ضرورة تمويل الانتقال بسرعة إلى عالم أفضل
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
«العالم يحترق» هذه هي الجملة الافتتاحية في المجلد الثاني لتقرير يتناول تعزيز بنوك التنمية متعددة الأطراف. التقرير أعد بتكليف من مجموعة العشرين وصدر في مراكش هذا الشهر.
موجة الحر في العام الحالي تجعل «الاحتراق» الذي ورد في هذه العبارة أكثر من مجرد استعارة لغوية محضة. إلى ذلك، نحن نعيش في حقبة تحديات كبيرة وعجزٍ واضح عن مواجهتها.
اقترح المجلد الأول للتقرير والذي نشر في يونيو «أجندة ثلاثية» لبنوك التنمية متعددة الأطراف هي مضاعفة الإقراض السنوي ثلاث مرات إلى 390 بليون دولار بحلول عام 2030 وتبني «تفويض ثلاثي» يتمثل في القضاء على الفقر الحاد وتعزيز الازدهار المشترك والإسهام في السلع العامة العالمية، وأخيرا توسيع وتحديث نماذج تمويل بنوك التنمية متعددة الأطراف. (بنك التنمية متعدد الأطراف حسب موسوعة انفستوبيديا مؤسسة مالية دولية تنشأ رسميا بواسطة دولتين أو أكثر بغرض تشجيع النمو الاقتصادي في البلدان الأكثر فقرا - المترجم).
يوضح هذا المجلد (الثاني) بالتفصيل ما يعنيه المجلد الأول. إنه ببساطة يدعو إلى إصلاح كل جانب من جوانب عمل بنوك التنمية متعددة الأطراف. ويعني ذلك حجم مواردها وكيفية استخدامها لهذه الموارد والمخاطر التي تتحملها وعلاقتها بالقطاع الخاص، وهذه الدعوة للإصلاح مبررة. فالأداء الاقتصادي لبلدان نامية عديدة تدهور منذ الجائحة. وقفز عدد من يعيشون في فقر مدقع بحوالي 95 مليونا في الفترة بين 2019 و2022. في الأثناء، ما أنجز من عمل لم يكن كافيا للتخفيف من مخاطر المناخ.
في الواقع ليس من الممكن عمل ما يكفي من دون تعزيز التمويل المتاح للبلدان النامية بقدر كبير. نحن ببساطة علينا أن نعمل بشكل أفضل. لكن كل هذا سيحتاج إلى موارد ضخمة.
يقدر التقرير وجوب ارتفاع إجمالي الإنفاق السنوي لمثل هذه الأغراض في البلدان الصاعدة والنامية بحوالي 3 تريليونات دولار (من 2.4 تريليون دولار إلى 5.4 تريليون دولار) في الفترة بين 2019 و2030. وسيذهب معظم هذا المبلغ إلى بلدان الدخل المتوسط. فقط 1.2 تريليون دولار من هذه الزيادة سَيَفِي بأهداف التنمية المستدامة. وسيكون الباقي مطلوبا للإنفاق على أغراض تتعلق بالمناخ.
يشير التقرير بقدر من التفاؤل إلى أن ثلثي تدفق الموارد الإضافية يمكن أن يأتي من مصادر محلية والباقي من الخارج.
أخيرا يجب أن يأتي نصف هذه الموارد الأخيرة من مصادر خاصة، منها 320 بليون دولار قروض رسمية بشروط غير ميسرة و180 بليون دولار قروض رسمية ميسرة ومِنَح. وسيذهب نصف هذا المبلغ الأخير إلى بلدان الدخل المنخفض وما يقرب من كل الباقي إلى بلدان الدخل المتوسط الأدنى.
سيتوجَّب على بنوك التنمية متعددة الأطراف لعْب دور كبير في التمويل الخارجي الإضافي ليس فقط كمؤسسات مالية وسيطة وقنوات للأموال الميسَّرة ولكن كمحفزات للمزيد من التمويل الخاص.
بيد أن الارتفاع المرغوب لهذا التمويل الأخير بحوالي 500 بليون دولار لن يحدث من تلقاء نفسه. المشكلة الكبيرة هي أن القطاع الخاص يعتبر المشروعات الواعدة والمربحة محفوفة بالمخاطر ويعود ذلك أساسا إلى البلد الذي تنفذ فيه. فتصور ارتفاع مخاطر بلدٍ ما يفرض أسعارَ فائدة أعلى مما يزيد من المخاطر. وهذا الوضع يوجد حلقة مفرغة «لضعف الجدارة الائتمانية».
إذن ما المطلوب عمله بالضبط؟
أولا، يجب أن تبتعد بنوك التنمية متعددة الأطراف بشكل قاطع عن المشروعات الفردية وتتجه إلى البرامج مع تولي الحكومات الدور القيادي. ويمكن لهذه الأخيرة وحدها إيجاد بيئة السياسات التي سيأتي إليها التمويل الخاص. على الحكومات وحدها تقديم التنسيق المطلوب لضمان التحولات في مجال الطاقة والقطاعات الحيوية الأخرى.
بهذه الطريقة فقط يمكن أن يتضاعف حجم الإقراض حجما وتتزايد سرعته. ويوصي التقرير بإنشاء «منصَّات قُطْرية» لتنسيق زيادة التمويل الوطني والخارجي.
ثانيا، يجب أن ترتب بنوك التنمية متعددة الأطراف كيفية الارتباط مع القطاع الخاص غير المستعد في الوقت الحاضر لتحمل مخاطر التمويل الواسع النطاق والميسور التكلفة للبلدان الصاعدة والنامية.
هذه البنوك بحاجة إلى توظيف أذرع إقراضها الرسمية والخاصة لتحديد وإيجاد فرص استثمارية وتطوير سلسلة مشروعات واقتسام المخاطر مع القطاع الخاص. هذا يتطلب أدوات جديدة خصوصا ضمانات أكثر فعالية ليس أقلها ضد مخاطر الصرف الأجنبي.
ويبدو أن إمكانية توسيع وكالة ضمان الاستثمار متعدد الأطراف التابعة للبنك الدولي جديرة بالاهتمام. ومن المهم بوجه خاص أن بنوك التنمية متعددة الأطراف بحاجة إلى تعزيز قدرتها (وأيضا صندوق النقد الدولي) لمساعدة البلدان على التكيف مع الصدمات.
ثالثا، يجب زيادة تمويل بنوك التنمية متعددة الأطراف إلى ثلاثة أضعاف كما ذكر إلى 390 بليون دولار سنويا (300 بليون دولار غير ميسرة و90 بليون دولار ميسرة). اليوم بالمقارنة يقترب إقراض هذه البنوك للبلدان النامية متوسطة الدخل من الصفر وأحد أسباب ذلك ارتفاع أسعار الفائدة. ولكي يحدث هذا يجب أن تستخدم بنوك التنمية متعددة الأطراف موازناتها بقدرٍ أكبر من الفعالية ويشمل ذلك استخدام أدوات جديدة. لكن هنالك حاجة أيضا لزيادة كبيرة في رأس المال الرسمي.
إضافة إلى ذلك يشير التقرير المذكور إلى إمكانية تأسيس «آلية تمويل للتحديات العالمية» كمنصة لتمكين صناديق الثروة السيادية والمؤسسات الخيرية والمستثمرين في الأثر الاجتماعي والبيئي الإيجابي، وربما حتى الشركات من تقديم موارد إضافية. وسيكون من الضروري أيضا إتاحة قدر أكبر من التمويل الميسَّر لبلدان الدخل المنخفض وبعض بلدان الدخل المتوسط التي لا يتيسر لها الاقتراض التقليدي.
المِنَح المالية على أية حال مبررة عندما يُطلب من البلدان الفقيرة القيام باستثمارات مفيدة للكوكب. ويجب أن تحصل على مقابل لحمايتها بالوعات الكربون كالغابات.
إذا لم تكن بنوك التنمية متعددة الأطراف قد أُسِّست سلفا لصار لزاما علينا أن نخترعها الآن. لحسن الحظ أنها موجودة. لذلك يجب أن نستخدمها. لكن على بلدان الدخل المرتفع أن تفعل ذلك وهي مدركة بأن جزءا كبيرا مما ترغب في تمويله في البلدان الصاعدة والنامية ليس لفائدتها فقط ولكن أيضا للتقليل من الأخطار التي أوجدتها هي نفسها إلى حد كبير. هذا يعني وجود مبرر عملي وأخلاقي للمسارعة إلى التمويل والسخاء في ذلك.
التحول المُوصى به لبنوك التنمية متعددة الأطراف جريء ومعقول معا. وعلى القادة العقلاء أن يسعوا إلى تحقيق ذلك.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بنوک التنمیة متعددة الأطراف یجب أن
إقرأ أيضاً:
ما هي مصادر تمويل الجماعات المتطرفة في الدول الأفريقية؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تستغل الجماعات المتطرفة والإرهابية العديد من المصادر المختلفة في تمويل أنشطتها التخريبية والتدميرية في البلاد الأفريقية التي تنتشر بها، وتعمل الجهات الأمنية الدولية على عرقلة ومنع تمويل أنشطة الجماعات المتطرفة لوقف تنامي الإرهاب في الدول الأفريقية.
في نيجيريا مثلا فإن الجماعات المتطرفة والمتمردة تعمل على تعزيز مصادرها المالية من خلال سرقة الماشية، واختطاف النساء لطلب الفدية، وابتزاز المزارعين وسرقة بعض المحاصيل، والاستيلاء على مناجم الذهب الحرفية، إذ فرضوا بعض الجبايات على عمال المناجم، كما سيطروا على بعض المناجم ونهبوها،
وتفيد بعض التقارير أن جماعات متطرفة على علاقة بتنظيم داعش الإرهابي عملت على الاستفادة من قاطعي الأشجار وبائعي الخشب، إذ تسيطر الجماعات على مناطق الغابات فتعمل على تهريب الأخشاب وبيعها للاستفادة المباشرة من أموالها المساعدة في الأنشطة الإرهابية.
وعلى الرغم من أن موزمبيق كانت قد فرضت حظرا على تصدير الأخشاب منذ العام 2017، لكن هذا لا يمنع أن الجماعات تمكنت من بيع كميات هائلة من الخشب المحظور.
وأفاد تقرير نشره معهد دراسات الحرب الأمريكي Institute for the Study of War بأن تنظيمي القاعدة وداعش عملا على زيادة نفوذهما في منطقة الساحل الأفريقي من خلال زيادة روابطها مع الشبكات الإجرامية المحلية والتي تنشط في منطقة الصحراء الكبرى، مؤكدا أن التعاون المشترك بين الجماعات الإرهابية والمجموعات الإجرامية المتخصصة في الإتجار بالبشر والتهريب يزيد من نفوذ التنظيمات الإرهابية ويجعلها أكثر خطرًا.
ولفت التقرير في الوقت نفسه إلى أن العديد من الهجمات الإرهابية التي وقعت في مالي والنيجر، وزيادة نشاط المجموعات الإرهابية يعود إلى انسحاب قوات فرنسية وأمريكية من مواقعها.
وبحسب التقرير فإنه "من المؤكد أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وجماعة الدولة الإسلامية في ولاية بورنو تتعاونان مع جهات فاعلة محلية كنقطة دخول لتوسيع مناطق عملياتهما.
ونقلا عن موقع "الانتربول" فإن شل حركة تمويل الجماعات الإرهابية ضرورة لا غنى عنها لتقويض أنشطتها، وأنه يمكن استغلال أي جريمة تعود بالأرباح لتمويل الإرهاب، وهذا يعني أن البلدان قد تواجه مخاطر تمويل الجماعات الإرهابية وإن كان خطر وقوع اعتداء إرهابي فيها ضئيلاً.
ووفقا للانتربول فإن من مصادر تمويل الجماعات الإرهابية نذكر مثلاً لا حصراً الأفعال الاحتيالية الصغيرة والاختطاف طلباً للفدية واستغلال المنظمات غير الربحية والاتجار غير المشروع بالسلع كالنفط والفحم والماس والذهب وأقراص "الكابتاجون" المخدّرة والعملات الرقمية.
وأوضح الانتربول أنه من خلال تقويض حركة أموال الجماعات الإرهابية وتكوين فهم عن تمويل اعتداءات سابقة، نستطيع أن نساعد في منع وقوع اعتداءات أخرى في المستقبل.