لجريدة عمان:
2024-11-23@18:51:52 GMT

طوفان الأقصى بين سيد قطب وكازانتزاكيس

تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT

في نقاش مع أحد الرياضيين عما آل إليه الوضع في غزة، كان يرى أنّ حماس ارتكبت حماقة في حقّ نفسها وفي حق الغزاويين، وأنّ النتيجة هي لصالح الكيان الصهيوني. قلتُ له إنّ كلامه هذا ليس جديدًا فهو يُردّد في كلّ معركة جرت بين المقاومة والكيان الإسرائيلي، بل إنه قيل عن كلّ الثورات التي قامت ضد المستعمِر، سواء في مصر أم الهند أو الجزائر أم جنوب أفريقيا وغيرها من البلدان التي انتفضت ضد المحتل، ورددتُ له ما سبق أن قلتُه في أكثر من مقال بأنّ النصر لا يقاس بنتيجة معركة واحدة وإنما يقاس بالمحصلة النهائية للكفاح.

وعندما رأيتُ أنه لم يقتنع ضربتُ له مثلا قريبًا من فهمه ووضعه، وقلت له: أنتم تلعبون مباريات كثيرة في الدوري، وقد ينهزم الفريق في مباراة واحدة أو اثنتين، وقد تكون الهزيمة ثقيلة، ولكنه في النهاية يفوز بالدوري أو الكأس؛ فصاحبُ النظرة الضيقة يرى تلك الهزيمة نهاية المطاف؛ لأنّ نظره ضيق ولم يضع في حسبانه الدوري بكامله، بما يعني أنّ ثمة من يعيش اللحظة فقط وهم كثيرون.

إنّ التفكير الضيق يقودنا إلى سؤال عن الذين جاهدوا في سبيل الله وعُذّبوا وقدّموا تضحيات كثيرة في سبيل إعلاء كلمة «لا إله إلا الله»، ومن تلك التضحيات أرواحهم الطاهرة؛ فهل سمية الشهيدة الأولى في الإسلام وحمزة بن عبد المطلب وكلّ شهداء أحُد وبدر، يعلمون أنّ الدين الإسلامي انتشر في الأرض بفضل تضحياتهم؟ لا يعلمون ذلك، لكنهم كانوا مدركين تمام الإدراك أنّ الدين لن ينتشر إلا بتلك التضحيات، فماذا لو قال الصحابة حينها إنّ الرسول صلى الله عليه وسلم دخل مغامرة غير محسوبة وتسبّب في قتل أصحابه؟! أليس هذا ما يقال الآن عن حماس؟!

في سورة البروج، يتحدّث الله سبحانه وتعالى عن جماعة من المؤمنين تعرضوا للفتنة والقتل البشع من أعداء جبارين بطاشين مستهترين بحق الإنسان في الإيمان بالله سبحانه وتعالى. وملخص القصة أنّ جماعة آمنت بالله مقابل جماعة كافرة، فما كان من الجماعة الكافرة إلا أن أضرمت النار في المؤمنين، وظلت الجماعة الكافرة تشهد كيف يتعذب المؤمنون ويتألمون، مستمتعين وهم يشهدون النار تأكل المؤمنين وهم يتحولون إلى رماد. لا تذكر السورة كيف آل مصير هؤلاء المجرمين، إنما هناك إشارة إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾

يصف الشيخ سيد قطب هذا الحدث في كتابه «معالم في الطريق» والدروس المستفادة منها بقوله: «إنّ الإيمان قد ارتفع بهذه القلوب على الفتنة، وانتصرت فيها العقيدة على الحياة؛ فلم ترضخ لتهديد الجبارين الطغاة، ولم تفتن عن دينها وهي تُحرق بالنار حتى تموت. فلقد تحررت هذه القلوب من عبوديتها للحياة، فلم يستذلها حب البقاء وهي تعاين الموت بهذه الطريقة البشعة، وانطلقت من قيود الأرض وجواذبها جميعًا، وارتفعت على ذواتها بانتصار العقيدة على الحياة فيها؛ لقد ارتفعت في حادث الأخدود أرواحُ المؤمنين وتحررت وانطلقت إلى ذلك الأوج السامي الرفيع الذي تشرف به البشرية في جميع الأجيال والعصور».

ويحلل سيد قطب هذا الموقف تحليلا بليغًا - وهو جدير بأن نمعن التفكير فيه، خاصة من أصحاب النظرة الضيقة - عندما يقول: «في حساب الأرض، يبدو أنّ الطغيان قد انتصر على الإيمان، وأنّ هذا الإيمان الذي بلغ تلك الذروة العالية في نفوس الفئة الخيرة الكريمة الثابتة المستعلية، لم يكن له وزن ولا حساب في المعركة التي دارت بين الإيمان والطغيان. ففي حساب الأرض تبدو هذه الخاتمة أسيفة أليمة، أفكهذا ينتهي الأمر وتذهب الفئة المؤمنة التي ارتفعت إلى ذروة الإيمان، تذهب مع آلامها الفاجعة في الأخدود، بينما تذهب الفئة الباغية ناجية؟ إنّ حساب الأرض يحيك في الصدر شيئًا أمام هذه الخاتمة الأسيفة، ولكن القرآن يعلّم المؤمنين شيئًا آخر، ويكشف لهم عن حقيقة أخرى، ويبصّرهم بطبيعة القيم التي يزِنون بها، وبمجال المعركة التي يخوضونها، وهي أنّ الحياة وسائر ما يلابسها من لذائذ وآلام ومن متاع وحرمان ليست هي القيمة الكبرى في الميزان، وليست هي السلعة التي تقرر حساب الربح والخسارة، وأنّ النصر ليس مقصورًا على الغلبة الظاهرة؛ فهذه صورة واحدة من صور النصر الكثيرة». ويصل سيد قطب رحمه الله إلى نتيجة أنّ في قصة الأخدود انتصرت أرواح المؤمنين على الخوف والألم، وانتصرت على جواذب الأرض والحياة، وانتصرت على الفتنة انتصارًا يشرّف الجنس البشري كله في جميع الأعصار.

لقد رأى سيد قطب اللوحة كاملة، ولم يقف عند جزئياتها فقط؛ لذا كان تحليله لقصة أصحاب الأخدود تحليلا شاملا. ومن المصادفات أني قرأت صورة مغايرة لرأي قطب عندما قرأتُ رواية «الإغواء الأخير للمسيح» لنيكوس كازانتزاكيس، فهو يتكلم في الرواية بلسان الحَبر الأعظم عن صورة صلب المسيح (كما يعتقدون) ويصف المشهد بأنّ الخيالة البرونزيين شكلوا دائرة حول الصليب، وفي الأسفل كان الناس ينفثون من الغضب ويتطاولون على رؤوس أصابع أرجلهم لتتاح لهم الرؤية، كانوا يرتجفون من عزم كربهم هل ستقع المعجزة أم لا؟ وكثير منهم راحوا يفتشون في السماء بانتظار أن تتفتح أبواب السماوات، بل إنّ النساء قلن إنهن تبين أجنحة متعددة الألوان في الجو، فيما كافح الحبر الراكع على كتفي الحداد العريضين ليتمكن من الرؤية من خلال حوافر الأحصنة وأردية الخيالة الحمراء، أراد الحبر أن يكتشف ما كان يحدث، لم يتكلم وانتظر.. «إنّ الحبر العجوز يعرف حقّ المعرفة ربَّ إسرائيل هذا، إنه عديم الرحمة، وله قوانينه الخاصة به، نعم كان يعطي كلمته وأوفى بها، لكنه لم يكن في عجلة من أمره؛ إنه يقيس الزمن بمقياسه الخاص، كانت كلمته تبقى على مدى أجيال وأجيال معلقة في الجو، عديمة الأثر، ولا تحل على الأرض، وحين كانت تهبط في آخر الأمر، فالويل الويل للرجل الذي يعهد بها إليه، كم من مرة وعلى امتداد الكتاب المقدس قُتل من اختارهم الرب، ولكن هل عمل الرب أيَّ شيء لإنقاذهم؟ لماذا؟ طرح الحبر العجوز هذه الأسئلة على نفسه، لكنه لم يجرؤ أن يتمادى في أفكاره بأبعد من ذلك، وقال في نفسه: إنّ الرب هوة سحيقة وأفضل ألا أقترب منه».

إنّ نظرة هذا الحَبر كانت قصيرة المدى وضيقة المجال، حينما كان يتحدث عن أنبياء بني إسرائيل الذين قُتلوا، بينما كانت نظرة سيد قطب نظرة شاملة وبعيدة المدى، وهو يقول عن هذه النظرة إنّ القرآن الكريم يروّض بها المؤمنين؛ لأنها تمثل الحقيقة التي يقوم عليها التصور الإيماني الصحيح.

وخلاصة الأمر نحن أمام نظرتين مختلفتين لأمر واحد؛ هناك فئة تؤمن بالنصر العاجل والدنيوي على حساب النصر الآجل والأخروي، وترى في كلّ التضحيات خسارة وفي كلّ هزيمة نهاية العالم، فيما تؤمن فئة أخرى بالتضحيات وبالنصر الأبعد مدى، وهو انتصار لا بد أن تصحبه الآلام، ومتى ما سلكنا طريق الفئة الثانية ستكون لنا الغلبة في الدين والدنيا والآخرة، وهو ما فعله الرعيل الأول من المسلمين، وما يفعله المخلصون لله - وإن كان يبدو أنّ طريق الفئة الثانية هو الأصعب - ولكن المسألة تحتاج إلى بناء جيل جديد يؤمن بهذا المسلك - وإن تأخر الزمن في تحقيق ذلك - ولكن المسألة بحاجة إلى زرع بذرة. ولكن المؤلم أنّ الفلسطينيين يقدّمون التضحيات، ولا نملك أن نساعدهم في شيء، نحن الذين نعيش تحت المكيفات في بيوتنا ومكاتبنا وسياراتنا، ويأتي البعض منا ليهاجم المقاومة التي تحارب عنا جميعًا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: سید قطب ما کان جمیع ا

إقرأ أيضاً:

وزير المالية يدشن الدفعة الثالثة من دورات “طوفان الأقصى” لمنتسبي الوزارة

يمانيون../
أكد وزير المالية عبد الجبار أحمد محمد، أن دورات “طوفان الأقصى” تمثل فرصة هامة لتطوير قدرات ومهارات المشاركين في ظل استمرار تهديدات الأعداء وتربصهم بالبلاد.

جاء ذلك خلال تدشين الوزير اليوم الدفعة الثالثة من الدورات المفتوحة لمنتسبي وزارة المالية، بحضور عضو هيئة رفع المظالم القاضي منصور العرجلي. وأوضح الوزير أهمية الاستعداد النفسي والذهني وتعزيز الروحية الجهادية، مشيرًا إلى أن هذه الدورات تسهم في تنمية المهارات التدريبية واكتساب الجاهزية لمواجهة أي طارئ.

وتطرق الوزير إلى ما تحققه القوات المسلحة اليمنية من ضربات نوعية ضد العدو في البحر، وصولاً إلى العمليات الاستباقية، معتبراً أن هذه الإنجازات تأتي نتيجة الروحية الإيمانية والجهادية، إضافة إلى التدريب والتأهيل المستمر الذي يمثل عاملاً جوهرياً في تحقيق الانتصارات.

وشدد عبد الجبار على أهمية الاستفادة القصوى من هذه الدورات من قبل الموظفين، مشيداً بحماسهم وإقبالهم على المشاركة، لافتاً إلى أن انخراط أبناء الشعب اليمني في مثل هذه البرامج التدريبية يعكس جاهزية المجتمع وقدرته على ردع أي تهديدات محتملة من الأعداء.

مقالات مشابهة

  • ضمن معركة "طوفان الأقصى".. 21 عملا مقاوما خلال 24 ساعة
  • تطورات اليوم الـ414 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • مقتل وإصابة 425 مريضاً وعاملاً صحياً في لبنان منذ طوفان الأقصى
  • تطورات اليوم الـ413 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • عمليات كتائب القسام في اليوم الـ412 من "طوفان الأقصى"
  • اختتام دورات “طوفان الأقصى” للكادر التربوي النسائي في مديريات طوق صنعاء
  • كيف يمكن تقييم عملية طوفان الأقصى بعد مرور عام عليها؟
  • تطورات اليوم الـ412 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • وزير المالية يدشن الدفعة الثالثة من دورات “طوفان الأقصى” لمنتسبي الوزارة
  • عمليات كتائب القسام في اليوم الـ411 من "طوفان الأقصى"