بين ملابس الحداد وتشبيك الأصابع مقابل البزة العسكرية والتشمير عن الساعد، إلى ملامح التوتر والإنهاك والتشتت في مواجهة هيئة الثقة ونبرة التحدي وتوضيح الأهداف.

بين هذا كله، يمكن قراءة خطابي الناطق باسم كتائب عز الدين القسام أبو عبيدة ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساء السبت، وسط تكثيف العدوان على غزة واستمرار المقاومة في التصدي وقصفها مدن الاحتلال، ومنها تل أبيب.

دلالة التوقيت

الخطابان ألقيا بعد نحو 24 ساعة من قطع الاحتلال كافة الاتصالات عن غزة مع بدء محاولة توغله بريا، مما يجعلهما مبدئيا محط أنظار الجمهور من الطرفين لمعرفة حقيقة ما يجري على الأرض.

ومع إعلان القسام أن أبو عبيدة سيلقي كلمة، بدا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أن الجماهير العربية في المشرق والمغرب تحبس أنفاسها، في انتظار ما سيقوله الملثم.

وفي الطرف الآخر، لم يتضح مدى تطلع الإسرائيليين لسماع خطاب نتنياهو، خصوصا أن شرائح واسعة منهم تطالب برحيله فورا، ولا تثق بقيادته للحرب.


عرض الوقائع

بعد 24 ساعة من تكثيف العدوان وإعلان الاحتلال أنه كبد المقاومة خسائر كبيرة، ظهر أبو عبيدة ليقول إن إسرائيل لم تفلح إلا في قتل الأبرياء من النساء والأطفال.

وبمنطق يطبعه التحدي، قال أبو عبيدة إن المقاومة في انتظار المعركة البرية "لنعلمهم البطولة" متوعدا بهزيمة الاحتلال وكنسه، ونافيا روايته بشأن المعارك في الميدان.

وبسردية قد يضرب معنويات الجمهور الإسرائيلي، تحدث أبو عبيدة عن معركتين: الأولى خاضها مقاوم واحد ضد عدة جنود إسرائيليين هربوا منه، والثانية خاضها 3 مقاومين ضد فرقة عسكرية كاملة، وكبدوها خسائر كبيرة.

وقد تحدث أبو عبيدة عما سماه "هوان العدو"، وضعفه مقابل بسالة وشراسة المقاومة، وتهكم على ما تقوله إسرائيل دوما عن قوة جيشها.

في المقابل، اعترف نتنياهو بأن الوضع صعب جدا، وقال إن جنودهم أمامهم عدو "وحشي"، متحدثا عن تحد وجودي أمام إسرائيل. ولكنه أكد قدرة جنوده على هزيمة العدو "وإبقاء الأمن في بلدنا". وقال "لدينا جيش رائع".

وفي الوقت الذي تكلم فيه عن قدرة الجيش وبطولته، بدا من خلال ارتباكه أنه تذكر أن وقائع يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول لا تؤيد هذه المزاعم.

وعندما حاصرته الأسئلة عن سبب انهيار الجيش أمام المقاومة، قال إن "ما حصل فشل كبير سيتم فحصه حتى النهاية"، وإنه هو وغيره من المسؤولين لا بد أن يقدموا إجابات بعد أن تضع الحرب أوزارها.

ويقول الاستشاري الإعلامي حسام شاكر إن نتنياهو حاول بشكل مستمر إقناع الجمهور بأن الجيش جدير بالثقة، ولكن الحديث عن الشجاعة والبطولة غير منطقي "فما جرب حتى الآن هو الجبن والذعر وسقوط القواعد والثكنات".


الأهداف

لم يكتف أبو عبيدة بتقديم معلومات عن الوقائع الميدانية ورفع معنويات الجمهور العربي، بل أوضح أن هدف المقاومة كنس الاحتلال وتحرير الأسرى الفلسطينيين، مؤكدا أنها صنعت سلاحها بنفسها وقادرة على تحقيق أهدافها.

وقد شدد الملثم على أن ثمن العدد الأكبر من الأسرى الإسرائيليين هو تبييض سجون الاحتلال من الأسرى الفلسطينيين، مخيرا حكومة نتنياهو بين صفقة تبادل كلية أو جزئية.

وبهذا يكون أبو عبيدة قدم عرضا واقعيا ويمكن تطبيقه، ليسجل هدفا في مرمى حكومة الاحتلال، ويضعها في مواجهة مجتمعها الذي رفع لاحقا مطلب إتمام صفقة تبادل تفضي لتحرير جميع الأسرى من الطرفين.

في المقابل، لم يتحدث نتنياهو عن هدف واقعي، وكرر أكثر من مرة أنه لا بد من هزيمة حماس والقضاء عليها.

نتنياهو الذي أقر بصعوبة الوضع وبأنه أمام عدو وحشي، ما لبث أن ناقض نفسه بالقول إن حكومته تمكنت قبل السابع من أكتوبر من إضعاف حركة حماس.

وفي غمرة هذه التناقض يعود ليقول "لدينا جيش رائع وأبطال"  ثم يلتفت إلى أكثر من اتجاه، ويضع يده بجانب خصره ويشبك أصابعه.

أما فكرة صفقة تبادل الأسرى، فقال إنه ناقشها بعض الأصدقاء، وإنه لن يتحدث عن التفاصيل.

وبتصريح غير محسوب سياسيا، قال إن استعادة الأسرى هي الهدف الثاني، بينما الهدف الرئيسي القضاء على حماس، وهي المهمة التي اعترف بصعوبتها قبل قليل.

وعندما أراد التراجع عن التهوين من شأن الأسرى، أكد أنه أحس بألم عائلاتهم، وقال "سنعمل كل ما نستطيع لاستعادتهم"، وهو تعبير لا يخلو من اليأس.


الملامح ولغة الجسد

ظهر نتنياهو بلباس أسود، وبدا عليه أثر السهر والقلق، وبينما تحدث عن أبطال إسرائيل كانت ملامحه لا تتفاعل مع هذه الأوصاف التبجيلية، ربما لكونه تذكر وقائع السابع من أكتوبر عندما حطمت المقاومة القواعد والقلاع والحصون، وأثخنت قتلا في الجنود والضباط، ثم أسرت منهم ما يربو على المائتين.

كان نتنياهو يلتفت يسارا ويمينا، ويحك رأسه ويلمس ظهره، ويصدر حركات جسدية تعكس أنه يعيش هشاشة واضطرابا، وفق حسام شاكر وهو خبير أيضا في لغة الجسد.

ويرى شاكر أن نتنياهو ظهر يعاني مشكلة في "التوافق التعبيري بالنسبة لبدنه وحركات جسده وكأنه كان في حركات استعراضية شكلية"، فهو لا يشعر بما يتلفظ به.

كذلك يلاحظ أنه "كان منهكا، وظهر بوجه ممتقع، ولا يأخذ قسطا كافيا من النوم، وبدا من تحريك بدنه بشكل مختلف عن المعهود أنه يعيش أزمته السياسية بدل أن يبدو في المظهر اللائق بزعيم يقود حربا".

ووفق شاكر، فإن هذه الاضطرابات لا يمكن فصلها عن التغريدة المتعجلة التي لام فيها قادة الجيش بشكل انتهازي "وهو سلوك مناف للمسؤولية بالنسبة لمسؤول يقود حربا".

في الجانب الآخر، كانت هيئة أبو عبيدة وبزته العسكرية مليئة بمعاني القوة في وقت له رمزيته، وتشير إلى قدرة المقاومة على إدارة المشهد الإعلامي إلى جانب أدائها في ميادين المعارك.

أبو عبيدة الذي ظهر مشمرا عن ساعده، حافظ على المظهر الذي يتوقعه منه أنصار المقاومة، فكانت نبرته مليئة بالتحدي والتهوين من الخصم.

وهذه الهيئة والثقة تترك أثرا سلبيا في المجتمع الإسرائيلي الذي يراقب قادته وهم يتنابزون ويتلاومون، وليس لديهم هدف واضح من مواصلة العدوان على غزة وفق العديد من الساسة والمراقبين.

الحديث للخارج

في كلتا الكلمتين، وردت فقرة موجهة للخارج، حيث شكر نتنياهو الزعماء الغربيين على زيارة إسرائيل ومساعدتهم لها في حربها ضد حماس.

وفي المقابل، قال أبو عبيد إنه لا يطالب القادة العرب -لا سمح الله- بالذب عن عرض الأمة وكرامتها، ولكنه عاب عليهم عدم قدرتهم على توصيل المساعدات للمحتاجين في القطاع.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: أبو عبیدة قال إن

إقرأ أيضاً:

أهالي الأسرى يحملون نتنياهو مسؤولية إفشال صفقة التبادل

أغلق عشرات الإسرائيليين، طريقا رئيسا في مدينة تل أبيب للمطالبة بصفقة لإطلاق سراح الأسرى في غزة، محملين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المسؤولية عن "إفشالها".

وقالت صحيفة معاريف الإسرائيلية إن أهالي الأسرى مع ناشطين أغلقوا مساء الأربعاء طريق أيالون السريع باتجاه الجنوب.

وبمناسبة إضاءة الشمعة الأخيرة في ما يسمى بعيد "الحانوكا" (الأنوار) اليهودي، أشعل المتظاهرون شمعدانا ضخما بجوار نيران أخرى في المنطقة، وفق المصدر ذاته.

وقالت عائلات الأسرى الإسرائيليين، في بيان "يعيش أحباؤنا محرقة.. بسبب قرار نتنياهو بالتخلي عنهم هناك". وأضاف البيان "بدلا من إنهاء الحرب مقابل صفقة واحدة شاملة تعيد جميع المختطفين، يواصل نتنياهو نسف الصفقة وإفشالها".

وتابع "في الشمعة الأخيرة من عيد الحانوكا، لا نحتاج إلى معجزات حتى يعودوا، ولكن إلى أفعال حقيقية من قيادتنا".

وعلى مدار أكثر من عام، أكدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) استعدادها لإبرام اتفاق، بل أعلنت موافقتها في مايو/أيار 2024 على مقترح قدمه الرئيس الأميركي جو بايدن، غير أن نتنياهو تراجع عنه بطرح شروط جديدة أبرزها استمرار الحرب وعدم سحب الجيش من غزة، بينما تتمسك "حماس" بوقف تام للحرب وانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي.

إعلان

وتتهم المعارضة وعائلات الأسرى الإسرائيليين نتنياهو بعرقلة التوصل إلى اتفاق للحفاظ على منصبه، إذ يهدد وزراء متطرفون بينهم وزيرا الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش بمغادرة الحكومة وإسقاطها إذا قبلت إنهاء الإبادة بغزة.

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ترتكب قوات الاحتلال بدعم أميركي إبادة جماعية بقطاع غزة خلفت نحو 154 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

وتواصل تل أبيب مجازرها متجاهلة مذكرتي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين.

مقالات مشابهة

  • الهندي : قريبون من صفقة ولو جزئية لتبادل الأسرى مع إسرائيل
  • الدكتور الهندي: مفاوضات تبادل الأسرى مع الاحتلال تقترب من الحسم رغم العقبات
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين تنتقد نتنياهو وتغلق طريقا في تل أبيب (شاهد)
  • أهالي الأسرى يحملون نتنياهو مسؤولية إفشال صفقة التبادل
  • حكومة نتنياهو تعرقل زيارة الصليب الأحمر للأسرى الفلسطينيين.. ماذا طلبت من المحكمة؟
  • وزير دفاع إسرائيل: إذا لم تفرج حماس عن الأسرى فإنها ستتلقى ضربات غير مسبوقة
  • مظاهرة لعائلات الأسرى الإسرائيليين قرب منزل نتنياهو
  • عبدالحفيظ: إسرائيل تفرض معادلة الاستسلام أو الموت على الفلسطينيين
  • المقاومة الفلسطينية تشن أول هجوم على إسرائيل في 2025
  • كاتب صحفي: إسرائيل تفرض معادلة الاستسلام أو الموت على الفلسطينيين