ما سيناريوهات صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة وإسرائيل؟
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
تصريحات الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة، مساء أمس السبت -والتي أكدّ عليها قائد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بقطاع غزة يحيى السنوار، حول استعداد الحركة لعقد صفقة تبادل شاملة بمبدأ "الكل مقابل الكل"- أثارت النقاش حول إمكانية إتمام صفقة تبادل للأسرى تتضمن وقفاً لإطلاق النار، وعن الخيارات المطروحة أمام الجانبين لعقد صفقة وسط معركة شرسة.
ولم يتضح بعد إن كانت إسرائيل معنية الآن بوقف النار مقابل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، خصوصاً أن هذه الخطوة قد تحسب انتصار على أنها صريح لحماس، أو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والقادة العسكريين يمكن أن يضحوا بأسراهم، بناء على بروتوكول "هينبعل" مقابل تسجيل انتصار على حماس وسحقها، وهو ما سيكون له تداعياته على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
لكن هذه الخطوة قد تشكّل مخرجاً لواشنطن لإعادة النظر في موقفها المتشدد من الحرب على غزة، خشية أن تقع في فخ صراع قد يطول في المنطقة ويستنزفها.
شكّل الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال واحدة من أهم القضايا التي تؤكد حركة حماس أنها من الدوافع الرئيسية لإطلاق عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وبالنظر إلى نتائج هذه العملية فإن أحد أهم مخرجاتها العدد الكبير من الإسرائيليين التي استطاعت المقاومة الفلسطينية السيطرة عليهم ونقلهم إلى قطاع غزة.
وشملت خارطة الأسرى والمحتجزين في يد المقاومة الفلسطينية تنوعاً من الضباط والجنود بجيش الاحتلال وأجهزة الأمن، بالإضافة لمستوطنين يقطنون مستوطنات "غلاف غزة" بعضهم من النساء، ومحتجزون من جنسيات أخرى وجدوا في منطقة العمليات أثناء عملية "طوفان الأقصى".
ونظراً لوجود عدد من الأسرى والمحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية من جنسيات أخرى بالإضافة للجنسية الإسرائيلية، فقد شكلت القضية نقطة محورية في مواقف الأطراف الدولية، وأصبحت عنواناً من العناوين الرئيسية للمواجهة، حيث شكلت "قضية الرهائن" جزءا مركزيا من خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن وأركان إدارته في تعقيبهم على المواجهة في قطاع غزة.
ففي الأيام الأولى للمواجهة، قال بايدن إن أولويته عدم بقاء أي أميركي رهينة قيد الاحتجاز في أي مكان بالعالم، وقد وضعت واشنطن قضية المحتجزين لدى المقاومة أولوية لحواراتها مع الأطراف الإقليمية المعنية بالتواصل مع حركة حماس، كقطر ومصر وتركيا.
وهذه الأجواء حول مركزية قضية الأسرى والمحتجزين بالمشهد الدولي رافقها انعكاس كبير للقضية على البيئة الداخلية الإسرائيلية، حيث وضعت حكومة الاحتلال ومجلس حربها "تحرير الأسرى" كأحد أهداف الحرب على غزة. وأعلن رئيس الوزراء تعيين الجنرال المتقاعد غال هيرش مسؤولاً عن ملف الأسرى والمفقودين في قطاع غزة.
ضغوط داخليةتضع هذه المقاربة حكومة نتنياهو أمام استحقاق التعامل مع ملف الأسرى، حيث تزداد الضغوط الداخلية عليها لإتمام صفقة تبادل مع المقاومة، إلا أنه ومجلس الحرب يدركان أن هذا يعد مشهداً من مشاهد "النصر" الذي تسعى إليه حماس والمقاومة الفلسطينية، لذا يحاول المناورة في الاستجابة للضغوط، والاستعاضة عنها بممارسة ضغط على المقاومة والحاضنة الشعبية لها في القطاع.
ويتمثل الضغط الإسرائيلي باستمرار استهداف المدنيين والتجمعات السكنية المأهولة، وتشديد الحصار وعزل القطاع المحاصر عن العالم الخارجي، بقطع الاتصالات وخدمات الانترنت، وهي إستراتيجية للتفاوض بالنيران لدفع المقاومة لتقديم تنازلات بهذا المسار.
وشكلت تصريحات الناطق العسكري لكتائب القسام "أبو عبيدة" ومعها تصريحات قائد حماس في غزة- ضربة لهذه الإستراتيجية بإعلان استعداد حماس والمقاومة الفلسطينية لصفقة شاملة، ولا يستطيع نتنياهو الموافقة عليها كونها تشكل إعلان هزيمة له بتوقيعه.
خيارات الصفقةوفي ضوء ذلك، يتم تقديم مقترحات بتجزئة مسار الإفراج عن الأسرى والمحتجزين، عبر التركيز على الأجانب والمستوطنين من النساء والأطفال، التي تزعم إسرائيل وجودهم بالقطاع. إلا أن هذا المسار يرافقه تحدٍ آخر في وجه حكومة نتنياهو ومجلس الحرب، إذا يثير الخلاف بالبيئة الداخلية الإسرائيلية، حول التفريق في نظرة الحكومة للأسرى والمحتجزين، كونها تعتبر رعايا الدول الغربية أكثر أهمية من رعاياها.
كما يثير ذلك عائلات الأسرى الجنود بجيش الاحتلال، حيث يضع ذلك حياتهم تحت تهديد الحرب الواسعة والاجتياح البري وتداعياته، إذ يرون في مقترحات الافراج عن الأجانب والمستوطنين، أو ما يسمى إسرائيلياً "بالمدنيين" استجابة من نتنياهو ومجلس الحرب لضغوط إدارة بايدن التي تعهدت بالإفراج عن "الأميركيين" المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية.
وطالب ممثلو تلك العائلات بعقد اجتماع "فوري" مع نتنياهو، ووزير الجيش يوآف غالانت، وأعضاء آخرين بالمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) لبحث مخاوفهم التي تترافق مع سجالات بالشارع الإسرائيلي بشأن فرص عودة الأسرى من قبضة فصائل المقاومة، في ظل التصعيد على غزة، وسط انتقادات حادة تناولت أداء نتنياهو في التعامل مع هذه القضية، ملوّحين بالتصعيد إذا لم يلتقوا مع المجلس الوزاري المصغر، وفق القناة 12 الإسرائيلية.
وعقب الاجتماع وتصريحات المقاومة في قطاع غزة، عاد أفراد من عائلات الإسرائيليين المحتجزين في غزة للتظاهر أمام منزل رئيس الوزراء في قيساريا جنوبي حيفا، وطالبوا بالاستجابة الفورية لعرض المقاومة بصفقة شاملة. وقال ممثلون عنهم إنهم طلبوا من نتنياهو إعادة ذويهم قبل أي عملية برية.
كما أكدوا أن قبولهم بصفقة تبادل تقوم على مبدأ "الجميع مقابل الجميع" وأنهم طلبوا من نتنياهو وضع مصير هؤلاء في الاعتبار عند التخطيط لأي عمل، وأنهم أبلغوه بأن صفقة تبادل الأسرى ستحظى بتأييد كبير، وحمّلوا الحكومة وحدها مسؤولية سلامة ذويهم.
ويلوح في أفق هذه النقاشات، حول الأسرى الإسرائيليين، التخوف من توجه إسرائيل لتفعيل خيار "هنيبعل" الذي يمنح جيش الاحتلال الإذن بقتل الأسرى الإسرائيليين بحجة استهداف محتجزيهم، وهو ما يتم تطبيقه الآن، ويؤكد ما أعلنته كتائب القسام عن مقتل أكثر من 50 من الأسرى والمحتجزين بسبب قصف الجيش الإسرائيلي لهم.
ورغم أن هذا الخيار سبق واُستخدم في تجارب سابقة، فإن تخلي حكومة نتنياهو عن قضية الأسرى والمحتجزين بهذه الطريقة سيكون له تداعيات آنية على الجبهة الداخلية، وسيصيب أحد أهداف الحرب بمقتل. كما أن وجود محتجزين أجانب يصعب من اللجوء لهذا الخيار، إلا أن الضغط الدولي على حكومة نتنياهو حول هذا القضية ما يزال بمراحله الأولى.
انتصار حماسالتحدي الأبرز الذي يواجهه نتنياهو ومجلس الحرب أن صفقة تبادل للأسرى سواء كانت جزئية أو شاملة تتطلب وقفاً لإطلاق النار مع حماس والمقاومة بالقطاع، وهو ما سيُفهم على أنه تراجع كبير، وكسر حدة موقف إسرائيل التي تحاول التمسك به في إدارتها للحرب على غزة، لأسباب تتعلق بالبيئة الداخلية الإسرائيلية التي تقف على أعتاب انفجار كبير من إلقاء اللوم وتحميل المسؤوليات المتبادلة.
كما يتوقع أن تشمل الصفقة كسراً للحصار وإدخال المساعدات والوقود للقطاع، وهي إنجازات مرحلية لحماس في وجه الحرب الشرسة التي يتعرض لها القطاع المحاصر، وتعزيزاً لمسارها في أن امتلاك الفلسطينيين أوراق قوة -كملف الأسرى- يشكل نهجا يجبر الاحتلال على تقديم تنازلات ويسجل نقاطا في مرماه.
ويعد مشهد الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين -سواء بشكل شامل أو على مستوى النساء والأطفال الفلسطينيين الذي تعتقلهم إسرائيل في سجونها- مشهداً تحتاجه المقاومة في سعيها للمحافظة على حالة الصمود والتماسك الداخلي في القطاع المنقطعة النظير.
الموقف الأميركييُنظر للموقف الأمريكي من القضية باهتمام كبير، كون أن سيناريوهات الصفقة المطروحة تشكل لإدارة بايدن فرصة في تقديم إنجاز داخلي، في تبرير موقفها المتطرف والحاد وغير المسبوق بتأمين غطاء لإسرائيل في ارتكاب جرائم حرب واستهداف واسع للمدنيين، بالإفراج عن محتجزين ممن يملكون جنسيات أميركية.
غير أن المعطى الأهم في هذه القضية يتمثل باحتمال أن تنظر إدارة بايدن لمقترح عقد صفقة تبادل بين الجانبين كفرصة للتعديل من موقفها الحاد، خشية أن تؤثر المواجهة في غزة على إستراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط بخفض التصعيد وعدم اتساع نطاق المواجهة، مما قد يخلط الأوراق ويربك حسابتها بأن تجد نفسها وسط صراع إقليمي لا ترغب فيه ولا يخدم إستراتيجيتها الدولية في تركيز قدراتها حول التنافس مع الصين والصراع بأوكرانيا.
ومع أن الموقف الأميركي "المتطرف" الذي تعبر عنه إدارة بايدن لا يشجع على احتمال أن تسعى لخفض التصعيد قريباً، إلا أن تضافر عدة عوامل بالبيئة الداخلية الإسرائيلية والأميركية، وتصاعد المواقف الدولية والإقليمية الداعية لوقف الحرب على غزة، وتنامي تأثير الرأي العام الشعبي العالمي، بالإضافة لصمود المقاومة وعجز جيش الاحتلال على تنفيذ عملية برية واسعة بالقطاع، قد تسهم في دفع إدارة بايدن وحكومة نتنياهو للقبول بصفقة تبادل جزئية أو شاملة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الداخلیة الإسرائیلیة المقاومة الفلسطینیة حماس والمقاومة حکومة نتنیاهو إدارة بایدن صفقة تبادل قطاع غزة على غزة إلا أن
إقرأ أيضاً:
المقاومة تعلن أسماء أسرى الاحتلال المشمولين في صفقة التبادل السبت
أعلنت المقاومة الفلسطينية، اليوم الجمعة، أسماء أسرى الاحتلال الإسرائيلي المنوي الإفراج عنهم في الدفعة السادسة من المرحلة الأولى لصفقة تبادل الأسرى، والمقررة غدا السبت.
وأفاد الناطق العسكري باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، في تغريدة عبر قناته على "تيلغرام" بأنه في إطار صفقة "طوفان الأقصى" لتبادل الأسرى، قررت الكتائب الإفراج يوم غد السبت الموافق 15- 02- 2025، عن ثلاثة أسرى إسرائيليين".
ولفت إلى أن الأسرى هم: " ساشا الكسندر تروبنوف، وساغي ديكل حن، ويائير هورنش".
وقبلها بوقت قصير، قال أبو حمزة الناطق باسم سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، عبر قناته على "تيلغرام": "قررت سرايا القدس الإفراج يوم غد السبت الموافق 15- 02- 2025 عن الأسير الإسرائيلي ألكسندر توريانوف، في إطار الدفعة السادسة من المرحلة الأولى لصفقة طوفان الأقصى لتبادل الأسرى".
ونقلت وكالة "رويترز" عن قيادي في حركة حماس، أن فصائل المقاومة في قطاع غزة ستفرج السبت عن ثلاثة أسرى، وفقا لما هو منصوص عليه في اتفاق وقف إطلاق النار.
ولفتت المصادر ذاتها، إلى أنه سيكون من بين الأسرى الأمريكي الإسرائيلي ساجي ديكل تشين.
وكانت حركة حماس قد أعلنت الخميس، أن الوسطاء يضغطون على الاحتلال الإسرائيلي لإلزامه بتنفيذ البروتوكول الإنساني لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، واستئناف عملية تبادل الأسرى السبت المقبل.
وقال متحدث الحركة عبد اللطيف القانوع، في بيان: "لسنا معنيين بانهيار اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وحريصون على تنفيذه وإلزام الاحتلال به كاملا".
وأضاف أن "الوسطاء يمارسون ضغطا لإتمام تنفيذ كامل الاتفاق وإلزام الاحتلال بالبروتوكول الإنساني واستئناف عملية التبادل يوم السبت".
ووفق القانوع فإن وفد "حماس" الموجود في القاهرة حاليا يركز على "معالجة العقبات التي وضعها الاحتلال، وسبل تنفيذ كامل اتفاق وقف إطلاق النار".
وشدد على أن "لغة التهديد والوعيد التي يستخدمها (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب و(رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو لا تخدم تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار".
وكان مصدر مطلع كشف لـ"عربي21" الأربعاء، أن الوسطاء يبذلون جهودا كبيرة لإنقاذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وضمان تطبيق حكومة الاحتلال للبنود المتعلقة بالجانب الإنساني والإغاثي في القطاع.
وأكد المصدر أن الوسطاء قدموا ضمانات لحركة حماس بشأن التزام حكومة الاحتلال بما نص عليه البروتوكول الإنساني، خصوصا فيما يتعلق بتوفير مقومات الإيواء العاجل، مشددا على أن قطر ومصر نقلتا إلى حركة حماس مؤشرات إيجابية بشأن سماح "إسرائيل" بإرسال المزيد من الخيام والمنازل المتنقلة "الكرفانات" والمعدات الثقيلة الخاصة بإزالة الأنقاض.
وشدد المصدر على أن وفد "حماس" الذي وصل إلى القاهرة الأربعاء برئاسة القيادي خليل الحية، اجتمع بالمسؤولين المصريين وتلقى إشارات إيجابية بخصوص التزام "إسرائيل" بتنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار، مشيرة إلى أن الوسطاء يحاولون التأكد في هذه المرحلة من أن "حماس" ستلتزم بإطلاق الدفعة القادمة من الأسرى الإسرائيليين يوم السبت المقبل.