الدوافع الخمسة الرئيسية لعدم اليقين الاقتصادي العالمي
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
لقد كانت الشركات والحكومات والمستثمرون يواجهون بالفعل مشهدا عالميا ضبابيا قبل الأحداث المأساوية المتعاقبة في الشرق الأوسط، لكن العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي نتج عنه بالفعل معاناة هائلة وأودى بحياة الآلاف من المدنيين بما في ذلك العديد من الأطفال كان سببًا في إضافة عنصر جديد من عناصر عدم اليقين بالنسبة للاقتصاد العالمي وهو موضوع مقالي هذا، وحتى في ظل حصول تحسن سريع في الوضع الجيوسياسي بالمنطقة وخارجها وهي احتمالية بعيدة جدًا، فسوف يظل هناك شعور عميق بعدم اليقين، مدفوعًا بخمسة عوامل اقتصادية ومالية.
أولا: تتعرض محركات النمو الرئيسية للاقتصاد العالمي حاليا لضغوط شديدة، ومع وجود أوروبا على حافة الركود وتعثر الصين، برز الاقتصاد الأمريكي باعتباره المحرك الرئيسي للنمو العالمي، ولقد أصبح هذا واضحا بشكل خاص في الربع الثالث من عام 2023 حيث كانت تقديرات النمو في الولايات المتحدة مثيرة للإعجاب مجددا، ولكن حتى توقعات النمو في أمريكا غير مؤكدة، فعلى مدار الأشهر الخمسة عشر الماضية، كان إجماع المحللين حول اتجاه الاقتصاد الأمريكي يتأرجح بشكل كبير بين أربعة سيناريوهات: الهبوط الناعم والهبوط الحاد والهبوط الاصطدامي وعدم الهبوط. وعلى الرغم من أن وجهة النظر السائدة الآن هي أن الولايات المتحدة تتجه نحو هبوط ناعم، فإن التوقعات قد تتحول إلى هبوط حاد خلال الأسابيع المقبلة، عندما يصبح من السهل جدا أن يتغير الحديث عن النمو في أكبر اقتصاد في العالم بمؤسساته المتطورة وقاعدته الإنتاجية المتنوعة، فليس من المستغرب أن تصبح حالة عدم اليقين في بقية العالم أكثر وضوحا، فبدلا من أن تكون التوقعات العالمية أشبه بالتوزيع الطبيعي للنتائج المحتملة أي على شكل جرس بقمة واحدة وذيول نحيفة، تبدو تلك التوقعات أشبه بتوزيع متعدد الوسائط مع ذيول سميكة على الجانبين، مما يشير إلى ارتفاع احتمالية وقوع أحداث شديدة، ولكن على الجانب الإيجابي وكما أشرت أنا وجوردون براون ومايكل سبنس وريد ليدو في كتابنا الجديد «الأزمة الدائمة»، فإن التقدم الذي تم إحرازه في مجالات الذكاء الاصطناعي التوليدي وعلوم الحياة والطاقة النظيفة لديه القدرة على تعزيز الإنتاجية ونمو الناتج المحلي الإجمالي المحتمل بشكل كبير.
أما على الطرف الآخر من التوزيع، فإن هناك خطرا يتمثل في أن تؤدي مجموعة من الحلقات المفرغة إلى تفاقم التأثيرات المتتالية.
ثانيا: إن الرحلة نحو هذا المستقبل الغامض محفوفة بالمخاطر، يتمثل الخطر الأكثر إلحاحًا في الارتفاع الأخير في تكاليف الاقتراض العالمية مع تكيف الأسواق مع احتمال قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وغيره من البنوك المركزية الكبرى بالحفاظ على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، وذلك بعد أن رفعت أسعار الفائدة بقوة -ولو متأخرًا- لمواجهة اتجاهات التضخم التي أخطأت في تشخيصها في البداية.
ثالثا: يؤدي استمرار هذه التوقعات المتعلقة بأسعار الفائدة إلى زيادة خطر الركود والاضطرابات في الأسواق المالية، لقد شهدنا علامات مبكرة على ذلك في شهر مارس عندما أدى سوء إدارة الميزانيات العمومية والخلل في الإشراف المصرفي إلى فشل بعض البنوك الإقليمية في الولايات المتحدة الأمريكية.
رابعا: إن الاقتصاد العالمي والأسواق المالية الرئيسية مثل أسواق سندات الحكومة الأمريكية التي تعد بمثابة مرجعية تفتقر الآن إلى المرتكزات الرئيسية من قمة الهرم إلى أسفله مثل زخم النمو والثقة في إشارات صنع السياسات وتحقيق الاستقرار في التدفقات المالية. ومع تزايد خضوع أدوات السياسة الاقتصادية للاعتبارات السياسية والجيوسياسية، فإن آفاق النمو العالمي الضعيفة بالفعل قد تتدهور. تواجه السياسة النقدية تهديدا لمصداقيتها وشكوكا هيكلية حقيقية بشأن مستوى توازن أسعار الفائدة مع التأثيرات المتأخرة المترتبة على دورة رفع أسعار الفائدة المكثفة بشكل ملحوظ، وعلاوة على ذلك، فإن تقلص الموازنات العمومية للبنوك المركزية وغياب إطار فعّال يتعلق بالسياسات يؤدي إلى تفاقم التحدي المتمثل في تحديد أهداف التضخم الصحيحة ضمن اقتصاد عالمي يتسم بوجود عرض لا يتمتع بالقدر الكافي من المرونة. وفي ظل العجز المتزايد وارتفاع أقساط الفائدة، هناك أيضًا سؤال حول من سوف يستوعب الارتفاع الكبير في إصدار الديون الحكومية، ولأكثر من عقد من الزمان، كان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي المشتري الأكثر موثوقية للسندات الحكومية الأمريكية وذلك بسبب قدراته التي يبدو أن لا حدود لها على طباعة الأموال وحساسيته القليلة عندما يتعلق الأمر بالسعر، ولكن بعد أن اضطره التضخم وغير ذلك من التجاوزات إلى التحول من التيسير الكمي إلى التضييق الكمي، فقد أصبح بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الآن بائعا صافيا يمكن الاعتماد عليه كما يبدو أن المشترين الدوليين قد أصبحوا أكثر حذرًا كذلك، ويرجع ذلك إلى حد ما إلى التوترات الجيوسياسية. علاوة على ذلك، فقد تراكمت بالفعل لدى العديد من المؤسسات الاستثمارية المحلية مثل صناديق التقاعد وشركات التأمين حيازات كبيرة من السندات مما أدى إلى تكبدها خسائر كبيرة بحسب سعر السوق. وفي غياب هذه المرتكزات الاقتصادية والتقنية وتلك المتعلقة بالسياسات، يصبح الاقتصاد العالمي وأسواق رأس المال أشبه بالقوارب التي تسير في بحر متلاطم الأمواج بحيث لا يمكن التنبؤ به، ويقودنا هذا إلى المحرك الخامس لعدم اليقين العالمي: الاستجابة غير الكافية للأزمات الطويلة الأجل مثل تغير المناخ واتساع عدم المساواة الاقتصادي، وكلما طال انتظارنا لمعالجة هذه المشاكل زادت التكاليف التي سندفعها في نهاية المطاف. إن تصرفاتنا غير الكافية اليوم تضمن أننا سنواجه عقبات اقتصادية وسياسية أكثر تعقيدًا في المستقبل، وكما أشرنا في كتاب «الأزمة الدائمة»، فقد تشكل عالم اليوم بفعل ثلاثة إخفاقات مستمرة: العجز المتكرر عن تحقيق نمو ثابت وشامل يحترم كوكبنا أيضًا والأخطاء المتكررة المتعلقة بالسياسات المحلية والافتقار المستمر إلى التنسيق الفعّال للسياسات العالمية في وقت تتطلب التحديات المشتركة العمل الجماعي. لقد كانت لكل هذه الإخفاقات تداعيات اقتصادية ومالية ومؤسسية واجتماعية وسياسية وجيوسياسية عميقة، هذه هي الأخبار السيئة، أما الخبر السار فهو أنه لدينا القدرة على حل هذه المشاكل وتحويل حلقات اليوم المفرغة إلى حلقات حميدة، ولكن من أجل تنفيذ التحولات الكبرى المطلوبة لتحقيق هذا الهدف، نحتاج إلى قيادة سياسية لديها رؤية مستقبلية على المستوى الوطني وزيادة الوعي العالمي بالتحديات المشتركة التي نواجهها، وفي غياب مثل هذه القيادة، فإننا نجازف بأن نترك لأبنائنا وأحفادنا عالما يعاني من عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي والاضطرابات السياسية الداخلية بالإضافة إلى الاضطرابات الجيوسياسية.
محمد العريان رئيس كلية كوينز بجامعة كامبريدج، وأستاذ بكلية وارتون بجامعة بنسلفانيا ومؤلف كتاب «اللعبة الوحيدة في المدينة: البنوك المركزية، وعدم الاستقرار، وتجنب الانهيار التالي».
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أسعار الفائدة عدم الیقین
إقرأ أيضاً:
لجنة الحكام الرئيسية توضح حقيقة تصريحات ياسر عبد الرؤوف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تابعت لجنة الحكام الرئيسية برئاسة ياسر عبد الرؤف باهتمام بعض ما تم تداوله ونشره عبر المنصات الإعلامية المختلفة، من تصريحات منسوبة لرئيسها أو لأعضائها، متضمنه آراء شخصية في بعض الحالات التحكيمية، أو قرارات إيقاف لبعض الحكام، أو مناقشات تمت مع حكام الجولة الثالثة لدوري NILE.
وتنفي لجنة الحكام جملة وتفصيلاً كل ما يثار حول تلك الموضوعات، وتؤكد على ما جاء في البيان الأول للجنة، بأن أي خبر أو معلومة تخص الشأن التحكيمي ستكون من خلال الموقع الرسمي للاتحاد المصري لكرة القدم فقط.
كما تؤكد اللجنة على احترامها الكامل للسادة الإعلامين شركاء تطوير المنظومة الكروية بشكل عام والتحكيمية بشكل خاص.
وتهيب لجنة الحكام ببعض الإعلاميين التأكد من المعلومة أو الخبر من مصادرها الرئيسية.