فلسطين الحرة المقاومة.. هي كرامة وعزة الأمة كلها
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
للأسبوع الثالث على التوالي – ومُنذ انطلاق بشائر النصر القادم للإنسان الفلسطيني العظيم المسمى بـ (طوفان الأقصى) في يوم السبت الموافق 7 أكتوبر 2023م من قِبَل أبطال المقاومة الفلسطينية في غزة – مُنذ تلك اللحظات الاستثنائية التي طال انتظارها لأزيد من سبعة عقود من الزمان وهي عمر الكيان الإسرائيلي الصهيوني المؤقت، والشعب العربي الفلسطيني يعيش حالة ألم الهجرة في شتات الأرض، وحالة الظُلم والقهر من طغيان وعنجهية المحتل الصهيوني الإسرائيلي، ومن وجع وحسرة الإنسان الفلسطيني الحُر الأبي على المواقف الهزيلة التافهة لأشقائه من الحكام العرب، ومن قهر سجون الاحتلال الظالم الذي حاول إهانة الأسير الفلسطيني الحُر، ومن مواقف وسلوك وتصرفات النظام الغربي وحلف شمال الأطلسي المعادي من حول العالم الذي زرع هذه النبتة الغريبة الصهيونية السرطانية في أرض فلسطين الحرة.
مُنذ أيام خلت ونحن في اليمن نتضامن تضامناً مطلقاً مع أهلنا في غزه الحُرة، نتضامن مع المقاومة الإسلامية والوطنية في جنوب فلسطين المحتلة، في غزة، نتضامن مع المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان، نتضامن مع شعوبنا العربية الحُرة المقاومة من الخليج شرقاً وحتى المحيط غرباً، وهذا هو ابسط ما يُقدَّم لأهلنا في غزه الصامدة.
حتى لحظة كتابتنا لهذا المقال، يكون العدو الصهيوني الإسرائيلي قد دمَّر قُرابة 40% من مباني ومساكن أهلنا في غزة، ونلحظ الأهل بغزة دون مأوى يأويهم، دمر المساكن الشخصية على رؤوس سكانها ونازحيها حتى أن بعض العائلات الغزاوية أبيدت من الوجود عن بكرة أبيها وتم شطبها من السجل المدني الفلسطيني بِرُمَّته، دمر العدو الصهيوني العديد من المستشفيات والمستوصفات في القطاع وعلى رأسها مستشفى المعمداني، الذي دكَّه العدو الإسرائيلي، دمر المستشفى على رؤوس المرضى والعاملين والأطباء وفرق العمل الصحي، إذ بلغ عدد الشهداء في المستشفى أكثر من 500 شهيد، كذلك دمر المدارس والكليات ومنها مدارس الأنروا ضعيفة الإمكانيات والقدرات وهي التي كانت تأوي النازحين الغزاويين من داخل مدن وضواحي قطاع غزة كلها، وعمل على تدمير أفران طباخة الخبز والرغيف والروتي، ودمر محطات الكهرباء وآبار المياه، والمهم أن جيش العدو الإسرائيلي الصهيوني أباد أهلنا في حرب عنصرية تصفوية، وبلغ عدد الشهداء حتى لحظة كتابة مقالنا هذا ليوم الجمعة بتاريخ 27 أكتوبر 2023م بأزيد من 7600 شهيد فلسطيني، بلغ نسبة الأطفال والنساء منهم قرابة 70%.
وللمزيد من إيذاء أهلنا في غزة تم إغلاق المعابر من جهة فلسطين المحتلة، ومن جهة صحراء سيناء، وتم قطع التيار الكهربائي، وإيقاف تمويل مياه الشرب على كامل قطاع غزة، وقطع شبكة الاتصالات عن القطاع.
هذه الجرائم الحربية التي اقترفها جيش الاحتلال الصهيوني بدعمٍ سخي وواضح من حكومات الولايات المتحدة الأمريكية وحكومات الدول الأوروبية الغربية من أعضاء حلف شمال الأطلسي ومن برلماناتها ومؤسساتها السياسية والإعلامية وجميع منابرها الثقافية التي أظهرت انحيازاً كلياً بطابع عنصري مقيت إلى جانب دولة الكيان الإسرائيلي الصهيوني العنصري.
بعد كل تلك الجرائم الإنسانية المروعة التي اقترفتها آلة حرب دولة العدو الصهيوني نجد توافد (في حجيج فاضح) لرؤساء الدول الشريكة في العدوان على دماء الفلسطينيين وهم الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزراؤه مع اسطولين نووين بحريين عملاقين، في تهديد صريح للضحية من الأبرياء من شعبنا الفلسطيني في أرض فلسطين، زيارة الرئيس جو بايدن، تُذِّكر العرب والمسلمين بزيارة سابقيه من الرؤساء الأمريكيين الذين زاروا مدينة كابل عاصمة أفغانستان قبل تدميرها ولكنهم هُزِموا، وبغداد قبل حرقها ولكنهم هُزِموا، وطرابلس الغرب قبل استباحتها من قوات حلف شمال الأطلسي ولكنهم أيضاً هُزِموا، واليوم يزور “بايدن” ولكنه سيُهْزَم على أرض الأحرار بفلسطين كل فلسطين.
والرئيس الفرنسي ماكرون، الذي ذَكَّرتنا زيارته لـ (تل ابيب) بالحروب الدينية الصليبية التي انطلقت من حقول مدينة كليرمونت الفرنسية إثر الخطاب الهيستيري الذي القاه يوم ذاك بابا الفاتيكان المسيو/ أوربان الثاني، الذي حرض القتلة المسيحيين الأوروبيين بتجهيز الحملة الصليبية الأولى للذهاب لاحتلال أرض القدس الشريف بتاريخ 27 نوفمبر 1095م.
هكذا سجَّل لنا التاريخ الواقعة التاريخية بأحرف من نار الحقد والكراهية والبغضاء الدينية المسيحية ضدَّ المواطنين العرب الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين في القدس الشريف، وقارن بينها وبين خطاب وتصريح الرئيس الفرنسي ماكرون في مدينة تل ابيب في فلسطين المحتلة، وهو واقف إلى جانب رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي المجرم بنيامين نتنياهو، وقد شاهدهما العالم كله وهو يكيل المديح للقاتل الصهيوني، ويتهجم بكلمات نابية حاقده على الضحية من القتلى الشهداء الفلسطينيين، حينها يشعر المشاهد للتلفاز أن أزيد من ألف عام على أول حملة صليبية أوروبية على العرب المسلمين بأنها تتجدد بوقاحة المعتدي وصلفه.
ويشعر الفرد منا كعرب ومسلمين أن معاني المفردات ذاتها لم تتغير، وأن نكهة العداء الغربي الرسمي للعرب هي ذاتها، وأن لغة الانتقام والوعيد والتهديد لازالت هي هي.
وعادت بي الذاكرة إلى ثورة أهلنا بالجزائر المجاهدة الحرة، وتذكرت أن أهل وأجداد الرئيس ماكرون، قد قتلوا في الجزائر قرابة مليون ونصف جزائري شهيد، بل وأزيد من هذه الأعداد من الشهداء.
وتظهر التقارير أن الفرنسيين يساهمون الآن في إرسال طائرة يومياً وأكثر من مطار جورج بومبيدو في باريس متجهة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة مُحمَّلة بالمرتزقة المقاتلين الصهاينة ليشاركوا في قتل أطفال فلسطين ونسائه في غزة.
أما إذا تحدثنا عن زيارة رئيس وزراء بريطانيا (العظمى) المستر الهندي الصورة فحسب ريشي سوناك، الذي اجرم أجداده البريطانيون بحق الشعب الفلسطيني من خلال إتفاقية سايكس-بيكو، ووعد بلفور اللعين المشؤوم الذي وعد اليهود حول العالم بتخصيص أرض فلسطين لإيواء المشردين المنبوذين من اليهود حول العالم فيها، الذي انطبق عليهم المثل (وعد من لا يملك الأرض لمن لا يملك ولا يستحق العيش فيها)، هؤلاء البريطانيون في خستهم ونذالتهم تجاه الشعوب قد تجاوزوا خسة وإجرام النازيين القتلة من الألمان والفاشيين المجرمين الطليان.
جريمة البريطانيون أشبه بمريض السرطان نهايتهم إلى القبر أو ما يشبه ذلك، والغريب في الأمر أنهم لازالوا يمارسون عقدتهم التاريخية وحقدهم الدفين على العرب المسلمين، يواصلون تآمرهم وكيل كيدهم بمشاريعهم المريضة ضدَّ أي مشروع عربي قومي تحرري، وخير مثال على ذلك مشاركتهم في العدوان الثلاثي على مصر العربية، ومشاركتهم في تدمير العراق العظيم، وتدمير ليبيا البطلة، ومحاولة تدمير دولة سوريا العروبة، وزرع دويلات عربية متصهينة في الخليج العربي.
أما زيارة مستشار ألمانيا الاتحادية الهر/ أولاف شولتز، والذي يسعى لممارسة التطهر الروحي من دماء الضحايا اليهود الذين سفكهم أجداده النازيين في معسكرات الهولوكوست، لكنه تناسى أنه يشارك اليوم في جرائم هولوكوست فلسطيني جديد في أرض فلسطين، ويساهم بشكل مباشر في تزويد العدو الصهيوني بالمال والسلاح والخبراء ليقتل أهلنا في غزة، عليه أن يتذكر جيداً أن محكمة الشعوب الإنسانية ستحاكمه وعصابته المتطرفة في برلين، لأنه شارك في سفك دماء أطفال فلسطين الذين تجاوز عددهم إلى اليوم أكثر من 3000 طفل تم انتشالهم من تحت أنقاض المباني التي دمرتها الآلة الدموية للعدو الإسرائيلي الصهيوني وكان الهر/ اولاف شولتز شريكاً مباشراً بالجريمة النكراء.
أما بقية الدول الأوروبية التي سارعت بزيارة عاصمة الكيان الصهيوني الإسرائيلي، فَهُم عبارة عن تكملة عدد لهذه الدول سالفة الذكر التي هيمنت على قرار حلف شمال الأطلسي طيلة عقود خلت.
أما لماذا حضرت كل الزعامات الأوروبية والأمريكية إلى تل أبيب فالسبب ببساطة شديدة، أنها جاءت لمباركة جرائم العدو الصهيوني الإسرائيلي في قتل أطفال ونساء وشيوخ فلسطين العزل طيلة الأيام والليالي الماضية لمًا بعد يوم طوفان الأقصى المبارك، هؤلاء الرؤساء والوزراء والمسؤولون شركاء في التلذذ بطعم دماء أطفال ونساء الفلسطينيين الأحرار في غزة الصامدة المقاومة، لكن لماذا يحضر استغرابنا اليوم من كل تلك الزيارات وذلك الدعم السخي بالسلاح والذخائر والمال والخبراء والمرتزقة من حول العالم كي يشاركوا في سفك دماء أشلاء أطفال فلسطين؟!!، ألم نتذكر دورهم جميعاً في حروب دعم إنشاء كيان العدو الصهيوني في العام 1948م، ودورهم في إقرار التقسيم لأرض أهلنا بفلسطين عام 1947م، وقرار مجلس الأمن رقم 181، وحرب العدوان الثلاثي على جمهورية مصر في عدوان السويس عام 1956م، وفي عدوان الخامس من يونيو عام 1967م، وفي عدوان العدو الصهيوني الإسرائيلي على المقاومة الفلسطينية واللبنانية عامي 1982 , 1983م حينما اجتاحوا بيروت، وهل نسي العرب مذبحة ومجازر صبرا وشاتيلا في سبتمبر 1982م، ومجزرة قانا الأولى في جنوب لبنان عام 1996م، ومجزرة قانا الثانية عام 2006م.
وهل نسي العرب كل العرب اجتياح القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي أراضي العراق واحتلوا بغداد واسقطوا النظام العربي القومي بقيادة الرئيس الشهيد صدام حسين، رحمة الله عليه، وهل تناسى العرب الحملة العسكرية العدوانية الأطلسية على النظام الليبي واسقطوه بعد أن دمروا البنية التحتية للشعب الليبي ونفذوا عدوانهم بقتل الشهيد القائد الرئيس معمر القذافي رحمة الله عليه.
إن لائحة الإدانة على النظام الاستعماري الأطلسي الأمريكي والأوروبي طويلة وطويلة جداً، جرائم استعمارية لا يمحوها تقادم الأزمان، ولا تراكم الأزمات الداخلية لدينا، وهي عارٌ أبدي أسود منقوش على جبين النظام والحكام الأوروبيين والأمريكان، ولن يمحوها شيء سوى بهزيمتهم في الميدان.
هل يتذكر هذا العالم الظالم بأنه في يوم واحد تم قتل أكثر من 500 شهيد، وهم الذين استشهدوا في مستشفى المعمداني في قطاع غزة، ولماذا يغمضون أعينهم هؤلاء المتشدقون بحقوق الإنسان عن جرائم الدويلة الإسرائيلية الصهيونية؟!، هل من أجل أن لا يروا عدد الشهداء الذين بلغوا تجاوزات مُنذ أن بدأت الحرب العدوانية ضدَّ أهلنا في قطاع غزة 7900 شهيد جُلَّهم من الأطفال والنساء.
هل يشاهد سياسيو ومنظرو وإعلاميو الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان حلف شمال الأطلسي القنوات الفضائية التي تنقل في كل لحظة وحين صور أشلاء أجساد أطفال غزة الممزقة، وجثامين نساء وشيوخ غزة الطاهرة؟، أم أنه قد أصابهم العمى والحول؟!، ولم يشاهدوا إلاّ ما تنقله لهم وسائل إعلام العدو الصهيوني؟.
الرأي العام العربي الذي خرج بالملايين الغاضبة للساحات والشوارع من المحيط إلى الخليج، خرج مستنكراً وشاجباً، ومديناً لجرائم العدو الإسرائيلي الصهيوني وأعوانه الأمريكان والأوروبيين، جميعهم يدركون أن هذا الكيان المؤقت الذي صورتوه في إعلامكم بأنه أقوى جيش وأقوى استخبارات وأقوى أمن داخلي، وأقوى نظام اقتصادي وعلمي وتقني، كل ما روجوا له طيلة أزيد من نصف قرن، هذا الكيان قد هُزم شر هزيمة، وتهاوت سمعته بين المستوطنين أنفسهم الذين فقدوا الثقة في أمنه وثباته وقوته، ولم يعد ذلك الكيان الإسرائيلي الهزيل وطن وأرض الميعاد ولا هو وطن يهود العالم المشردين الصهاينة حول العالم.
وللتذكير فحسب، بأن جماعة فلسطينية محدودة العدد والعِدَّة من شباب المقاومة من معظم الفصائل الفلسطينية المقاومة بقيادة حماس والجهاد الفلسطيني هم من صَنع معجزة 7 اكتوبر 2023م، هم جماعة لا يتجاوز عددهم 1200 مجاهد مقاوم بطل، هم وحدهم من صنع هذا النصر العظيم الخالد، باعتباره اعظم يوم نصر خلَّدوا من خلاله اعظم ملحمة انتصار في التاريخ العربي الإسلامي الحديث، ومسحوا من على جبين الأمة العربية الإسلامية عار الهزائم المتكررة على الجيوش العربية التي ألحقوا بها الهزائم المُرة في المنازلات الماضية.
لقد أضافوا هذا النصر المبين للانتصارات البطولية للجيش العربي المصري والسوري والعراقي في حرب 6 أكتوبر 1973م.
دروس ودلالات الانتصار العربي الإسلامي الذي تحقق في 7 أكتوبر 2023م هي المؤشرات الآتية:
أولاً: أظهرت المعركة الحالية الممتدة من 7 أكتوبر وحتى كتابة مقالنا هذا بأن معركة قطاع غزة هي معركة الإدارة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي وتساندها دولة كيان العدو الإسرائيلي الصهيوني فحسب، وأن خط الإمداد الجوي والبحري العسكري الأمريكي لم ينقطع لحظة واحدة، ويشترك القادة العسكريون لحلف شمال الأطلسي والإسرائيلي الصهيوني في غرفة العمليات الموحدة المشتركة، وقد وظفت القدرات الغربية المالية والعسكرية في خدمة المعركة الفاصلة ضدَّ الشعب الفلسطيني ومعسكر المقاومة العربية الإسلامية في عالمنا العربي.
ثانياً: هذه المعركة أظهرت بروز تكتل المعسكر السياسي والعسكري والاقتصادي لمحور الشرق روسيا الاتحادية والصين الشعبية مع تحالفهما مع بلدان العالم الثالث في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وأظهرت تماسك هذا المحور رغم حداثة تكوينه.
واستطاع استخدام قرار الفيتو الروسي الصيني من إبطال قرار أمريكي الذي يساند الكيان الصهيوني، ويدين حركة المقاومة الإسلامية حماس.
ثالثا: أظهرت المعارك العدوانية في قطاع غزة، والانتهاكات الإجرامية السافرة لآلة العدو الإسرائيلي الصهيوني بقتل الأطفال والنساء والشيوخ المدنيين الفلسطينيين، وحجم التضامن الأمريكي والأوروبي لحلف شمال الأطلسي مع الكيان الصهيوني، أظهرت نفاق وزيف جوهر تلك النظم السياسية، وأن كل شعاراتها البراقة لحقوق الإنسان، وحرية الصحافة و و و، كلها ظهرت أكاذيب وزيفاً وتدليس لجميع شعوب العالم، وظهروا على حقيقتهم العارية بأنهم عبارة عن نظم سياسية عنصرية شوفينية كاذبة، وأن تاريخهم الدموي ضدَّ الشعوب ظلوا أمناء له وحافظين لتراثه القذر.
رابعاً: بعثت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا عدداً من أساطيلها البحرية بهدف معلن وهو عدم توسع دائرة الحرب العدوانية وكذلك تزويد جيش العدو بالتجهيزات والعتاد اللازم ورفع معنويات الجيش الإسرائيلي الصهيوني المنهار سلوكياً ونفسياً ومعنويا جراء ما حدث له من صدمة مروعة من قبل أبطال المقاومة الفلسطينية المجاهدة.
وكي تمنع تلك الأساطيل مِحور دول المقاومة من دعم قوات المجاهدين في قطاع غزة، ولسان حال الأساطيل الغازية أن تمنع الجماهير العربية والإسلامية من أن تقدم المدد والعون للمجاهدين الفلسطينيين في قطاع غزة.
خامساً: يعد يوم 7 أكتوبر يوم انتصار عظيم للمقاومة الفلسطينية والعربية والتحررية بشكل عام، وما شاهده العالم من ثبات الطفل والشيخ والنسوة الفلسطينيات وهم يتعرضون لكل تلك القسوة الوحشية البربرية الصهيونية من تدمير المباني والمستشفيات والمدارس والعمارات الطويلة فوق رؤوس الفلسطينيين دون أن يمسوا المقاومة بأنواعها بأية كلمة سوء أو اتهام ضدَّ مقاومتهم، هذه هي الطاقة المتجددة لمواصلة النضال الفلسطيني المقاوم للعدوان، كانوا جاهزين للاستشهاد من أجل فلسطين كعنوان للعزة والكرامة والتحرير.
سادساً: يوم 7 أكتوبر كان ايذاناً صادقا وصريحاً بأن جميع مشاريع التطبيع الأمريكي الصهيوني بين صهاينة الحكام العرب والفلسطينيين ودولة الكيان الإسرائيلي قد انتهت وتبخرت، وليس لها أية قيمة حقيقية تذكر، لأن عدداً من الحكام العرب يعتقدون واهمين بأنهم سيسندون نظمهم السياسية، ويتككون في حكمهم على الكيان الصهيوني الإسرائيلي لحماية نظمهم السياسية وعروشهم الواهية الركيكة، لكنهم اكتشفوا في تلك اللحظة – أي لحظة الحقيقة – أن هذا الكيان المؤقت فعلاً هو أوهن من بيت العنكبوت، وأنه عبارة عن نمر من ورق، ولن يستطيع حماية ذاته، فكيف به أن يحمي الآخرين.
سابعاً: أظهر مِحور المقاومة صلابة وتكتيكات عسكرية وأمنية تنسيقية عالية المستوى، وبرغم من وعيد وتهديد الأساطيل الأمريكية، إلاّ أن مِحور المقاومة من طهران، وبغداد، ودمشق، وبيروت، وفلسطين وصنعاء اليمن، هي الضامن لمسار حركة التغيير المقاوم لجميع المشاريع الأمريكية الصهيونية، وأن النصر حليفه بعون الله، طالما وهو يحمل على عاتقه قيم التحرير والحرية والكرامة ودحر المشروع الصهيوني.
الخلاصة:
إن يوم السبت المبارك وتاريخ 7 أكتوبر 2023م، هو أهم أيام التاريخ العربي والإسلامي في عصرنا الحديث، ولن يتوقف هذا السيل من الانتصارات بإذن الله تعالى حتى يتم تحرير الأراضي الفلسطينية كاملة من النهر وحتى البحر، ويعود أهلنا الفلسطينيون من الشتات العالمي ليجدوا لهم مأوى ومسكن كسائر مخلوقات الله على هذه الأرض، وستعود جحافل المشردين الصهاينة إلى حيث كانوا قبل احتلالهم الأراضي الفلسطينية المقدسة، ما قبل ما سُمي بيوم النكبة المشؤومة.
?وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ?
*رئيس مجلس وزراء حكومة تصريف الأعمال
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
المنافقون.. الوجه الآخر للعدوان على الأمة الإسلامية
يمانيون../
في زمن لم يعد أحرار الأمة يخشون العدو الواضح بقدر ما يعانون من العدو المختبئ خلف ابتسامةٍ كاذبة، وشعارٍ مزيف، ولسانٍ يُقسم بالله ما قال، وهو للباطل ناطقٌ وسفير.
إنهم ليسوا على الحدود، ولا في متارس الخطوط الأمامية لمواجهة عدو الأمة، بل في قلب المجتمع، في صدر المسجد، وعلى منبر الإعلام… يتكلمون بلسان الدين، ويطعنون في خاصرته.
هؤلاء هم المنافقون، العدو الأخطر الذي لا يُشهر سيفًا سوى في ظهر أمتهم، لا يطلق رصاصة في نحر العدو، بل يطلق فتوى، يخذّل، ويثبط، ويزرع اليأس، ويهدم الثقة في نفوس أبناء الأمة.
لقد سلّط القرآن عليهم الضوء لا بوصفهم حالة عابرة، بل كتهديد دائم، لا يغفل لحظة عن الأمة. واليوم، إذ تتكالب قوى الطغيان على فلسطين ولبنان واليمن، يظهر المنافقون من جديد، لا ليقاتلوا، بل ليبرروا للعدو، ويهاجمون المقاومين ومن يدعمهم ويساندهم، يحرفون آيات الله ليشرعنوا طريق الاستسلام.
هذا التقرير محاولة لكشف هذا الوجه الخفي، الوجه الذي يرتدي ألف قناع، ويسير بين الناس بهيئة المصلح، وهو في حقيقته معول هدم، يعمل للعدو بأشد مما يعمل جنوده.
عدو خفي في قلب المجتمع الإسلامي
حين نقرأ القرآن بوعي وتدبر، ندرك أن أخطر تهديد يواجه الأمة لا يأتي دائمًا من الخارج، بل من داخلها، من أولئك الذين يحملون وجوهًا متعددة، ويتقنون فنّ التلون بحسب المصالح، إنهم المنافقون، الذين قال الله فيهم: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلا إِلَى هَؤُلَاءِ} (النساء:143). لا ينتمون انتماءً حقيقيًا للمؤمنين، ولا يجهرون بكفرهم، لكنهم يعيشون على هامش الإيمان، ويتغذون على ضعف الأمة، ويشتغلون لصالح أعدائها.
المنافق ليس شخصية بسيطة أو ساذجة، بل هو لاعب سياسي ومخطط نفسي. يدّعي الإيمان وهو يسخر من آيات الله، ويختبئ خلف الأقنعة. حين يعلو صوت الحق، ينطلق بوقا للباطل، يشكك، يتهكم، يثبط، يبث الشائعات والأراجيف ﴿يُريدونَ لِيُطفِئوا نورَ اللَّهِ بِأَفواهِهِم وَاللَّهُ مُتِمُّ نورِهِ وَلَو كَرِهَ الكافِرونَ﴾ [الصف: ٨]
وحين يُطلب ليتخذ الموقف ضد أعداء الله، يتحجج بأعذار واهية، أو يقدم رؤية دينية مزيفة تشوه النصوص القرآنية. هؤلاء هم من يقولون {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}، بينما الله يرد عليهم بقوله: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لَا يَشْعُرُونَ} (البقرة:12).
في الواقع المعاصر، يتجلى هذا النموذج في بعض الأصوات الإعلامية والدينية التي تهاجم حركات المقاومة وتصف المجاهدين في فلسطين ولبنان واليمن بأنهم متهورون أو متطرفون. تجدهم على الشاشات يبررون العدوان على غزة بحجة تجنيب المدنيين الضرر، بينما يبرّئون العدو الصهيوني المحتل. يحذرون من رفع شعار الموت لأمريكا، ويعتبرونه خطاب كراهية، بينما هم يروّجون للتطبيع مع من يقتل أبناء الأمة ليل نهار.
المنافقون اليوم يظهرون بثياب الثقافة والإعلام والاعتدال، لكنهم يعملون على تثبيط الهمم، وتحريف وجهة المعركة، وخلخلة الثقة بين أبناء الأمة. إنهم لا يقاتلون مع العدو مباشرة، لكنهم يقاتلون معه بعناوين دينية أو وطنية، ولا يترددون حتى في تفجير أنفسهم في أوساط المسلمين في الأسواق والمساجد وغيرها، ويذبحون حتى الأطفال والنساء، وكل مسلم يواجه اليهود عندهم مشرك يجب قتله. ينخرون عظم الأمة، ويقعدون الناس عن الجهاد، وهذا في حد ذاته أعظم خطر. لذلك أمر الله بعدم القعود معهم حين يُكفر بآياته أو يُستهزأ بها: {فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حتى يخوضوا في حديث غيره إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} (النساء:140).
إن إدراك هذه الحقيقة، والتمييز بين المؤمن والمنافق، لم يعد رفاهية فكرية، بل ضرورة وجودية، لحماية الصف الداخلي للأمة، وتحصينها من الهزيمة النفسية قبل الهزيمة العسكرية.
تحريف آيات الله: سلاح المنافقين لقتل الوعي
من أخطر أسلحة المنافقين في كل زمان ومكان أنهم لا يعلنون حربًا مكشوفة على الدين، بل يأتون من حيث لا يُتوقع، من داخل ساحات الخطاب الديني نفسه، فيستخدمون آيات الله ويقدّمونها في غير سياقها، يُفرغونها من مضمونها، أو يؤولونها بما يخدم مشاريع الاستسلام والتبعية. إنها عملية تزوير ناعمة للوعي، لكنها قاتلة، لأنها تحوّل الدين من مشروع تحرر إلى أداة تخدير، ومن عقيدة مواجهة إلى خطاب تبرير.
وقد تناول الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي في درسه الرمضاني العشرين هذه المسألة الخطيرة، فكشف كيف أن المنافقين في عصرنا يرفعون آيات مثل: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة: 256) أو {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ} (الزخرف: 89) أو {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (البقرة: 143) ويستخدمونها لتكريس الهزيمة، والترويج للتطبيع، وتحريم المقاومة. وهم بذلك لا يرفضون النصوص، بل يفرغونها من مقاصدها، ويجعلونها غطاءً لمشروعهم النفاقي.
وهذا ما نراه في تصريحات بعض المشايخ الرسميين والإعلاميين المدجَّنين الذين يلومون المقاومين بدل أن يلوموا المحتلين، ويخشون من الأمريكان أكثر من خشية الله، ويدافعون عن مصالح الأنظمة أكثر مما يدافعون عن الدين. وقد تطور نفاقهم لدرجة مهاجمة المقاومة صراحة، و يُضعفون ثقة الناس بها، ويحاصرون خطابها، ويجعلون القرآن نفسه أداةً لتحييد الأمة، وهذا هو الكفر بآيات الله، وتحويرها لصالح الباطل.
وقد حذَّر الله من هذه الفئة بوضوح حين قال: ﴿وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم فِي الكِتابِ أَن إِذا سَمِعتُم آياتِ اللَّهِ يُكفَرُ بِها وَيُستَهزَأُ بِها فَلا تَقعُدوا مَعَهُم حَتّى يَخوضوا في حَديثٍ غَيرِهِ إِنَّكُم إِذًا مِثلُهُم إِنَّ اللَّهَ جامِعُ المُنافِقينَ وَالكافِرينَ في جَهَنَّمَ جَميعًا﴾ (النساء:140)، لأنهم لا يُضعفون إيمانك فحسب، بل يجعلونك مثلهم في الخيانة إن لم تفارقهم بوضوح. والمصيبة الكبرى أن كثيرًا من الناس لا يميّزون بين التفسير الهادف والتأويل المنحرف، فيقعون فريسة لمنافقين يلبسون الحق بالباطل ويُفسدون العقول باسم الدين.
ولذلك فإن معركة المنافقين هي معركة على النصوص، وعلى الوعي الجمعي للأمة، وهي أخطر بكثير من معركة السلاح، لأن من تُهزم نفسه، ويضطرب يقينه، لن يصمد في أي ساحة من ساحات المواجهة.
النفاق الإعلامي والسياسي… وجه جديد للعمالة
في عصرنا هذا اتخذ المنافقون أشكالًا أكثر تنظيمًا وخطورة، عبر مؤسسات إعلامية ومنابر سياسية ومنصات ثقافية تصوغ خطابًا مزدوجًا يخدم أعداء الأمة من حيث لا يشعر الكثيرون. إنه النفاق المنظم، الذي يرتدي عباءة الوطنية حينًا، وثوب العقلانية حينًا آخر، لكنه في جوهره انبطاح وترويج لثقافة الاستسلام، وتسويق للخضوع، وتطبيع مع العدو.
يتحدث السيد حسين بدر الدين الحوثي عن هذا النوع من النفاق، مبرزًا خطورته على الوعي الجماعي للأمة، حيث تتحول الفضائيات والمواقع الإلكترونية، بل حتى بعض المنابر الدينية، إلى أدوات يُعاد عبرها إنتاج الهزيمة، وإطفاء جذوة الجهاد، وتحطيم الثقة بأي مشروع مقاوم. يقول الله تعالى في توصيف المنافقين: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:141). وهذا التربص الإعلامي والسياسي هو أخطر ما نواجهه، لأنه يقوّض الجبهة الداخلية ويهز كيان الأمة من الداخل.
ولعل أبرز مظاهر هذا النفاق المعاصر تتجلى في التغطيات الإعلامية لبعض القنوات الناطقة بالعربية وبالذات السعودية والاذرع التابعة لها والتي باتت بكل وضوح منحازة للصهاينة وناطقة باسمهم، وفي المؤتمرات السياسية التي تصف المقاومة بالإرهاب، بينما تصف مجازر العدو بأنها حق مشروع لمواجهة إرهابيين. والأخطر من ذلك هو ما نراه من محاولات اختزال القضية الفلسطينية إلى أزمة إنسانية أو نزاع حدودي، بدل أن تُقدَّم باعتبارها قضية إسلامية مركزية تمس عقيدة الأمة وشرفها.
كما يظهر هذا النفاق في تحركات بعض الأنظمة العربية التي تستقبل الصهاينة في عواصمها، وتوقع اتفاقات أمنية واقتصادية معهم، بينما في الوقت ذاته تكمم أفواه الأحرار، وتطارد كل صوت حر يناصر فلسطين أو يهاجم أمريكا. إنه نفاق سياسي لا يمكن تبريره بالسيادة ولا بالمصالح العليا، لأنه في الحقيقة خيانة موصوفة وتولٍّ صريح للكافرين، وهو ما نهى الله عنه بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:144).
هذا النوع من النفاق لا يواجه بالقلم فقط، بل بالبصيرة والفضح والتعرية الإعلامية، لأن تركه دون مواجهة يعني أن يصبح صوت الحق نشازًا في زمن الباطل، ويصير الولاء لله تهمة، بينما العمالة تُسوّق على أنها حنكة سياسية، ولذلك من المهم أن يهتم الأحرار من أبناء الأمة بتطوير أنفسهم وتعزيز علاقتهم بالله والثقة به والانفتاح على كتاب الله واستيعاب آياته التي هي حقائق خصوصا تلك التي تتحدث عن وعود الله للمؤمنين المستقيمين بالنصر والتمكين يقول السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان عليه في محاضرة [ في ضلال دعاء مكارم الأخلاق]: ((فأنت يا من أنت جندي تريد أن تكون من أنصار الله، ومن أنصار دينه في عصر بلغ فيه النفاق ذروته, بلغ فيه الضلال والإضلال قمته يجب أن تطور إيمانك، أن تعمل على الرفع من مستوى وعيك.
فإذا لم يكن الناس إلى مستوى أن يتبخر النفاق أمامهم، أن يتبخر التضليل أمامهم فإنهم هم قبل أعدائهم من سيجنون على أنفسهم وعلى الدين، وعلى الأمة، كما فعل السابقون، كما فعل أولئك الذين كانوا في ظل راية الإمام علي, وفي ظل راية الحسن، وفي ظل راية الحسين, وفي ظل راية زيد (عليه السلام).
كان الإمام زيد عليه السلام يقول: ((البصيرة، البصيرة)), يقول في ذلك القرن في مطلع القرن الثاني: ((البصيرة، البصيرة)) يدعو أصحابه إلى أن يتحلوا بالوعي، ألم ينهزم الكثير ممن خرجوا معه؟ ألم يتفرقوا عنه؟ لأنهم كانوا ضعفاء البصيرة, كانوا ضعفاء الإيمان، كانوا قليلي الوعي, أدى إلى أن يستشهد قائدهم العظيم، أدى إلى أن تستحكم دولة بني أمية من جديد.))
النفاق كحالة اجتماعية ونفسية… وكيف يعطل مشروع الأمة
النفاق ليس مجرد موقف عابر أو انحراف فكري مؤقت، بل هو حالة نفسية واجتماعية مركبة، تتسلل إلى وعي الإنسان وقيمه وسلوكياته، حتى يصبح جزءًا من تكوينه اليومي. المنافق لا يعيش أزمة إيمان فحسب، بل يعيش انفصامًا داخليًا، يجعل قلبه مع الباطل ولسانه مع الحق، وهو بذلك يُربك مسار الأمة، ويعطل مشاريعها، ويفسد بنيانها الداخلي من حيث لا يشعر الناس بخطورته.
يركز القرآن الكريم على وصف نفسيات المنافقين بدقة، فيقول: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء:142)، فهم لا يتحركون بدافع إيماني داخلي، بل يحرصون على الصورة والمظهر أمام الناس، ويخشون النقد أكثر من خشيتهم لله. كما يصفهم الله بقوله: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} (النساء:143)، أي أنهم مترددون، لا يحسمون مواقفهم، ولا يملكون شجاعة الانتماء إلى الحق.
هذه النفسية تُنتج جيلاً هشًا، لا يقوى على الثبات، ويصبح أداة سهلة في يد العدو، إما عبر التخويف أو عبر الإغراء. وهذا ما نراه اليوم في كثير من الشباب الذين وقعوا فريسةً لخطاب الهزيمة واللامبالاة، لأن البيئة من حولهم تشبعهم برسائل نفاق يومية: في الإعلام، في التعليم، في الحياة العامة، حتى لم تعد لديهم ثقة بأن النصر ممكن، أو أن للحق رجالًا يقفون دونه.
يشير السيد حسين بدر الدين الحوثي إلى أن هذه النفسية المنافقة تُفرز خطابًا سلبيًا يعطل الحركة، ويثبّط الناس، ويجعلهم أسرى لتبريرات العجز والتراجع، كأن يقول أحدهم: “لن يصلح شيء، الأمور معقدة، لا طائل من الجهاد…”. في حين أن الله سبحانه وتعالى يطمئن عباده بقوله: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (النساء:141)، أي أن النصر حتمي إذا توفر الإيمان والعمل، أما العجز فمصدره في الغالب تلبُّس الناس بالنفاق، وإن لم يصرّحوا به.
إن النفاق بهذه الصورة، لا يهدد عقيدة الفرد فحسب، بل يُصيب الأمة بالشلل، ويعطل قدرتها على المبادرة، ويجعلها تنتظر المعجزات بدل أن تتحرك بوعي وتخطيط وإيمان. ولذلك كانت المعركة ضد النفاق معركة مصيرية لا تقل خطورة عن المعركة مع الكفر نفسه، بل إنها أشد تأثيرًا لأنها تضرب من الداخل، وتُميت الروح وهي على قيد الحياة.
كيف نحصن الأمة من خطر المنافقين؟
في ظل هذا التغلغل العميق للنفاق في نسيج المجتمعات الإسلامية، يبرز السؤال الملح: كيف نخرج من هذه الدائرة؟ كيف نحصن أمتنا من اختراق المنافقين؟ وكيف نحرر وعينا من التضليل المنهجي الذي تمارسه دوائر الإعلام والفتاوى المسيسة والخطابات المزيفة؟ الجواب يبدأ من حيث أرشدنا القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} (الحديد:28).
يؤكد السيد حسين بدر الدين الحوثي أن أول خطوة للتحصين تبدأ من عزم داخلي على التسليم لله، والثقة به، والانطلاق في فهم القرآن على أساس الحركة والعمل، لا على أساس التبرك والجمود. يجب أن يكون القرآن مصدراً للوعي، لا أداة للتزيين، وأن نقرأه لنفهم دين الله وموقفه من القضايا، لا لنبحث فيه عن مبررات للسكوت والتخاذل. هذا النور القرآني هو الذي يكشف النفاق ولو لبس عمامة، ولو تحدث بلغة الشرع، لأنه – ببساطة – لا يخدم مشروع إقامة القسط، بل يعطله.
يقول الله تعالى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:146)، ويقصد من تاب وأصلح واعتصم بالله وأخلص دينه لله. فطريق الخلاص من النفاق هو الالتزام العملي بقيم الإيمان: الإصلاح، الاعتصام، الإخلاص، والارتباط بالجبهة المؤمنة الفاعلة، واتباع أولياء الله وأعلام دينه الصادقين. هذه ليست مجرد رؤى نظرية، بل برنامج عمل، وموقف مصيري لابد منه لمواجهة حركة النفاق.
ولذلك فإن مواجهة النفاق لا تكون بردّات الفعل أو بالخطاب العاطفي، بل ببناء وعي جماهيري نقي، يميز بين الحق والباطل، ويكشف زيف المتسلقين على الدين، وينصر الله بالموقف والعمل، لا بالكلام فقط. إن مجرد كلمة واعية كـالهتاف بشعار “الموت لأمريكا” حين يرددها الناس بوعي وإيمان، قد تزعج العدو وتربك أدواته أكثر من ألف سلاح، لأنها تنزع الشرعية من مشروعه وتفضح نفاق المتواطئين معه.
في زمن التلبيس، يصبح التبيين فريضة، وفي زمن النفاق، يصبح الصدع بالحق جهادًا، وفي زمن التطبيع، تصبح المقاطعة موقفًا إيمانيًا. هكذا نحمي الأمة، وهكذا نطرد النفاق من واقعها. لأن النور لا يجتمع مع الظلمة، والإيمان لا يقبل نصف ولاء، والحقيقة لا تحتمل التمويه.
المنافقون في الدرك الأسفل، ومكانة المؤمنين في وعد الله
لا توجد في القرآن الكريم فئة توعّدها الله بهذا المستوى من العقاب كما توعّد المنافقين، إذ يقول تعالى:
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (النساء:145).
الدرك الأسفل – بحسب تفاسير المفسرين – هو أقسى مواقع العذاب في جهنم، وهو ما يدل على أن خطر النفاق لا يقف عند حدّ الكلمة أو الموقف، بل هو خطر يهدم الدين من داخله، ويخدع الناس بمظهره، ويخنق الحق تحت شعارات باطلة.
السيد حسين بدر الدين الحوثي أشار في محاضراته إلى أن المنافقين هم أعداء في لباس اسلامي، يعملون من داخل الصف، يثبّطون العزائم، يزيّفون الوعي، يخلخلون الصفوف، وينشرون الهزيمة النفسية التي تُسقط الأمم قبل أن تُسقطها المدافع. هؤلاء لا يعطّلون فقط مسار التصدي لليهود والنصارى ومحولاتهم للهيمنة على الأمة واستلاب حقوق ابنائها وتدمير مدنهم وتدنيس مقدساتهم وضرب الهوية الإسلامية حتى يكونوا كافرين بالله، بل يحوّلون المجتمع إلى كتلة خاملة من المتفرجين، المربكين، العاجزين عن اتخاذ موقف واضح، منتظرين الظروف المثالية، وكأن الجهاد مؤجل إلى يوم لا يوجد فيه عدو ولا عائق.
لكن بالمقابل، يرفع الله من مكانة المؤمنين الصادقين الذين يتمسكون بالحق ويتولون الله ورسوله والذين آمنوا، يقول تعالى:{وَسَوْفَ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء:146).
إنهم الفئة التي يطلب منهم الله تحمل المسؤولية بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} (النساء:135)، أي قومة دائمة بالعدل، بالموقف، بالسلاح، بالكلمة، ضد الكافرين والمنافقين معًا. قومة تقتضي الصدع، وتحمّل العواقب، والتجرد من المصالح الشخصية، والولاء لله وحده.
في واقعنا، نرى أن المؤمنين الحقيقيين هم أول من يُستهدفون، يُعتقلون، يُشهر بهم، ويُمنعون من المنابر، لأنهم يشكلون تهديدًا للخطاب النفاقي. ومع ذلك، فهؤلاء هم من يحملون وعد الله بالنصر. يقول تعالى:{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (الحج:40)، وهذا وعد لا يُعطى للمنافق، ولا للمحايد، ولا للمتردد، بل لمن حمل الحق في قلبه، ونصره بلسانه وسيفه وموقفه.
وهكذا، فإن المعركة مع النفاق ليست مجرد معركة أخلاقية، بل معركة وجود، لأن النفاق هو الثقب الأسود الذي يبتلع الإيمان من داخله. ومواجهة المنافقين لا تعني فقط فضحهم، بل تعني في الأساس بناء مجتمع مؤمن، وواعٍ، ومحصّن بالقرآن، يعمل بنور الله، ويتحرك بوعي، ولا يضعف أمام الحرب النفسية والدينية والسياسية التي يقودها أهل النفاق بأوجههم الحديثة.
المنافقون، بين الأمس واليوم، من مردة المدينة إلى ذباب الشاشات
حين تحدّث القرآن عن المنافقين في عصر النبي محمد صلى الله عليه وآله، رسم لهم صورة مقلقة لفئة كادت أن تصبح من مردة الشر، لولا وحي الله ونور النبوة. كانوا يعيشون في قلب المدينة، في المسجد، في الدوائر القريبة، يتظاهرون بالإسلام وهم أشد خطرًا من اليهود والمشركين. قال الله تعالى:
{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} (المنافقون:4). وهم العدو الحقيقي، لأنهم لا يأتون من خارج الصف، بل من داخله، ويتقنون التمثيل والتلون والتخفي، حتى كادوا أن يفتنوا المؤمنين لولا توجيه القرآن وتحذير الله.
أما اليوم، فقد ورثهم منافقون من طراز جديد، أشد وقاحة، وأكثر جرأة، وأخطر تأثيرًا. لم يعودوا يختبئون، بل خرجوا إلى العلن، يتحدثون في الفضائيات، يتصدرون وسائل التواصل، يكتبون باسم الإسلام ليطعنوا في عقيدته، ويخدموا المشروع الأمريكي الصهيوني تحت لافتات “الإصلاح”، و“الحداثة”، و“السلام”. هم المرتزقة في اليمن، والأنظمة العربية التي هرولت إلى “التطبيع”، وجيوش الذباب الإلكتروني الذين يهاجمون المقاومين ويشيدون بقتلة الأطفال.
لقد أصبح للمنافق اليوم أدوات إعلامية هائلة، ومنصات ضخمة، وقنوات بث مباشر تُملي ما تريد واشنطن و”تل أبيب”. لم يعودوا يكتفون بالتحريض الصامت، بل يُصدرون فتاوى ضد المقاومة، ويحرضون على المجاهدين، ويحرفون القرآن عن مواضعه. إنهم أكثر وقاحة من أسلافهم، وأكثر خدمةً للعدو من جواسيس الاحتلال.
إن وصف القرآن لهذه الفئة لا يزال صالحًا: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}. المنافق لا يمكن أن يُؤتمن، ولا يمكن أن يكون محايدًا. هو العدو الأخطر، لأنه يُخدّر الأمة من الداخل، ويستنزف وعيها ومواقفها وإرادتها. ولذلك فإن مسؤولية كشف هؤلاء وتعريتهم والتصدي لهم لا تقل أهمية عن مقاتلة الجنود الصهاينة أو مواجهة البوارج الأمريكية.
و ما أبلغ ما قاله الشهيد القائد في محاضرة [الصرخة في وجه المستكبرين]: (( أتعرفون؟ المنافقون المرجفون هم المرآة التي تعكس لك فاعلية عملك ضد اليهود والنصارى؛ لأن المنافقين هم إخوان اليهود والنصارى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ}(الحشر: من الآية11) فحتى تعرفوا أنتم، وتسمعوا أنتم أثر صرختكم ستسمعون المنافقين هنا وهناك عندما تغضبهم هذه الصرخة، يتساءلون لماذا؟ أو ينطلقون ليخوفوكم من أن ترددوها.))
إنهم في الماضي كانوا يوشكون أن يُفسدوا المجتمع النبوي، واليوم هم بالفعل يُخربون وعي الأمة، ويمهّدون للعدو طريق الانتصار، ما لم نقف لهم بالمرصاد. فهل آن أوان المواجهة الشاملة مع النفاق الحديث؟
موقع أنصار الله . تقرير صادق البهكلي