خلف الشاشة جيش اسرائيلي خفي.. والمنظومة الإعلامية الغربية تتواطأ
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
بالتوازي مع آلة القتل العسكريّة التي يمتلكها جيش الإحتلال الإسرائيلي، مدعومًا بالأساطيل والبوارج الغربية، ليدكّ الأبنية السكنية في غزة فوق رؤوس قاطنيها، ويقتل آلاف الأطفال والنساء والشيوخ، هناك جيشٌ اسرائيلي ثانٍ غيرُ مرئي، لا يقلّ تدريبًا وتسليحًا، يتخطّى الأول عديدًا، ويخوض معركة من نوع آخر، مسرحها يتجاوز غزة ليشمل الفضاء العالمي برمّته، وتأثيرها لا يقتصر على مسار الحرب في الميدان الغزّاوي فحسب، بل يطال حاضر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ومستقبل القضيّة الفلسطينية.
جيش اسرائيل الإلكتروني لتشويه الحقائق
اسرائيل التي اتقنت استخدام الدعاية الكاذبة منذ ما قبل زمن بلفور ووعده، لا تغفل هذا السلاح أبدًا في حربها على غزة، لذلك أطلقت "جبهة التوعية" عبر الفضاء الافتراضي، أو ما يعرف بـ"جيش إسرائيل الإلكتروني". مهمتُه إدارة المعركة عبر مختلف شبكات التواصل الاجتماعي، ليقدّم للرأي العام الغربي روايته الخاصة. وقد وصفت صحيفة يديعوت أحرونوت "جبهة التوعية" بأنّها لا تقلّ أهمية عن ساحات القتال. بالتوزاي نشط القسم الرقمي في وزارة الخارجية الإسرائيلية منذ الساعات الأولى ل"طوفان الأقصى"، ونشر تباعًا نحو ألف منشور وتغريدة باللغات الإنكليزية والإسبانية والعربية والفارسية والروسية، حصلت على أكثر من 320 مليون مشاهدة، وفق صحيفة "غلوبس" الإسرائيليّة، وقد وصف الصحفي نافو تربلسي مراسل شؤون التكنولوجيا والإنترنت في الصحيفة المذكورة ما يقومون به، بأنّه معركة التأثير في الرأي العام العالمي.
مراد: تضليل ممنهج لتوجيه الرأي العام الغربي
تلقى تلك المعركة صداها في الإعلام الغربي، الذي يردّد الأكاذيب الإسرائيلية، ويتبنّاها إلى حدّ التماهي معها في تشبيه حماس بداعش، وفق مقاربة الدكتور غسان مراد، الاستاذ الباحث في حوسبة اللغة والإعلام الرقمي، ورئيس مركز الأبحاث في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية، لافتًا في اتصال مع "لبنان 24" إلى أنّ توصيف هجوم حماس بالإرهابي، وتشبيهه بهجمات الحادي عشر من أيلول 2001، مؤشّرٌ حيال مدى توجيه الرأي العام الغربي، الذي تشّرب الإسلاموفوبيا، ومحاولة إقناعه بأنّ ما حصل هو عملية إرهابية قام بها مسلمون عرب، وإغفال حقيقة وجود مقاومين يحاربون دولة عنصرية احتلّت أرضهم.
الإعلامي الغربي يسقط في فخ صورة "الطفل المتفحّم"
الصورة الأولى التي بثتها اسرائيل في معركتها الدعائية، وكان لها التأثير الأكبر لدى الرأي العام العالمي في الساعات الأولى ل"طوفان الأقصى"، نشرها رئيس حكومة العدوّ بنيامين نتنياهو، إدّعى أنّها لطفل اسرائيلي متفحّم أحرقته حماس وفق روايته. ثم كتب عبر حسابه "أحرقوا عشرات الأطفال وأعدموهم وقطعوا رؤوسهم. لم نشهد مثل هذه الوحشية في تاريخ دولة إسرائيل. إنّهم أسوأ من "داعش"، وهكذا يجب أن نتعامل معهم". إدعاء نتنياهو الكاذب بقتل حماس للأطفال، بغياب أي دليل أو صورة، تناقلته على الفور الصحف الأجنبية. صحيفة "ذا صن" عنونت في صفحتها الأولى "المتوحشون يقطعون رؤوس الأطفال في مذبحة"، فيما كتبت "التايمز" "لقد قطعت حماس حناجر الأطفال في مذبحة" وهكذا فعلت "ديلي ميل" و"ديلي تلغراف" وغيرها من الصحف العالميّة.
أميركي يكشف زيف الصورة
ما كشفه الصحفي الأميركي جاكسون هينكل من زيف صورة الطفل المتفحم التي نشرها نتنياهو، بحيث تبين أنّها تعود إلى كلب في عيادة طب بيطري، تمّ تزييفها عن طريق الذكاء الاصطناعي، تجاهله الإعلام الغربي. كذلك "لم يحذف نتنياهو ما كتبه حتى الآن وجرى على أساسه بناء وتبنّي السردية الغربيّة" وفق مراد، مشيرًا إلى أنّ مراسلة CNN سارة سيدنر تبنّت رواية نتنياهو، بحيث شاهدها عشرات الملايين عبر العالم، وعندما ظهرت حقيقة الصورة اكتفت بالإعتذار عبر تغريدة على حسابها على منصّة X، لم يشاهدها إلا عدد قليل من أولئك الذين تبنّوا كلامها عن أنّ "حماس" قطعت رؤوس الأطفال. يمارس الإعلام الغربي تعتيمًا متعمّدًا لمجريات الميدان في غزة، على سبيل المثال يقول مراد "لا نشاهد المجازر على شاشات التلفزة الفرنسية وصور مجازر الأطفال التي يقوم بها الاسرائيليون، بل تكتفي هذه الوسائل الإعلامية بالأخبار التي تتناسب مع اللّوبي الاسرائيلي الّذي يتحكّم بالإعلام الفرنسيّ" ولتأكيد التحيّز الغربي وممارسة التعمية الإعلامية، لفت مراد إلى إيقاف الشركة الفرنسية المسؤولة عن القمر الصناعي "يوتل سات" Eutelsat، بثّ "قناة الأقصى"، بما يتنافى مع الحقوق الدولية التي تكفل حرّية التعبير.
الإعلام الغربي يسكت إعلامييه بالقوة ويطرد بعضهم
انحياز الإعلام الغربي لسلطات الإحتلال الإسرائيلي لم يتوقف عند حدّ تبني روايتهم، بل ذهبت وسائل إعلام غربية إلى طرد عاملين لديها حاولوا أن يقدّموا محتوى منحازًا لشيء من الموضوعيّة. على سبيل المثال لا الحصر، فُصِل المراسل الرياضي جاكسون فرانك من موقع "فيلي فويس" الإخباري، الذي انضم إليه أخيرًا بعد أن كتب على موقع إكس "أتضامن مع فلسطين دائما"، فردّ الموقع بإقالته. شبكة "إم إس إن بي سي" الأميركية أوقفت 3 من أبرز مذيعيها المسلمين مهدي حسن وأيمن محيي الدين وعلي فلشي بعد عملية "طوفان الأقصى". "بي بي سي" البريطانية أوقفت التعامل مع صحفيّة مستقلة وأحالت ستة من صحفييها العرب في مكتبها في القاهرة إلى التحقيق، بدعوى "نشاطهم المتحيز لفلسطين على حساباتهم في مواقع التواصل". صحيفة "ذي غارديان" البريطانية أنهت عقدا استمر أكثر من أربعين عامًا مع رسام الكاريكاتور ستيف بيل، بسبب رسم كاريكاتوري، أظهر فيه نتنياهو مُرتديا قفازات ملاكمة، وهو يحدد جزءٌا من خريطة تمثّل قطاع غزة تمهيدا لاقتطاعه، مع عبارة "يا سكان غزة اخرجوا الآن". حجب الصورة متعذّر في زمن "السوشيل ميديا"..ولكن رغم تفوق الدعاية الإسرائيلية تاريخيًّا، تراجعت قدرتها على احتكار الحقائق بظل انتشار وسائل التواصل الإجتماعي، بحيث لم يعد المسرح الإعلامي مقتصرًا على "أحادية الرواية الإسرائيلية"، بدليل ما نشهده من تبدّل نسبي في الموقف الغربي، وفي إطاره يمكن وضع تصريح وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية إيوني بيلارا، بتوصيفها ممارسات إسرائيل في غزة بأنّها "جريمة حرب وإبادة جماعية" ودعوتها الدول الأوروبية إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، ووجوب تقديم نتنياهو للمحكمة الجنائيّة الدوليّة. الرأي العام الغربي بدوره بدأ يرى صورة مغايرة، وإن بشكل محدود، لاسيما بعد مجزرة مستشفى المعمداني، رغم محاولات نتنياهو وبايدن إلصاقها بحركة الجهاد الإسلامي، وقد عمّت التظاهرات مدن مدريد وباريس وواشنطن ولندن ومانشتستر وبرلين وعواصم غربية أخرى تنديدًا بالمجازر الإسرائيلية.
لكن المعركة الإعلاميّة عبر صفحات منصّات التواصل الإجتماعي ليست متكافئة، يلفت مراد، كونها مملوكة من شركات غربية، تمتثل لتوجّهاتها وإلّا تواجه عقوبات جدّية، مشيرًا إلى أنّ الاتحاد الأوروبي فرض على شركة "ميتا" التي تملك وتدير فيسبوك وإنستغرام وواتساب وماسنجر وثريدز، تقييد ومحو كلّ ما يدعم "حماس" والقضية الفلسطينية. بالفعل أعلنت شركة "ميتا" أنّها حذفت محتوى ما يقارب ثمانمئة ألف منشور وصورة وفيديو، كان أغلبها مؤيّدًا لحركة حماس، وحذفت شبكة "القدس الإخبارية". كما استخدمت إجراءً قيّدت من خلاله التّوزيع على إنستغرام لكلمات معيّنة تدعم القضيّة الفلسطينيّة، يُحجب المحتوى عندما يقوم المستخدم بالبحث عنها. كذلك فعلت المفوّضية الأوروبيّة بتهديد منصّة "إكس X" بفرض عقوبات عليها، ودعت مالكها إيلون ماسك إلى "حذف كلّ ما يُتداول من محتوى كاذب مرتبط بالنّزاع، خلال 24 ساعة". بأي حال، جرائم غزّة عرّت المنظومة الإعلامية الغربية، التي انخرطت في الدعاية السوداء لشيطنة المقاومة، فأسقطت كبريات الصحف والوكالات الأجنبية نفسها عن سابق تصميم في فخ الرواية الإسرائيلية، ونزعت عن عملها الضوابط المهنيّة والحد الأدنى من الحياد والمهنية وحرية التعبير، وضربت أخلاقيات المهنة والقيم الإنسانيّة في الصميم.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الإعلام الغربی العام الغربی الرأی العام
إقرأ أيضاً:
الجيل الجديد على الشاشة… موهبة حقيقية أم "كوسة فنية"؟ (تقرير)
شهدت الدراما المصرية والعربية، زحفًا متسارعًا لوجوه جديدة تفرض نفسها على الشاشة، إما بموهبة واضحة لا يختلف عليها اثنان، أو عبر طرق أخرى لا تمت كثيرًا إلى الفن بصلة، كأن يكون الشاب أو الشابة "ابن فنان"، أو نجم تريند على السوشيال ميديا تحوّل إلى ممثل فجأة!
فهل الجمهور مستعد فعلًا لاحتضان هذه الوجوه؟ وهل أصبحت الشاشة مجرد ساحة تجارب؟
بين كل هذا الزخم، يبرز السؤال الأهم: من الذي يستحق فعلًا أن يُطلق عليه لقب "نجم صاعد"، ومن الذي وجد نفسه فجأة في دائرة الضوء دون مؤهلات حقيقية؟
ابن النجم… بطاقة دخول ذهبية؟
ما لا يمكن إنكاره، أن هناك بعض الأسماء التي ظهرت بقوة خلال العامين الماضيين، فقط لأنها تحمل اسمًا فنيًا كبيرًا. وأصبح الجمهور يعرفهم كـ "ابن فلان" أو "بنت فنانة مشهورة"، وليس لكونهم أصحاب أداء مميز أو موهبة لافتة.
بعضهم نجح في كسر هذه الصورة، وأثبت أنه أكثر من مجرد "ابن نجم"، فيما لا يزال البعض الآخر يعاني في إثبات وجوده، رغم الفرص المتتالية، بل ويثير تساؤلات: "لو كان شخص عادي، هل كان سيحصل على هذه الفرصة أصلًا؟"
الوجوه الجديدة… تريند اليوم وغياب الغد؟
منصات التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل كبير في إبراز أسماء لم نكن لنعرفها لولا "فيديو تريند"، أو مشاركة خفيفة الظل في برنامج أو تحدٍ، ليتحول بعدها صاحب الفيديو إلى ممثل في عمل درامي كبير، أحيانًا في دور بطولة!
المشكلة هنا ليست فقط في غياب الخلفية الفنية، بل في أن بعض هؤلاء يعتمدون بالكامل على الكاريزما أو الشكل الخارجي، ويتعاملون مع التمثيل كأنه جلسة تصوير على "إنستجرام"، مما يضع العمل الفني في مأزق حقيقي.
الجمهور… مع أو ضد؟
ربما يملك الجمهور اليوم وعيًا أكبر مما يتصوره صناع القرار في الدراما. المتفرج لم يعد يكتفي بالشكل أو الاسم، بل يبحث عن أداء مقنع وقصة تمسّه. وهذا ما يفسّر ارتفاع شعبية بعض الوجوه الجديدة رغم بساطة ظهورها، لأنها استطاعت لمس مشاعر الناس، بعيدًا عن المجاملات أو العلاقات.
ممثلين شباب اتعرضوا لانتقادات بسبب دخولهم الوسط الفني عن طريق "الواسطة" أو إنهم أبناء فنانين:
أحمد مالك
رغم موهبته، اتعرض لانتقادات في بداياته بسبب علاقاته داخل الوسط ودعمه من مخرجين كبار، واتقال إنه بياخد فرص مش متاحة لغيره.
ليلى أحمد زاهر
اتعرضت لهجوم كبير على السوشيال ميديا بدعوى إنها حصلت على أدوار بسبب كونها بنت الفنان أحمد زاهر، رغم إنها بتحاول تثبت نفسها كممثلة مستقلة.
رنا رئيس
رغم إن والدها مش فنان لكنه من داخل مجال الإنتاج الفني، وده خلى البعض يشير لوجود تسهيلات أو دعم غير مباشر ساعدها في البداية.
تيام مصطفى قمر
كتير انتقدوه وقالوا إنه بيشتغل بسبب إنه ابن المطرب مصطفى قمر، خاصة بعد مشاركته في أعمال درامية سريعة وظهوره في برامج.
نور إيهاب
رغم إنها مش من أبناء فنانين، لكن اتقال إنها مدعومة من شخصيات داخل الوسط، خصوصًا مع سرعة صعودها وانتشارها في وقت قصير.
الخاتمة … من يستمر؟
الوجوه الجديدة ليست مشكلة، بل ضرورة طبيعية لأي صناعة تبحث عن التجديد. لكن الفارق الجوهري يكمن في: هل هذه الوجوه قادمة من بوابة الموهبة الحقيقية، أم من أبواب خلفية؟ وهل هي هنا لتبقى، أم مجرّد فقاعات فنية ستنتهي بانتهاء الموسم؟