلى العديد من دول العالم.
ومن الصعب في الوقت الحاضر تقدير العدد الحقيقي لوثائق "الجنيزا" ذات الصفة الوثائقية، ومن المحتمل أن يبلغ عددها حوالي ١٠ آلاف وثيقة منها حوالي ٧ آلاف وثيقة إلى حد ما نستطيع أن نعتبرها تاريخية، ويوجد من هذه الوثائق في مكتبة جامعة كامبردج ببريطانيا حوالي ٥ آلاف وثيقة، وفي مكتبة بودلي اكسفورد ببريطانيا حوالي 770 وثيقة، كما توجد 14 مجموعة أخرى في مختلف أنحاء العالم تحتوي على عدد يتراوح بين 600 إلى ألف وثيقة.
المميزات
"الجنيزا" المصرية تتميز عن غيرها من مكنوزات الجنيزا اليهودية الأخرى بعدة خصائص، أهمها أنها تحتفظ بمكنوزاتها في حالة جيدة، تغطي فترة تاريخية طويلة تبدأ من القرن التاسع الميلادي تقريبا حتى القرن التاسع عشر الميلادي، تحتوي على عدد هائل من المخطوطات والوثائق غير الدينية كما تضم رسائل صادرة من المصالح الحكومية للدواوين أو للموظفين الحكوميين.
وتحوي "الجنيزا" المصرية الكثير من الفتاوي والردود الفقهية، وهي ردود المتفقهين اليهود على الأسئلة الدينية والفقهية التي أرسلها لهم اليهود من مناطق العالم المختلفة، كما تحتوي على مؤلفات أدبية وعلمية في مجال الفلسفة والطب وتفسير الأحلام والتنجيم والفلك كما تضم أشعارا تلتزم بعروض الشعر العربي.
مواد الجنيزا
وتنقسم مواد الجنيزا من حيث الموضوعات التي تتناولها إلى نوعين رئيسيين، المصادر الأدبية، والمصادر الوثائقية، ويحتوي القسم الأكبر من هذه المخطوطات على المصادر الأدبية ويشكل حوالي ٩٥٪ من مجموع المواد على هيئة أجزاء كتب، وهي تتناول مجموعة من الموضوعات مثل العهد القديم، القصص النثرية ،التلمود،المؤلفات الطبية ،النصوص السحرية، أما المصادر الوثائقية فهي أقل عددا وهي عبارة عن أوراق وثائقية مثل ملفات المحاكم، عقود الزواج، الطلاق، الوصايا، فواتير الحساب، عقود إيجار الشقق، المراسلات وغيرها، وللأسف لقد كانت هذه الأوراق من جنيزا القاهرة في حالة سيئة منها في المواد الأدبية بشكل عام وذلك لأن الأخيرة صانتها عادة تجليد الكتب.
أماكن الجنيزا
يقع معبد "بن عزرا" بالفسطاط، عاصمة مصر القديمة، وكان هذا المعبد في الأصل كنيسة تسمى كنيسة "الشاميين" ، وتشير المصادر إلى أن هذا المعبد شيد في العام الثاني الميلادي ،ورمم في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وهذا المعبد الذي اكتشفت فيه مخطوطات الجنيزا كان يعرف باسم معبد" الياهو" ، ويعرف أيضا بقصر "الشمع" ، وتزعم بعض الروايات اليهودية أن النبي" الياهو ايليا" قد تجلى ذات مرة للمتعبدين هناك، ومن الشائع عنه أن الأقباط حولوه إلى كنيسة لهم في القرن السادس الميلادي ثم تم بيعها إلى اليهود بعد ضائقة مالية مر بها الاقباط.
واجمعت المصادر اليهودية على أن" سلومون شختر" الحاخام اليهودي ،هو المكتشف الحقيقي للجنيزا، فهو من أدرك القيمة العلمية التاريخية لمخطوطات ووثائق الجنيزا عندما زار القاهرة وشاهد مبنى الجنيزا في المعبد عام ١٨٧٦ ،وبدأ تسريب هذه الوثائق خارج مصر منذ عام ١٨٩٠ حين سقط سقف الحجرة التي تخزن بها في المعبد، وأكبر نسبة من هذه الوثائق توجد حاليا بجامعة كامبريدج بإنجلترا.
وتعد محتويات غرفة" الجنيزا" في معبد "بن عزرا" من أهم أجزاء المعبد وهي ملحقة بأعلى المعبد في نهاية بهو النساء، وليس لها مدخل سوى نافذة عالية يمكن الوصول إليها من على السلم فقط، حيث كان على يهود ذلك العصر الصعود لألقاء اوراقهم من تلك النافذة إلى داخل الغرفة، اما عن زمن إنشاء حجرة" الجنيزا" ،فيرجح أنها بنيت مع إعادة بناء المعبد حينما أمر الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله بهدمه في فترة اضطهادات، ثم سمح لهم بإعادة بنائه سنة 1011 ميلاديا في بداية فترة من التسامح، ومع إعادة بناء المعبد، انشأوا حجرة "الجنيزا" .
كما يوجد أبنية أخرى ملحقة بمعبد"بن عزرا" استخدمت في أغراض مختلفة، حيث استخدمت الناحية الشمالية كمقر لإدارة المعبد ولإقامة الحارس، وهناك مبنى آخر بالجهة الجنوبية كان مستخدما كمدرسة دينية بالإضافة الى بقايا مبنى آخر بالجهة الشرقية كانت به قاعة مخصصة للطعام في المناسبات الدينية المختلفة، وكانت هناك مباني أخرى إلى جوار المعبد مخصصة لإقامة الفقراء المسنين من أبناء الطائفة اليهودية ولكنها اندثرت الآن.
المقابر اليهودية
في عام 1908، استخرجت عائلة "موصيري" اليهودية لأول مرة كميات كبيرة من "الجنيزا من"حوش موصيري" بحي البساتين بالقاهرة، وفي نوفمبر عام ١٩٨٧ ،قامت هيئة الآثار المصرية باستخراج باقي الوثائق والأوراق التي بقيت مدفونة بكميات كبيرة في هذه المقابر.
وعثر في تلك المقابر اليهودية على وثيقة تمثل إعلان عن" يوم الجنيزا" تدعو فيه اللجنة الإسرائيلية بالقاهرة جمهور اليهود، للمشاركة والاحتفال بنقل جميع كتب الصلوات القديمة غير الصالحة للاستخدام، والتي جمعت على مدار ثمانية أعوام من معبد "الأستاذ" بحارة اليهود بالقاهرة إلى مقبرة "الجنيزا" في حوش عائلة "الموصيري" ، بالمقابر اليهودية بحي البساتين، وتحدد ذلك يوم الأحد الموافق السابع والعشرين من شهر كسليف سنة ٥٧١٠ عبرية، الموافق الثامن عشر من ديسمبر سنة ١٩٤٩ميلاديا ، الساعة الثامنة والنصف صباحا.
وتعد مقابر البساتين، المقابر اليهودية الوحيدة المسجلة في تعداد الآثار المصرية ، واكتسبت أهميتها لكونها خاصة بدفن العلماء والحاخامات والشخصيات البارزة، وأشهر من دفن بتلك المقابر "يعقوب بن كلس" الذى عهد إليه الخليفة المعز لدين الله (٣٤١- ٣٦٤ هـ - ٩٥٢- ٩٧٤ م) بولاية الخراج.
وسميت تلك المقابر بحوش "الموصيري" نظرا لأن معظم أفراد عائلة "موصيري" اليهودية مدفونون به، وينفرد هذا الحوش باحتوائه على ثلاثة أساليب للدفن، قبور لدفن شخص واحد وتعرف باللحود، وقبور عبارة عن حجرة تحت سطح أرضية حجرة جميلة البناء مغطاة بغطاء من الرخام بوسطه حلقة معدنية مقبض يمكن من خلالها رفع الغطاء عند الحاجة إلى دفن شخص آخر، وقبور عبارة عن فراغات على شكل متوازي مستطيلات داخل الجدران الداخلية لحجرة جميلة البناء.
ويرجع تاريخ تلك المقابر إلى القرن التاسع الميلادي ،حيث ذكر أن والي مصر أحمد بن طولون آنذاك قد خصص هذه المساحة من الأرض لدفن موتى اليهود المصريين، وقد كان لدى الطائفة اليهودية بمصر حجة مسجلة بها شهادة الأطراف المعنية من اليهود والمسلمين، تتضمن حكما قضائيا من المحكمة الشرعية بمصر عام ١٠٥٩ ميلاديا تثبت تخصيص هذه المساحة لدفن اليهود، كما الحقت بهذه المقابر المذكورة مقابر أخرى لدفن المواد البالية والتي انتهت صلاحياتها وعطل استخدامها الجنيزا "، وتقع في الجزء الجنوبي لحوش الدفن الخاص بعائلة موصيري، أما الجزء الباقي من الحوش تشغله مجموعة مقابر لعائلة موصيري ولبعض العائلات الأخرى.
مقابر حلوان
وجد في المقابر اليهودية بمنطقة حلوان "الجنيزا المستديمة" التي كانت تدفن فيها المواد الدينية البالية وغيرها بعد تجميعها في "الجنيزات المؤقتة" التي كانت بالمعابد اليهودية في منطقة حلوان، ونقل إلى هذه "الجنيزا" الكتب المهترئة والأوراق الممزقة التي تخلفت عن عملية تجميع الكتب العبرية من المعابد اليهودية بالقاهرة.
وتم فرز تلك "الجنيزا" وتصنيفها وفهرستها بالتعاون بين المجلس الأعلى للآثار والمركز الأكاديمي الإسرائيلي والطائفة اليهودية بالقاهرة، حيث أنشئت بها ثلاث مكتبات للتراث اليهودي في مصر ملحقة بالمعبد الإسماعيلي بشارع عدلي ومعبد بن عزرا بمصر القديمة ومعبد موسى الدرعي بالعباسية.
مقابر الشاطبي بالإسكندرية
تم اكتشاف الجنيزا " في مقابر اليهود بمنطقة الشاطبي بمحافظة الإسكندرية، وهي عبارة عن بئر روماني قديم استخدم لدفن مواد " الجنيزا "التي كان يتم تجميعها بصفة مؤقتة في المعابد اليهودية بالإسكندرية.
اليهود والاسلام
وفي ضوء وثائق الجنيزا القاهرية،يكشف جهلان إسماعيل الباحث في الآثار اليهودية في كتابه" وثائق الجنيزا اليهودية في مصر" العلاقة بين اليهود والمجتمعات الإسلامية، حيث تمتع يهود البلاد الإسلامية بقسط وافر من الحرية والسماحة ، حسدهم عليه أقرانهم في أوروبا المسيحية.
فقد تمتع يهود البلاد الإسلامية بحكم ذاتي، يديرون بموجبه كافة شئون حياتهم الدينية والدنيوية،وما يتطلبه ذلك من حرية المعتقد وممارسة الأنشطة الاقتصادية، وحرية الإقامة والتنقل في جميع أرجاء البلاد ،بلا قيد أو شرط، ما داموا مستجيبين لنظم السلطات الحاكمة، وقوانين دفع الجزية،التي فرضت عليهم نظير ما تكفله لهم السلطات من الحماية ، وإعفاء القادرين منهم على حمل السلاح ،من منطلق أنهم ليسوا مطالبين بالدفاع عن دين لا يدينون به.
وفي الوقت ذاته،كان يهود أوروبا المسيحية يعانون الأمرين من القهر وذل العبودية، بحيث لم تكن لديهم حرية الإرادة في الإقامة والتنقل ولا في اختيار ما يريدون ممارسته من أعمال.
وفي وثائق الجنيزا القاهرية المئات من الوثائق التي تتضمن شواهد حية على ما كان ينعم به يهود البلاد الإسلامية من طيب المعاملة وحسن الجوار، منها على سبيل المثال خطاب من فقيه يهودي، جاء من القدس إلى مصر، لجمع تبرعات من يهود القاهرة ويهود مدن الدلتا، ومن ثم العودة إلى القدس، ووثيقة تروي أن امرأة يهودية شامية ، ترددت بين مصر والشام بحثا عن زوج مستهتر ،هارب من مسئولياته الأسرية، ويستدل من تلك الوثائق ومثيلاتها على مدى حرية التنقل ،ومدى ما صاحبه من أمن وأمان، في زمن كانت وسائل المواصلات فيه الدواب ،وربما سيرا على الأقدام، وعلى مستوى السلطات،هناك وثيقة تشير إلى أن السلطان صلاح الدين الأيوبي قام بتخفيض ما كان يفرض على أهل الذمة ،من مكوس "ضريبة" ، إلى النصف.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الجنيزا اليهود الطائفة الیهودیة هذه الوثائق الیهودیة فی الیهود فی عبارة عن التی کان بن عزرا فی مصر
إقرأ أيضاً:
تحسين أوضاع العاملين في المقابر.. رؤية جديدة نحو التكامل الاجتماعي
يعمل عدد من الأشخاص في أعمال دفن الموتى في ربوع مصر المحروسة، وهولاء يتحصلون على أجور قليلة من أهل الموتى عند دفن موتاهم، ويعانون من ظروف اجتماعية واقتصادية قاسية، كونهم محرومون من أي غطاء تأمين سواء اجتماعي أو صحي.
يطلق على من يقوم بدفن الموتى أو الجثث بـ«التُربي» وهو الذي يقوم باعداد بالمقابر سواء صغيرة المساحة الجبانة» أو كبيرة المساحة «الأحواش»، أو من يقومون بإعداد مقابر اللحد التي يتم دفن الجثث فيها تحت الأرض، وتبدأ أعمالهم بالحفر وتجهيز المقبرة لاستقبال جثث الموتى وفك الأكفان؛ انتهاءً بأعمال التغطية والغلق.
والدفن باللحد عبارة عن حفرة يتم حفرها تحت الأرض، أو في أحد جوانب القبر تجاه القبلة، ويتم وضع الميت فيها على جنبه الأيمن وبعد ذلك يتم التغطية بالطوب اللبن أو بالرمال.
وبين هذا وذاك من أعمال الدفن، يقول ماهر سلامة، إنه يعمل في مهنة تكفين ودفن الموتى لأكثر من 35 عاما، وأنه ورث المهنة من والده رحمه الله، ويقوم حاليًا بتعليم أحد أبناؤه ليرثها هو الآخر منه، كون أن هذه المهنه عطية ومنحة من الله، ويأخذ الثواب والأجر الرباني بعد الانتهاء من عمله، وأنهم يعملون في مهنة تتماشى مع مقولة «إكرام الميت دفنه».
وأشار سلامة إلى أنهم يواجهون صعوبات في عملهم عند دفن الموتى، سواء في درجات الحرارة العالية في فصل الصيف أو في أجواء الباردة جدًا في فصل الشتاء، فضلًا عن تعرضهم لأمراض عضوية في العظام والعمود الفقري والرقبة من أعمال الحفر وحملهم الجثث ذات الأوزان الكبيرة لحظة دخول القبر، وأمراض نفسية تنتابهم من أهوال هذه المهنة، لافتا إلى أنه يعمل في مقابر المشهد الحسيني التابع لمركز بلبيس بمحافظة الشرقية، والممتد على مساحة تزيد عن 35 فدان.
وأوضح محمد جلال، أن مقابر المشهد الحسيني من أكبر المقابر الموجودة في محافظة الشرقية ومحافظات شرق الدلتا، كونها تضم أكثر من 50 ألف مقبرة في مكان واحد، يقوم عليهم عدد لا يتعد 5 أشخاص فقط هم «التُربية» الذين يقومون بأعمال الحفر ودفن الموتى، مؤكدًا بأنهم بدون عمل رسمي، وأنهم افنوا حياتهم في هذه المهنة والتي يتحصلون منها على أموال قليلة من أهالي الموتى؛ رغم الظروف الحياتية الصعبة التي يواجهونها جراء عملهم هذا؛ من مشقة في العمل وإجراءات قانونية تتحتم عليهم الحصول على تصاريح الدفن قبل البدء في أعمال دفن أي ميت، واستخراج الجثث خلال فترة التحلل بمعرفة مسؤولي النيابة العامة ورجال القانون، فضلاً عن أمانة «حراسة الجثث» من أي إختراق أو تعدي من اللصوص، أو زوار الليل من أصحاب السوابق ومدمني المخدرات.
وقدم المهندس محمد المصري الخبير بالشؤون المحلية عضو مجلس محلي سابق بالشرقية؛ اقتراحًا بضم هولاء العمال المتخصصين في دفن وتكفين الموتى على وظائف حكومية ثابتة، كونهم يمثلون الحكومة في عملهم، كما هو الحال في وظائف العمد وشيخ البلد، وصرف رواتب شهرية لهم، بحيث لا يتركون للتسول أو وقوفهم بشكل غير لائق أمام أهل الميت كما يحدث في الوقت الحالي.
وقدم المصري عبر مؤسسة الوفد الإعلامية؛ اقتراحًا بخصم «قطع» جنيهان شهريًا من راتب كل مواطن له دخل يعمل في القطاع العام أو الخاص أو العمل الحر، لتوفير دخل ثابت لهولاء العمال، وتوفير وسائل أمان مناسبة من الجهات المعنية والأمنية بالمشاركة مع جهاز الخدمة بالمقابر، من غرفة بالمقابر تضم تليفون أرضي، ومغسلة، تكون متاحة طوال الـ 24 ساعة خدمة تحت الطلب، وتجميل المنظر العام للمقابر حتى يظهر بمظهر لائق.
وضم اقتراح المصري؛ دفع المواطنين الراغبين في أعمال الترميم وهدم المقابر رسوم هندسية محددة، بحيث لا يتم أعمال الإحلال والتجديد بالمقابر إلا بموافقة الجهات المسئولية من رئاسة الحي أو القرية أو المركز التابع لها للمقابر الإدارة الهندسية، مع توفير سيارة «نقل الموتى» تتبع وزارة الصحة ولا تعمل إلا لهذا الغرض وهو نقل الميت من مكان لآخر بدون مقابل.
ونوه إلى أن اقتراحه يتطلب تشريع أو قانون بخصم ٢ جنيه شهريا من كل موظف أو أي شخص له دخل رسمي، حتى يعود هذه المبالغ على المواطنين بعد مفارقتهم الحياه، ويخفف العبء عن كاهل ذويهم، وفي ذات الوقت سوف يعود على الدولة بمبالغ تتعدى المائة مليون جنية تقريبًا شهريًا، تقوم الدولة بصرفها على أعمال إكرام الموتى بشكل عام.