كيف ساهم النازحون في استعادة دور مدينة مأرب الغني بالثروات والمنفرد بالحضارة والتاريخ؟
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
يمن مونيتور/وحدة التقارير/ من محمد الوجيه
ساعدت موجات النزوح المستمرة إلى محافظة مأرب منذُ بداية الحرب الدائرة في اليمن في جلب الكثير من الاستثمارات وساهمت في إحداث آثار اقتصادية واجتماعية وتنموية كبيرة.
وتشير التقارير إلى أن أكثر من مليون نازح يوجد بداخل مدينة مأرب وأغلبهم جاءوا من المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي خوفا من الاعتقال والملاحقة أو بسبب سوء الأوضاع المعيشية التي خلفها انقلاب الجماعة المسلحة في 21 سبتمبر من العام 2014 على الحكومة الشرعية.
وشهدت مدينة مأرب وبشكل متسارع نشاط ملحوظ في حركة المطاعم، والفنادق، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى افتتاح مولات ومحلات تجارية متعددة الخدمات، مما جعل المدينة وجهة لكثير من رجال المال والأعمال والذين سارعوا في تنفيذ مشاريعهم الخاصة في المدينة.
كما انتشرت الاستثمارات العقارية بكثافة عالية، مع زيادة الطلب والقبول الكبير من قبل النازحين على استئجار الشقق السكنية، الأمر الذي ساعد في تمدد واتساع المدينة لما يقارب عشرة أضعاف مما كانت عليه في السابق.
وبدأ التدفق السريع للأسر اليمنية إلى مدينة مأرب منذ العام 2015 حين أعلنت الحكومة اليمنية وقوات التحالف العربي نقل مركز عملياتها العسكرية إلى المدينة، والذي انعكس بالإيجاب من حيث توفر الأمن والسلطة المحلية المتمكنة من اتباع خطوات التقدم والازدهار مما رسم الخطوة الأولى والقاعدة الأهم لتحويل وجهة المستثمرين والنازحين صوب المدينة.
انفتاح المجتمع الماربي وقابلية التطور
وبعد الطفرة العقارية والتجارية في المدينة لوحظ انفتاح المجتمع المأربي الذي سادت حوله نظرة الانغلاق والتمسك بالموروث لعشرات السنين، فالمدينة التي كانت تحتوي أبناءها فقط مع قلة قليلة من بقية المحافظات كالموظفين الحكوميين والمعلمين باتت تشهد انسجاماً كبيراً بين النازحين والمواطنين.
يشيد الكثير من أبناء المحافظة بالإيجابيات التي التمسوها منذ تدفق النازحين إلى المدينة، ويتحدث عن ذلك الأستاذ علي عبد الله وهو أحد عاملي المنظمات الإنسانية في المحافظة لموقع “يمن مونيتور”‘ قائلا: إن النازحين أحدثوا نقلة نوعية في سوق العمل، ومنها نقل الخبرات والتجارب لأبناء المحافظة، بالإضافة إلى زيادة حركة التسويق والمطاعم ومراكز الخدمات الإنسانية والعلمية وهو ما جعل المواطنين يلتفتون إلى أشياء ظلوا يجهلونها لقرون عدة.
ويضيف عبد الله: إن الأغلبية الكبرى من العمال الذين يعملون ليل نهار في تطوير البنية التحتية للمدينة هم من النازحين وهو ما جعلها من أهم المدن اليمنية في الوقت الحالي.
ويشير إلى أن أبناء المحافظة باتوا أكثر انفتاحًا حيث” هرع الكثير من ذوي الأموال والمشايخ في المحافظة للحاق بركب المنافسة وبناء المشاريع الخاصة والتي بدورها تخدم المواطن أكثر. وتخفف من وطأة الضغوط التي سببتها الكثافة السكانية العالية في المدينة.
وفي السياق ذاته يقول الأكاديمي محمد مفتاح: صحيح أن المحافظة عانت من بعض المشقات في بداية تدفق النازحين إليها فالمدينة كانت نائية إلى حد كبير، لكن بمرونتها تمكنت من استيعاب ذلك وتواءمت مع الوضع بوقت قصير.
ويضيف مفتاح “التدفقات والإنجازات المتسارعة أظهرت أن مدينة مأرب قابلة للحياة والتطور لاستعادة مركزتيها كمدينة هامة بثرواتها وقياداتها وبعديها الحضاري والتاريخي.
البيئة الآمنة واجتذاب رؤوس الأموال.
أحدثت الإجراءات الأمنية المشددة في مدينة مأرب بيئة استثمارية ووجهة جديدة لاستقبال رؤوس الأموال الهاربة من بطش وجبايات الأطراف المتصارعة في البلاد. خاصةً جماعة الحوثي، والتي عمدت منذ تربعها على مؤسسات الدولة في سن قوانين ولوائح متشددة مهمتها الرئيسية فرض الضرائب والإتاوات المالية على الشركات، والمؤسسات، والتجار مبررة ذلك بعدة مسميات أبرزها ما يسمى بالمجهود الحربي. ونتيجة للمضايقات الشديدة أعلنت الكثير من الشركات الخاصة إفلاسها وتعثر مشاريعها بسبب تلك القوانين، فيما هرع الكثير منهم للخروج بما تبقى من أموالهم من العاصمة صنعاء والبحث عن أماكن أخرى بعيدة عن الجماعة وجباياتها. وبرزت مدينة مأرب لما تشهده من استقرار أمني ونظام مستنير كواجهة أولى للفارين بأموالهم ليجدوا فيها الملاذ الآمن لاستثماراتهم.
كان عبدالله البيضاني يمتلك مصنع لصناعة المواد البلاستيكية في شارع الثلاثين شمال العاصمة صنعاء؛ لكن بعد ضغط ومضايقات شديدة تعرض لها من قبل مليشيات الحوثي والتي فرضت عليه جبايات مرهقة عرض مصنعه الخاص للبيع والانتقال بما تبقى من أمواله إلى مدينة مأرب.
يتحدث البيضاني لموقع “يمن مونيتور” عن تجربته في البيئة الجديدة قائلاً: بعد ما وصلت مدينة مأرب رتبت مسألة السكن لتستقر الأسر وبعدها بدأت البحث عن شركاء محليين لافتتاح مصنع جديد في مدينة مأرب ولو كان يصغر مشروعي السابق، فالأهم لدي كان هو فتح المصنع.
الآن بعد ثلاث سنوات من افتتاح المصنع بات يعمل بطاقة استيعابية مرضية بحسب المالك.
ويواصل عبد الله حديثه: القوانين واللوائح المعمول بها في مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل في مدينة مأرب فريدة ومتميزة ومساهمة بشكل كبير جداً في اجتذاب رؤوس الأموال وأصحاب المشاريع.
فيما تجرع مفيد أحمد والذي كان يمتلك معهد خاص لتعليم اللغات معاناة مريرة بعد أن تسببت الجماعة في إغلاقه وإفلاسه نتيجة الضرائب الكبيرة المفروضة عليه، برغم من امتلاكه ترخيص حكومي يعمل على ضوءه منذ أربعة عشر عاماً على حد قوله.
ويتحدث مفيد لموقع “يمن مونيتور” لم تكن الضرائب لوحدها السبب الوحيد في الإغلاق إنما تعددت الأسباب والتي تقف وراءها مليشيات الحوثي كحجز مقاعد عديدة لما يسمونهم أسر الشهداء، كذلك تضيق الخناق على الطالبات والمدرسات في المعهد بواسطة مندوبهم الذي عمد على وقف كافة الأنشطة الثقافية والترفيهية للطلاب.
ويضيف أحمد: بعد خمس سنوات من تكبدنا لتلك الظروف القاسية وصلنا حد الانهيار وهو اضطرني لبيع المبنى لأحد مشرفي الجماعة والخروج إلى مدينة مأرب.
وبعد انتقال مفيد قبل أربع سنوات إلى مدينة مأرب حفزته البيئة الاستثمارية الجذابة في المدينة للتفكير بإعادة افتتاح مشروعه في المحافظة بعد أن كان يفضل العيش فيها كمواطن وليس كمستثمر.
ويستمر مفيد في حديثه: اتفقت مع أحد الأصدقاء المغتربين بإعادة افتتاح المعهد كشراكة فيما بيننا والآن بعد أربع سنوات بفضل من الله وبفضل الدولة الموجودة والتي لم نلتمسها إلا في مأرب بات المعهد بأحسن حال ومستمر في افتتاح الأقسام الجديدة كالتأهيل الجامعي ودورات التقوية لطلاب الثانوية العامة بعد أن كان مخصص لدراسة اللغة الإنجليزية فقط.
ويستطرد أحمد بأن التنمية الحاصلة في المدينة ماهي إلا نتاج للقيادة الحكيمة التي فتحت ذراعيها لاحتضان كافة المدنيين سواء كمستثمرين أو مواطنين.
الكثافة السكانية
ومع الكثافة السكانية العالية بسبب استمرار تدفق النازحين استنفذت فيها العقارات والشقق السكنية والفنادق، وهو ما جعل الكثير من رجال الأعمال يسارعون في بناء الكثير من الفنادق والاستراحات والشقق السكنية حيث” باتت الفنادق السياحية والترفيهية تزين شوارع المحافظة بأبنية واسعة وطوابق عديدة وبحسب مكتب السياحة في المحافظة فقد تم إصدار تراخيص لبناء أكثر من 27 فندقاً متنوعة الخدمات والأشكال. فيما تم افتتاح وإصدار تراخيص لأكثر من ثلاثين وكالة سياحية ومكاتب سفريات عامة.
أحمد الخضيري يملك إحدى الاستراحات في المدينة، يقول لـ “يمن مونيتور ” زاد الإقبال أضعاف كثيرة عما كان عليه في السابق، بسبب الكثافة السكانية المرتفعة وكثرة الشباب المقبلين للمدينة.
ويضيف الخضيري، أنه خلال العام الأخير اشتدت المنافسة وافتتحت الكثير من الاستراحات والمطاعم والفنادق والبواقي في المدينة، ورغم كثافتها إلا أن العمل فيها لم يتراجع.
وبرز قطاع المطاعم والكافتيريا كأكثر قطاع شهد ارتفاع في معدل التنافس بين المستثمرين حيث افتتحت عشرات المطاعم السياحية والكبيرة والمتوسطة في معظم الشوارع الرئيسية والفرعية، وهو الآخر ما ساعد في تمدد المدينة إلى مناطق صحراوية تحولت إثر افتتاح الشوارع الجديدة والأبنية السكنية والمشاريع الخاصة إلى أحياء سكنية تنافس أحياء مدن بنيت على مر السنين. وتشير الإحصائيات الرسمية في المحافظة بأن معدل نسبة الإعمار والتنمية في السابق كانت تمثل 0,2 مما باتت عليه اليوم.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الحرب الحضارة النزوح اليكم مأرب الکثافة السکانیة إلى مدینة مأرب یمن مونیتور فی المحافظة فی المدینة الکثیر من
إقرأ أيضاً:
جامعة سوهاج تُشارك في افتتاح معرض مقتنيات مقبرة «ونى الأكبر» بمتحف المحافظة القومى
شاركت كلية الاثار بجامعة سوهاج، في افتتاح معرض مقتنيات مقبرة "وني الأكبر" أحد كبار رجال الدولة في عصر الأسرة السادسة وحاكم الصعيد، والذي نظم بالتعاون بين وزارة السياحة والآثار متمثلة في متحف سوهاج القومي وجامعة ميتشجان، ومنطقة آثار سوهاج.
جاء ذلك بحضور الدكتور محمد إسماعيل الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور مؤمن عثمان رئيس قطاع المتاحف، علاء القاضي مدير عام متحف سوهاج القومي، الدكتور فهيم فتحي حجازي عميد كلية الآثار بالجامعة، وعدد من كلاء وأعضاء هيئة التدريس بالكلية.
وأكد الدكتور حسان النعماني علي أهمية مشاركة الجامعة، في مثل هذه المعارض و الفعاليات التي تدعم التواصل وتسلط الضوء على جهود المتاحف ودورها في دعم التراث والثقافة و حفظ التراث واستحضار التاريخ، وأهميتها كأحد عوامل الجذب السياحي، مضيفا أن متحف سوهاج القومي
يُعد من أكبر المتاحف الإقليمية في مصر، والواجهة الحضارية للمحافظة بموقعه المتميز، و يشتمل على مساحات واسعة للسياح ولأهل سوهاج ويضم 7 قطع أثرية كبيرة وبعض المستنسخات من الفن المعاصر.
وقال الدكتور فهيم حجازي أن المعرض الجديد بالمتحف يضم كافة مقتنيات ونقوش مقبرة " وني الأكبر "، التي تم اكتشافها عن طريق بعثة " مارييت " وبعثة جامعة " ميشيغان "، والتي تم اكتشافها لأول مرة في عام 1858م، بواسطة " أوغست مارييت" الذي نقل المقتنيات التي وجدها أولا إلى بولاق في الجيزة، ثم إلى المخازن في سقارة، وقد تم لاحقا نقلها إلى المتحف المصري بالقاهرة، وبموافقة من المجلس الأعلى للآثار أعاد مشروع "ميشيغان" اكتشاف المقبرة عام 1999م، ونجح في العثور على المزيد من القطع الأثرية الخاصة ب " وني ".