من أنتم؟.. ابحثوا في طفولتكم
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
هل يستطيع الإنسان منا أن يتجاوز المشاهد العديدة التي مرت عليه أثناء طفولته؟ بمعنى هل يمكن أن ينسى ماضيه؟ هل يشكل الماضي دورا محوريا في نجاحات الحاضر؛ أو إخفاقاته؟ كيف يمكن للفرد أن يواجه مختلف المواقف؛ وخاصة الصادمة منها؛ دون أن يستحضر مواقف مماثلة مرت عليه في طفولته، متجاوزا بذلك تأثيراتها السلبية على قرارات يودي اتخاذها في لحظته الآنية؟
كثير من الدراسات تشير إلى أن مجموع الأحداث والمواقف التي يمر بها الإنسان في مرحلة طفولته تؤثر على مواقفه، وقراراته في مراحل العمر اللاحقة؛ والمهم هنا أيضا مسألة التكيف مع الواقع في ظل هذه الحاضنة الكبيرة من المواقف التي تعرض لها الإنسان في مراحل طفولته؛ فهل يستطيع أن يضحك في موقف البكاء؛ أو يبكي في موقف الضحك؟ لا أتصور ذلك إطلاقا؛ إلا إن كان الإنسان في غير حالته الطبيعية، ومن هنا تأتي مناقشة هذا الموضوع، مع استحضار مختلف التموضعات التي يكون عليها الإنسان، فالإنسان - وهذا قدره - لن يكون على حالة طبيعية واحدة، وذلك انعكاسا لواقع الظروف التي يعيشها، فقد يكون في بيئة آمنة مطمئنة؛ يعيش فيها بسلام؛ فإذا بعامل خارجي يحيل حياته الآمنة إلى جحيم، والعكس كذلك، ولكن في كل هذه الأحوال أو التموضعات تبقى هناك حمولة مكونة من رصيد متراكم؛ ولا يزال؛ مع الامتداد العمري، وهو الذي يؤثر كثيرا في كل أنشطة الإنسان، سواء بقي في بيئته الممتدة منذ طفولته، أو انتقل إلى بيئة أخرى مغايرة، فإن هذا الانتقال لن يؤثر شيئا على هذا الرصيد، ومن هنا يمكن قياس تصرفات الفرد عبر محيطه الذي يعيش فيه.
في كل أنشطتنا اليومية، الخاصة أو العامة، هناك مجموعة من الاستدعاءات التي يقوم بها الشخص عند أو قبل اتخاذ أي قرار، وهذه الاستدعاءات؛ هي مخزون معرفي رصدته النفس عبر المواقف والأحداث، والقرارات التي مرت على صاحبها طوال سنوات العمر، بمعنى أن أنشطتنا التي نقوم بها لا تنطلق من فراغ، وإنما تؤخذ من حاضنة كبيرة تضم كل ما مر على الإنسان من مواقف؛ وأحداث، وتصادمات، حيث تتفاعل النفس مع كل هذا الكم الهائل من هذا المخزون المعرفي، ولذلك فلا يمكن؛ بأي حال من الأحوال؛ أن ينشأ شيء من العدم، وبالتالي فهناك تراكم معرفي (قديم/ حديث/ متجدد) فالقديم يظل متجذرا لا يمكن إلغاؤه، نعم؛ يمكن غض الطرف عنه في لحظات معينة، أو مواقف معينة، ولكن إزالته كاملا من الذاكرة لا يمكن مطلقا، قد يأتي النسيان في لحظات ما، ليخفف من وطأته، ولكن ليس بعيدا أن يعاود الظهور من جديد بين فترة وأخرى، وأما الحديث فقد أن ينضم إلى ما قبله، فهو القابل إلى حد كبير للنظر فيه لأن شخوصه لا يزالون قريبين، فلو اشتد خصام ما بين جارين، وأدى هذا الخصام إلى قطيعة، فيمكن في ظرف إنساني ما، أن يتقارب الطرفان ويلغيا الأثر النفسي لهذا الخصام المستحدث، من خلال النظر في مجموعة الأسباب التي أدت إلى الخصام، فقد يكون بعضها سوء فهم فقط، وليس حقيقة تبنى عليها مواقف متصلبة، أو قرارات مطلقة، فهنا تحدث مراوحة بين خطأ ظني يمكن تداركه من قبل الطرفين، وبين صواب حقيقي ينهي أثر الخلاف الناشب بين أي طرفين، أما التراكم المعرفي المتجدد، فهو يعيش آنيته لدى النفس، وعندها الفرصة الكامنة للتجديد، والتحديث في ذات اللحظة، فتقدم هذا، وتؤخر الآخر، أو تدمج أمرين في حاضنة واحدة، أو تلغي كل ذلك، وتبحث عن مشروع آخر لا علاقة له بكل ما مر، وهذه مرحلة من الإرهاصات التي تمر بها النفس الإنسانية، ولكن ما سوف تستقر عليه، يصبح «دمغة» تظل ضمن الحاضنة المعرفية الكبيرة التي تتراكم طوال سنوات العمر، كما هو الحال في صورة «كرة الثلج» التي تتضخم باستمرار.
هناك من يرى أن الفرد يتأثر بالمخزون المعرفي المتكون من الصفات البيولوجية التي يرثها الإنسان من منابع أسرته (اللون، الصفات الجسدية، فصيلة الدم، الأمراض الوراثية، الطول والقصر، تجعد الشعر، السمنة، وغيرها) وعلى الرغم من أن الفرد ليس له دور في وجود هذه الصفات البيولوجية في رصد مخزونه المعرفي، وبالتالي فإن التأثر هنا؛ هو تأثر معنوي أكثر منه مادي، ولذلك تبقى هذه الصفات مصدر قلق له في حياته، وقد يعاني من ذلك معاناة صامتة، تتحول إلى عقدة نفسية، تمخر في قناعاته، ومواقفه، وقد تؤثر على قرارته الشخصية، خاصة إذا نظر إليها الفرد على أنها صفات سيئة؛ ونفسه لا تتحملها، ولا يتماثل بها مع كثير ممن حوله، فيذهب إلى البحث عن مشروعات أخرى؛ وجلها مشروعات مادية، لعلها تغطي شيئا من هذه الصفات، كتعويض نفسي؛ ظنا منه؛ أن ذلك يقدمه للآخرين من حوله على أنه إنسان آخر تماما على غير ما يراه الآخرون، وأنه متجاوز لمحيطه البيولوجي، وذلك من خلال اقتناء أشياء مادية لا تعكس حقيقة واقعه الذي يراه الناس من خلال ما يبدو عليه من هذه الصفات البيولوجية التي يعاني منها هو، بمعنى يحاول أن يغرب واقعه، حتى يبعد نظرة الناس عنه، وهي نظرة دونية؛ كما هو يتصور؛ فقد لا تكون عند الآخرين من حوله هذه النظرة، وينظرون إليه بكثير من الاحترام والتقدير، وأن ما عليه هو أمر من عند الله؛ لا يصح الجدال فيه، أو تقييمه، وهذا لا يعني أن ليس هناك مواقف استثنائية عند آخرين، ولكنها تبقى قليلة، وهم الذين يزيدون من تكريس مأساته التي يعيشها، حيث إنهم يواجهونه بها دائما في مواقف مختلفة، بصورة مباشرة، وغير مباشرة، وهذه إشكالية اجتماعية، لا يمكن الفكاك منها لاختلاف وعي الناس بعضهم ببعض، وعدم الالتفات كثيرا إلى الجوانب الإنسانية.
من مجمل الأخطاء التي نقع فيها في علاقتنا بالآخرين؛ أنه وبكل بساطة ويسر يمكننا أن نقول عن إنسان ما، انعكاسا لموقف ما، هذا فرد معقد، دون أن نعي مآلات هذا الحكم، على حقيقة شخصيته، وهل هو فعلا ما أبداه من موقف؛ أعطى الآخرين الشعور بالحكم عليه بهذا الحكم؟ فقد يكون ما قام به من فعل ما؛ أو ممارسة ما، لا تعكس حقيقة مفهوم الكلمة «معقد» وإنما هي حالة شعورية ارتضاها لنفسه أن تكون بهذه الصورة في الأداء في تلك اللحظة، وربما لظرف ضاغط في تلك اللحظة، بينما هو؛ في حقيقته؛ مساحة آمنة من الرضا، والاطمئنان، والأمان النفسي العالي والتسامح الكبير، والسؤال المهم هنا؛ هل نعت هذا التصرف لهذا الفرد أو ذاك هو منطلق حقيقي لذات فعله هو؛ أم أن المسألة عائدة علينا نحن الذين أطلقنا عليها الحكم؟ بمعنى نحن المعقدين؛ وليس هو، وجاء الحكم من قبلنا، لأننا ننطلق من شعور معقد نخفيه عن الآخرين، ونجد في تلك اللحظة الفرصة لانتزاعه من أنفسنا ولصقه بالآخر، هذه أيضا صورة مقبولة، وإلا فكيف يمكننا تقييم شخص ما في لحظة ما على أنه معقد، دون أن يكون هذا الشعور مختزن؛ في الأساس بين جوانبنا النفسية؟ وهذه الصورة تتقارب كثيرا من مفهوم صحفي/ إعلامي على درجة كبيرة من الأهمية، وهو مفهوم «التقمص الوجداني» والذي يستخدمه الصحفيون والإعلاميون بدرجات كثيرة عبر قصصهم الإخبارية التي يتوجهون بها إلى المتلقين لرسائلهم، حيث يضع الصحفي/ الإعلامي نفسه مكان الآخر، فيتحدث باسمه، وبطموحاته، وبرغباته، وبآماله، دون أن يكون هذا الطرف المُتَحدَّثَ عنه حاضرا، وإن كان هنا ثمة فاصل بسيط بين الاثنين (المستشعر بعقده ويريد أن يلصقها في الآخر؛ وبين حالة التقمص الوجداني)، ففي المجال الصحفي/ الإعلامي، يعد هذا أمرا في غاية الأهمية، ويعكس قدرة الصحفي/ الإعلامي على توصيل الفكرة، أما في الجانب الآخر - أقصد المستشعر بعقده - فإن مسألته خطيرة، ولا يحبذ؛ إطلاقا؛ للفرد أن يحشر نفسه في هذه الزاوية الخطيرة، والتي من خلالها يقيم الآخرين من حوله، أو يتحدث بالإنابة عنهم، خاصة في الجوانب السلبية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذه الصفات لا یمکن من حوله دون أن
إقرأ أيضاً:
الدراسات العربية الأوراسية: الصفات الشخصية لـ"ترامب" لعبت دورا في عودته إلى الرئاسة
قال عمرو عبد الحميد، مدير مركز الدراسات العربية الأوراسية، إن الآلة الإعلامية الأمريكية في الإنتخابات كانت ضد الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، وكانت تصب في صالح كاميلا هاريس، وهذا ما حدث عند ترشح هيلاري كيلنتون.
وتابع "عبد الحميد"، خلال حواره مع الإعلامي نشأت الديهي، ببرنامج "المشهد"، المذاع على القناة العاشرة المصرية "ten"، مساء الثلاثاء، أن "ترامب" رجل مقاتل، لأنه صمد خلال السنوات الماضية أما خصومه، وأمام كل العراقيل التي كانت تريد منعه ترشحه، مشيرًا إلى أن الحزب الجمهوري، ولم يصبح حزبًا جمهوريًا، ولكنه أصبح حزبًا تابعًا لـ"ترامب".
ولفت إلى أن الصفات الشخصية لـ"ترامب" لعبت دورًا في عودته إلى البيت الأبيض، مشيرًا إلى أن "ترامب" كان أقرب إلى الشارع الأمريكي في الانتخابات من كاميلا هاريس، وكان يبتعد عن اللغة النخبوية، ولغة الاستعلاء مثلما يتحدث الديمقراطيين.