لا يمكن إنكار ما هو جلي من تطور وتغيير إيجابي في سير العملية الانتخابية لمجلس الشورى في دوراته التسع الماضية عموما، وفي هذه الدورة العاشرة تحديدا، كما لا يمكن إنكار التفاعل المجتمعي مع هذه العملية الانتخابية في كل دورة من دوراته مهما اختلفت السبل وتبدلت الآراء بين شكلها العاطفي الشعبي العام، وشكل النقد المنهجي الواعي الهادف للتغيير وتفعيل ممكنات المجلس، وحتى الشكل الناقد المثبط أو الآخر الصمت حيث صنف الصمت كذلك خيارا من خيارات الفعل؛ إذ كلها أشكال من الحراك التفاعلي مع هذه العملية الانتخابية الدورية التي يرقبها المجتمع ويأمل أن تكون جسرا لمشاركة مجتمعية فاعلة تحت قبة مجلس عمان عموما والشورى خصوصا.
ومن بين إيجابيات هذه الدورة في انتخابات مجلس الشورى في الجانب التنظيمي أولا وقبل كل شيء تطوير آلية الترشيح لتصير إلى شكل رقمي قلّص فرق عمل في مختلف الولايات، وجهود إشراف ومتابعة آنية في محافظات مختلفة، وخلاصته في تطبيق رقمي «انتخب» على الهواتف النقالة تيسيرا للناخبين حيثما كانوا، وأنى كانت ظروفهم تمكينا لهم من الانتخاب بمجرد ضغطة زر بعد التثبت من البيانات رقميا كذلك، كما أنه يُحسب لهذه الدورة زيادة عدد الناخبين المسجلين رغم كل عوامل التثبيط واقعيا أو افتراضيا، ويحسب لها اعتماد آلية محددة ويوم خاص لتمكين الناخبين العمانيين خارج سلطنة عمان من اختيار ممثليهم من المرشحين، فضلا عن عناية المنظمين بوزارة الداخلية بتفعيل الذكاء الاصطناعي ممثلا في تحليل البيانات وتقديم معلومات للمؤشرات الأولية للنتائج خلال ساعات التصويت مما ساهم في إذكاء التنافس وتحفيز التصويت لآخر الوقت الممكن من أمده قبل الإغلاق وإعلان النتائج النهائية.
كما أن المنظمين في وزارة الداخلية لم يفتهم الجانب التفاعلي فعملوا على إنشاء تطبيق رقمي آخر هو «انتخاب» الذي يضم إلى جانب الساحة الحوارية خدمات انتخابية ضرورية مثل عرض القوائم الأولية والنهائية للمرشحين، والقوائم الأولية والنهائية للناخبين، والتحقق من القيد في السجل الانتخابي، ومتابعة مؤشرات الفرز الآلي في يوم التصويت، كما يقدم التطبيق إحصائية عددية لنسبة التصويت في كل ولاية، والفئات العمرية والنوعية للناخبين، ويتيح خدمة تقديم المقترحات والبلاغات لمستخدمي التطبيق.
يحسب كذلك لهذه الدورة تسهيل وصول ذوي الإعاقة، وتمكينهم من عملية التصويت بيسر عبر خاصية القراءة الصوتية لذوي الإعاقة البصرية (المكفوفين)، وتوفير خيار لغة الإشارة لذوي الإعاقة من فئتي (الصم والبكم)، وما كل ذلك إلا مما يُحمد لهذه الدورة في المبذول من جهد إداري منظم، وتقني رقمي توفيرا وترشيدا للموارد المالية والبشرية عبر مرحلة ستكون لا محالة منطلقا لتحديثات أخرى في الدورات القادمة بإذن الله.
ومن باب الشفافية بالنظر إلى الإحصائيات الرقمية لهذه الدورة الانتخابية فلا مناص من مواجهة بعض الأرقام بأسى وحزن، ولعل أهمها وأوضحها تراجع عدد المرشحات من نساء عمان لهذه الدورة لنجد بأنه لم يتجاوز 32 مرشحة من أصل 843 مرشحا لتمثيل عمان في 90 مقعدا بمجلس الشورى، خصوصا حين يصدمنا بإيجابيته رقم آخر لا يتوافق وسابقه وهو عدد النساء الناخبات (362844) من إجمالي عدد الناخبين (753690) والذي يشكل ما نسبته (48,14%) بما يقارب النصف! وبقدر الفرح باستجابة نصف المجتمع من النساء للتصويت والانتخاب يأتي الأسى المتكرر في ضعف تمثيل المرأة في مجلس الشورى، مما يعيد للأذهان كل مبررات هذا التراجع مهما كانت النتيجة التي لن تكون مرضية حتما حين لا تُمَثَّل المرأة نصف المجتمع عدديا ونوعيا كذلك تحت قبة مجلس الشورى، ولا يمكن تجاهل الوعي المجتمعي في ذلك، وتراكمات التفكير التقليدي القبلي مما يتطلب وقفة تأمل جادة وقرار تمكين حقيقي يقضي بمناصفة ومشاركة مقاعد الترشح؛ تماما كما هو الأمر بمقاعد الانتخاب، ومما لا جدال فيه أن ذلك المأمول لن يتأتَّى دون قرار قيادي حاسم يعطي المرأة صوتا عن كل ولاية ثم يفتح مجال التصويت بعدها للصوتين الذي لا بد لأحدهما أن يكون المرأة ذات الكفاءة والمؤهلات والحضور القادرة على المشاركة صوتا وتمثيلا وحضورا، ولا ينتهك مبدأ التصويت والانتخاب، بل يقضي بالمناصفة والمشاركة العادلة.
نحمل الكثير من أحلام وآمال الغد لمجلس عمان الذي يمثل عمان بمختلف فئاتها مجتمعيا، وكما أنه واجب علينا التأكيد في تعزيز الحاصل من تأسيسه التراكمي عبر عقود فلا بد من طرح أفكارنا التي تعنى بتعزيز إيجابيات كل منجز في كل مرحلة، كما أنه من الإخلاص نقد المراحل وتفنيد تفاصيلها واقتراح الأفضل من تصورات ورؤى تعنى بالتطوير والتغيير وصولا لغد أفضل، وإذ نحتفي اليوم بمجموعة جديدة من أبناء عمان الممثلين لشعبها في مجلس الشورى فإن المؤمل كثير من مجلسنا هذا في تفعيل الممكن المتاح من أدواته وآليات عمله وفقا لصلاحياته المقررة، مع ضرورة المطالبة بتوسيع رقعة هذه الصلاحيات لمناسبة المرحلة القادمة من عمر النهضة وتحديات الواقع.
نسأل الله التوفيق والسداد للجميع مخلصين في توجيه طاقاتهم لصالح وطن لم يبخل عليهم بشيء، وشعب (يمثلونه) أمانةَ تكليفِ جَمْعٍ وضع ثقته فيهم أكفاء قادرين على صون الأمانة بأقصى الجهد وكل الإخلاص، وأن لا يكونوا من أولئك الآفلين بعد الضوء الخُلَّب، بلا صَوتٍ يُرجى، ولا خيرٍ يُرى.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مجلس الشورى هذه الدورة کما أن
إقرأ أيضاً:
ولي عهد البحرين يستقبل وزيرة التضامن ووزراء مجلس الشؤون الاجتماعية العرب
استقبل الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي عهد مملكة البحرين رئيس مجلس الوزراء، الدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن الاجتماعي، رئيسة الدورة الثالثة والأربعين لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب ووزراء الشؤون الاجتماعية العرب، ورؤساء الوفود المشاركة في أعمال الدورة الرابعة والأربعين لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب، التي تستضيفها مملكة البحرين.
وأكد ولي عهد مملكة البحرين أن بلاده بقيادة الملك حمد بن عيسى آل خليفة تدعم كل المساعي والجهود المعززة لمسيرة العمل العربي المشترك في مختلف أصعدة التنمية، مشيرًا إلى أهمية الدفع بالتكامل العربي في المجالات كافة، لا سيما في مجالات التنمية الاجتماعية، بما يحقق تطلعات أبناء الدول العربية وينسجم مع رؤى أصحاب قادة الدول العربية.
وأعرب ولي عهد مملكة البحرين عن تمنياته لرؤساء الوفود المشاركة بالتوفيق والنجاح، وأن تكون مخرجات أعمال الدورة دافعًا لمزيد من التعاون العربي بما يسهم في تحقيق التطلعات المرجوة، مؤكدًا أهمية اللقاءات على مختلف مستويات المسؤولية بالدول العربية التي تعزز من تبادل الخبرات والمعرفة والاستفادة من التجارب العربية في المجالات كافة، بما يسهم في تعزيز التعاون العربي المشترك، لافتًا إلى دور مبادرات وبرامج التنمية الاجتماعية المحفزة للإنتاجية والإبداع والمعززة للتكافل الاجتماعي في تحقيق الأهداف والتطلعات المنشودة.
من جانبها أعربت وزيرة التضامن الاجتماعي، ورؤساء الوفود المشاركة في أعمال الدورة الرابعة والأربعين لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب، عن تقديرهم لولي العهد رئيس مجلس الوزراء على ما يبديه من اهتمام وحرص مستمر بتعزيز العمل العربي المشترك في مختلف المجالات، والدفع به نحو نطاقات أكثر تقدما، متمنيين لمملكة البحرين مزيدًا من التقدم والنماء.